}

قصر الشوكولا

شذى تيسير النجار شذى تيسير النجار 4 أبريل 2020
أمكنة قصر الشوكولا
تمثال الحرية من الشوكولا بمتحف إسطنبول
عندما دخلت إلى متحف الشوكولا في إسطنبول أخذت نفسا عميقا لتمتلئ رئتي بأكسجين مليء بالشوكولا. شعرت بأن حلم الطفولة يتحقق برؤيتي للعالم من حولي مصنوعا من الشوكولا. عند مدخل المتحف هناك أكواب ضيافة مصنوعة من الشوكولا ومشروبات شوكولا فتبدأ رحلتك بالاستمتاع بتعبئة كأسك، ومن ثم تنتقل عبر الأقسام. تبدأ من اللوحات الفنية التي تتحدث عن تاريخ صناعة الشوكولا، ومن ثم ترى الأماكن الأثرية والسياحية المشهورة بتركيا بأدق تفاصيلها، وكأنها حقيقة أمامك، قاعة الأدباء والفنانين الأتراك، والعالميين، وقاعة مولانا جلال الدين الرومي، مسجد المسجد الأقصى وقبة الصخرة. 
إنها قاعة تجسد الحضارات عبر العصور، وحتى المهن المشهورة في تركيا تستطيع معرفتها من خلال المتحف، بالإضافة إلى قاعة الأطفال التي تحتوي جميع الشخصيات الكرتونية المشهورة. كل ما تم ذكره من أقسام، وما تحتويها من مجسمات، لها شروحات تفصيلية باللغات التركية، الإنكليزية، والعربية، وكان الزوار من جميع الأعمار، ومن مختلف الجنسيات، وأكثر ما لفت انتباهي عدد الطلاب القادمين لزيارة المتحف مع مدارسهم. من خلال المتحف اكتسبت الكثير من المعلومات عن تركيا، والتي لن أحصل عليها في أي مكان آخر بهذا الكم من الاستمتاع والدقة والمحبة، وهذا بالتحديد ما كان يهدف له القيمون على المتحف، الذي وصفه لي المدير بأنه مشروع مسؤولية مجتمعية يستخدم محبة الكثير من الناس للشوكولا ليقدم من خلالها الحضارة والتاريخ والفن فيساهم في وعي المجتمع.

***

"شوكولا" اسم عالمي يحمل معنى واحدا، تماما كما هي الابتسامة لا تبعث في أنفسنا سوى السعادة، تشعر بها قبل أن تتذوقها متعطشا لها كتلك النبتة الظمآنة منتظرة حبة مطر محملة بحب السماء لتملأ قلبها بالحياة من جديد. نكهة خاصة تملأ حواسنا بكل ما ترغب به من ملذات، بسيطة كما هي بلا أيّ تعقيد، كلما اقتربت إلى طبيعتها كلما زادت جرأتها 100% كاكاو أو أقرب إلى ذلك بلا إضافات، هكذا ترغب بها الحواسّ النقية، 38%-48% كاكاو بالإضافة إلى السكر وحليب "ليسيثين" ونكهة الفانيلا، سلسة الطعم معقدة التركيب.

هناك من يرغب بها كذلك تنطبق مع مزاجه باحترافية تامة لتقوم بفعل سحرها كلما خطرت ببال محبها، أما الثالثة فهي مزيج من الخيال والحقيقة، من اللهو والعبث، من زمن ماض أو حتى لم يأت بعد، زبدة كاكاو حليب وسكر، لا أعلم إن كنت أستطيع تسميتها بالشوكولا أم لا، فهي بالحقيقة لا تحتوي على مسحوق الكاكاو ولكن لا يُلام العاشق على ما يهوى ثلاثة أنواع من الشوكولا، غامقة وحليب وبيضاء، لكل منا معها حكاية خاصة. مع حكاياتي الكثيرة لها قررت يوما أن أعرف حكايتها: هي تاريخ عظيم/ماض عريق، حاضر مليء بالمغامرات، ومستقبل مقبل على الكثير من التغييرات أو من الممكن لاستدامة نجاحاته أن يعود للماضي قليلا بلمسات صانعي المستقبل... صانعي الشوكولا المهووسين. وكأي شيء له تاريخ عظيم يكتسب الناس من التعرف عليه معرفة واسعة ونظرة مختلفة لجماليات الأشياء المتواجدة بين يديه. دائما قامت العديد من الدول ببناء متاحف للشوكولا بطرق وأشكال وأساليب ولأهداف مختلفة.

***

 بعد زيارتي لمتحف "بيليت" للشوكولا في اسطنبول تملكني الفضول لمعرفة المزيد عن متاحف الشوكولا حول العالم فوجدت مثلا متحف كيلر السويسري التابع لمصنع "كيلر" للشوكولا الذي يعتبر من أقدم علامات الشوكولا السويسرية والعالمية، وعندما تدخل المتحف تمر بأربع جولات، تبدأ بالحديث عن تاريخ الشوكولا ومن ثم في القسم الثاني يضعون جميع مكونات صناعتها في متناول الحواس لتستطيع لمسها، شمها، وتذوقها، وهذا يسمح أن تكون الشريك في التعرف على تفاصيلها عن قرب، ثم ينتقل الزائر إلى المصنع ليرى خطوات تصنيع الشوكولا، وتغليفها،

ومن في القسم الرابع والأخير يتم عرض كل الأنواع التي ينتجها المصنع وبجانب كل نوع تفاصيل المكونات من عملية الصفر حتى وصولها ليد المستهلك، فمثلا الشوكولا الغامقة بالبندق يتم عرض ما يلي: "بذور الكاكاو، القليل من الحليب الذي يتم استخدامه من مزارع الأبقار الخاصة بالمصنع، فانيلا وبندق"، وخلف المكونات باكيت الشوكولا وبجانبه كمية كبيرة من حبات الشوكولا التي يستطيع الزائر تذوق الكمية التي يرغب بها، بالإضافة إلى هذه الجولة يقدمون خدمة الدورات التدريبية لتعليم صناعة الشوكولا مع صانعيها المختصين، وعلى الموقع الخاص بهم يكتبون أن هدفهم من افتتاح متحف الشوكولا إتاحة الفرصة لزوارهم الذين يبلغ عددهم أكثر من 400.000 سنويا لاكتشاف سرّ أصول صناعة الشوكولا عن طريق استخدام جميع حواسهم .

***

هناك متاحف متعددة في العالم متخصصة في التعريف بالشوكولا كمتحف كولوني التابع لعلامة الشوكولا "لندت" والذي يستقبل أكثر من 600.000 زائر سنويا حيث يعتبر من أبرز المؤسسات الثقافية في منطقة كولوني في ألمانيا. وكذلك متحف الشوكولا في بريكستون في لندن حيث يهدف لإلهام شغف زواره لمعرفة جودة الشوكولا وتاريخها في بريطانيا حيث أنه مجاني الدخول ولا تحتاج تذكرة لزيارته.

أما متحف الشوكولا التابع لعلامة هيرشيس في الولايات المتحدة، فيصف القائمون عليه بأن تجربة التواجد بهذا المتحف مختلفة عن المتاحف التقليدية، حيث هناك خمسة معارض رئيسية جميعها يحتوي على مكونات تفاعلية وأنشطة مخصصة للزوار مما يجعل الزيارة أكثر متعة وحركة.
أما معرض قصة الشوكولا الأوروبي بفروعه الخمسة: بلجيكا، باريس، نيويورك، المكسيك، ومؤخرا تم افتتاح فرع ببيروت، فيهدف إلى توضيح تطور صناعة الشوكولا عبر التاريخ، ويقدم خدمة الورشات التدريبية لتعليم صناعة الشوكولا كما يحتوي على قسم لبيع الشوكولا، وتوضح إدارة المتحف في بيروت أن سبب افتتاحهم له كان شغفهم في الشوكولا، ورغبتهم بتعريف الناس على حكاية صناعتها.

***

رغم التطور الذي يشهده العالم والمتعلق بثقافة المتاحف وخاصة في دول الخليج العربية لماذا لم تفكر أي منها في بناء متحف يحاكي ثقافاتنا وعاداتنا وأماكننا التاريخية عن طريق الشوكولا؟ هل يعود السبب في غياب ذلك إلى قلة المختصين في بلداننا العربية، وقلة الخبرات، والمدارس المختصة بمجال صناعة الشوكولا؟.

أدعو جميع محبي الشوكولا إلى معرفة المزيد عنها كي يزداد حبنا لها أكثر، كما أتمنى يوما أن نتساءل عن مكونات كل ما نقرر أن ندخله إلى أجسادنا، أن نؤمن به عقليا كي نتفادى الكثير من المشاكل الصحية في المستقبل. وهذا ما أقوم بفعله بشكل علمي ضمن إطار تخصصي في "قصر الشوكولا" في إسطنبول، المدينة العريقة كعراقة حبات الشوكولا.

*صانعة شوكولا مقيمة بإسطنبول، خريجة الأكاديمية الملكية لفنون الطهي/جامعة لاروش سويسرا.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.