}

"كيف نحيا مع الموت؟": معرض في برلين

برلين- ضفة ثالثة 22 سبتمبر 2023
هنا/الآن "كيف نحيا مع الموت؟": معرض في برلين
حياة الإنسان هي معناه الداخلي، وقدرته على الإشارة لنفسه
ثمّة إجماع من قبل علماء الأنثروبولوجيا على أنّ الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يعرف أنَّ مصير الموت ينتظره. فعليًا، معرفتنا العقلانيَّة بأننا زائلون هي في أحيان كثيرة قوّة دافعة للاستقامة الأخلاقيّة، وخلق الفن وتلقّي الثقافة. ومَنْ أصلًا لم يفكِّر بالموت على السرير قبل النوم؟ الموتُ يشعرنا بالصِّغَر والضآلة، ويكسبنا راحة خفيَّة، لأنَّ هذا المصير سيواجه الجميع... إنَّه العدالة الوحيدة في هذا الكون.
منتدى "هومبلودت فورم" في العاصمة الألمانية برلين، المعروف باستضافته لمعارض فنيّة رفيعة ونقاشات فلسفيّة معاصرة، يستضيف هذا الأسبوع مجموعة من الفعاليات الثقافيَّة المتنوِّعة التي تتناول حصرًا سؤالًا واحدًا: "كيف نحيا مع الموت؟". وكانت لـ"ضفة ثالثة" أسبقيَّة الدخول إلى المعرض قبل افتتاحه في الأسبوع المقبل، إذْ فُتِحَ بشكل حصري أمام الصحافيين والمهتمين بشكل خاصّ بالموضوع، وطبعًا لطلاب جامعة هومبولدت.
كيف نعيش مع فكرة الموت؟ ماذا يعني بالضبط الموت الكريم؟ ماذا يبقى من الكائن البشريّ بعد الموت؟ يبدأ المعرض بمقولة "حياة الإنسان فعليًا هي فقط: توفيقٌ بين السعادة والموت"، للباحث المشهور في القرون الوسطى، المؤرّخ الفرنسي فيليب آرييه (1914ـ 1984). نشر آرييه بحثًا مشهورًا في عام 1980 بعنوان "تاريخ الموت"، بدأه بمقدمة حول لا جدوى تجنُّب هذا الموضوع المزعج. لأنّ الموت هو نهاية حتمية وإشارة إلى محدودية الحياة، فهو يفتح الأسئلة النهائية الوجودية، حول ما يمكن أن يأتي بعد ذلك، حول ما هو المعنى من فكرة الإنسان. ولأنّ الموت أيضًا هو المصير الذي يوحّد جميع الناس، برأيه، فهو المرشّح الأقوى بأن يساهم بشكل فعّال في تشكيل فكرة المجتمع. تاريخ المجتمع، بحسب آرييه، هو تاريخ تطويل حياة الإنسان وتجنُّب الموت.
الجولةُ في المعرض اطلاعٌ على إجابات مختلفةٍ حول هذه الأسئلة. يتضمَّن المعرض أعمالًا فنيَّة مُعاصرة تجعل التجربة الجسديَّة في المكان من نوعٍ خاصّ. يُعالَج الموت من وجهات نظرٍ مختلفةٍ، إذْ توجد 12 شاشة تعرض فقط تصوّرات عن الموت من وجهة نظرٍ دينيَّة. تظهر الشاشات آراءً وفرضياتٍ تمّ تجميعها وتوثيقها من معتقدات دينيَّة مختلفة من كلّ قارّات العالم حول موضوع الموت. رجال دين من طوائف مختلفة يشرحون ماذا سيحصل في عالم ما بعد الموت. ويبدو واضحًا التقارب في الرواية بين الديانات الإبراهيميّة ذات النزعة الآخروية (الإيمان بفكرة الآخرة)، واختلاف هذه الرواية الإبراهيميَّة عن تصوُّرات الأنظمة الدينية الآسيويَّة. في البوذيَّة مثلًا، الموتُ تحوُّل للطاقة وسيلانٌ للروح في شبكة الطاقة الكونيَّة الكليّة. كما تُوضَّح بالتفصيل طقوس التعامل مع الجسد الميت في كلّ طائفة، وتقاليد الدفن (أو الحرق) في كلّ ثقافة.




من ناحية أخرى، ثمَّة مساحة كبيرة للعلم والطب تحديدًا. العلم الذي يتّخذ موقف "لا أعرف" من هذه الظاهرة، ويتمسّك بالموقف اللاإدري بدلًا من يقين السرديات الدينيَّة. في قسم الطب، نرى تفريقًا للموت بين التام والسريري. في الموت السريري يموت الدماغ وتبقى الأعضاء الأخرى سليمة. ولكن الموقف الطبي الأكثر إثارة للاهتمام هو اعتبار الخرف التام أيضًا موتًا. ففكرة الحياة ليست في الجسد المادي الفيزيائي، بل بـ"شبح الوعي" الكامن داخله، بحسب تعبير الفيلسوف البريطاني، جلبرت رايلي، صاحب نظرية "الشبح في الآلة"، في إشارة إلى علاقة الوعي (الشبح) بالجسد (الآلة). حياة الإنسان هي فعليًا معناه الداخلي، وقدرته على الإشارة إلى نفسه. ويشعر الإنسان بمعناة بالدرجة الأولى عن طريق القدرة على مراكمة الذكريات وسهولة الوصول إليها. بتلف الذاكرة تتلف هويّة الإنسان ويضيع معناه، ويبقى "جسدًا" آلة صمّاء بدون معنى وعمق زمني... آلة أضعف حتّى من روبوت يمتلك على الأقل ذاكرة تخزين!
في المعرض غرفة فيها تجميعٌ لآراء أفراد عن الموت منتقين بعناية من شرائح اجتماعيّة مختلفة. تحت عنوان "فحص الأحياء للموت"، يقوم منسّقو المعرض بإجراء حوارات مباشرة مع الأطباء الذي يعملون حصرًا في تنفيذ عمليات القتل الرحيم (القتل الرحيم جائز في بعض الدول الأوروبية)، أو مع اختصاصيي الأمراض المستعصية الذين يرون تمدّد الموت البطيء والتدريجي في الأجساد الهالكة لا محالة، أو مع ضباط الشرطة ممن أطلقوا الرصاص وقتلوا خلال خدمتهم، أو مع العاملين في مراسم الجنازات ممن يتعاملون مع الموتى يوميًا، إضافة إلى كتبٍ مصورة فيها رسومات آراء عن الموتٍ بعيون الأطفال!
ما يخطف الأنفاس في المعرض هو لوحة ضوئيَّة وُضِعَت في المنتصف، عُرِضت عليها إجابات الزوار حول سؤال: "هل ترغب في أن تكون خالدًا". 79 في المئة من الزوّار أجابوا بـ: لا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.