}

علم الأعصاب والسينما... فيلم التحريك "خلايا يو- مي" مثالًا

سمير رمان سمير رمان 5 أغسطس 2024
تغطيات علم الأعصاب والسينما... فيلم التحريك "خلايا يو- مي" مثالًا
ملصق فيلم التحريك الكوري الجنوبي "خلايا يو ــ مي"

تعرض دور السينما هذه الأيام فيلم الرسوم المتحركة الكوري الجنوبي "خلايا يو ــ مي/ Yumi’s Cells" من بطولة الممثلة الكورية كيم تا شي، وهو نوعٌ من الألغاز التي تحيّر البالغين، ويحاول على الشاشة تصوير العالم الخارجي الذي يعيشه سكان المدن الكبرى البالغين الثلاثين من العمر.
نتيجة علاقة فاشلة مرّت بها، تتعرّض يو- مي لصدمة عاطفية قاسية، أدخلت خلايا دماغها في غيبوبة. يتابع الفيلم نمو يو ــ مي، وتغيّرها، مع الوقت، حيث تستيقظ خلايا دماغها من جديد بفضل زملائها في العمل، وبفضل شابّ مطوّرٍ لألعاب الفيديو يدعى غو وونغ، الذي يعمل على تطوير خوارزمية بسيطة ليوقظ خلايا الحبّ في دماغ يو ــ مي عبر شخصيته البسيطة والرائعة. تعمل يو ــ مي مصممة إعلانات في إحدى شركات المعكرونة، وتعيش حياةً عادية جدًا. تبقى في العمل إلى وقتٍ متأخرٍ، وتشعر بالقلق بشأن دفع الفواتير، وتراقب خلسةً زميلًا لطيفًا في الشركة، وتتذكّر أحيانًا حلم طفولتها الذي كان يراودها في أن تصبح يومًا ما كاتبة، ذلك الحلم الذي كان عليها أن تؤجلّه بعض الوقت بسبب اضطرارها إلى القيام بأعمال أكثر "واقعية" تتطلبها حياة البالغين. مع كلّ هذه المشاعر والمعاناة، تتفاعل مئاتٌ، إن لم يكن آلاف الكائنات الدقيقة "الخلايا الدماغية"، التي تسكن عالم يو ــ مي الداخلي. تحزن هذه الكائنات لحزن يو، وتفرح وتبتهج لفرحها، وتخوض في كثيرٍ من الأحيان نقاشاتٍ حامية الوطيس عندما يكون على سيدتهم اتخاذ قراراتٍ مفصلية في حياتها.




بالطبع، سيكون أول ما يخطر في بال مشاهد الفيلم خارج حدود كوريا الجنوبية هو فيلم الرسوم المتحركة "Puzzle" لاستديو شركة الإنتاج Pixar، الذي حطم الجزء الثاني منه الأرقام القياسية في شباك التذاكر في دور السينما العالمية. إلا أنّ فيلم "خلايا يو - مي" في حقيقة الأمر مصمّم على أساس مسلسل مخصّص للعرض على الإنترنت، كان كتبه ورسمه الفنان لي دونغ غون، الفنان الذي كان قد بدأ نشره على منصة أون لاين Naver، حتى قبل صدور أول حلقة من "Puzzle" في نيسان/ أبريل عام 2015، والذي استمر لغاية نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020. ومن ثمّ، وعلى أساسه صوّر مسلسل تلفزيوني يجمع ما بين الرسوم المتحركة وبين حركة الممثلين الحيّة (بيعت حقوق النشر في أكثر من 160 دولة)، واليوم يعرض في دور السينما على شكل فيلم كامل من الرسومٍ المتحركة، ليعيد رواية القصّة الأصلية بشكلٍ موسّع، ويواصلها.
وبالمناسبة، يمكننا هنا استحضار المسلسل الكوميدي الأميركي "رأس هيرمان/ Herman's Head" (1991 ــ 1994)، الذي عرض على شاشات كثير من تلفزيونات العالم. كان بطله كاتبًا ناشئًا طموحًا يعمل مدققًا في إحدى دور النشر، وكان يتصارع في رأسه، أو يتحد في دفقٍ واحد: الذكاء، الخوف، الشفقة، والرغبة. غير أنّ الأشياء المشتركة بين يو- مي وبطلة فيلم "Puzzle" أكثر بكثير من الأشياء المشتركة بين هيرمان مع الفتاة القاصر (رايلي).
في البداية، يو ــ مي فتاة ناضجة، وكذلك همومها. ولذلك نرى ضمن خلايا جسدها، على سبيل المثال، البخيل الذي يحصي دخلها ونفقاتها، والمفتش الذي يحلّل مختلف المواقف. أمّا بالنسبة للإلهام، فهنالك خليّة (كاتبة) منفصلة بذاتها تأخذ على عاتقها كامل المسؤولية، ولرغبة التسوق هنالك خلية "التسوق/ Shopping"، تتولى السيطرة على نزعات التسوق غير المنضبطة. أمّا القلق، الذي لم تعرفه رايلي، التي كانت تكبر، إلا في الجزء الثاني من "Herman's Head"، فإنّه يلعب في رأس يو ــ مي أحد أهمّ الأدوار، ويحدد لدرجةٍ كبيرة أحداث الفيلم. في هذه الأثناء، لا ينسى المؤلفون الكوريون كم هي مهمّة للجسم الشهيّة الطيبة، والرغبة الجنسية السليمة: فقد خصصت يو ــ مي لكلٍّ منها خلايا خاصّة.




على الرغم من ذلك، يبقى الحب الأكثر أهميةً في رأس يو ــ مي. ولا يشمل مجال مسؤولية الحبّ فقط علاقة البطلة مع صديقها با ــ بي/ Ba-Bi، الشابّ المثالي لدرجةٍ يبدو معها شخصيةً أكثر روعةً من كلّ الخلايا مجتمعةً، ولكنه أيضًا أكثر روعة من تصورات يو ــ مي العامة عن العالم من حولها، وعن تصورها لنفسها بالذات. يقوم الحبّ بإرشاد الخلايا الأُخرى، ويساعدها في المواقف الأكثر صعوبةً وتعقيدًا، ولكن عندما ينفصل با ــ بي، ويو ــ مي، يتحوّل الأمر إلى كراهيةٍ، ويسبّب دمارًا في رأس صاحبها يحاكي نهاية العالم بكارثةٍ نوويّة.
بغضّ النظر عن المواضيع والقضايا التي تهمّ الكبار بالدرجة الأولى، بدا فيلم الرسوم الكاريكاتورية ساذجًا تمامًا، وفي بعض الأماكن، خاصّة في المشاهد الرومانسية بين يو ــ مي، وبا ــ بي، التي كانت مكثفةً بشكلٍ لا يطاق تقريبًا. بالطبع، تلعب الرسوم المتحركة "kawaii" الغنيّة بالألوان الوردية الأنثوية دورًا مركزيًا في خلق هذا الشعور. بيد أنّ المؤلفين يبدون بعض الشجاعة، على سبيل المثال، الانخراط في محادثاتٍ صريحة حول الاكتئاب، وهو الأمر الذي لا يزال غير مقبولٍ في الثقافة الكورية الجنوبية، أو مثل طرح فكرة أنّ العلاقات الرومانسية ليست شرطًا رئيسيًّا، أو حتى ضروريًا لبلوغ السعادة. والأهمّ من ذلك بكثير هو إدراك الذات الذي تحققه يو ــ مي من خلال قرارها بترك وظيفتها التي كانت تبغضها من أعماق قلبها، وعملها من جديد على تحقيق حلم طفولتها في أن تصبح كاتبة. يعمل المؤلفون على تنشيط حبكة الفيلم البسيطة من خلال مشاهد من الحياة الداخلية كتبت بروحٍ من الدعابة المحبّبة، على سبيل المثال، اتخاذ الخلايا قرارًا في ما إذا كان يتوجب على مالكتها يو ــ مي أن تستقيل، أو أنّ عليها الانتظار ريثما تنفلت صرخة الروح مدويّةً.
ربما، هنا، بالتحديد، سيرى أكثر المشاهدين تشاؤمًا أنفسهم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.