}

"الحرملك" عالم مغلق على نساء حلب القديمة

فيصل خرتش 8 أغسطس 2021
إناسة "الحرملك" عالم مغلق على نساء حلب القديمة
نموذج عن البيت التقليدي في حلب
 (Getty)                                                                                                                                                                                                             

يتألف "الحرملك"، أو الجزء المخصص للنساء، في كل بيت، من باحة واسعة، تتصل بباحات أصغر، ويوجد فيه حمام ومطبخ خاص، ومغسلة، وغرف أخرى. يزرع جزء من الباحة الرئيسية بالأشجار والأزهار، ويرصف الباقي.
وفي الطرف الجنوبي منه، يوجد حوض ماء مربع الشكل ذو نوافير. وبالقرب منه سرادق صغير مقام على مصطبة حجرية. تحاط العتبة بسياج يقام عليها إيوان مفتوح، وتوجد بركة صغيرة في وسط الإيوان. الأرضية مزخرفة بالموزاييك، والماء يبللها فيعطي مشهدًا بهيجًا من الألوان، كما يصدر خريرًا وهو يتدفق إلى الحوض عبر قنوات من المرمر إلى الأسفل. وتوضع إيوانات في البستان، أو تُنشأ عرائش من أقفاص مشبكة خفيفة، تكسوها الكرمة، أو الورود، أو الياسمين، وعندما تتفتح الورود يصبح المنظر خلابًا.
وفي مقابل الحوض، توجد غرفة عريضة مقوسة الشكل تطل على الباحة، وهذه تكون للضيوف، ويستخدم فيها قماش الشيت، والمخمل، والسجاد، وتسمى "الإيوان".




من الناحية الشمالية، يوجد رفراف مائل مطلي، يكون بارزًا فوق القوس، ومحميًا من الشمس، ليوفر مكانًا رائعًا للجلوس خلال الأشهر الحارة. يدخل صوت خرير المياه ومنظر النوافير المتعة والبهجة. وإذا هبت نسمات الهواء تكون مشبعة بعبق الياسمين العربي، والتمر حنة، والنباتات العطرية الأخرى المزروعة في الجنينة، أو تكون مصفوفة في أصص حول الحوض.
وعلى كلَ جانب من الغرفة الصيفية، هنالك غرقة صغيرة للاستراحة تسمَى القبة، وفي جميع الحجرات يوجد رفَ يحيط بالغرفة، تصف عليه زبادي كبيرة من الخزف الصيني، وأوعية من الفضة والكريستال.
تحيط الحجرات الخاصة بالنساء، عادة، بجزء من الباحة، وتكون غرف النوم في الطابق الأرضي. أما الغرف الموجودة في الطابق العلوي فتسمى "المربع"، وتؤدي الدرجات الحجرية في الخارج إلى الغرف العلوية، وتظللها الكرمة. كما يوجد في مكان النزول مقعد مظلل، وبعض المربعات لها شرفات أنيقة تبرز فوق الشجيرات.
جميع البيوت مستوية، ومطلية بمزيج من الملاط والقار والرماد والرمل، الذي يصبح مع مرور الزمن شديد الصلابة، وينام عليها معظم السكان في فصل الصيف.
ويشبه لباس المرأة لباس الرجال، إلا أنَ الدولمان والقنباز يكون أشد التصاقًا بالجسم، ولا يثنى عند الصدر، وتبقى الرقبة من دون غطاء، ويصنع كلاهما من الحرير الأوروبي، أما القماش المقصب، أو المزهر، فيكون من صنع حلب، في حين يكون الجنتان مصنوعاَ من الحرير، أو القماش الهندي، وهن يرتدين جوربًا خفيفاَ للقدم فقط، أو أي جلد ملون آخر، ولا يخاط مع الجنتان. القمصان مصنوعة من قماش حريري ناعم تتدلى حتى القدمين، تحت القنباز وفوق الجنتان، ويرتدين ثلاثة أحزمة، وهي مطرزة تثبت بإبزيم كبير مذهب، ومزدانة بلآلئ، او بأحجار كريمة.
ويختلف طراز الفرو الذي يرتدينه عن الفرو الذي يرتديه الرجال، إذ يكون أكثر التصاقًا بالجسم، وتكون الأكمام مفتوحة عند المرفق، ومتدليًا عند الأطراف، ولا يخفي الرقبة، وهن يفضلن فرو السمور والقاقوم، ونادرًا ما يرتدين أكثر من فروة في وقت واحد، وتكون فتحة الفروة حول القبة أوسع بكثير، أما على الصدر فهي أضيق مما هي عليه فروة الرجال، ويرتدين ذيل القاقوم، ويعلق على التجذيبات الخارجية.




تقلّد كثير من السيدات سيدات إسطنبول، فيضعن عمامة طويلة مستديرة من الموسلين الملون، مزدانة بلآلئ ودبابيس ألماس وريش طائر ابن الماء، وأزهار طبيعية، أو اصطناعية، وترتدي نساء أخريات الغطاء الحلبي العادي، وتجدّل بعضهنّ شعرهنّ بعدد كبير من الجدائل، وتشكله أخريات في جديلتين، أو يتركنها تتدلى بحرية إلى الأسفل، ولكن كلتا الطريقتين ليستا بالأناقة نفسها التي تبدو عليها السيدات في إسطنبول.
ترتدي النساء أقراطًا وعقودًا من الذهب، وأساور ذهبية كبيرة غليظة حول الرسغ، وخلخالًا حول الكاحل، وقلادة قريبة من الشعر على الجبهة، وأخرى طويلة حول الجسم، وترتدي خواتم في الأصابع، في حين تضع بعض النساء خواتم حتى في الأصابع الكبيرة. وجرت عادة الشرقيين منذ قديم الزمان على إنفاق أموال كثيرة على المجوهرات، وعلى أدوات الزينة الأخرى لنسائهم.
استخدام الحمرة (حمرة الخدود) ليس معروفًا كثيرًا، ومن تضع الحمرة هي امرأة سيئة السمعة، إلا أن النساء لا ينفرن من الزينة الاصطناعية، ويضعن نوعًا من الطلاء غير الطبيعي، وهو يسيء إليهن أكثر من استخدام الحمرة، إنه طلاء مأخوذ من نبات يدعى الحنة، يطلين به الأصابع والكفين وظهر اليدين والقدمين وأصابع القدمين، ويمنحهن لونًا أصفر داكنًا، وتتمثل الطريقة العادية في طلاء رؤوس الأصابع واليدين والقدمين بشكل خفيف بالحنة. وفي مناسبات خاصة، ترسم أشكال نجوم، أو ورود، أو أزهار أخرى، على اليدين والقدمين بالطريقة التالية:
تشكل عجينة من الأوراق المسحوقة من نبات الحنة مع الماء، ويلف جزء منها على شكل خطوط قصيرة، ويحفظ الجزء الآخر من أجل رؤوس أصابع اليدين والقدمين، ويحضر قرص من العجينة، توضع فوقها خطوط العجينة، وبعدها تغطى بالعجينة وتلف بالأربطة، وبعد ثلاث ساعات تكون هذه الأجزاء قد لونت باللون الأحمر الداكن، أو بالأصفر، ثم تغطى هذه الأجزاء بعجينة من زهر القمح والماء مع كمية ضئيلة من ملح الأمونياك والكلس، وتترك نصف ساعة، فتتحول إلى لون أسود، أو أخضر غامق، وتعتبر هذه العملية من المراسم الضرورية في مراسم الزواج، وفي المناسبات الأخرى، وتستخدم الفتيات عادة الحنة لصبغ شعورهن، لكن لا يصبغنه ليصبح لونه أحمر شديدًا، بل أحمر مائلًا للسمرة، أقرب إلى اللون الطبيعي.




وثمة عادة شائعة بين النساء، وهي تظليل الرموش بواسطة مرود "ميل" من العاج، أو الخشب، أو الفضة، وتدهن بمسحوق يسمَى الكحل الأسود. يغطس الميل بالماء، ويرش عليه قليل من المسحوق، ويستخدم الجزء الأوسط بشكل أفقي على العين، بعد أن يغلق الجفنان عليها، ويمرر المرود بينهما، فيتلون الجزء الداخلي، ويترك خطًا أسود حول الحافة.
وتمارس النسوة عادة أخرى تتألف من تركيب يدعى "الخطاط" على الجفون، يلونها بلون أسود جميل، ويجعل الشعر ناعمًا ولامعًا، والمادة المستخدمة لتحضير الكحل العادي هي نوع من خام الرصاص، يتم تحضيره في سفرجلة، أو تفاحة، ثم تضاف إليه بضع قطرات من زيت اللوز، ويطحن على مرمرة حتى يصبح مسحوقًا ناعمًا.
يستخدم كلا الجنسين مجموعة من العطورات المركبة من المسك وخشب الصندل والناردين، وتوضع في أكياس صغيرة مسطحة، وتحمل في جيب الصدر، كما يستخدمون عطر الورد، وعطورًا أخرى تجلب من الهند.
هذا هو وضع المرأة أيام حكم الدولة العثمانية، تجلس في الحرملك، وتتزين لزوجها، وتضع الذهب والمجوهرات في انتظار رجوعه.



المراجع:
ــ الشرق الأوسط عشية الحداثة، أبراهام ماركوس، دار شعاع، حلب 2009.
ــ تاريخ حلب، أردفازد سورمايان، دار النهج، حلب 2006.
ــ تاريخ حلب الطبيعي، الأخوين راسل، دار شعاع، حلب 1999.

مقالات اخرى للكاتب

يوميات
11 فبراير 2024
يوميات
5 يناير 2024
يوميات
25 نوفمبر 2023
يوميات
6 أكتوبر 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.