}

"الفن بين السياسة والمجتمع": معرض أعمال فنية في برلين

برلين- ضفة ثالثة 24 نوفمبر 2023
تشكيل "الفن بين السياسة والمجتمع": معرض أعمال فنية في برلين
عمل من إنجاز لي بونتيكو
يتميّز الفن منذ النصف الثاني من القرن العشرين بتنوُّعه على صعيد المواد التي يتمّ الرسم من خلالها، والوسائط التي تنقل معاني هذه الفنون، والأساليب الفنية المتنوّعة بين مدارس متعددة. منذ النصف الثاني من القرن العشرين، صار الانتقال واضحًا إلى فن ما بعد الحداثة، حيث تقلّصت سلطة الأداة، وصار التعبير عن المعنى الفنّي أولويّة على حساب شكل العرض، أو أداة التعبير نفسها.
في السينما، انتقلنا من الفيلم بالمعنى الكلاسيكي إلى الفيديو المصوّر الحر ("فيديو آرت"). في الرسم، انتقلنا من الواقعيّة، حيث يجب رسم الشيء كما هو في الواقع، إلى التجريد، حيث زال الالتزام بالنقل الحرفيّ للشيء. في الموسيقى، انتقلنا من الأوركسترا والعزف المنفرد إلى الموسيقى الإلكترونيَّة. وفي الشعر، انتقلنا من الشعر المقفّى إلى النصّ الحر. وعلى الرغم من هذه النقلة الفنية الهائلة، لم يكن هنالك عصرٌ شهد هذه الحدّة من الانقسام والتفكُّك مثلما شهده ما بعد منتصف القرن العشرين.
تناولًا لهذا الموضوع تحديدًا، يفتتح "المتحف الوطني الجديد/Neue Nationalgalerie" في العاصمة الألمانية برلين معرضًا بعنوان "الفن بين السياسة والمجتمع"، وفيه أعمال فنية صُنِعَت حصرًا من عام 1945، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى عام 2000.
هذه الفترة شهدت أحداثًا هائلة: الحرب العالمية الثانية، ومحرقة الهولوكوست، وتصدير المشكلة اليهودية إلى العالم العربي باحتلال فلسطين عام 1948، وحركة الحقوق المدنية التي عمّقت حقوق السود والنساء في الديمقراطيات الليبرالية، والحرب الباردة بين المحورين الشيوعي والرأسمالي، وسقوط جدار برلين والاتحاد السوفياتي. كل هذه الأحداث انعكست على الإنتاج الفنّي في تلك المرحلة، وظهرت توتّرات جديدة داخل المجتمع ولّدت اتّجاهات أساسيّة جديدة في الفنون.




في المعرض عمل مشهور للفنان النمساوي غونتر بروس/ Günter Brus (85 عامًا) بعنوان "تشويه الذات"، إذْ يصور العمل الفنان النمساوي وهو مغطّى تمامًا بالجبص الأبيض الجاف ومُحاط بشفرات حلاقة ومجموعة من الأدوات الطبية الحادة التي تظهر وكأنه في غرفة عمليات. بروس أراد أن يصوّر وضعية الإنسان في عالم تلك اللحظة. عمومًا المعرض متنوّع وفيه أقسام متعددة مثل الواقعية والتجريد والسياسة والمجتمع والحياة اليومية والبوب والنسوية والهوية والطبيعة والبيئة.
المعرض أيضًا يوضّح بشكل تاريخي، وبالتفصيل، دور الحرب الباردة في تشويه العلاقات الفنية، وخلق جوّ فنّي شديد السميّة يهيمن عليه الرجال الأيديولوجيون البيض، وهذا يتوضّح بقلّة الحضور النسوي، أو ضعف الاهتمام بالأعمال النسوية عمومًا. المثالان النسويان الوحيدان في المعرض هو عمل الفنانة الألمانية ريبيكا هورن (79 عامًا)، والألمانية كورنيلا شليمزي (70 عامًا)، الأولى من ألمانيا الغربية، والثانية من ألمانيا الشرقيّة. الأولى تغلبُ على أعمالها النزعة الروحيّة النسويّة، والثانية الجذريّة السياسيّة من خلال اللغة غير المتحفّظة للجسد. الواضح في التجربتين هو الشوق إلى الحرية والتحرر من الأبوية. هذا الاختيار من غرب وشرق ألمانيا هو دفاع عن فكرة أنّ النسويّة هي قضيّة قائمة بذاتها، وليست ملحقة بشكل ثانوي بأيديولوجيات أخرى. بالدرجة نفسها، لا اليوتوبيا الشيوعية، ولا الازدهار الرأسمالي، تمكَّنا من حل مسألة تهميش المرأة.
مقتنيات المعرض كثيرة، وفيها أعمال من الاتحاد السوفياتي، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (DDR)، وأوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأميركية. في المعرض أعمالٌ لمارينا أبراهيموفيتش، وجوزيف بويز، وفرانسيس بيكون، ولي بونتيكو، وفالي إكسبورت، ولويز نيفلسون، وآندي وارهول، وآخرون. فكرة المعرض تدور حول ضرورة فتح أسئلة مثل: ما هي العلاقات المعقّدة بين الفن والسياسة؟ ما هو نوع التطوّرات السياسية التي تؤثّر على الإنتاج الفني؟ هل يؤدّي التنوع السياسي إلى تنوّع فني؟     

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.