على الرغم من عشرات، بل ومئات الأعمال الفنية، في السينما والتلفزيون، وعلى المنصّات المختلفة التي تُعرض سنويًّا، يبقى الواقع قادرًا على اتخاذ زمام المبادرة، وإحراز المفاجآت الواحدة تلو الأخرى. السيناريست المصري شريف بدر الدين يتوفّى فجأةً إثر أزمة قلبية، بينما لا يزال في الخامسة والأربعين من عمره. شريف، الذي فقد زوجته منذ ستّ سنوات، لم يكفّ عن إرسال الرسائل إليها شارحًا لها تفاصيل حياته اليومية منذ رحيلها عام 2018، ودونما انقطاع، مؤكّدًا لها في رسائله مرارًا وتكرارًا أنّه لم ينسَ، وأنّه ينتظر اليوم الذي يلحق بها ليحكي لها عمّا جرى منذ الرحيل. ها قد أتى اليوم يا شريف.
في حين تنتهي حياة شريف بدر الدين على نحوٍ درامي للغاية، يُعرض له حاليًّا مسلسل "مفترق طرق" على منصّة شاهد، من تأليفه رفقة السيناريست وائل حمدي، الذي أكّد أنّ شريف لم يكن يعاني من أيّ شيء، وكانا على تواصل قبيل وفاة بدر الدين بساعات قليلة للغاية!
بدأ شريف بدر الدين مشواره الفني بالمشاركة في كتابة بعض الأعمال الفنية الناجحة التي ما زالت في الذاكرة، ومنها "عالم سمسم" عام 2002، الذي يُعدّ من أشهر برامج الأطفال التي تمّ تقديمها، ثمّ شارك في كتابة سيت كوم "تامر وشوقية"، من بطولة أحمد الفيشاوي، ومي كساب عام 2006، وأيضًا مسلسل الكرتون "بسنت ودياسطي" الجزء الأوّل عام 2008 والثاني عام 2010 من بطولة حنان ترك، وصلاح عبد الله.
تبنّى شريف بدر الدين أسلوبًا خاصًّا في الكتابة الدرامية، إذ انتهج لنفسه طريقة تقوم بالأساس على معالجة فورمات أجنبي لمسلسلات غربية وتمصيرها، حيث أصبح بعد ذلك المؤلّف الأبرز في تحويل الأعمال الأجنبية إلى مصرية، وكانت البداية بمسلسل "هبة رجل الغراب" بأجزائه الأربعة، الذي حقّق نجاحًا وانتشارًا كبيرين، ويُعدّ من أبرز الأعمال المصرية المأخوذة من فورمات أجنبية.

كما كتب مسلسل "طلعت روحي" المأخوذ عن فورمات أجنبي أيضًا، وقام ببطولته إنجي وجدان، ونيكولا معوض، عام 2018، ثمّ ابتعد عن التمصير في مسلسل "رأس الغول" للفنان الراحل محمود عبد العزيز عام 2016، وعاد مرّة أخرى إلى أعمال الفورمات الأجنبية في مسلسل "شبر ميّة" بطولة: أحمد السعدني، نجلاء بدر، ومراد مكرم، عام 2019، واستكمل تقديمه لأعمال الفورمات في "مفترق طرق"، الذي يُعرض حاليًّا.
بحسب شريف بدر الدين في أحاديث سابقة، فإنّ تمصير الأعمال الأجنبية لا يعبّر عن استسهال، أو ضعف في الأفكار وغياب، أو افتقار للرؤية الفنية، بل يتطلّب الأمر جهدًا إضافيًّا من الكاتب لإضفاء الروح المصرية على العمل كي لا يقع في فخّ "التغريب" وحتى يبتعد عن ظهوره، وكأنّنا أمام استنساخ لعمل أجنبي، وليس مصريًا، مؤكّدًا في مناسبات عدة أنّ الأمر أصعب بكثير من كتابة نصّ مباشرة للدراما يكون الكاتب ملمًّا بتفاصيله وشخصياته من البداية، حيث إنّ تمصير عمل ما يتطلّب جهدًا مضاعفًا، لافتًا إلى أنّ الأمر قد يعتمد أحيانًا على استلهام القصّة الغربية فقط، وبناء تكوين درامي مصري تمامًا حتى النهاية، ضاربًا المثل بمسلسل "طلعت روحي"، حيث طبّق فيه هذه النظرية.
على الرغم من مسيرة قصيرة لشريف بدر الدين في الكتابة الدرامية، إلّا أنّها كانت ذات تأثير واسع جماهيريًّا ونقديًّا، فلم يمرّ عمل من أعماله مرور الكرام، إذ حقّق مسلسل "هبة رجل الغراب" نجاحًا غير مسبوق في حينها، كما نجح "طلعت روحي" في خلق حالة كوميدية رائعة في الشارع المصري على الرغم من اعتماده على نجوم من الوزن الثقيل، أيضًا مسلسل "شبر ميّة" حقّق نجاحًا جماهيريًّا، وحتى مسلسله الوحيد الذي لم يقم على فورمات أجنبي، وهو مسلسل "رأس الغول"، استطاع من خلال اعتماده على الفنان الراحل محمود عبد العزيز أن يعزّز وجود شريف بدر الدين كسيناريست متمكّن لا يعتمد نجاحه فقط على تمصير الأعمال الأجنبية فقط.
الآن، يرحل شريف بدر الدين تاركًا ابنتيه عند "مفترق طرق" تمامًا مثل اسم مسلسله الأخير الذي يُعرض حاليًّا، وسيستمرّ عرضه لما بعد رحيله، و"مفترق طرق" يذهب من خلاله شريف إلى زوجته في عالمهما الآخر، في رسالة تؤكّد أنّ الحبّ أحيانًا قد يقتل صاحبه، وأنّ الواقع لا يزال قادرًا على إحراز المفاجآت الكبرى، وأنّ الإنسان طوال الوقت يقف عند "مفترق طرق".
مسلسل "مفترق طرق" مكوّن من 45 حلقة، وهو آخر أعمال شريف بدر الدين، بطولة: هند صبري، وإياد نصار، وماجد المصري، وجومانا مراد، ونهى عابدين، وهدى المفتي، وعلي الطيب، ومؤمن نور، وفرح يوسف، وليلى عزّ العرب، وأميرة العايدي، وجودي مسعود، ومحمد أبو داود، وعدد من ضيوف الشرف خلال الحلقات. والعمل من تأليف شريف بدرالدين، ووائل حمدي، مع فريق كتابة، وإخراج أحمد خالد موسى.