تحدّى الرسام النرويجي إدوارد مونك (1863- 1944) جميع معاصريه باقتراح مفهومٍ جذريّ للحداثة في لوحاته الفنيَّة. عاش مونك في برلين، ومارس تأثيرًا كبيرًا على المدرسة الرمزيّة في مطلع القرن العشرين. احتفالًا بأعماله، يقوم "غاليري برلين" بالشراكة مع مؤسسة مونك في مدينة ميونيخ بإحياء معرض ما بين 15 سبتمبر/ أيلول الماضي حتّى 22 يناير/ كانون الثاني المقبل. المعرض بدرجة أساسيّة يحكي قصّة مونك في برلين، ويوضّح باللوحات والصور الفوتوغرافيّة تحوّلاته الفنية التي عاشها في المدينة.

من أطرف القصص التي ترويها الصور الفوتوغرافية واللوحات عن مونك هو معرضه الأوّل في برلين. في نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، كانت برلين مهووسة بفناني الدول الإسكندنافيّة. "جمعية الفنانين المحافظة" في برلين دعت مونك إلى إقامة معرض فنّي بالعاصمة عام 1892، إذْ لم يكن مونك معروفًا بعد في ذلك الوقت. صدم زوّار المعرض باللوحات الزاهية والألوان القويّة واعتبروا اللوحات ميلًا وانحرافًا عن النزعة الواقعيَّة (رسم الشيء كما هو). بسبب ذلك، أجبر العرض على الإغلاق بعد وقتٍ قصير من الافتتاح! بعد ذلك، صارت أعمال مونك تستقطب الناس، خصوصًا مع تراجع المدرسة الواقعيَّة، وصار مونك مسرورًا بهذا الاهتمام العام به في برلين، إذْ كان مبكرًا في حداثته عن انطلاق تيارات الحداثة المحلية في المدينة نفسها. عاش مونك وعمل في برلين بين عامي 1892 و1902. ومؤرخو الفن يشيرون بسخرية عن فضيحة الإغلاق، إلى أنّ لحظة إغلاق معرض مونك، هي نفسها لحظة انطلاق الحداثة في برلين.

في المعرض معلومات عن حوالي 60 فعالية لمونك في برلين أحياها خلال فترة إقامته في المدينة، إذْ أثبتت برلين أنّها واحدة من أهم النقاط الأوروبية الساخنة في مسيرة مونك المهنية. في العاصمة، نسج مونك علاقات صداقة مع مثقفين وأصحاب معارض وجامعي أعمال ساهمتْ في الترويج لأعماله.