}

هواجس حول المرأة في السينما المصرية عبر نصف قرن

أحمد طمليه 24 أبريل 2024
سينما هواجس حول المرأة في السينما المصرية عبر نصف قرن
سعاد حسني ويسرا وميرنا وليد في فيلم "الراعي والنساء"

واصلت عين الكاميرا في السينما المصرية، منذ بداياتها، رصد المرأة الأنثى، وليس المرأة كحضور حقيقي، فباستثناء موجة الأفلام الرومانسية التي طغت على السينما في بداياتها، وبعض الأفلام الجادّة، فإن أغلب الأفلام تعاملت مع المرأة من خلال إبراز مفاتنها على حساب روحها ومضمونها، وإبراز نقاط ضعفها على حساب نقاط قوتها، وإظهارها مكسورة الخاطر، أو المجانية في عواطفها، أو العاشقة المخذولة.

وقد احتفت السينما المصرية، في بداياتها الأولى، بالمرأة شكلًا، وظلت بورصة استثمار الجسد مفتوحة على الدوام، مسجّلة أعلى أرقام قياسية لها من حيث المشاهد الساخنة خلال فترة العمل الفني المصري اللبناني المشترك، حيث أتاحت ظروف العمل في بيروت آنذاك، تمرير مشاهد شكّلت الثروة في تطويع الجسد أمام عين الكاميرا، نذكر منها (الذئاب لا تأكل اللحم)، و(سيدة الأقمار السوداء) و(حمام الملاطيلي) و(أعظم طفل في العالم) و(قطط شارع الحمراء) و(امرأة وثلاث عيون)، وغير ذلك من الأفلام التي سُوّقت بناءً على ما تتضمّنه من مشاهد عري ساخنة.

ثم ابتكرت السينما المصرية مصطلح (ممثلة الإغراء) لتسويق منتجاتها، فكانت، في البدايات، هند رستم التي شكّلت مدرسة في الإغراء الإيحائي الذي لا يبتذل الجسد، تلتها ناديا الجندي، وظلت العيون ترقب الممثلات الصاعدات للبحث عمّن تصلح لأن تكون نجمة إغراء، لدرجة أن ممثلة متحفظة مثل حنان الترك لم تسلم من كاميرا المخرج يوسف شاهين في فيلمه (الآخر) فأظهرها في مشاهد إيحاء جنسي اعتبرت جديدة عليها.

ومن جانب آخر، فقد انعكس توجّه الإيحاء الجنسي على الإعلانات الخاصة بالفيلم التي غالبًا ما تظهر الممثلة شبه عارية أو في حالة عناق، بما يوحي للمشاهد أن الفيلم ساخن، وأن فيه المزيد من المشاهد الساخنة، وغالبًا ما يُصدم المشاهد حين يكتشف أن ما ظهر في الصور الإعلانية هو فقط ما يتضمنه الفيلم من مشاهد، وأن ما هو ممثل بتلك الصور ما هي إلا لقطات سريعة جدًا بالكاد يتمكن المشاهد من إدراكها أثناء المشاهدة، وأذكر في هذا السياق فيلمًا كانت جميع الصور الإعلانية عنه تظهر الممثلة في وضعيات عناق مختلفة ليتبين عند المشاهدة أن الصور جميعها أخذت لمشهد لا تزيد مدته عن نصف دقيقة وما دون ذلك قصة مملّة ممجوجة.

وقد حرصت السينما المصرية، انطلاقًا من الهاجس الإيحائي الموضح أعلاه، على إبقاء المرأة في حساباتها، بل إقحامها أحيانًا على الشاشة بدون ضرورة، فما ندر أن يمر فيلم من دون أن تحضر فيه المرأة بدور بطولة حتى لو لم يكن لها دور في الفيلم من الأصل، مما يوحي أن حضور المرأة مرتبط بغايات واعتبارات بعيدة عن الحاجة الفعلية لدور نسائي رئيسي، وأغلب تلك الغايات والاعتبارات مرتبطة لدى صنّاع السينما بدغدغة نهم المشاهد الباحث عن المرأة في الفيلم السينمائي، فبات من المألوف أن تظهر الأفلام بوجود بطل وبطلة، حتى لو كانت القصة لا تستدعي وجود بطلة، وغالبًا ما يؤتى بنجمة الشباك في حينه للاستفادة من اسمها فقط.

نستشهد على ذلك بفيلم (البريء) للمخرج الراحل عاطف الطيب، الذي يتحدث عن فترة سياسية حرجة في مصر، تلت نكسة حزيران/ يونيو 1967، وما شهدته تلك الفترة من ضغط سياسي واعتقالات للمعارضين واليساريين، حيث تدور أحداث الفيلم حول شاب صعيدي (أحمد زكي) يجنّد في الخدمة العسكرية، ويكلّف أثناء الخدمة بحراسة السجناء الذين قيل له بأنهم أعداء الوطن ليكتشف بعد ذلك أن الذين يحرس سجنهم هم الغيورون على الوطن وأبناؤه المخلصون.

الفيلم، كما نلاحظ، لا يوجد فيه مجال لدور نسائي رئيسي، ومع ذلك فقد تم إقحام إلهام شاهين بدور هامشي، باعتبارها جارة الجندي في القرية، والإيحاء بأن ثمة قصة حب خفية بينهما، ولتمرير قصة الحب هذه غير الموجودة أصلًا في سياق الفيلم، يتم إقحام مشهد يطلب فيه شيخ جليل في القرية التي يسكن بها (أحمد زكي) في أول إجازة قصيرة له للقرية من الجيش أن يصطحب معه ابنته (إلهام شاهين) لزيارة شقيقها في القاهرة فيأخذها أحمد زكي معه، وتحدث في الطريق بعض الإجراءات للتدليل على وجود مشاعر متبادلة، ولأن قصة الحب هذه مقحمة على الفيلم وليست جزءًا في سياقه فقد تجاوزتها الأحداث ولم تتوقف عندها إلا بلقطات موجزة سريعة، ولم تظهر إلهام شاهين بالتالي سوى في مشاهد محدودة، ومع ذلك فقد تقاسمت دور البطولة مع أحمد زكي.

وهناك فيلم (الكيف) للمخرج علي بدرخان فقد تم إقحام نورا الى جانب محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني في البطولة، رغم أن أحداث الفيلم تدور حول عالم المخدرات وتورط شقيقين في دهاليزه، وكان يمكن الاستعانة بممثلة من الصف الثاني للقيام بدور زوجة أحد الشقيقين (يحيى الفخراني) طالما أن الدور برمّته لا يزيد عن عدد محدود من اللقطات ولا يحتاج أداؤه إلى مجهود استثنائي يذكر، وقد بدت نورا في الدور لا حول لها ولا قوة، مثل الأطرش في الزفة، حيث أن دورها غير مؤثر في مجريات الفيلم وبالتالي فإن حضورها غير لائق وأداءها غير مقنع، طالما أنها تؤدي دورًا خارج السياق، حيث تظهر في الفيلم تلك الزوجة الطيبة المعنية بأسرتها، الآمنة المستقرة، غير مدركة للزلزال الذي يهز أركان بيتها وأسرتها وحياتها الزوجية.

وفي فيلم (أبي فوق الشجرة) للمخرج حسين كمال، وعلى الرغم من الزخم العاطفي في الفيلم لدرجة أن جمهور الدرجة الثالثة سمّوه بفيلم الـ (99 قبلة) فإنه لم يقدّم المرأة في إطار قصة حب شفافة، بقدر ما ركّز على قضايا الانحراف، والإغواء، وحياة الليل، وبدت فردوس (ناديا لطفي) فتاة ليل مجانية، فيما بدت آمال (ميرفت أمين) سلبية عديمة الفعالية لصالح رغبات صلاح (الراحل عبد الحليم حافظ). وفي نهاية الفيلم يترك (حليم) الراقصة فردوس التي بادلته حبًا حقيقيًا، ويعود الى آمال التي قررت لقاء ذلك أن تتحرر من تحفظها وأن تصبح كما يريدها هو أن تكون، أي مجانية، غير متحفظة.

ومن الأفلام أيضًا التي وضعت المرأة في ظل الرجل فيلم (الراعي والنساء) للمخرج علي بدرخان، وبطولة الراحلة سعاد حسني ويسرا والممثلة الصاعدة ميرنا. تدور قصة الفيلم حول ثلاث نساء (زوجة وابنتها وشقيقة الزوج) يعشن وحدهن في بلدة نائية بعد أن توفي صاحب البيت في السجن، ويعتشن على زراعة الأرض ورعي الأغنام فيأتيهن حسن (أحمد زكي) رفيق الزوج في السجن، عارضًا مساعدتهن في فلاحة الأرض، فتقعن الثلاث في حبه، فيظهر حسن الرجل المشتهى، والنساء يظهرن رغبات جامحة مكبوتة في أعماق النفس.

ما سبق نماذج من أفلام تظهر كيف تعاملت السينما المصرية خلال نصف قرن مع المرأة، وكيف احتفت بجسدها في حالات ثم حنطتها في الأفلام التي لا أدوار فيها للجسد. وبالطبع هناك استثناءات كثيرة، وقد يكون مقالنا هذا بحد ذاته استثناء في مسار السينما المصرية، غير أن هذا لا ينفي ما ذهبنا اليه بأن المرأة عوملت – وما تزال – جسدًا أمام عين الكاميرا سواء بأسلوب مباشر أو بأسلوب إيحائي غير مباشر.

يقول المخرج رضوان الكاشف ردًا على سؤال يتعلق بكثرة المشاهد الجنسية في أفلامه: "أفلامي فيها جنس لأن السينما عندي مثل الدنيا والدنيا فيها جميع هذه الأشياء، لذلك فإنني لا أخشى ولا أخجل من التطرّق للجنس لأنه موجود في مجتمعنا، ويأخذ دورًا ومساحة أوسع في الحياة ومن تفكير الناس، وعندما أهمل هذا الاهتمام الواقعي بالجنس في السينما سأكون كاذبًا، لكن المعادلة المتوازنة لطرح الجنس هي وضعه في سياق واقعي يقبله الناس ويصدقونه".

هذا ما يقوله الكاشف، ولكن ماذا نقول عن المرأة التي وضعت في أدوار ومشاهد كثيرة خارج السياق تمامًا؟

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.