}

رحيل خميس خياطي: هل لا تزال "الثقافة محنة لذيذة"؟

إيهاب محمود 26 يونيو 2024

في منطقة القصور في ولاية الكاف التونسية في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1946، كان الناقد الفني التونسي خميس خياطي يحبو أولى خطواته في هذا العالم، ليبدأ من هناك تعلقه بالسينما عبر نوادي السينما التونسية، التي أسّسها الناقد الطاهر شريعة، حيث تشكلت ذائقته الفنية السينمائية، ليكون واحدًا من أبرز الناشطين في تسيير هذه النوادي، إلى جانب شغفه بالتصوير الفوتوغرافي، غير أن الرحلة آن لها أن تنتهي ليلملم خياطي أوراقه ويرحل في الثامن عشر من حزيران/ يونيو الجاري عن عمر يبلغ السابعة والسبعين.

في تونس أيضًا كانت النهاية، وعن قريته "الكاف" قال خياطي في مناسبة سابقة: "قريتي بالشمال الغربي هي من تلك القرى التي، لجهة عبثية الحياة بها، قد يكون تخيلها ‘دينو بوزاتي‘ (1906-1972) في رواية ‘صحراء التتار‘ (نشرت ترجمتها الفرنسية في عام 1940) لأن الزمن توقف دفعة واحدة في عيون أهلها... شمس تنقب رأس العصفور صيفًا، وبرد وثلج وجليد يجمدون بني آدم شتاء".

في فرنسا كانت وجهته التي اختارها لاستكمال ومواصلة دراسته، ليحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون العريقة في باريس عن دراسته لسينما المخرج المصري صلاح أبو سيف... يقول خياطي عن غربته: "يوم قررت الهجرة من البلاد ولتحمل أيام الغربة الأولى، حملت معي ثلاثة عناوين هي: "مجتمع الفرجة" لـ"غي دوبور" و"أغاني مالدورور" لـ"لوتريامون" و"رسالة في فقدان الأمل" لـ" سورن كيركغارد"... ويوم عدت ولأتأقلم مع بيئة لم أعد أعرفها رغم أنها بيئة المنشأ، جئت بمئات الكتب من أمهات الكتب العربية والفرنسية التي اقتنيتها في أسفاري".

أصدر خميس خياطي مجموعة من الكتب باللغتين العربية والفرنسية بلغت نحو 15 كتابًا منها: فلسطين والسينما، النقد السينمائي (1982)، عن السينما المصرية (1985)، صلاح أبو سيف (1995)، يائسًا من الصورة (2002)، تسريب الرمل (2006)، أيام قرطاج السينمائية الذاكرة الخصبة (2016)، العين بصيرة (2019) وعن الصورة الفن والرمز والرسالة.

"محنة الثقافة اللذيذة" كان عنوان أحد أبرز وأشهر كتب خميس خياطي، وخلاله عبّر خياطي عن ولعه بالقراءة والكتب، ومنها كان مدخله للنقد السينمائي. 

اكتسب هذا الكتاب شهرته وتأثيره من عدة عوامل وفق نقاد، حيث إن قيمة هذا الكتاب تكمن في الإشارة غير المباشرة إلى ضعف وهشاشة الذاكرة العربية وآفة النسيان التي تهدّد العقل العربي، فإعادة تجميع تلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تحدث لأي مواطن عربي منشغل بالثقافة تعكس طبيعة النظام وديكتاتوريته، فالرقابة على الكتب لم تقتصر على ما تعرضه المكتبات ومعارض الكتاب بل تعترض الرقابة الكتب الشخصية للكاتب المقيم بالخارج أو العائد من السفر مع أعوان الجمارك، ولم تكن الرقابة تتوجس من الشخصيات ذات التوجهات الإسلامية فقط بل من كل يهم بإدخال كتاب لتونس بمن في ذلك اليساريون والتقدميون والحداثيون.

ويروي الكتاب سيرة الذات من خلال استحضار الخرافات التي كان يسمعها وهو طفل، وسير الحيوان الأهلي، ومحنة كلبه راكس، والتفاصيل الحميمة، ورحلة الشاب الشمالي إلى العاصمة وتعرّفه على نوادي السينما قبل مغادرته إلى فرنسا، وقصة التحاقه بأعتى المنابر الاعلامية، وسفره إلى القاهرة مطاردًا صلاح أبو سيف، ولقائه بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.