}

أدباء عرب: كيف مرّ عام 2020 وما هو حصاده؟(2-2)

ضفة ثالثة ـ خاص 23 ديسمبر 2020
هنا/الآن أدباء عرب: كيف مرّ عام 2020 وما هو حصاده؟(2-2)
ننتظر أن تنجلي هذه الغمة التي طبعت عام 2020

كان لانتشار فيروس كورونا- كوفيد 19- الأثر السلبي على كافة قطاعات الحياة، وفي مقدمها قطاع الثقافة، حيثُ تعطّلتْ المطابع، وتوقفتْ معارض الكتب والفن التشكيلي، بالإضافة للمهرجانات والفعاليّات الأدبيّة والفنيّة كافّة.
ولعلّ التواصل عن بعد- عبر الإنترنت- كان البديل والمتنفّس الوحيد لإقامة بعض الفعاليّات، وإنْ كانتْ قليلة إلى حدّ ما.
لذلك توجهنا إلى عدد من الكتاب والمثقفين العرب، بالتزامن مع قرب الدخول إلى العام الجديد، بالسؤال حول كيف مرّ هذا العام عليهم؟ وما هي أبرز أحداث العام الثقافية من وجهة نظرهم؟ وما هو أهم كتاب قرأوه؟ ولماذا؟
هنا الجزء الثاني والأخير من شهاداتهم.
(عماد الدين موسى)





*****

 

جعفر العلوني (كاتب ومترجم سوري مقيم في إسبانيا): معرض إسباني يدين الحرب المدمرة للتراث السوري
لقد وصل المستقبلُ سريعًا: في شكل شظايا، دم، هجر وموت؛ في شكل فيروس، أقنعة ومنافِس، في شكل حربٍ أو سلام؛ لقد جاء المستقبل بقناع، دون وجه. غير أنني لم أقرأ هذا في أيِّ كتاب نُشر هذا العام، بل رحتُ أراه في الشوارع والمدن، رحت أتنفسه مع الهواء. أيَّ كتاب قادر على احتواء كل هذا الدمار؟ وأين الكاتب القادر على تنبؤ مثل هذا المستقبل؟ وهل من قارئ؟
هكذا بدا لي عام 2020 من مكان عزلتي، غير أنَّ للعزلة، أيضًا، وجوهًا وأشكالًا أخرى ومنها القراءة. كما لم أعهد نفسي من قبل، انكببت خلال فترة الحجر أقرأ، أكتب وأخط. وكان ثمة كثيرٌ من المحفزات على ذلك. أولها مجلة بانيبال للأدب العربي المعاصر التي صدرت مؤخرًا باللغة الإسبانية. كانت مجلة بانيبال بالنسبة لي بمنزلة جسر ثقافي وصلني أنا القادم من أرض عربية مع العالم العربي وأدبه. هكذا عبر بانيبال رحت أقرأ شعرًا، قصّةً وروايةً. تعرفت من خلالها على أسماء وأنماط كتابة جديدة في سماء الأدب العربي. قرأت سعدية مفرح وبسام الحجار، تعلمت أن أحبَّ مساءً مع لطيفة بصير، قرأت عن معنى الأخوة كما وصفته عزة رشاد وتعرفت جيدًا عبر قصّص محمد الشارخ على السلوك الإنساني في المواقف الصعبة. وطبعًا كانت ثمة لحظات تسقط فيها الروح أثناء القراءة، هكذا سقطت حرًا مع عبير إسبر، لكن سرعان ما عاد بي ملاك فاضل العزاوي الأخير عاليًا من جديد. عشت هذه العزلة تحت السماء نفسها التي وصفتها ليانة بدر وتفاعلت كثيرًا مع غالية آل سعيد وضوء المنفى الوحيد، جنونًا كان أم يأسًا. تساءلت مع أدونيس مترجمًا إيّاه إلى الإسبانية: ما صورة العالم اليوم؟ وأصغيت إلى حقيقته بأن الجسد يبدأ أنى ينتهي البحر. كلا، لم يكن حجرًا أو عزلة، بل سفرًا وترحالًا. هكذا رأيت نفسي في بيروت أتعرف عليها مجددًا من مكان الدمار مع إلياس خوري وعبدو وازن. أخيرًا حققت حلمي وسافرت إلى باريس، تجوّلت فيها وتعرفت عليها شارعًا شارعًا، حيّا حيّا، برفقة عراقي في باريس، مستمعًا بذلك إلى قصص صموئيل شمعون ومعاركه مع الحياة، تعلمت منه أنَّ للذاكرة أفقًا واحدًا هو المستقبل.

ضمن هذا الإطار تبرز أهمية مجلة بانيبال بالنسبة لي هذا العام، لا بوصفها جسرًا يصل الشرق بالغرب فحسب، بل باعتبارها مختبرًا تتفاعل فيه طرائق الكتابة الأدبية العربية مع الكتابة الإسبانية، إنها لقاء بين الأنا والآخر. وتحديدًا كان لي وقفة مطولة مع هذا الآخر أيضًا، وأقصد أدب العالم الإسباني، حيث صدرت هذا العام مجموعة من الكتب التي وقفت عندها ولربما كان من أهمها كتاب الروائي الكوبي ليوناردو بادورا بعنوان "غبار عبر الهواء" (آب/ أغسطس 2020)، حيث يتناول فيها الصداقة والمنفى لكن هذه المرة في تركيبة داخلية جديدة لبنية الراوية، عابثًا، عن قصد، في الزّمن الذي يتحرّك ذهابًا وإيابًا، للأمام وللخلف، متّبعًا منطق استحضار الشّخصيات وذكرياتها، تجاربها وشتاتها، دون احترام أيِّ تسلسل زمني، مؤلِّفًا بذلك كولاجًا ثلاثيَّ الأبعاد يتحرّك في الزّمن والمكان والقصص التي يرويها، ليبني، في نهاية المطاف، مكانًا واحدًا، وزمنًا واحدًا وقصّة واحدة. كذلك كانت لي عودة لبعض الكتب التي صدرت في نهاية عام 2019 ومطلع عام 2020 ومن أهمها كتاب "كتب في حنايا القصب" لإيريني باييخو؛ رواية "مطر ناعم" للويس لانديرو، و"أوقات شاقة " لماريو بارغس يوسا.
تسنى لي أيضًا في بداية هذا العام، تحديدًا في شهر شباط/ فبراير أن أزور معرضين في العاصمة مدريد: الأول بعنوان "سورية"، وهو معرض فوتوغرافي للمصور بيو كابانياس، حيث يحاول من خلاله أن يثير الذاكرة ويدين الحرب المدمرة للتراث السوري. أمّا المعرض الثاني فكان للفنانة التشكيليّة كلارا كارباخال وقد حمل عنوان "آلهات الفن"، في محاولة منها لإعادة قراءة المجتمع اللبناني خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

 

 د. جودت هوشيار (كاتب عراقي): "نادي المدى للقراءة"
وباء كورونا غيّر وجه الحياة، وأوقف الكثير من الفعاليات الثقافية ومعارض الكتب في معظم بلدان العالم، ولكنه في الوقت نفسه وفًّر فرصة للناس لقضاء المزيد من الوقت في منازلهم، ربما أكثر من أي وقت مضى في حياتهم، واستعادة علاقتهم بالكتب، التي ظلت مركونة على الرفوف لمدة طويلة. وفي هذه الظروف القاسية، حاول أصحاب دور النشر ومتاجر الكتب ابتكار طرق جديدة لعرض الكتب للبيع بأسعار مخفضة، عن طريق الإنترنت والتوصيل للمنازل.
نشر عام 2020 في العالم العربي عدد كبير من الأعمال الأدبية والفكرية المهمة، الموضوعة والمترجمة. ولكن الكتاب الذي لفت نظري- أكثر من أي كتاب آخر- هو رواية "الحياة والمصير" للكاتب الروسي الفذ فاسيلي غروسمان (1905-1964) وهي مترجمة من النص الروسي من قبل كل من ثائر زين الدين وفريد الشحف.
"الحياة والمصير" مؤلفة من ثلاثة أعمال روائية تجمعها وحدة الموضوع (الحياة في ظل الحرب، والمآسي الإنسانية المروعة خلال حصار لينينغراد)، وقد أمضى المؤلف خمسة عشر عامًا (1946-1959) في تأليفها. وقدمها إلى مجلة "نوفي مير" المرموقة لنشرها تباعًا، ولكن المجلة رفضت نشرها، ودهم رجال الأمن السري إدارة المجلة، وشقة المؤلف وصادروا كل نسخ الرواية المخطوطة. ولكن نسخة واحدة من الثلاثية نجت بأعجوبة من المصادرة، حيث تم لاحقًا، تصويرها على الـ"ميكرويف" وتهريبها الى خارج الاتحاد السوفييتي عام 1961، ونشرت بعد حوالي عشرين عامًا في لوزان بسويسرا عام 1980، ولم تنشر في روسيا، إلا بعد تخفيف الرقابة على المطبوعات في فترة (البريسترويكا) في عام 1988.
عمل أدبي آخر ثري وجديد في مضمونه وهو كتاب "بعض حياة وشعر" الذي صدر أخيرًا عن "دار التكوين" بترجمة نوفل نيوف الدقيقة من الروسية عن حياة وأدب الشاعرة الروسية العظيمة مارينا تسفيتايفا. كتب نيوف مقدمة ضافية للكتاب وترجم (71) قصيدة كاملة أو مجتزأة من قصائد الشاعرة. كما يضم الكتاب مقتطفات من دفتر يوميات الشاعرة، وقصة لقاءين بين أكبر شاعرتين روسيتين، مارينا تسفيتايفا وآنّا أخماتوفا.
ومن إصدارات عام 2020 المهمة يوميات ليف تولستوي بترجمة يوسف نبيل. وهي ترجمة ضرورية لتكوين فكرة صادقة عن عالم تولستوي الفني والروحي. أما أبرز الفعاليات الثقافية عراقيًا، فقد كانت كالعادة من نصيب دار المدى، التي يصدر عنها حوالي 200 كتاب سنويا، إضافة إلى مناقشة كتاب جديد كل أسبوع بحضور جمهور من عشّاق الكتب ومؤلف الكتاب أحيانا في "نادي المدى للقراءة" في كل من بغداد وأربيل، وتستقطب "معرض العراق الدولي الكتاب" الذي تقيمه الدار كل عام جماهير غفيرة من الجنسين بهدف الاطلاع على إصدارات مئات من دور النشر في العالم العربي والعالم، والاختيار من بينها.
وعلى مستوى العالم، كان حصول الشاعرة الأميركية لويس غليك على جائزة نوبل في الأدب لهذا العام دليلا على أن الشعر لا يزال يحتل مكانة بارزة في المشهد الأدبي العالمي، على النقيض من المشهد الأدبي العربي الذي تتصدره الرواية بكل تنويعاتها. وليس هذا انطباعي الشخصي، فقد سألت عددا من أصحاب دور النشر، فأجمعوا على أن أكثر الكتب رواجًا في العالم العربي هي الروايات والكتب الدينية، تليها كتب مذكرات المشاهير، ثم الكتب التاريخية، ويأتي الشعر في ذيل القائمة.
ومن الأحداث الأدبية البارزة أيضًا منح جائزة غونكور الأدبية الفرنسية لعام 2020 إلى الكاتب واللغوي الفرنسي هيرفيه لو تيليه عن روايته "شذوذ".
أما في روسيا فإن أبرز الأحداث الثقافية كانت الاحتفالات الواسعة النطاق بذكرى ولادة عدد من عمالقة الأدب الروسي، بينهم ثلاثة من الحاصلين غلى جائزة نوبل في الأدب. فقد صادف هذا العام مرور (150) عاماّ على ميلاد إيفان بونين، الحاصل على الجائزة عام 1933 عن روايته "حياة أرسينيف"، و(130) عاما على ميلاد بوريس باسترناك الذي نال الجائزة عام 1958 عن روايته الشهيرة "دكتور جيفاغو"، و(80) عاما على ميلاد جوزيف برودسكي، الفائز بالجائزة عام 1987 عن مجمل أعماله الشعرية.
والاحتفال بميلاد كاتب أو شاعر أو فنان عظيم، في روسيا، لا يقتصر على يوم أو أسبوع واحد، كما هي الحال في بقية بلدان العالم، بل يستمر طوال العام، حيث تقام خلاله فعاليات ثقافية متنوعة: إعادة طباعة المؤلفات الكاملة، إخراج أفلام سينمائية، وتقديم عروض مسرحية عن حياة المحتفى به أو المقتبسة من أعماله، قراءات لمقتطفات من أعماله في قاعات الاحتفالات الكبرى. إقامة تماثيل جديدة له في المدن أو البلدات التي أقام فيها ولو لفترة قصيرة، افتتاح مكتبات عامة تحمل اسمه، وإصدار طوابع بريدية تحمل صورته وغيرها من أشكال الاحتفاء والتكريم.
وقد وجد الروس هذا العام طرقًا مبتكرة في تقديم هذه الفعاليات بما يتناسب وظروف التباعد الاجتماعي.
وكان أكبر هذه الاحتفالات والفعاليات وأوسعها نطاقا، الاحتفال بمرور (160) عاما على ميلاد أنطون تشيخوف، و(125) عامًا على ميلاد "كمنجة روسيا" الشاعر سيرغيه يسينين، وهو الشاعر الأكثر شعبية في روسيا، حيث يحفظ الروس العديد من قصائده عن ظهر قلب.

 

محمود خير الله (شاعر مصري): موسوعة الفولكلور والأساطير العربية
نظرًا لظروف الجائحة لم تكن هناك في هذا العام فعاليات ثقافية أو غير ثقافية، لكن الكتب استمرت عملًا ممتعًا ورائقًا، وأفضل أن أبدأ بالأعمال الإبداعية، وبالنسبة إلى الشعر أعتقد أن ديوان "العيون التي غادرت سريعًا" للشاعرة إسراء النمر، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 2020، هو أحد أهم الدواوين الشعرية هذا العام، أما بخصوص الرواية، فأعتقد أن "طعم النوم" للروائي طارق إمام والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، هي أهم مغامرة روائية قرأتها هذا العام، بالإضافة إلى رواية "طبيب أرياف" للكاتب الكبير محمد المنسي قنديل، والصادرة عن دار "الشروق" بالقاهرة، بالإضافة إلى رواية "زواحف سامة" لعبد النبي فرج، ورواية "حقل البيتزا" لأسامة حداد.
أما بالنسبة إلى الكتب فقد كانت قراءتي هذا العام موسوعية ومتنوعة إلى حد ما، لكنني أحببت "غرفة المسافرين" لعزت القمحاوي، وهو كتاب شاعري في مديح السفر، يمكن أن نعتبره حيلة إبداعية تعويضية من الكاتب، في ظل ظروف تعليق الطيران بين الدول بسبب كورونا، وهو ينتمي إلى "الكتابة عبر النوعية"، وهناك كتاب "الوباء الذي قتل 180 ألف مصري" وهو عملٌ وثائقي مهم للدكتور محمد أبو الغار، بالإضافة إلى كتاب "تاريخ شعبي للعالم"، تأليف كريس هارمان، الصادر عن المركز القومي للترجمة، بترجمة الراحل القدير طلعت الشايب، والمترجم أسامة الغزولي، وهو عمل تأريخي يعتني بالحركات الشعبية عبر التاريخ الإنساني كله، ودوره في تغيير الحياة السياسية والاجتماعية.

من أهم وأمتع الكتب التي قرأتها هذا العام كتاب "موسوعة الفولكلور والأساطير العربية"، للكاتب القدير الراحل شوقي عبد الحكيم، وقد صدرت طبعته الأولى في 2020 عن دار "رؤية" للنشر بالقاهرة، وهو عمل ثقافي ضخم، يُقدم نظرة جديدة إلى تراثنا وأساطيرنا وحكاياتنا الشعبية والقصص الفولكلوري، بما يكشف كثيرًا من روابطها بالتاريخ والإنسان والعادات والمعتقدات القديمة.

 

د. أمينة خليفة هدريز (ناقدة وأكاديمية ليبية): سوف تزهر عرائش الألم يومًا

كيف واجه العالم جائحة كورونا؟ ما الوسائل التي انتهجها في الحفاظ على تواصل إنساني في وقت أصبح فيه التواصل مميتا، ناهيك عن التواصل الفني والثقافي، فقد ألقت جائحة كورونا بظلالها السوداء على سماء الأنشطة الإنسانية في العالم أجمع وزادت غمامتها على العرب عامة وعلى الليبيين خاصة، لما نمر به من ظروف انعزالية قاسية زادت من قسوتها العزلة المفروضة بسبب إجراءات وقائية لمنع توسع انتشار الفيروس، تعامل العالم مع هذه الأزمة الإنسانية من خلال احتضان التواصل واستمراره عن طريق العالم الافتراضي، الذي أصبح عالما موازيا تقام فيه جميع الأنشطة من ضمنها النشاطات الثقافية والفنية عبر إقامة المؤتمرات والندوات والمعارض الفنية، حيث سجلت المتاحف الافتراضية على الإنترنت قفزات هائلة في عدد الزوار والمتابعين، هذه التجمعات البديلة من خلال هذا الفضاء الشاسع خلقت تواصلا من نوع آخر كان بديلا عن تواصل مباشر خطير، ولكن هذه الجائحة كشفت عن وجه واقعنا العربي القبيح وأظهرت بشاعة ما ندعيه من انتمائنا لهذ العالم، فالحروب والتشرد والتخلف  والتأخر كلها تسيج واقعنا لنجد أنفسنا أكثر انغلاقا وأكثر حصارا وانعزالا.
ولكن هناك دائما كوة للتنفس، هذه الكوة سمحت لأشعة شمس الفن أن تتسلل لنتشر ضياءها ونورها وتبدد بعض العتمة في ظلمات هذا الواقع، إذ لفت انتباهي معرض إصرار الذي أقيم في مدينة طرابلس بالمدينة القديمة، حيث احتضن بيت إسكندر للفنون والثقافة ورشة عمل فنية استمرت لمدة ثلاثة أيام للتضامن مع المصابين بفيروس كورونا وهي مبادرة إنسانية تعكس معاناة البشر في مواجهة عدو فتاك، هذا المعرض التشكيلي الذي اشترك فيه عدد من الفنانين والتشكيليين الليبيين، عبرت لوحاته عن معاناة المصابين في تحديهم للمرض وللموت السريع والمباغت، فالموت يتربص بالجميع والمعركة ليست عادلة، لوحات غنية بتعابيرها الإنسانية الراقية وألوانها التي زادتها ثراء وجمالا، الأكثر حضورا في هذا المعرض المسمى إصرار اللوحات المعبرة عن آنية الواقع ومواكبة التجربة الإنسانية في تحديها وإصرارها وضعفها واستسلامها وكل حالاتها النفسية والاجتماعية في صورة تعبيرية، سميت بأسماء تحمل مباشرة اسم كورونا، كابوس، وأخرى خليك في الحوش، وحجر صحي، الاختباء، منصة الرحمة، لكنا في المرض متساوون، توجس وطوق، الأمل، تباعد اجتماعي، الصرخة، المعاناة، العزل أو العزلة، استهتار، مراحل كورونا، كورونا نوتة، تطلع إلى المستقبل، The unity، زاوية تأمل، الاثنان يجمعهما الموت، ميديا ضد كورونا، breathe hope، مما زاد من تألق هذا النشاط ونشر الفرح في النفوس وكسر طوق العزلة والخوف، تزامن احتفالية توقيع كتاب من خلال توقيع ثلاثة مؤلفات للكاتب محمد المغبوب وهي مجموعتان قصصيتان بعنوان خلف الباب ولعبة المكعبات الأولى من منشورات مكتبة الكون والثانية إصدار خاص، والثالثة من مطبوعات دار الأدهم، هذه الفاعلية الثقافية عززت من فكرة التواصل في زمن الرعب واعطت أملا بأن الفرح سوف يتخطى عزلته ويزهر في النفوس رغم الألم، كان هذا النشاط نورا وسط العتمة أضاءت إبداعاته الفنية من لوحات تشكيلية سبرت أغوار النفس البشرية في تحديها لأوجاعها وتضامنها مع غيرها ترجمت في نص إبداعي تدفق لونا وتشكيلا من خلال ما توحي به من دلالات وتأويلات ورؤى مختلفة جمعتها بوتقة الوجع الإنساني.

 

هاشم غرايبه (كاتب أردني): عام كوفيد التاسع عشر
طبعًا، كوفيد التاسع عشر هو أهم حدث ثقافي هذا العام، وكل حدث غير علمي بدا هامشيا جدا في ظله (حتى فوز لويز غليك بجائزة نوبل للآداب كان فاترا جدا وسيمتد هذا الفتور حتى تذوى الجائزة). المهم عند الناس هو عدّاد الأرقام والمصفوفات والنسب المئوية الذي يحتل الشاشات.
هذه الأرقام التي بدأت صغيرة مرعبة، وكلما كبرت ألفناها أكثر، تدل على أن الإنسان يتعود على أي شيء مهما كان طارئا.
أذعنا، وتعودنا، وسلّمنا السيد كوفيد منصب "الأخ الأكبر"، وانصعنا لاشتراطاته السلوكية والثقافية. وانصاع المثقفون لاشتراطات منصة زووم للقاءاتهم وندواتهم ومؤتمراتهم ومعارضهم.. وتواضع كبار الأدباء والفنانين والأكاديميين والمفكرين فأخضعوا إبداعاتهم لخصوصيات الفضاء السيبراني، واختصارات وسائل التواصل الاجتماعي.
الأرقام والنسب والمنحنيات والمصفوفات التي اقتحمت حياتنا، واستحوذت على اهتمامنا، وأطلقت مخاوفنا وشكوكنا وآمالنا، أثبتت هشاشة الإنسان وسخرت من تبجحه التاريخي.
لقد سرّع الأخ الأكبر- السيد كوفيد- بـ"إدخال الجمل في سمّ الخياط": الكتب. الأبحاث. المؤتمرات. المحاضرات. المسرح. السينما. المدارس. الجامعات. السمفونيات. المعارض. دور الأزياء. العمارة. المكتبات. الشركات. أمازون ودكانة أبو العبد. ماكدونالد ومخبز حسني الفران. أوبر وبكم أبو صقر.. الأفراد والأسر والجماعات؛ كلنا سنتقن أساليب جديدة في التواصل والتوصيل (في الاحتجاب والعزل أيضا)، وسنتكيف مع العالم الرقمي.
ها هي الثقافة بكل تفرعاتها تفكك خزائنها العتيقة وتحيلها وقودا لخوارزميات ما بعد كوفيد التاسع عشر.
لا شك أن عام 2020 شكل علامة فارقة في ثقافة البشر، وسيشكل مشهدا جديدا للمجتمع البشري، لقد بتنا محجوبين متباعدين عن بعضنا بعضا، مكشوفين حتى دواخلنا ورغباتنا وميولنا لخوارزميات الكمبيوتر "الأخ الأكبر القادم"، وسننتج خوارزميات ثقافية مختلفة عما ألفنا.
ما بعد 2020 نحن ذاهبون إلى ثقافة الذكاء الاصطناعي، وعلم الجينات، وعلم النانو، والحاسوب الكمي، والجيل الخامس من ثورة الاتصالات..

ما لفت انتباهي من الكتب الرائجة عام 2020 كتاب "الإنسان الإله" تأليف يوفال نوح هراري. والكتاب جاء استطرادا على كتابه الشهير "الانسان العاقل". يتعرض الكتاب للمفاهيم الليبرالية المسيطرة: السياسة/ الناخب يعرف أفضل من غيره. الاقتصاد/ الزبون دائمًا، على حق. الجمال/ الجمال في عين الناظر. التعليم/ تعلّم بنفسك. الأخلاق/ لا تفكّر بغيرك. وبعد عرض تاريخي لتطور البشر يصل بنا الكتاب إلى اختراق التكنولوجيا لخصوصياتنا، وكيف صارت تعرف عنّا أكثر ما نعرف عن أنفسنا، وكيف تفوق الذكاء الصناعي على ذكاء البشر، ولم يعد الإنسان أفضل من يعرف.

الكتاب يقدم احتمالات سيطرة الحواسيب على المستقبل والنتائج التي ستترتب على المجتمع والسياسة والاقتصاد. ويقول: ميزة الإنسان "الوعي"، وعندما تتفوق خوارزميات "غير واعية" خارقة الذكاء على الإنسان، فما قيمة "الوعي"، وهو شيء نراه يتحقق بشكل متسارع في يومنا هذا. تُرى كيف سيكون شكل العالم؟!.
آراء هراري أضعها في إطار الاحتمالات، فلست مقتنعا بكل ما جاء في الكتاب، لأننا عادة ما نلهث - دون تمحيص كثير- وراء الجديد والبراق وما نال جوائز شهيرة وما روجه الإعلام والفضاء السيبراني.
في ظل الحظر الذي يفرضه الجنرال كوفيد هذا العام، رجعت لخزانة الكتب المنسية أجترها من جديد.
نكاية بالرائج واللامع والأكثر مبيعا، قرأت الكثير من القديم الذي وجدته جديدا، ولكني علقت مؤخرا بكتاب مارسيل بروست "البحث عن الزمن المفقود" وما زلت غارقا في حل شبكة أو "شلبكة" صوره ومغازيه. هذا الكتاب لم أكمل قراءته سابقا. ولا أظني سأكمله حتى ولو طالت أيام الحظر وكثرت ساعات الفراغ.

 

صابرين فرعون (كاتبة وروائية فلسطينية): دبابة تحت شجرة الميلاد

لعل أهم الأحداث التي لفتت انتباهي فوز الأديب إبراهيم نصر الله بجائزة الرواية العربية لهذا العام عن رواية "دبابة تحت شجرة الميلاد" والتي ترصد الحياة الاجتماعية والسياسية على مدار 75 عامًا من تاريخ القضية الفلسطينية متنقلًا بنا بين المدن الفلسطينية التي تدور فيها أحداث رواية الحُب والموسيقى والبطولة والوطنية استكمالًا في ثلاثية الأجراس للملهاة الفلسطينية.
وقد تأثر الحصاد الثقافي لهذا العام عربيا وعالميا بمنع التنقلات وإلغاء الفعاليات وبعض معارض الكتب. ورغم أن تطبيقات إلكترونية كتطبيق الزووم أتاح فرصة للقاء الآمن صحيا من طرق انتشار جائحة كورونا على مستوى التعليم واللقاءات الثقافية إلا أن فنونا كفن التقديم والخطابة والنقد والمناظرة بهتت ورسمت حواجز من الجمود سببها لقاءات افتراضية خلف الشاشات فرغت حتى من الجلوس على الهامش ومناقشة ومتابعة ما يدور في العالم الواقعي.
أظن أن دروس كورونا لم نتعلمها بعد؛ فالفيروس رغم تعميم أبسط اجراءات السلامة الشخصية إلا أن حصيلة الأرواح والتعرض للعزل المنزلي وفي المراكز الصحية قد أثر على طريقة تفكير الأفراد؛ فهناك من استغل الوقت وكسبه في تحقيق وإنجاز المهام المؤجلة كالقراءة ومشاريع الكتابة والزراعة البيتية والتوجه للفنون البصرية والمعالجة بالموسيقى والاهتمام بالتغذية الصحية والتمارين الرياضية. والبعض اكتسب اليأس والخوف والتقوقع والرهبة من الموت.
لكن درس الحياة والموت هو أصل هذا الكون.
أظنني ممن غادرت شرنقتي لمكان أرحب وأوسع وهو عالم القراءة الأدبية. ولعل أهم ما قرأت "نساء البن" لجورج أمادو ورواية "10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب" لأليف شافاق. كما أني عدت للاشتغال على الجزء الثاني من روايتي "أثلام ملغومة بالورد" وهو بعنوان "مخالب الدمى" وأوليت اهتماما لدراسة التفاصيل النفسية والاجتماعية من خلال تخيل الكتاب بشاشة سينما كبيرة أشاهد فيها الكلمات مشاهد واقعية تحكي وتخبر وتكسف وتمنح فرصة للتفكر.

 

بهاء إيعالي (شاعر لبناني): فرصٌ داخل سجنٍ مفتوح
لو طُلِب منّي حذف عامٍ من حياتي لحذفت 2020، ولو طُلِب منّي تخليد عامٍ لخلّدت 2020.
الرقم 20 رقمٌ منحوسٌ في قاموسي، فكلّ الأشياء القبيحة يستجرّها هذا الرقم، ولكن حبّذا لو كان شيءٌ من هذا القبحِ جميلًا، فعام 2020 حمل الكثير من الجمال رغم قسوة هذه الجائحة التي جعلت عالمي محصورًا ضمن غرفةٍ صغيرة، غرفتي الأثيرة التي شئت أن أستخدمها ديرًا لتنسّكي الطويل بعيدًا عن الأجواء الثقافيّة والتثاقفيّة التي لطالما نفرت منها، وجاءت هذه الجائحة لتزيد من عزلتي وتحوّل هذه الغرفة الصغيرة من صومعةٍ إلى عالمٍ كامل، عالمٌ أشبه بسجنٍ مفتوحٍ أضع أذني على حائطه محاولًا البحث عن بعض الضجيج.
أمضيت وقتي في هذه الغرفة منكبًّا على قراءة بعض الأعمال الكلاسيكيّة باللغة الفرنسية نظرًا لأنني اتجهت للعمل في الترجمة، وأيضًا بعض أعمال أدباء القرن العشرين أمثال جان كوكتو وإيمانويل بوف وجورج برنانوس ولويس فافر ويوجين سو وغيرهم، وأكثر ما انشغلت بقراءته أيضًا هو الشعر البلجيكي المعاصر، فشاعرٌ بلجيكي واحدٌ اسمه هوغو كلاوس قادني إلى عالمٍ شعريّ كبيرٍ ربّما اعتبرته مظلومًا في عالمي الأدبي، فلأول مرّةٍ أسمع بشعراء مثل بول نوجيه، إرنست ماورمن، مارسيل لوكونت، يوس دو هايس، إدي فان فليت، هنري كوليت وغيرهم الكثير الكثير.
إن انشطاحي نحو القراءات الفرنسية جعلني أقصّر في متابعتي للإصدارات العربية في هذا العام، حتى أنّني بالكاد أتذكّر بعض العناوين التي لفتت انتباهي، وأكثر ما لفتني هو النشاط المحموم لدار خطوط وظلال الأردنية التي صدر عنها العديد من الكتب القيّمة والجميلة، هذا النشاط الذي جعلني أشعر أنّ الثقافة لا زالت بخير، فالجائحة اللعينة ضربت العديد من المشاريع الثقافيّة الطموحة التي كنا نراهن عليها، كما أن نشاط دار المتوسط بإطلاقها "غرفة براءات" الافتراضية لقراءات الشعر قد لفتتني، وقد حضرت بعض أمسياتها على تطبيق  Zoom.
قد يكون هذا العام الفارق دعوةً ضمنيّة لتغيير أوجه الثقافة العربية بكاملها، فالتجارب التثاقفيّة التقليدية أثبتت أنّها عرضة لتقلّبات العالم شأنها شأن الاقتصاد والسياسة، ولربما هذه الأشغال الافتراضيّة التي قامت بمبادراتٍ خلاقة من كثيرين تركت جذوة مشتعلة في نارٍ تصارع للبقاء، لكنّها وفي الوقت عينه أسست لمسارات جديدةٍ ستغيّر رؤية كثيرين إلى العالم وستتيح لأدبيات جديدةٍ بالبروز، حتى ومع نهاية هذا الكابوس.

د. سهام جبار (كاتبة وأكاديمية عراقية): ملتقيات "ZOOM"
أن نقول ما "الحصاد الثقافي" لعامٍ ما فكأننا نحدد مقدارًا (كمًّا) لا نوعًا للجني على وفق أعراف التلقي المعتادة في عالمنا العربي! ومثل هذا الكم يجري الاحتفاء به عبر مشاركات في مسابقات أدبية لها انحيازاتها بالطبع لكن ذلك لم يمنع من التهافت عليها وتسجيل الحضور في رقعة الانتشار العربي فالإنجاز فيه مستمد من مدى انتشارك وتردد اسمك في المحافل.
وإن تخطّينا التراكم الكمي الذي هو حاصل ومتحقق على أية حال، فدور النشر ما زالت تطبع قلّ أو كثر المنتوج، بدفع من الكاتب بغض النظر عمّن يقرأه أو بدفع مؤسساتي إلى حين، وتتم التغطية والإعلان وكأن هذا هو المطلوب فقط! ولكن أين التفاعل والتغيير؟ وما الذي أصبحت عليه الحياة الآن في ظل واقع كورونا كوفيد-19 الذي ضاعف حجم المشكلة..؟
لقد فرضت العزلة الاضطرارية بحكم الوباء العالمي أعباءً كبيرةً أخرى، ويتفاوت طول أمدها من بلدٍ لآخر بحكم الأسلوب الذي تتبعه السياسات المجتمعية لإدارة الأزمة الصحية الخطيرة.
صرنا نشهد بوضوح هشاشة النظم العالمية في طريقة مواجهة الوباء، وكيف أن السياسات تبيع وتشتري حيوات البشر بحسب المصالح والغايات.
وفي مجتمعاتنا العربية تتداخل مسألتا الحرية والضبط، فكثير من الفعاليات الثقافية والطقوس والاحتفالات تشهد تسيّبًا في الالتزام بعوامل الضبط والوقاية والنتيجة عدد إصابات هائل بين البشر ومن بينهم نجوم في الفن والرياضة والاعلام، والخسارات فادحة وأليمة، بكل أسف.
اللجوء إلى حلول النظم الرقمية أضاف مشاكل أخرى جديدة لواقع التداول الثقافي العربي في ظل فوضى استخدام وسائل التواصل الرقمي مسبقًا!
وأصبح تسويق الأدب مرفقًا بإغواءات خارج إطار الإبداع في الفن والأدب. ودخلت اللغة المحكية لتزيح الفصيحة في التعبير عن النفس بأساليب من انحدار أحيانًا وعيّ وعدم جدارة للوصول إلى الأسماع.
عالميًا يتم إنجاز ملتقيات بالإنترنت عبر”Zoom”  أو سواه من البرامج الرقمية ويتم تنظيم الفعاليات الفنية والأدبية بدأب وإصرار على الاستمرار بالحياة بثقة وأمل، لكن يظل العالم الافتراضي غير العالم الواقعي وآثار الانعزال في الحجرات مخيّمًا في الجسد وفي الروح. ولقد تتالت في الإعلام أخبار المتاحف من دون رواد والملاعب من دون جماهير، والمسارح خالية إلا في نوافذ منقولة افتراضيًا، وقراءات الشعر مسجلة قادمة عبر الأجهزة!
سيتذكر الناس أن عام 2020 كان عام الوحدة، عام خسران الأحبة، عام الأزمة الاقتصادية الطاحنة، عام الجلوس أمام الشاشات وعبارة (خليك في البيت) عليها، عام الرقص منفردًا في شارع، عام الغناء من الشرفات على أمل أن يستمع إليك الآخرون، بالمناسبة الآخرون كما يتضح الآن، ليسوا هم الجحيم، بل الجحيم هو اليأس قبل أن ينقذ البشرية أمل ما، فرج رباني تنادى الناس عبره إلى العودة إلى الله، ورفع الغمة بالقرب إليه، أما عن الحل العلمي فاللقاح ما تشتغل عليه الآن شركات العالم الطبية عسى أن لا تتم المتاجرة فيه، فحيوات البشر أغلى من كل الحسابات، وما زال على الأرض الكثير مما ينبغي عمله.

 

نوميديا جروفي (كاتبة جزائرية): الغوص في عالم كاتب ياسين
عام 2020، مختلف جدا عما سبقه؛ إنه العام الاستثنائي بالنسبة لنا جميعا، ففيه توقّفت كل الأنشطة على مستوى العالم، ومنها الثقافية والأدبية، حيث أُغلقت كل دور الثقافة والمكتبات والمسارح الجهوية والوطنية وكذا بعض المطابع فبقيت الكتب الجديدة مُجمّدة دون نشر.
وبما أننا كنّا في الحجر المنزلي تبعا للتعاليم الصارمة من الوزارة بسبب جائحة كورونا، لم يذهب وقتي هباء، بل وخصّصته في التوغل في العالم الأدبي للروائي والمسرحي الكبير كاتب ياسين، والغوص في عالمه الشاسع بكتابه الخالد (نجمة)، الكتاب الأسطورة الذي جسّد حُبّه الخالد، ناهيك عن شبابه وتمرّده وثورته ضد المستعمر الفرنسي، فكاتب ياسين تحدث عن بعض الأحداث الوطنية إبّان الثورة الجزائرية بأسلوبه العميق وسافر بنا حيث عشنا معه قصّة نجمة ولخضر والحبّ المستحيل، كما أنه لا يمكن للقارئ العادي أن يفهم أدب كاتب ياسين لأن أسلوبه في الكتابة استثنائي، وعليه أن يتعمق ويقرأ كل كتبه من المرأة المتوحشة، العقاب، نجمة، الأجداد تزداد ضراوة، الجثة المطوّقة، شظايا، فقط ليفهم ويستخلص أحداث نجمة المتسلسلة والموجودة في كل الكتب التي ذكرتها.
ذهبت بعدها للبحث العميق في الأساطير الأمازيغية القديمة لكتابة بعض النصوص المسرحية، من أسطورة غريبة والغول التي غناها المرحوم سفير الأغنية الأمازيغية إيدير، وأسطورة تاغنجة التي تشبه اسطورة أنزار وسيسيليت.
بالإضافة لقراءة سلسلة شارلوك هولمز ومغامراته الشيقة والممتعة، وكذلك السلسلة البوليسية الكاملة للرائعة أجاثا كريستي.
وأنهيت السنة بكتب تاريخية عشت أحداثها وسافرت عبر الزمن من خلالها حيث الكاهنة ديهيا ملكة الأوراس، تينهينان نمرة الصحراء، الملك شيشناق الفاتح العادل، الثائر تاكفاريناس، يوغرطة الملك النبيل، الملك سيفاقص السيف الحرّ، وفي الأخير الملك ماسينيسا ملك نوميديا.
ومهما حاولنا الهروب بعيدا عن فيروس كورونا، إلا أننا فقدنا أحبة وأصدقاء غيّبهم الموت عنّا وخسرنا قامات أدبية شامخة لا ولن تتكرر في تاريخ الأدب.

 

محمد الأصفر (روائي ليبي): القراءة ألهتني عن الكتابة
هذا العام سيء جدا، قرأت فيه كتبا كثيرة، ورقيًا وإلكترونيًا، كتب لأصدقاء أعرفهم شخصيا مثل طارق الطيب وأبو بكر العيادي وحبيب السالمي وكمال الرياحي وأحمد الويزي وأحمد الكبيري ومحمد الفخراني وهيلانة الشيخ وأدهم العبودي ومحمد جميل خضر وغيرهم من الأصدقاء الذين اقتنيت كتبهم من معرض القاهرة للكتاب، أو تحصلت على كتبهم إلكترونيا، قرأت أيضا عدة مخطوطات أرسلها لي أصحابها للاستئناس برأيي غير النقدي بالطبع، أقرأ يوميًا بسبب الإغلاق الذي فرضته كورونا، كل الكتب التي في مكتبتي قرأتها، واعتذرت لها لتأخري في قراءتها دون عذر مقنع، القراءة ألهتني عن الكتابة، بدأت أقول لنفسي فلأشحن نفسي أكثر قبل العودة للكتابة، من المؤلم أن اقتني كتابًا أو أحمله ولا أقرأه، ترك الكتاب ينتظر أمر مؤلم حقا، خاصة عندما تراه ينظر إليك في الصباح أو المساء، يريدك أن تلتقطه وتقرأ منه حتى ورقة كي تقع في الشرك، يقول لك معارض الكتب ألغيت بسبب الوباء، وفرة تسويقنا وقراءتنا باتت قليلة، كل الكتب حزينة لتأجيل المعارض وترحيلها للعام القادم إن هدأ الفيروس اللعين وألجمه اللقاح.
أقرأ الكتاب في حالة خوف، فكل صباح أفتح الفيسبوك وأقول يا ساتر، من هو ضحية اليوم، كل يوم يقتات الفيروس على مبدع، وكأنه وحش علينا أن نقدم له قربانا من مبدعينا، لا يفرق بين كبير أو صغير، مغمور أم مشهور، لا بد أن يحظى بوجبته اليومية، أقرأ الكتاب وأخاف أن لا أجد مبدعه في اليوم الثاني لأخبره بانطباعي وإعجابي بإبداعه وملاحظاته، أفتح الفيسبوك كل يوم وأنسخ عبارة تعزية لأوزعها على إدراجات النعي التي سيصدمني بها الفضاء الأزرق، أترحم بلساني وبقلبي وألصق التعزية في المكان بإصبعي وأتألم كثيرا وأندم لفتحي الفيسبوك صباحا، وفي اليوم التالي أتهرب من النت وأنشغل عليه بأي شيء آخر وعندما يحل المساء أفتح النت من جديد لأعرف ما حدث فلا أجد سوى مزيد من العويل.
هذا العام لا توجد أحداث ثقافية مهمة سوى رحيل المبدعين بشكل عبثي، مبدعون عرب وأجانب، الفيروس به نوعية ثقافية تهاجم المبدعين وتأخذهم إلى العالم الآخر، كل يوم لا نفعل شيئا سوى الدعوة بالشفاء للمصابين والترحم على من وقعوا في قبضة الفيروس، ولا ندري إلى متى سيستمر ذلك ومن الذي سيرحل غدا، ربما أنا أو أنت أو هو أو هي، نسأل الله السلامة للجميع.

 

د. محمد آيت لعميم (كاتب وأكاديمي مغربي): الفعالية القرائية تكثفت بشكل كبير
الحديث عن عام 2020 حديث استثنائي، وذلك مرده للجائحة العجيبة التي ضربت العالم برمته، وغيرت مساره جملة وتفصيلا، بحيث فرض على الناس قهرا أن يتباعدوا، ويلوذ كل واحد إلى عالمه الخاص، وينتبذ مكانا قصيا خوف العدوى، وكانت ظلال شبح الموت تتمدد بسرعة قصوى، مما بعثر التركيز وأوهن النفوس، ولقد أثر هذا الجو النفسي على الإيقاع القبلي لكورونا، حيث كانت الأمور تمضي كعادتها، لكن زلزال الوباء المفاجئ لم يترك لنا فسحة لفهم ما جرى، وبما أن الإنسان في جوهره كائن متكيف، فإنه تمكن بعد مضي الوقت من التقاط أنفاسه، وتعايش مع اللحظة الغريبة،  وقد كان للعوالم الافتراضية نصيب كبير في تجاوز العزلة والوحدة القسرية، بحيث استأنفت الأنشطة الثقافية  عبر الوسائط الإلكترونية،  وأقيمت ندوات ولقاءات عن بعد، فيها الغث والسمين، بحيث ضمن الفاعلون الثقافيون  جمهورا واسعا تجاوز الحدود الجغرافية الضيقة، وهذا يعتبر في نظري مكسبا نتج عن تعذر اللقاءات الحضورية التي غالبا ما كان يحضرها جمهور قليل، ومن المزايا التي أفدناها من هذا الوضع، أن الفعالية القرائية تكثفت بشكل كبير، بحيث قرأنا جل الكتب المرجأة،  وأعدنا قراءة نصوص كان لزاما أن نعيد قراءتها،  فقد أتيحت لي الفرصة لقراءة نصوص كلاسيكية مثل الدونكيخوطه، والكوميديا الإلهية، وأعمال وروايات تتحدث عن الوباء، كما أعدت قراءة الجاحظ، وكتب تراثية، ولقد كانت العزلة والتباعد أيضا فرصة لي لكتابة دراسات ومقالات عديدة، وإصدار كتب،  أعتقد أن هذا العام رغم ما ألم بالعالم فيه ففي طيه نعم، لأنه غير من سلوكنا وجعلنا ننتبه لقيمة الزمن وتوظيفه في ما يعود بالنفع علينا، وعلى الأقل لم نستسلم للأجواء النفسية المقلقة، فانخرطنا بجدية في إعادة ترتيب علاقتنا بالقراءة والكتابة، وقد أظهر الوباء القيمة الحقيقية لصحبة المكتبة والكتاب، الذي كان خير جليس في العزلة القسرية، وشخصيا أفادتني العزلة في الإنصات الهادئ لما أقرأ، بخلاف عادتي القديمة في القراءة أحيانا بذهن  سارح. وقد أعد هذا من فضائل زمن الوباء.
إننا ننتظر أن تنجلي هذه الغمة التي طبعت عام 2020 الذي لن ينسى بسهولة، لنرى كيف ستعود الأمور ونستأنف الإنتاج والإبداع الذي غالبا ما سيلتفت إلى هذا العام المفصلي ليشرحه بهدوء ويفهم ما جرى، لأننا ما زلنا تحت وطأة الصدمة، وحتى إذا خرجنا، فإننا سنكون في لحظة قلق ما بعد الصدمة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.