}

جديد السينما

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 15 يونيو 2023

 

الفيلم المكسيكي "حيث تنتهي المسارات"  Where the Tracks End

تأليف: خافيير بنألوسو.

إخراج: إيرنيستو كونتريراس.

(95)  دقيقة.

تحفة إنسانية لافتة، في المبنى والمعنى، يقترحها الفيلم المكسيكي "حيث تنتهي المسارات".

الفيلم عن الناس المنسيين في المكسيك، وبالتالي في كل مكان، وعن قسوة القرارات الحكومية التي حين تصدر وتُشرْعَن لا تلتفت للمعاني الإنسانية. هكذا فجأة تقرّر الحكومة إغلاق المدارس الصغيرة في الأرياف والمناطق النائية، رائية أن هذا أفضل لـ(الصالح العام) ولتلك المناطق التي كانت ما تزال تُمد فيها قضبانُ السكّة الحديد، وما يزال يتنقّل فيها العاملون وعائلاتهُم من منطقة عملٍ إلى أخرى. يسأل إيكال (طفل الفيلم الباهر)، والديه بحرقة: "لماذا لا يحق لي أن أحيا كما بقية أطفال العالم؟ ولماذا ننتقل من منطقة إلى أخرى كأننا جنادب؟". طفل آخر يجيب عندما يسألونه إلى أيّ مجموعة من مجموعات الطلبة سينضم: "إلى مجموعة الفقراء"، وعندما تعترض طفلة على هذه الإجابة، يسترسل موضحًا: "آباؤنا فقراء، وأجدادنا فقراء، ونحن سنكون مثلهم".

عن معلمة مشعّة بإنسانيةٍ قلَّ نظيرُها، عن أب أوْدى به الشقاء إلى حتفه في حادث عماليٍّ لم يجد من يتحمّل مسؤولياته حوله، ويتكفّل بالطفل إيكال الذي صار بين عشية وضحاها يتيمًا لا معيل له ولأمّه، عن النوستالجيا حين تكون مثل وجعِ القلب وشلْعةِ الروح وعن روحِ الغَجر الحرّة وَجماليات السّيرك القديم.

فيلمٌ مُلْهِم، ينتصر لِما يمكثُ في الأرض وينفعُ الناس، ويَلتقِط من الشِّعر مشهدياته: يسأل إيكال صديقته الصغيرة فاليريا "ما مذاق الغَمام"، ومن البلاغة البصرية حواراته (جسرٌ متأرجحٌ كأرجوحةِ الحِبال بين الواقعِ والمُشتهى).

تذهب أدراجُ الرّياح الخططُ الّلا إنسانيةُ للحكومةِ المركزيةِ وتبقى المدرسة.  

وسط طبيعة عذراء، وَعبْر إضاءةٍ مُسالمة، وَكوادر مزوّدة ببساطةٍ أخّاذة، وموسيقى من روحٍ المكان، و(شلّة) صغار مبدعين بشكلٍ آسر، يعرض الفيلم سرديته، ليخبرنا أن الحبّ الذي يتهجى مفرداتِه من نبْعِ المياه القديم، البرِيء، النقيّ، لا يمكن أن يموت. 

بلال فلاح (يمين) وعادل العربي 


الفيلم المغربي "مُتمرِّد"

تأليف وإخراج: عادل العربي وبلال فلاح.

ساعد في الكتابة: كيفين نيوول.

(133) دقيقة.

الملمحُ الأولُ اللافت في فيلم "مُتمرِّد" المغربيِّ الكتابةِ والإخراجِ والتّمثيل، البلجيكيّ، اللوكسمبورغيّ، الفرنسيّ الإنتاج، هو جديةُ البحثِ الذي قام به مخرجاه عادل العربي وبلال فلاح. بحثٌ على صعيد جُغرافيا الأمكنةِ التي شكّلت ساحات أحداثِهِ وَميادينِ صراعاتِه. بحثٌ على صعيد تفاصيل الحياة اليومية لِتنظيمِ داعش الإرهابيّ خلال سيطرتهم على مدينة الرقّة السورية، وَسلوكياتِهم، وأناشيدِهم. بحثٌ على صعيد الأسباب التي دفعت كثيرًا من الشباب المسلم في القارّة العجوز لِلالتحاقِ بهِم وتصديقِ سرْديّتهم، والغوصِ حتى الوحْلِ في منطقِهم.

الملمحُ اللافتُ الثاني هو توظيفُه الذكيّ الشجيّ اللمّاح لِموسيقى الرّاب، واستفادتِه من طرائق تعبيرِها، وبلاغةِ لغتِها الدارجةِ البَسيطة.

عمقُ البحثِ، وحرارةُ تفاعلِ الموسيقى مع الدراما، حصّنا الفيلم بكثيرٍ من الموضوعيةِ كملمحٍ ثالثٍ افتقرت إليهِ معظم الأفلام التي تناولت زمنَ داعِش في الرقّة وَالموصل. موضوعيةٌ ذكّرتني بعبارة قالتها الناشطةُ اليمينية كرمان توكّل في فيلمٍ وثائقيٍ يحمل عنوان "نساء رائدات": "إذا أردْنا أن نوقفَ الإرهاب، فعليْنا، أولًا، أن نوقفَ الاستبْداد".

نهايةٌ تراجيديةٌ لِفيلمٍ طويلٍ (لكنّه غير مُمِل)، كان يمكن الاستغناء عنها، أو على الأقل، تخفيف تراجيّدتها، فبؤسُ منطق الإرهاب وَعماءُ رُؤاه، أقلّ شأنًا مِن أنْ يفعلَ بشقيقيْن وأمّهما كلّ ما فعله. حركيةُ الفيلم موفّقةٌ، أداءُ ممثليهِ مقنِع، عينُ كاميرتِهِ بصيرَة، وهُو ما يعكسُ الخبرةَ التي اكتسبها العربي وفلاح من هوليوود حيث لهما تجربة ممتدة هناك ولافتة. على صعيد آخر جاء تعاملُ الفيلم مع تباينِ اللهجات وتعدُّدِ اللغات متقلّبًا بين الجيّد والوَسَط.

بقي أن نقول إن الفيلم يكشف تواطؤَ الجهاتِ الأمنيةِ والرسميّة البلجيكيةِ، وبالتّالي عُموم أوروبا، وغضّها الطّرف عن عمليات التجنيد التي كان يقوم بها وكلاءُ لِداعش وسماسرةُ الدّم، بما في ذلك تجنيدُ الأطفال، إن كان هؤلاء الأطفال من أبناء الجاليتيْن: العربيّة والإسلاميّة، المُقيمتيْن بينهم، والحاملتيْن، في كثيرٍ من الأحيان، جنسيتَهم!

 

الفيلم الألماني "ذهب ودماء"  Blood & Gold

تأليف وإخراج: بيتر ذوروارث.

شارك في الكتابة: ستيفان بارث.

(98) دقيقة.

يبدو أن الحرب العالمية الثانية ومخلّفاتها ستبقى ندبةً في وجدانِ أوروبا لِعشرات السنينِ المُقبلة. فيلم "ذهب ودماء" (فضّلتُ هذه الترجمة عن "دماء وذهب") يغوص في منطقة نهاية الحرب، ويوجّه كاميرته، تحديدًا، نحو مفارقات حدثت في عام 1945، عندما تتقاطعُ مصائرُ جنودٍ نازيينَ يبحثون عن ذهبٍ تركهُ وراءهُ ثريٌّ يهوديّ، مع مصائرِ جنديٍّ منهم، مع فارقٍ (بسيط) أنّه فرَّ من الخدمة قبل أن تنتهي الحرب (وكيف كان له أن يعرف أنها قاربت على الانتهاء)، ليبحث عن ابنته التي أخبره الجيران أنها نجت من القصف الذي طاول زوجته وابنه، وبقيت الطفلة التي كانت لحظة القصف جنينًا في بطنِ أمّها. كثيرٌ من القتل و(الأكشن) داخل أحداث الفيلم، وقليلٌ من المعاني، ولكنه، على كل حال، ينتصر للإصرار، ويفْرحنا في قفلتهِ أن الجندي هينريش (روبرت مآسِر) يعثر، بعد انتهاءِ الحرب، على طفلته التي بلغت، حتى وصوله إليها، الخمسة أعوام. وَيفرحنا أكثر أنها لم تحتج إلا إلى لبضع ثوانٍ قبل أن تتعرّف عليه (يبدو أن الجيران كانوا أطلعوها على صورة له)، لينتهي الفيلم بِمشهد عناقِ الأب لصغيرتِه، كيف لا وكلاهما (الأبُ وابنته) من ضحايا تلك الحرب الدّامية حتى يومنا هذا؟  

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.