}

رحيل مكّي عواد: فنان الضحكة الواسعة

كان حتى وقتٍ قريبٍ يناشد أن يعيدوا له راتبه التقاعدي، ويعينونه على مواجهة مرض السكري، مثلما كان ينادي الشعب أن يتوحّد وأن يحبّ بعضه البعض. إنه الفنان مكّي عواد (1954-2024) الذي رحل عن الدنيا، بعد عودته من الولايات المتحدة التي هاجر إليها بعد عام 2003 إبان الغزو الأميركي للعراق، ولكنه ظلّ هناك، كما هو في العراق، الفنان الذي يثير حوله الكثير من المشاكسات بسبب تصريحاته ومواقفه التي يعدّها البعض هروبًا من الماضي، والبعض الآخر يعدّها تملّقًا، لكن هناك فئةً تعد الأمر صورةً لواقع الفنان العراقي الذي يعيش في زمنٍ لا رعاية فيه لكلّ حملة الإبداع، نتيجة للظروف التي مرّت وتمرّ على العراق.

مكّي عواد صاحب تاريخٍ كبيرٍ في الفن العراقي على كلّ مستويات الفن التمثيلي، مسرحًا وتلفزيونًا وسينما. وهو شقيق الفنان الراحل كريم عواد الذي شكّل علامة فارقة في الفن العراقي هو الآخر. مكّي لديه 42 فيلمًا سينمائيًا وأكثر من 60 مسلسلًا تلفزيونيًا وأكثر من 72 مسرحية ومائة مسلسل إذاعي، من أشهر أعماله التي يتذكّرها الجمهور: مسرحية (بيت وخمس بيبان) التي تعد المسرحية الأطول عرضًا إذ استمرّت لمدةّ تزيد على سبع سنوات، كما كان له الامتياز في فيلم (عالم الست وهيبة) وفيلم (بابل حبيبتي) ومسلسل (الباشا)، ولقّب بفنان الضحكة الواسعة الذي يدخل الفرح في نفوس مشاهديه. نال عددًا من الجوائز العراقية والعالمية، منها الجائزة العالمية في مهرجان الطفولة العالمية بحضور لجنة تحكيم من أربع دول هي أميركا والسويد وتونس ومصر عن دوره في فيلم (حرية)، وحصد كذلك الجائزة الأولى في مهرجان البحر الأبيض المتوسّط بمشاركة 57 دولة عن مسرحية (بيت وخمس بيبان)، ونال جائزة مهرجان القاهرة كأفضل ممثلٍ عن دوره في مسلسل (عالم الست وهيبة).

نعي مقتضب

نقابة الفنانين نعت رحيل الفنان ببيانٍ مقتضبٍ، مثلما نعته رابطة الفن العراقي العربي التي يعد هو عضوًا فيها وقالت إن فنان الشعب رحل بلا وداعٍ وأنه "أبو المواقف المشرفة".

طوال السنوات الأخيرة ظلّ مكّي عواد يناشد في كلّ لقاءٍ إعلامي وصحافي بإعادة راتبه التقاعدي، لكن لا شيء حصل كما ذكر أحد أقاربه في لقاءٍ عبر إحدى الفضائيات. حتى حين عاد إلى العراق سكن في بيتٍ من الإيجار وقال إنه ضحّى من أجل العراق وقدّم الكثير لكنه مات يحمل حسرةً بلا رعاية.

يقول عنه الكاتب ومدير تحرير جريدة (المدى) علي حسين إن الراحل ممثّل كوميدي من طرازٍ خاص، فهو موهبةٌ كوميديةٌ ثرية، ممثلٌ بالفطرة برغم أنه عزّز هذه الفطرة بالدراسة. وأضاف: إذا تحدّثنا عن كبار المضحكين في المسرح العراقي، علينا أن نضع مكّي عواد في قلب الصورة، فقد لفت إليه الأنظار في مسرحية (بيت وخمس بيبان) عندما أدّى دور شهاب، العاطل عن العمل الذي يمارس الاحتيال على الآخرين، وهذه المسرحية كانت البدايات المؤثّرة التي وضعته في الصفوف الأمامية. وأفاد أن الراحل من الممثّلين الذين يجد المخرج نفسه مضطرًّا لأن يترك له حرية الأداء والارتجال، لكن مشكلته أنه لم يعرف كيف يدير موهبته،  ولم يقدّم إلّا القليل من قدراته كممثّل، مستدركًا أنه سيبقى أحد أبرز الكوميديين في تاريخ الدراما العراقية، وصاحب ابتسامةٍ لا تنسى أبدًا، مشيرًا إلى أنه رحل وبقيت ضحكته التي كانت تخرج من قلب بسيط محب للناس.

الكاتب صباح ناهي عبّر عن أسفه لهذا الرحيل، مثلما عبّر عن امتعاضه لحالة الحزن التي انتابت الجميع بعد رحيله. وأضاف: صرخ بما يكفي، ليعلن قرب نهايته، استنجد بكلّ الأصدقاء- الأعداء، ناشد كلّ من يعرفهم، ولا يعرفهم لينجدوه، وتلقّى شتيمتهم وتأنيبهم لأنه قال محتاج نخوتكم، لتوفير العلاج... أقسم بأغلظ الإيمان بأنه يحتضر، حتى جلس في الشوارع ليتسوّل العلاج والدواء، دون جدوى، وذكر أن زملاءه في الفن ممن أسماهم رفيعي المستوى كانوا الأقسى عليه، وأخذوا يؤلّبون عليه السلطة، ويثيرون نقمة المجتمع ويحثّونهم ويحملونهم مسؤولية مساعدة زميلهم "المارق"، دون رحمة، دون مروءة، وكأنه خارج عن القانون، خارج عن طاعتهم، يتمنّون خروجه من الدنيا بأي وسيلةٍ حتى رحيله قبل دنو أجله... وأشار إلى أن هذا يأتي من سخرية القدر وقسوة الزمن وسوء العاقبة.

فيما قال الفنان عبد شاكر إن مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت بعد رحيله بعد أن أهمله الجميع حيًا. وأشار إلى أنه على مدى سنين والرجل يشكو ويستنجد ويتوسّل ولم يبق من بابٍ إلّا وطرقهُ دون جدوى. وأضاف أن حملةً قام بها البعض ضدّه فهاجر إلى أميركا وتعذّب في غربته، وحين استوطنته الأمراض، عاد واستنجد بالجميع حتى بكى من الذلّ وبُحّ صوته. وبيّن أنه رحل ليرتاح من عفن الأرض ونفاق البشر وإهمالهم للبعض، وأنه الفنان التلقائي الذي كان يحمل كلّ آلامه وأمراضه والظلم الذي سبّبه له نفاق المنافقين.

وقال الفنان تحرير الأسدي  إن الراحل من أكثر الفنانين الذين يعشقون تمثيلهم، وإنه فنانٌ عفويّ وبسيطٌ وغير متصنّعٍ وخلّاقٌ ومبدعٌ قريبٌ من القلب وكوميديّ محترف. وأشار إلى أنه حين غادر العراق كان قويًا، وحين عاد كان مثقلًا بالأمراض، منوّهًا إلى أن الوسط الفنّي خسر علامةً فارقةً من علامات الفن العراقي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.