}

في رحيل عبد الستار البصري: "ساحر" أجاد فنون التمثيل

هنا/الآن في رحيل عبد الستار البصري: "ساحر" أجاد فنون التمثيل
ولد البصري في محلّة البجاري بمحافظة البصرة
منذ عام 1962، يوم كان عمره 15 عامًا، شارك في أوّل عملٍ مسرحي حمل عنوان "القلب الأرعن"، من تأليف جان باترك، وإخراج محمد وهيب، لتتوالى بعدها الأعمال التي توزّعت ما بين المسرح والتلفزيون والإذاعة والسينما، على قلّة تلك الأعمال.
رحل الفنان عبد الستار البصري قبل أيام، بعد معاناةٍ قاسيةٍ مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا من الأعمال والشخصيات التي أدّاها وبقيت في ذاكرة المشاهد العراقي، وخاصة الأعمال القديمة. وقد أصبحت جملة أطلقها عبر تمثيليةٍ تلفزيونيةٍ وهو يقرأ رسالة لصبي، كان اسمه (معارج)، فقال له هل هذا اسمٌ يسمونك به؟ قال الصبي كان اسمي فرهود، لكنهم أسموني معارج، فقال الجملة الأشهر (خليك معارج أفل من فرهود).
ولد البصري في محلّة البجاري بمحافظة البصرة، حيث تابع دراسته الابتدائية والمتوسّطة والإعدادية. أخذه عالم الفن، كأقرانه، إلى بغداد لإكمال دراساتهم في أكاديمية الفنون الجميلة، تاركًا إكمال دراسة القانون التي قبل فيها ليدرس الفن ويتخصّص فيه، متخرجًا في العام الدراسي 1971 ــ 1972 في قسم المسرح، ليلتحق بالفرقة الوطنية للتمثيل عام 1974.
يعد البصري واحدًا من أغزر الممثلين الذين شاركوا بأعمالٍ فنيةٍ، وخاصة تلك التي تتحدّث باللغة العربية، لما يمتلكه من حنجرةٍ صوتيةٍ، وطلاقة في اللغة، وحسن نطقه بها، جعلته قطب الرحى لأغلب المخرجين، حتى أن أعماله لا يمكن أن تحصى، وقد حصل على عدد من الجوائز التي تبيّن غزارة مشاركاته، وحسن أدائه، ومنها: أفضل ممثل كوميدي في العراق عام 1980 من المركز العراقي للمسرح في وزارة الثقافة، وأفضل ممثل تراجيدي في العراق عام 1987 من المركز العراقي للمسرح في وزارة الثقافة، وأفضل ممثل في يوم المسرح العالمي عام 2008 من دائرة السينما والمسرح، وجائزة أفضل ممثل عام 2009 من مؤسسة الرؤية للثقافة والفنون، وكذلك أفضل شخصيةٍ فنية عام 2010، وهو أوّل ممثّلٍ عراقي يحصل على ثلاث جوائز دولية في ثلاثة أعوام متتالية، إذ حصل من مصر على لقب أفضل ممثل في مهرجان القاهرة الدولي عام 2008، ومن تونس حصل على لقب أفضل ممثل في مهرجان قرطاج الدولي عام 2009، ومن المغرب حصل على لقب أفضل ممثل في مهرجان أرفود الدولي الثالث عام 2010.
وربما هو واحدٌ من الممثّلين العصاميين الذين لم يتقرّبوا لسلطة أو جهةٍ سياسية، وقد اضطرته الظروف في سنوات الحصار الأميركي على العراق إلى العمل بائعًا متجوّلًا في بغداد، ليسد رمق عائلته.

ممثل فريد
يقول عنه الكاتب المسرحي والناقد علي حسين إنه موهبةٌ ثريةٌ، لديه مرونةٌ جسديةٌ هائلة، وقدرةٌ على تلوين صوته. ويزداد تألقًا إذا كان الدور مكتوبًا بشكلٍ جيد. وأضاف أن أسوأ أدواره تلك التي تفرض عليه بسبب قلّة الأعمال... وأشار إلى أنه لا توجد مشكلة لديه في أيّة شخصيةٍ، ربما يكون من الممثّلين القلائل الذين فرضوا أنفسهم على العمل الذي يشاركون فيه، فهو متقمّصٌ للدور من الوزن الثقيل، ممثل بمئة وجه، كونه ممثلًا مسرحيًا في الأساس.




وأكد حسين أن البصري يمتلك أدواته كممّثلٍ مسرحيّ، من خلال الطريقة التي يستخدمها في الأداء، وفي استخدام صوته، والطريقة التي يجسّد فيها الأداء الحركي، منوّهًا إلى أن قوته الخارقة تكمن في الدخول تحت جلد الشخصية، مهما كانت، وبناء تفاصيلها بدقّةٍ وبراعةٍ، كونه يسعى لإقناع المشاهد بالشخصية. ويمكن القول بدقّة إن عبد الستار البصري مثله مثل نجوم الفن التمثيلي المتميز، لا يكشف نفسه إلا حين يرتدي قناع الشخصية التي يمثلها. ويذكر حسين أن له أكثر من تجربة مع البصري، أبرزها عندما مثل البصري دور حسن المضمد في المسلسل الذي كتب له حسين نفسه السيناريو، عن رواية غائب طعمة فرمان "النخلة والجيران"، حيث استطاع أن يشعر المشاهد أنه شخصية برزت من أعماق تاريخ العراق في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، وتمكّن ببراعةٍ من أن يتحوّل من الموقف الكوميدي الساخر الى الموقف الجاد في الوقت نفسه، مشيرًا إلى أنه لا يمكن الحديث عن كبار الممثلين في العراق من دون أن نضع الراحل في مقدّمة المشهد، بوجهه المبتسم دومًا، وبصوته المتميّز، وبصورته التي تنطبع في الذهن منذ اللحظة الأولى.
ويرى الصحافي والناقد الفني سامر المشعل أن الراحل واحد من أهم الممثّلين الذين مرّوا في تاريخ الفن العراقي، حتى أطلق عليه الممثلون في المسرح والنقاد لقب "الساحر". وأضاف أنه يتمتّع برصيدٍ كبيرٍ من الأعمال الدرامية، بشقّيها التلفزيوني والإذاعي، لأنه فنان شامل يجيد التمثيل والغناء والرقص حسب الدور الذي يسند إليه. وأشار إلى أن الراحل قدّم للفن كلّ ما يملك من عطاءٍ وموهبة، فهو فنان ملتزم منجذب للفن بكل ما أوتي من مقدرةٍ، حتى على حساب وضعه الشخصي والعائلي، ولم يتخلّ عن مبادئه ورسالته الفنية في أحلك الظروف، ولم يساوم على حساب الفن، فهو من سلالة الفنانين الكبار الذين وهبوا أنفسهم للفن من أجل أن تكون الحياة أكثر جمالًا وإنسانية، تاركًا رسالةً بليغةً في معانيها وقيمتها الأخلاقية والإنسانية، مشيرًا إلى سجله الكبير الحافل بالأعمال الإبداعية، والرصيد الأكثر وقعًا هو محبّة الناس واحترامهم لفنّه وشخصه، منوّهًا إلى أنه ترك أيضًا حسرة في النفس، كونه لم ينل استحقاقه الطبيعي من قبل المؤسّسات الثقافية، أو النقابية.
ويقول الصحافي والناقد عبد الجبار العتابي: لقد عرفت الراحل منذ نحو 30 عامًا، كنّا نلتقي في حواراتٍ صحافيةٍ ومناسباتٍ عاديةٍ، وفي دائرة المسرح الوطني. كان مفعمًا بالمحبّة دائمًا، يعمل مع الشباب، ويتألّق ويحصد الجوائز. كان لا يتوانى في أن يبثّني معاناته وشكواه، حتى من صاحب المولدة الكهربائية في زقاقهم، بالبياع، الذي يكتب على (الجوزة الكهربائية) اسم (عبود) نسبة إلى اسمه في مسلسل "عالم الست وهيبة". وأضاف أنه كان يستنكر الكوميديا المقدّمة على صعيد المسرح والتلفزيون، ويقول إن غالبية الذين يؤدّون الكوميديا أدخلوا السفاهة في الفكاهة، وكان يؤكد أن المجتمع في حاجةٍ الى المسرح الشعبي. وذكر العتابي أنه في حوارٍ معه سأله: ما الذي يدور في ذهنك هذه اللحظة وتودّ قوله بصراحة؟ قال: "أريد أن أختصر بجملةٍ واحدةٍ ما في ذهني، وهي حالة خطابية موجّهة لكلّ من يعنيهم الأمر: أعطني منجزًا ماديًا يليق بي كفنان، أعطيك منجزًا فنيًا"...

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.