}

رحيل حامد فاضل.. سارد صحراء المشرق العربي

علي لفتة سعيد 16 يونيو 2021
يُعدّ ساردًا لصحراء المشرق العربي مثلما يُعدّ إبراهيم الكوني ساردًا لصحراء المغرب العربي. إنه الأديب العراقي حامد فاضل الذي حمل مع كل حرف ذرة رمال، ومع كل جملة تاريخ أمكنة جنوبية تارة وكونية تارة أخرى. رحل فاضل حاملًا معه هذه المرة مرضه وعوزه وإهمالًا حكوميًا يطال المبدعين في زمن الإهمال العراقي. مات أمس في مدينته السماوة جنوبي العراق بعد صراع مرير مع المرض دون أن تلتفت له الأوساط الحكومية المحلية في محافظته أو الحكومة في بغداد بما فيها وزارة الثقافة فتبادر إلى تقديم يد المساعدة له بعد أن تدهورت حالته الصحية بشكل كبير ومفاجئ.

فاضل المولود في مدينة الرميثة، أحد قضية محافظة المثنى، عام 1950 يعدّه الكثير من النقاد سارد الأمكنة وسارد الصحراء، وهو ما جعل الأدباء العراقيين يعدّون موته خسارة للسرد العراقي ويؤكدون أن السرد فَقَد أحد كبار المبدعين فيه.

فالناقد ياسين النصير قال في كلمة مختصرة إن حامد فاضل هو أحد مؤسسي سرديات الأمكنة العراقية. وأضاف عن تجربته: "كنت دائمًا أقول له: لولاك لما ظهر للبادية وجود في الأدب العراقي" معتبرًا إياه قاصًا نبع من رمال السماوة، وغذّى مسيرته بمواقف ومبادئ اليسار العراقي، وأسّس رؤية تمتزج فيها البادية بمكوّن كوني"، وأبدى إعجابه بما كتبه الراحل، وقال: "يا له من سارد كبير جعل من القصة والرواية طريقة لفهم عالمنا العراقي الغامض المتشعب والغائر في سجون البادية ورجالها".

وقال الشاعر العراقي المغترب وابن مدينة السماوة يحيى السماوي: "وداعًا صديق الطفولة والفتوة والصبا والشباب والكهولة، ورفيق الخطى الأولى في دروب الأبجدية.. عسى أن تكون مغادرتك الدنيا اليوم بداية لإقامتك الأبدية في الفردوس الأعلى بإذن الله". وكان السماوي كتب مرة عن الراحل قائلًا: "حامد فاضل قاص من طراز فريد. عينه النافذة ترى غير المرئي، أو بشكل أدق ترى ما لا نلتفت نحن إليه، ظنًا منا أنه هامشي وثانوي. وثمة ميزة للقاص المبدع حامد فاضل تتمثل بكونه يكتب خيالًا من الواقع. إنه يجعل الواقع كما لو أنه متخيل لم يحدث بعد".

حامد فاضل أمام أحد كتبه


ويحسب للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق أنه قدّم يد العون للراحل بما يستطيع. وهو ما أكده الكثير من الأدباء وما يؤكده أيضًا عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الشاعر جبار الكوز. وهو يقول إن حامد فاضل كان من أوائل الروائيين العرب الذي اقتحم الصحراء بإبداعه وجعل منها بمثابة مسرح لصراعات الإنسان مع الطبيعة ومع ذاته والآخرين رابطًا بينه وبين الروائي الليبي إبراهيم الكوني كونه يرتبط بوشائج الصحراء وجمالها بقسوة ظاهرة وإصرار على مواجهة مجاهلها ومخاطرها. وعن مرضه قال الكوز: "غزاه المرض الخبيث مبكرًا وبقي يصارعه منفردًا في ظل إهمال حكومي مقصود جابهه كثير من مبدعي العراق أمس واليوم، وسيجابهونه غدًا بالتأكيد ما لم تقم حكومة وطنية تنظر إلى الإبداع والمبدعين بوصفهم رموزًا عالية ومثالًا يُحتذى للأجيال"، وأضاف أن العراق وأمام هكذا ظرف عصيب بحاجة إلى قوانين مركزية تعالج مثل هذه الحالات التي تؤول إلى خسائر فادحة على مستوى الإبداع ومشهده المتقدم. 

ويعدّ الراحل واحدًا من أفضل من كتب عن الصحراء في المشرق العربي. وقال عنه الناقد الراحل الدكتور حسين سرمك حسن: "حامد فاضل كتب أول قصة عربية بقصيدة التفعيلة"، فيما اعتبره الدكتور عباس محمد رضا "ماركيز العراق"، مضيفًا: "وأنت تقرأ لحامد فاضل لا تدري أتقرأ قصصًا في قصائد، أم قصائد في قصص"، فيما قال عنه الروائي العراقي عبد الرحمن الربيعي: "نحن أمام كاتب يعي لغته، ويعي استعمالها ولذا لا يقع في أي مطب سواء مرده الانبهار أو الضعف". وذكرت القاصة والروائية هدية حسين أنه "عليك أن تحبس أنفاسك وأنت تقرأ قصص الصحراء لحامد فاضل فقد يفاجئك من حيث لا تدري، فتلدغك أفعى أو يهاجمك ذئب". وقال الناقد باقر جاسم محمد: "ثمة كاتبان عراقيان يكتبان بلغة راقية هما محمد خضير وحامد فاضل، لذا نحتاج إلى لغة راقية كي نكتب عنهما".

 في لحظات التشييع إلى المقبرة حمل بعض الأدباء العراقيين كتابه الأخير "ثقافة الأمكنة – مرائي الصحراء المسفوحة" والذي وصل إلى السماوة ليلة وفاته

وقارن الشاعر الليبي السنوسي حبيب كتابات حامد فاضل عن الصحراء بكتابات إبراهيم الكوني وعدّ كل منهما مبدعًا في طريقته الخاصة. أما القاصة التونسية صالحة غرس الله فعبّرت عن إعجابها بكتابته، في حين رأت القاصة السورية ابتسام إبراهيم تريسي أن تأثير قصص حامد فاضل لا يكمن في لغته وحدها وإنما في فرادة الثيمات التي يتناولها بتلك اللغة الساحرة. وقالت الناقدة المصرية سلمى أمين: "حين أقرأ أي قصة لا أستطيع التعرف على كاتبها إلا بعد قراءة اسمه إلا حامد فاضل، فكلما قرأت له قصة جديدة عرفت من أسلوبها القريب من الأسلوب القرآني أنها لحامد فاضل".

يُشار إلى أنه في لحظات التشييع إلى المقبرة حمل بعض الأدباء العراقيين في السماوة كتابه الأخير "ثقافة الأمكنة – مرائي الصحراء المسفوحة" والذي صدر عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ووصل إلى السماوة ليلة وفاة الأديب.

حامد فاضل مترجم وكاتب. حاصل على بكالوريوس باللغة الانكليزية وآدابها. عمل في مجال التدريس. وعمل مراسلًا لجريدة (الزمان) ولجريدة (الأديب) الثقافية ولوكالة رويترز للأنباء وعمل في الصفحة الثقافية لجريدة (السماوة).

نشر أول قصة له في مجلة (الطليعة) الأدبية عام 1975. ينشر في معظم المجلات والصحف العربية والعراقية، ترجم ونشر قصصا من اللغتين الإنكليزية والألمانية.

أعد وألف وأخرج مسرحيات وأوبرتات للنشاط المسرحي.

شارك في معظم المهرجانات الأدبية العراقية والعربية منها: مهرجان المربد الشعري، ومهرجانات الجواهري، وجميع مهرجانات السرد العراقية.

عضو الاتحاد العام للأدباء العرب، والاتحاد العام للأدباء العراقيين، ونقابة الفنانين العراقيين، ونقابة الصحفيين العراقيين.

حاز على عدة جوائز منها جائزة الإبداع العراقي- وزارة الثقافة ببغداد عام 2011.

من مؤلفاته: بلدة في علبة، لقاء الجمعة، حكايات بيدبا، ما ترويه الشمس.. ما يرويه القمر، ثقافة الأمكنة/ مرائي الصحراء المسفوحة (وهو الكتاب الذي أعاد طباعته الاتحاد العام لأدباء العراق ضمن منشوراته لعام 2021).

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.