بمناراتها المعمارية المدهشة الخالدة، وتدافع الحضارات فوق ترابها، تتجلى العمارة الفرنسية بوصفها أيقونة العمارة الأوروبية.
وهي تعدّ، على وجه العموم، واحدة من أكثر العمارات تأثيرًا وإثراءً في تاريخ العمارة العالمية، حيث تشتهر فرنسا بتصاميمها الراقية والفريدة من نوعها التي تمتاز بالجمال والتفرّد والتاريخية.
والعمارة الفرنسية متصلة ومتواصلة، الحضارة فيها تسلم إرثها للحضارة التي تليها، من العمارة الرومانية إلى القوطيّة إلى الباروكيّة إلى الكلاسيكيّة فالرومانسيّة فالحديثة وصولًا إلى عمارة ما بعد الحداثة، من دون أن ننسى العمارة التي يطلق عليها "عمارة الروكوكو" التي كانت شائعةً خلال القرن الثامن عشر، وتتميّز بالزخارف الزهرية والمنحنيات اللطيفة والألوان الفاتحة. ونمط "الروكوكو" تأثّر، إجمالًا، بالفنون التصويرية والديكورات الداخلية.
إضافة إلى ما تقدّم هناك أنواع أخرى من العمارة الفرنسية، منها: العمارة العتيقة الموجودة في العديد من المدن والبلدات الفرنسية المميزة بشوارعها الضيقة ومبانيها التاريخية، مما يضفي عليها جوًا رومانسيًا وتاريخيًا.
هناك، أيضًا، العمارة الصناعية التي تعود لِمبانٍ صناعية تاريخية (مصانع وورش تحوّلت، في حالات بعينها، إلى مساحات مبتكرة وفنادق ومتاحف).
وبسبب الخصوصية التي تحظى بها العمارة في فرنسا، فقد تأسست أول أكاديمية للعمارة هناك قبل زهاء 400 عام، وتحديدًا في عام 1671، بوصفها أول مؤسسة من نوعها في أوروبا قاطبة. كما أطلقت الجمهورية في عام 1720، جائزة للعمارة حملت اسم "جائزة روما".
تاريخيًا، شكّلت العمارة الرومانية الأساس الصلب للعمارة الفرنسية، وأول زحزحة أحدثتها العمارة الفرنجية (الفرنسية) على العمارة الرومانية التي انتشرت في مختلف جهات بلاد الغال، تمثّلت بإضافة الناووس (أو التابوت الحجري) للقديس الذي يقع خلف هيكل الكنيسة، وأحيانًا في الجزء المزخرف من الكنيسة، إذ تبيّن للباحثين والمعماريين الفرنسيين عدم وجود سوابق رومانية لهذا الابتكار الفرنجي. وهي الإضافة التي تظهر واضحة في كنيسة سانت مارتن، وفي مبانٍ لم تعد موجودة بأيامنا هذه، مثل: سان دوني وسانت جيريون في كولونيا ودير سانت جيرمنيانديس في باريس.
على وجه العموم، فإن التطوّر في إنتاج الحديد والفولاذ الذي شهده القرن التاسع عشر، بدّل طبيعة الهندسة المعمارية بشكلٍ جذريٍّ، سواء في عموم أوروبا، أو في سياق الخصوصية الفرنسية، ومنح الرواد (ومنهم المعماري الفرنسي العبقري الاكسندر غوستيف إيفل (1832-1923)) فرصة توسيع مبانيهم إلى حدود غير مسبوقة.
في سياق المنجزات المعمارية المستندة إلى معجزات الحديد، فإن علامتيْها اللافتتيْن هما: جسر غارابيت (أو غرابيت) للسكة الحديد بالقرب من رويز أون مارغيريد في مقاطعة كانتال (قلب فرنسا) الذي تجلى بوصفه أكبر جسرِ حديدٍ مقوّسٍ في العالم. وطبعًا برج إيفل الذي يكاد يحتكر هوية فرنسا ويختصرها إليه فقط بصورة انتصابه الشاهق اللافت، وبحديده الكثير الخالي من جماليات الألوان.
على أن العمارة الفرنسية لا تقتصر على المنجزات التي تلت الثورة الصناعية، أو تتبع، فقط، التغيرات المفصلية التي شهدتها نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إنها عمارة ممتدة في التاريخ، عاكسة تنوّع الحضارات التي مرّت من بلاد الفرنسيس، ضاربة أولى مداميكها قبل أكثر من ألفي عام مضت وأكثر.
كما أن روائع العمارة الفرنسية لا تقتصر على شواهدها في العاصمة باريس، بل هي تمتد شمالًا وجنوبًا، وفي مختلف نواحي الجمهورية الفرنسية ومدنها وحواضرها.
وفي مختلف الأحوال، فإن الإحاطة بمنارات العمارة الفرنسية في عجالة هو من نواع الأماني غير القابلة للتحقق، وعليه، سنحاول إلقاء ضوء على عينات من أهم مباني العمارة الفرنسية بدءًا بباريس عاصمة النور، ومرورًا ببعض المدن الفرنسية جنوبًا وشمالًا.
باريس
تزخر العاصمة الفرنسية بنماذج كثيرة ومثيرة للاهتمام تعكس معظم سمات العمارة الفرنسية وفي المقدمة منها قوس النصر (أرك دو تريومف) الذي يعد من أبرز معالم باريس، ويشهد على انتصارات الجيش الفرنسي في معاركه. الزخارف والنقوش الجميلة على محيط القوس تعكس أنماط العمارة الكلاسيكية.
ومنها، إلى ذلك، قصر فرساي الذي يعد من أشهر القصور في العالم وهو موقع تراثي عالمي. يمتاز بتصميمه الفخم والبسيط في الوقت نفسه، وتمتد حدائقه الجميلة على مساحة كبيرة.
ولن ننسى كاتدرائية نوتردام دي باريس (Cathédrale Notre-Dame de Paris) أيقونة العمارة الدينية في البلاد الفرنسية، التي تُعد من أشهر الكنائس القوطية في العالم وتشتهر بأبراجها وزجاجها الملون.
ولكثرة نماذج العمارة الفرنسية في باريس، سنكتفي بالمرور السريع على أهمها إضافة إلى ما تقدم: قلعة شامبور (Château de Chambord)، قلعة فيلنيوف (Château de Villandry)، متحف أو قصر اللوفر (Louvre Palace)، قصر شينونسو (Palace of Versailles)، متحف الأورسيه (Musée d'Orsay)، كنيسة سان شابيل (Sainte-Chapelle)، ونماذج باريسية أخرى كثيرة.
ليل
ليل مدينة مضى على إنشائها ألف عام. تقع في شمال فرنسا وتبعد عن الحدود البلجيكية 15 كيلومترًا فقط. من بين مبانيها التي تمثّل معظم عقودها حتى الحديثة منها والمعاصرة، فإن ثلاثة مبان تتجلى بوصفها منارات ليل ودرّة عمارتها: القلعة (ملكة القلاع)، البورصة القديمة (بدايات ملامح الحداثة المعمارية) ودار البلدية (صاحبة المبنى الخرساني الأعلى على الإطلاق).
مارسيليا
في جنوب فرنسا، وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، تتجلى مارسيليا بوصفها عروس بحر بلاد الغال. تعود بدايات عمارتها الاستثنائية إلى 26 قرنًا ماضيًا، وهي في تطوّرٍ مستمر. يعكس تراثها قوة تراث كوكاي المهيمن (كوكاي معماري ياباني ترك بصمته في كل مكان). تذكرنا أربعة من معالم مارسليا الأكثر شهرة بِقدرة الإنسان على الارتقاء فوق القيود وإعادة بث الحياة في المباني التي دخلت التاريخ: حصن القديس جان (حيث انطلقت الحملات الصليبية)، حصن القديس نيكولاس (حيث منصّات المدافع)، قلعة ديف (حامية حدود فرنسا) وكاتدرائية نوتردام دولا غارد (الرمز الأكثر شهرة وارتباطًا بالمدينة).
ستراسبورغ
هذه المدينة تقع على شاطئ نهر الراين مباشرة قبالة ألمانيا. على مَرِّ تاريخها، استفادت ستراسبورغ من موقعها الجغرافيّ المهم. يعكس تراثها المعماري قوة المدينة وهيمنتها، تمامًا، كما يعكس طمع الآخرين بها. يبلغ عمر أهم ثلاثة مبان في المدينة قرابة الألف عام؛ وهي تتجلى اليوم بوصفها شهادة حيّة على قدرة البُناة اللافتة على ترك بصمة لا تموت ولا تنتهي: كاتدرائية ستراسبورغ (القدس السماوية على الأرض)، سد فوبان (معقلٌ للصمود) ومحطة القطار الرئيسية (المرموقة باعتراف الألمان).
بوردو
بوردو مدينة في جنوب فرنسا. شاهدة على تقلبات العصور والحضارات التي عرفها تاريخها. موطن للعديد من المعالم المعمارية المتقنة: كنيسة القديس ميخائيل (ببرجها المدبب كصاروخ متحفز للانطلاق)، والمسرح الكبير (بأعمدته الاثني عشر، يعد أحد أجمل المسارح في العالم)، وساحة بلاس دو لا بورس (ساحة البورصة التي تتميّز بإعدادات معمارية خلّابة).
وهي تعدّ، على وجه العموم، واحدة من أكثر العمارات تأثيرًا وإثراءً في تاريخ العمارة العالمية، حيث تشتهر فرنسا بتصاميمها الراقية والفريدة من نوعها التي تمتاز بالجمال والتفرّد والتاريخية.
والعمارة الفرنسية متصلة ومتواصلة، الحضارة فيها تسلم إرثها للحضارة التي تليها، من العمارة الرومانية إلى القوطيّة إلى الباروكيّة إلى الكلاسيكيّة فالرومانسيّة فالحديثة وصولًا إلى عمارة ما بعد الحداثة، من دون أن ننسى العمارة التي يطلق عليها "عمارة الروكوكو" التي كانت شائعةً خلال القرن الثامن عشر، وتتميّز بالزخارف الزهرية والمنحنيات اللطيفة والألوان الفاتحة. ونمط "الروكوكو" تأثّر، إجمالًا، بالفنون التصويرية والديكورات الداخلية.
إضافة إلى ما تقدّم هناك أنواع أخرى من العمارة الفرنسية، منها: العمارة العتيقة الموجودة في العديد من المدن والبلدات الفرنسية المميزة بشوارعها الضيقة ومبانيها التاريخية، مما يضفي عليها جوًا رومانسيًا وتاريخيًا.
هناك، أيضًا، العمارة الصناعية التي تعود لِمبانٍ صناعية تاريخية (مصانع وورش تحوّلت، في حالات بعينها، إلى مساحات مبتكرة وفنادق ومتاحف).
وبسبب الخصوصية التي تحظى بها العمارة في فرنسا، فقد تأسست أول أكاديمية للعمارة هناك قبل زهاء 400 عام، وتحديدًا في عام 1671، بوصفها أول مؤسسة من نوعها في أوروبا قاطبة. كما أطلقت الجمهورية في عام 1720، جائزة للعمارة حملت اسم "جائزة روما".
تاريخيًا، شكّلت العمارة الرومانية الأساس الصلب للعمارة الفرنسية، وأول زحزحة أحدثتها العمارة الفرنجية (الفرنسية) على العمارة الرومانية التي انتشرت في مختلف جهات بلاد الغال، تمثّلت بإضافة الناووس (أو التابوت الحجري) للقديس الذي يقع خلف هيكل الكنيسة، وأحيانًا في الجزء المزخرف من الكنيسة، إذ تبيّن للباحثين والمعماريين الفرنسيين عدم وجود سوابق رومانية لهذا الابتكار الفرنجي. وهي الإضافة التي تظهر واضحة في كنيسة سانت مارتن، وفي مبانٍ لم تعد موجودة بأيامنا هذه، مثل: سان دوني وسانت جيريون في كولونيا ودير سانت جيرمنيانديس في باريس.
على وجه العموم، فإن التطوّر في إنتاج الحديد والفولاذ الذي شهده القرن التاسع عشر، بدّل طبيعة الهندسة المعمارية بشكلٍ جذريٍّ، سواء في عموم أوروبا، أو في سياق الخصوصية الفرنسية، ومنح الرواد (ومنهم المعماري الفرنسي العبقري الاكسندر غوستيف إيفل (1832-1923)) فرصة توسيع مبانيهم إلى حدود غير مسبوقة.
في سياق المنجزات المعمارية المستندة إلى معجزات الحديد، فإن علامتيْها اللافتتيْن هما: جسر غارابيت (أو غرابيت) للسكة الحديد بالقرب من رويز أون مارغيريد في مقاطعة كانتال (قلب فرنسا) الذي تجلى بوصفه أكبر جسرِ حديدٍ مقوّسٍ في العالم. وطبعًا برج إيفل الذي يكاد يحتكر هوية فرنسا ويختصرها إليه فقط بصورة انتصابه الشاهق اللافت، وبحديده الكثير الخالي من جماليات الألوان.
| |
| البورصة القديمة في مدينة ليل |
على أن العمارة الفرنسية لا تقتصر على المنجزات التي تلت الثورة الصناعية، أو تتبع، فقط، التغيرات المفصلية التي شهدتها نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إنها عمارة ممتدة في التاريخ، عاكسة تنوّع الحضارات التي مرّت من بلاد الفرنسيس، ضاربة أولى مداميكها قبل أكثر من ألفي عام مضت وأكثر.
كما أن روائع العمارة الفرنسية لا تقتصر على شواهدها في العاصمة باريس، بل هي تمتد شمالًا وجنوبًا، وفي مختلف نواحي الجمهورية الفرنسية ومدنها وحواضرها.
وفي مختلف الأحوال، فإن الإحاطة بمنارات العمارة الفرنسية في عجالة هو من نواع الأماني غير القابلة للتحقق، وعليه، سنحاول إلقاء ضوء على عينات من أهم مباني العمارة الفرنسية بدءًا بباريس عاصمة النور، ومرورًا ببعض المدن الفرنسية جنوبًا وشمالًا.
باريس
تزخر العاصمة الفرنسية بنماذج كثيرة ومثيرة للاهتمام تعكس معظم سمات العمارة الفرنسية وفي المقدمة منها قوس النصر (أرك دو تريومف) الذي يعد من أبرز معالم باريس، ويشهد على انتصارات الجيش الفرنسي في معاركه. الزخارف والنقوش الجميلة على محيط القوس تعكس أنماط العمارة الكلاسيكية.
ومنها، إلى ذلك، قصر فرساي الذي يعد من أشهر القصور في العالم وهو موقع تراثي عالمي. يمتاز بتصميمه الفخم والبسيط في الوقت نفسه، وتمتد حدائقه الجميلة على مساحة كبيرة.
ولن ننسى كاتدرائية نوتردام دي باريس (Cathédrale Notre-Dame de Paris) أيقونة العمارة الدينية في البلاد الفرنسية، التي تُعد من أشهر الكنائس القوطية في العالم وتشتهر بأبراجها وزجاجها الملون.
ولكثرة نماذج العمارة الفرنسية في باريس، سنكتفي بالمرور السريع على أهمها إضافة إلى ما تقدم: قلعة شامبور (Château de Chambord)، قلعة فيلنيوف (Château de Villandry)، متحف أو قصر اللوفر (Louvre Palace)، قصر شينونسو (Palace of Versailles)، متحف الأورسيه (Musée d'Orsay)، كنيسة سان شابيل (Sainte-Chapelle)، ونماذج باريسية أخرى كثيرة.
ليل
ليل مدينة مضى على إنشائها ألف عام. تقع في شمال فرنسا وتبعد عن الحدود البلجيكية 15 كيلومترًا فقط. من بين مبانيها التي تمثّل معظم عقودها حتى الحديثة منها والمعاصرة، فإن ثلاثة مبان تتجلى بوصفها منارات ليل ودرّة عمارتها: القلعة (ملكة القلاع)، البورصة القديمة (بدايات ملامح الحداثة المعمارية) ودار البلدية (صاحبة المبنى الخرساني الأعلى على الإطلاق).
| |
| المسرح الكبير في بوردو |
مارسيليا
في جنوب فرنسا، وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، تتجلى مارسيليا بوصفها عروس بحر بلاد الغال. تعود بدايات عمارتها الاستثنائية إلى 26 قرنًا ماضيًا، وهي في تطوّرٍ مستمر. يعكس تراثها قوة تراث كوكاي المهيمن (كوكاي معماري ياباني ترك بصمته في كل مكان). تذكرنا أربعة من معالم مارسليا الأكثر شهرة بِقدرة الإنسان على الارتقاء فوق القيود وإعادة بث الحياة في المباني التي دخلت التاريخ: حصن القديس جان (حيث انطلقت الحملات الصليبية)، حصن القديس نيكولاس (حيث منصّات المدافع)، قلعة ديف (حامية حدود فرنسا) وكاتدرائية نوتردام دولا غارد (الرمز الأكثر شهرة وارتباطًا بالمدينة).
ستراسبورغ
هذه المدينة تقع على شاطئ نهر الراين مباشرة قبالة ألمانيا. على مَرِّ تاريخها، استفادت ستراسبورغ من موقعها الجغرافيّ المهم. يعكس تراثها المعماري قوة المدينة وهيمنتها، تمامًا، كما يعكس طمع الآخرين بها. يبلغ عمر أهم ثلاثة مبان في المدينة قرابة الألف عام؛ وهي تتجلى اليوم بوصفها شهادة حيّة على قدرة البُناة اللافتة على ترك بصمة لا تموت ولا تنتهي: كاتدرائية ستراسبورغ (القدس السماوية على الأرض)، سد فوبان (معقلٌ للصمود) ومحطة القطار الرئيسية (المرموقة باعتراف الألمان).
بوردو
بوردو مدينة في جنوب فرنسا. شاهدة على تقلبات العصور والحضارات التي عرفها تاريخها. موطن للعديد من المعالم المعمارية المتقنة: كنيسة القديس ميخائيل (ببرجها المدبب كصاروخ متحفز للانطلاق)، والمسرح الكبير (بأعمدته الاثني عشر، يعد أحد أجمل المسارح في العالم)، وساحة بلاس دو لا بورس (ساحة البورصة التي تتميّز بإعدادات معمارية خلّابة).
تحميل المقال التالي...