}

الحلي الأمازيغية الملكية... خلالة وتالكموت وعصير صابون

الدوحة ـ محمد هديب 22 فبراير 2024

من القصر الملكي المغربي إلى متحف الأوداية (المتحف الوطني للمجوهرات والتحف الفنية التاريخية للمغرب) انتقلت إلى الدوحة العام الماضي 2023 مجموعة الحلي الأمازيغية بما تحمله من أهمية كبيرة في الثقافة والتراث المغربيين، وهي في مجملها تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين.

في متحف الفن الإسلامي بالدوحة افتتح مساء أول أمس الثلاثاء معرض "الحليّ الأمازيغية للقصر الملكي" ويستمر حتى 20 مايو/ أيار المقبل، ضمن مبادرة "الأعوام الثقافية"، التي تقدم تبادلات ثقافية طويلة الأمد بين قطر ودول أخرى، واختيرت المملكة المغربية شريكًا لها في عام 2024.

هذا أول عرض للمجموعة خارج المغرب، ويتكون من مئتي قطعة تمثل جل مناطق المغرب من جبال الأطلس إلى الصحراء الكبرى، وتشير إلى ثرائها المتجلي في تنوع الأشكال المنتجة، والمواد المستخدمة، والتقنيات المعتمدة.

جوهرة المجوهرات

في حيّز واحد تبدو العينة التمثيلية متحفزة لتحكي سيرة ثقافية مادية ولا مادية، وفي جوهر المجوهرات ستكون الفضة سيدة التزيين المثقلة بالمعاني والرموز والمؤشرات الاجتماعية والثقافية التي تحمل في خباياها قيم ورؤى المجتمعات التي صنعتها.

فالمشتغلون في هذه الحلي هم أبناء سلالات حرفية تعيش داخل مجتمعها، وهم جزء من بنيته ويعتاشون على تحويل التعبيرات التراثية إلى حلي مشغولة تجد مجالها الرمزي كزينة، وتمثيلات هوياتية ودينية وطبقية إضافة إلى الاستثمار المالي، خصوصًا في المعادن الثمينة.

هذه حلي للرأس من الحرير وأخرى من عظم الحيوان، والصوف والعملات المعدنية، وقلائد فضية مطلية بالمينا، وأخرى من العنبر، وخواتم مرصّعة بالزجاج وخيوط الفضة والمينا، وحلي من الجلد والفضة والمرجان.

حين تتشكل المفردات المجردة في سياق يتكون المعنى، فيكون "التالكموت" وهي مفردة أمازيغية تشير إلى زينة الرأس الزاخرة بالفضة المطلية، والمرصعة بالقطع الزجاجية الملونة.

وتكون "الخلالة" وهي قطعة نموذجية من المجوهرات المغربية، لطالما اهتم الباحثون بها. إنها زينة صدرية تسمح للمرأة بتثبيت الثوب حول جسدها. وهي بذلك تتشكل من جزأين متمايزين، أحدهما وظيفي والآخر جمالي. يتكون الجزء الوظيفي من دبوس وحلقة تستخدمان لربط ثوب المرأة. لكن ما يعطيها دورها الجمالي هو قبل كل شيء جسد الخلالة.

من المعرض


يد فاطمة

في المعرض العديد من قطع "الخمسة" أو "يد فاطمة" وهي من العناصر المركزية للثقافة الشعبية على امتداد العالم العربي، ونمطها يستجيب لاعتقاد مفاده أن العدد خمسة يجلب السعادة ويقي من العين الشريرة بمرور الوقت.

تزين هذه الأيدي بشكل عام بزخارف نباتية تُركّب عليها تمثيلات تصويرية للطيور والهلال والخناجر والسحالي والنسور، والنجوم... إلخ، وأنتجت هذه الأيدي للنساء في المناطق الحضرية والقروية، واللاتي يقدرن وظيفة "الخمسة" الوقائية وأسلوبها الخالي من أي تطعيم أو طلاء.

وهناك الحلي التي تعتمدة مفردة الـ"تفكرون" بالدارجة وتعني السلحفاة، وهي تستخدم في القلائد والأساور والدبابيس.

أما دمالج "عصير الصابون" فهي أساور عريضة من الفضة، والاسم فيما يبدو بات لصالح الدمالج الذهبية التي تبدو هذه الاستعارة الشعرية "عصير الصابون" مناسبة أكثر لها.

إذ ثمة من يرى أن الدملج مكلف ماديًا، ولا تبيعه صاحبته إلا عند الضائقة المالية للأسرة، وعصر الصابون استعارة لهذه الضائقة، بينما يرى آخرون أن المرأة وهي تشمر ذراعيها وتغسل الثياب تتعمد إظهار ما يحيط بمعصمها متباهية به أمام الجارات.

أقاليم الحلي

وتقاسمت المعرض أقاليم صناعة الحلي التي تتقاطع وتتباين فيما تنتجه مجتمعاتها. ففي الصحراء المغربية نجد اعتماد الصائغ على الأشكال الهندسية المصنوعة من الفضة، النحاس، وقرن الماشية، والعظم لزخرفة الحلي، وتقنية الحفر والنقش.

على غرار مناطق المغرب الأخرى، تحمل بعض المجوهرات الصحراوية دلالة رمزية، مثل خواتم "الشريعة" التي سمّيت على اسم الحجر الذي تُرصّع به، وكذلك استخدام المسابح التي تلعب أحيانًا دور الأساور، أو تستخدم زينة صدرية.

وفي الجنوب الشرقي (آيت حديدو وآيت عطا والقبائل المجاورة) تشكل القولبة والنحت الأساليب الفنية الرئيسية. على سبيل المثال، كانت نساء آيت عطا يرتدين خلالة تسمى "تيسغناس" لتثبيت أثوابهن على أكتافهن.

تتكون هذه الحلية من ثلاثة عناصر: دبوس ربط وقلادة مثلثة وسلسلة. من ناحية أخرى، فإن الجزء الشرقي من جنوب المغرب مرتبط بشكل خاص بالقيمة الرمزية والطبية للعنبر وهو يرتدى بجميع الأشكال حسب الإمكانيات.

الحلي القروية

وفي الحلي القروية نرى إنتاج المجوهرات حصريًا من الفضة التي ترمز إلى النقاء. تحمل هذه الحلي قيمة ثقافية وجمالية كبيرة عبر مختلف المناطق، خصوصًا في محترفات الأطلس الصغير والأطلس المتوسط والأطلس الكبير مثل إغرم وتيزنيت وإيدا ونضيف.

وتسلط كل منطقة قروية الضوء على تقنيات تصنيع مختلفة كالفضة المخرمة أو المطلية أو المعززة بالمينا، وأحيانًا المزينة بالأحجار شبه الكريمة أو الخرز.

وتعتبر الجبيهة، والقلادة، الخلالة والأساور والخلاخل والأقراط من بين القطع الرئيسية التي تشكل الحلي النسائية. والحلي تنتقل من الأم إلى الابنة وتأخذ وظيفة اقتصادية واجتماعية ورمزية وجمالية في آن واحد، فهي تزين المرأة في الأحداث الهامة مثل الزواج وكذلك في حياتها اليومية كما أنها وسيلة للادخار اعتمدتها العائلات من جيل إلى جيل.

بالإضافة إلى الفضة والنحاس والحديد، أحيانًا تكون الحلي مصنوعة من البرونز أو سبائك النحاس مع القصدير أو الرصاص. غالبًا ما تتخصص مراكز الإنتاج في تقنيات معينة، مما يسهم في خلق أساليب وتصاميم تميز كل منطقة عن الأخرى وتعطيها طابعها الثقافي والهوياتي والحرفي. وبذلك تتبنى كل منطقة نظامها الخاص للحلي.

من المعرض


فضة تزنيت

وفيما يخص منطقة الأطلس الصغير لا يستوي الحديث دون ذكر منطقة تزنيت بالخصوص بوصفها نقطة تمازج تقنيات مختلفة بدقة ومهارة مشهودتين، ويعتبر الترصيع بخيط الفضة والطلاء والتفصيص والترصيع بالأحجار والزجاج الملون من التقنيات المفضلة في المنطقة.

كما في وسط الأطلس الصغير، تحظى منطقة "اداو نضيف" بشهرة خاصة من خلال تنوع منتجاتها مثل الإكليل والصدرية والأقراط والقلادات، وكذا الأسلحة كالخناجر والبنادق وعلب البارود.

وفي سفوح الأطلس الكبير الغربي لدى قبيلة حاحا يجري تصنيع الخلالة بتقنية القالب، وتأخذ شكلًا مثلثًا وتتسع بشكل طفيف على الجانبين وتزيّن قاعدة الإبرة والجزء المسطح البارز من الجانبين بأشكال منقوشة.

وحسب بعض الباحثين تمثل الخلالة بهذه المنطقة رأس الخروف إذا نظرت إليه من الأمام، ويحيلون هذا الشكل إلى عبادة غابرة متعلقة بالخرفان والتي يعتقد أنها كانت منتشرة قديمًا على نطاق واسع في شمال أفريقيا.

وإلى شمال المغرب في جبالة والريف غالبًا ما يتم الخلط بين صناعة الفضة في المناطق الحضرية والمناطق القروية. في منطقة الريف، ميز الصاغة أنفسهم من خلال إنشاء نوع فريد من الخلاخل المصنوعة بتقنية القالب لها شكل شبه منحرف وجزء منقوش، يذكر بالمثلث التقليدي الذي يميز الخلالة الأمازيغية.

وفي الأطلس المتوسط كانت النساء حول مدينة خنيفرة يرتدين حلي الرأس والخلالة والعقود بأطوال مختلفة، مصنوعة بالكامل من العملات الفضية الفرنسية والاسبانية، والتي كانت مكملة لتلك التي تم سكها في عهد السلطان الحسن الأول في القرن التاسع عشر.

أضافت صفوف العملات المعدنية بعدًا حركيًا وتأثيرًا صوتيًا مميزين. بينما تستخدم خلالة منطقة زيان أنواعًا من الدهان جعلتها تشبه منتجات المدينة. ويضيف أهل زيان إلى الخلالة قلادات ضخمة تستحضر الإجاص وتسمى "برميل". وعلاوة على ذلك، تتميز قبيلة آيت سغروشن بشكل أساسي بتقليدها تقنية الصبغة السوداء، والتي تمكن إبراز الزخارف ذات الخلفية البيضاء على الصفائح الفضية الكبيرة. 

تصوير: العربي الجديد

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.