}

رحيل ميثم الجنابي.. كان همّه فرز العقلي عن الخرافي

 

توفي مؤخرًا أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة موسكو الدكتور ميثم الجنابي متأثرًا بإصابته بجائحة كورونا ليفقد الوسط البحثي العلمي واحدًا من الذين أثروا المكتبتين العربية والروسية بالكثير من المؤلفات والدراسات في العديد من القضايا الدينية والاجتماعية لتصل الى أكثر من 42 كتابًا.

الدكتور الجنابي من مواليد مدينة النجف عام 1955، دخل جامعة موسكو الحكومية عام 1975 ليحصل على شهادتي البكالوريوس ثم الماجستير عام 1981، وفي عام 1985 حصل علي دكتوراه بالفلسفة، وفي عام 2000 نال رتبة الأستاذية، وأصبح  رئيسًا لمركز الدراسات العربية في الجامعة الروسية، ورئيس تحرير مجلة (رمال) والتي تعنى بالشؤون الروسية والعربية في مجال التاريخ والأدب والفلسفة والفن والسياسية وتصدر باللغة العربية إضافة إلى أنه كان رئيس تحرير الكتاب السنوي المعني بالدراسات العربية في موسكو باللغة الروسية، فضلًا عن عضويته في المجالس العلمية.

له أكثر 42 مؤلفًا بدأها بكتاب (التراجيديا السياسية للطوباوية الثورية 1990) و(علم الملل والنحل- ثقافة التقييم والأحكام 1994) و(الإمام علي بن أبي طالب- القوة والمثال 1995)، فضلًا عن كتاب (الإسلام السياسي في روسيا 1999)، وكذلك كتب (الغزالي، باللغة الروسية، 2000) و(الإسلام السياسي في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية 2001) و(روسيا - نهاية الثورة2001) و(اليهودية الصهيونية في روسيا وآفاق الصراع العربي اليهودي 2003).

وقال الباحث في الفكر الديني ورئيس "مؤسسة المثقف" ماجد الغرباوي إن الغزارة والنوعية الرفيعة في كل ما كتب ونظّر، من تراث فكري ضخم ورفيع في ميادين متقاربة كالفلسفة والتاريخ والسياسة والتراث، صفة يتصف بها منجز الجنابي، وجميعها يقع ضمن تخصصه. ويصف طريقته بالكتابة في التنوع فيقول إنه "يكتب بذات المنهجية النقدية، التي تتحرى خلفيات الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية لينتهي في ضوء ثرائه المعرفي وقدراته النقدية إلى نتائج مهمة، لذا يوظف لغة عالية، ربما كانت السبب وراء الحد من انتشار آرائه، غير أنه عدل عن ذلك في السنتين الأخيرتين، وراح يكتب ببيان عربي جميل"، مشيرًا إلى أن الراحل نشر على موقع المثقف أكثر من 700 دراسة مهمة في تخصصها. وذكر الغرباوي أن الراحل له موسوعة قدم فيها "مراجعة للفكر العربي والإسلامي وتعد من الأعمال النقدية المهمة حول النهضة العربية، طرح خلالها بدائل لتقويم مسارها، وكان همّه الأول الوقوف على الحقيقة، وفرز ما هو عقلي عما هو خرافي في الفكر العربي والإسلامي، والتأكيد على القراءات الإنسانية، وهو يرى أن النهضة تبدأ من هنا".


وقال الأكاديمي والباحث الدكتور علي حسين يوسف إن رحيل الجنابي خسارة للثقافة العربية المعاصرة. وأضاف أن الراحل لم يترك قضية من قضايا الفكر العربي والإسلامي إلّا وله فيها كتاب أو دراسة فقد كان باحثًا تقدميًا مثابرًا مكثرًا مدقّقًا. ولأن الراحل شغلته الموضوعة الفلسفية والفكر والتاريخ والدين وحتى التيارات الدينية الحديثة في العراق كما في كتابه (الحركة الصدرية ولغز المستقبل 2012) فقد كتب كل ذلك، كما يقول الدكتور يوسف، بنفس فلسفي وبروح بحثية شجاعة وموضوعية دونما مساومة أو ادعائية، فقد كان أبعد الناس عن ترويج نفسه في وسائل الإعلام، بل كان يتعمد الابتعاد عن الأضواء وبهرجتها. وبرأي الدكتور يوسف تميّز الراحل "بأسلوبٍ كتابي متفّرد يجمع بين اللغة الواضحة السلسة، وبين الحرفية الأكاديمية في معالجته لقضايا الفكر السياسي"، كاشفًا عن اهتمام الراحل بالتصوف وبأنه مارسه عمليًا وكتب في ذلك كتابين مهمين: الأول من أربعة أجزاء وهو مؤلفه (التآلف اللاهوتي الفلسفي الصوفي) وصدر عام 1989 والآخر (حكمة الروح الصوفي) في جزأين. 


صفات متعددة

وقال الأكاديمي والباحث الدكتور محمود محمد علي إن الجنابي استطاع أن يكون له في كل مجتمع صوت، وفي كل ناد رأي، وفي كل صحيفة بحث، حتى اشتهر أمره، وذاع ذكره في روسيا وسائر الأقطار الأوروبية والعربية، وهو عالم وكاتب يملأ مقاله من قوة الحجة آيات بينات، وسياسي وطني صادق العزم. وعن تعددية الكتابات لدى الراحل يقول الدكتور علي إن الكثيرين يعيبون عليه أنه كان يوزع جهده في مائة ناحية وناحية في مجالات ثقافية مختلفة، من فلسفة إلى سياسة، إلى اجتماع، إلى دين وتاريخ.. إنه باقة من الجهود الزكية ولم يدركوا أنه مكتبة واعية متحركة وسجل لكل ما يقرأ ويشاهد، وهو أشبه بجامعة في رجل. ويصف هذه الكتابات بأنها لكون الراحل كالنحلة لا يكل دأبًا وعملًا، والناس يلتفون حوله فيقطفون عسلًا. وبحسب وصفه فإن الراحل كان وما زال يمثل لنا نموذجًا فذًا للموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره وهو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.