}

الكاريكاتير العراقي.. بين الماضي والحاضر

 

يعتبر فن الكاريكاتير العراقي واحدًا من أقدم الفنون في البلدان العربية بعد مصر، وقد مرّ بمراحل عديدة عبر تاريخه منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي. لكن هذا الفن وبعد انطلاقته القوية صار البعض يقول إنه يمر بمراحل الحداثة الجديدة التي جاء بها الشباب الذين ولدتهم تجاربهم بعد التغيير في العراق. والبعض يقول إنه تراجع بسبب تعدد وسائل الإعلام فضلًا عن استخدام الوسائل التقنية وفقدان الروح التي تعطي لهذا الفن رونقه بسبب دخول الطارئين عليه، لذا هو فن يواجه الصراع مثلما يواجه الخوف برغم ظهور أسماء شبابية.

 

ولادة وتقلبات سياسية

شهد مطلع العقد الثالث من القرن الماضي الولادة الحقيقية لفن الكاريكاتير العراقي، ففي 29 أيلول/ سبتمبر 1931 صدر العدد الأول من جريدة (حبزبوز) لصاحبها الكاتب الساخر نوري ثابت، والتي اعتمدت بشكل واضح على رسوم الكاريكاتير في تصميم أغلفتها وتدعيم صفحاتها الداخلية.

ويقول الباحث ورسام الكاريكاتير العراقي، خضير الحميري، إن الجريدة استقطبت عددًا من رسّامي الكاريكاتير ليعّبروا عن أفكارهم الجريئة على صفحاتها، وكان من بينهم فنانون كبار كعبد الجبار محمود ومصطفى أبو طبرة وعطا صبري وسعاد سليم وفائق حسن، الأمر الذي حقق نجاحًا إعلاميًا متميّزًا أغرى العديد من الصحف والمجلات في السنوات اللاحقة لاعتماد الكاريكاتير مادة صحافية أساسية للتعبير عن النقد والاحتجاج. ويضيف أنه رغم تحكم الظروف السياسية المتقلبة وظروف الطباعة المعروفة آنذاك، إلّا أن فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات قدّمت عددًا من فناني الكاريكاتير العراقيين الذين عملوا لفترات طويلة أو قصيرة في تأصيل هذا الفن وتوطيد صلته مع الصحافة من جهة والمجتمع من جهة أخرى عبر العديد من الصحف والمجلات، مثل قرندل والوادي والمتفرج والفكاهة.

خضير الحميري  



ويمضي الحميري متحدثًا عن المرحلة الجديدة بقوله إن هذا الفن شهد في عقد السبعينيات وما تلاه انعطافة ملحوظة، إذ صارت هناك رسوم كاريكاتير في أغلب الصحف والمجلات الصادرة حينها، وازداد عدد الرسامين وتنوّعت مدارسهم وتوجهاتهم الفكرية والفنية مما أغنى المشهد الإعلامي والتشكيلي على حد سواء، وقد حقق الرسام العراقي فيها حضورًا مشرفًا. ويعزو الحميري نشاط هذه المرحلة إلى سببين أولهما: مجلة (ألف باء) التي تبنت الكاريكاتير بشكل ملحوظ، وثانيهما: دار ثقافة الأطفال وإصداراتها المتعددة. ويرى أنه في تلك الفترة برزت فكرة تكوين تجمع مهني (مستقل) لرسامي الكاريكاتير في العراق عام 1976 وقد تمخضت الفكرة حينها عن معرض جماعي كبير أثار الكثير من الآمال والتطلعات المشاكسة، لمجموعة متميزة من الرسامين، إلا أن المحاولة كما يقول وبسبب ظروف البلد وظروف الرسامين في تلك الفترة أحبطت في بواكيرها الأولى ولم تذهب إلى أبعد من إقامة ذلك المعرض. لكنه يعود فيقول إنه في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات استقطب فن الكاريكاتير أسماء جديدة فتجددت المحاولة لتشكيل تجمع جديد لرسامي الكاريكاتير في العراق عام 1984 تحت مظلة نقابة الصحافيين العراقيين، وقد تجمع الكاريكاتيريون العراقيون واختاروا اسمًا وشعارًا وأهدافًا وهيئة تأسيسية، وبدأ التجمع يعمل بحيوية ملحوظة تحت اسم (لجنة الكاريكاتير العراقية) كإحدى اللجان العاملة في نقابة الصحافيين العراقيين، وهذه مرحلة أخرى حيث بدأت اللجنة بإقامة المعارض السنوية المتتالية، والمشاركة في المعارض العالمية المتخصصة في فن الكاريكاتير وإرسال الرسامين العراقيين للحضور والمشاركة في بعض المعارض العالمية، واستمر عملها في صعود وهبوط تبعا للأوضاع العامة حتى منتصف التسعينيات حيث اختفت نشاطاتها وتوقفت مشاركاتها وتفرق شمل العاملين فيها.

ويتحدث الحميري عن مرحلة أخرى من مراحل هذا الفن فيقول إنه بعد عام 2003 عاود الكاريكاتيريون العراقيون نشاطهم في العديد من الصحف المحلية، وبدا أن الظرف ملائم لازدهار جديد لفن الكاريكاتير ورساميه، مشابه لما حصل في فترة السبعينيات، خاصة بعد رفع الكثير من الممنوعات التي كانت تحد من حرية الفنان في التعبير عن رأيه، وأقيمت سلسلة من المعارض تحت عنوان كاريكاتير عراقي للسنوات 2010، 2011، 2012، ويستدرك قائلًا: إلا إن محظورات جديدة بدأت تظهر تدريجيًا حولت فن الكاريكاتير إلى نوع من المجازفة غير المحسوبة، منها العامل الطائفي والعامل المليشياوي واختراع جديد اسمه (الخطوط الحمر) مما أدى إلى توقّف العديد من الرسامين عن العمل والتوجه نحو نشاطات فنية بديلة،  كما أن وضع الصحافة الورقية وهي الملعب الأول لرسام الكاريكاتير بدأ بالتراجع ابتداء من عام 2012 ما سبب تناقصًا واضحًا في عدد الرسامين النشطين صحافيًا وتزايد أعدادهم في مواقع التواصل الاجتماعي كمنفذ بديل للنشر بالمجان!
 

فاضل ضامد  وأحمد المالكي



الفن والحياة

الفنان ورسام الكاريكاتير أحمد المالكي يقول إن الكاريكاتير يكاد يكون الفن الناقد الوحيد الذي يأتي على بهجة ويترك آثاره على ضجة الواقع. ويضيف: الكاريكاتير أينما كان وأينما نشر يبقى الرقيب والمنقّب، والفن القريب من ذائقة كل الأعمار وهو صوت الحقيقة الساخرة، والفن الذي يجدد نفسه في كل فكرة تنطلق من خطوط هذا العالم الذي يضج بكل التناقضات. ويعد أن ولاداته الأولى كانت من أجل انتقاد السلطة والظواهر الاجتماعية، ولكن ما بعد عام 2003 ظهرت أقلام وأسماء فنانين كثر ينشرون عبر الصحف الورقية والرقمية.. لكنه يرى أن أغلب الرسامين الجدد وإن حدّثوا في المعايير والتوجهات وطرق الرسم إلّا إن كثيرًا منهم لا يلتزمون بصناعة هذا الفن أو لا نرى إبداعًا حقيقيًا يحمل أفكار الكاريكاتير التي نشأ على أساسها هذا الفن.

ويرى الناقد والفنان فاضل ضامد أن فن الكاريكاتير من الفنون المهمة التي تصل إلى كافة شرائح المجتمع، وهو فن صحافي أكثر من كونه فن جدران. ويضيف أن السخرية التي بصمت خصالها في هذا الفن لها وقع كبير ومؤثر على المتلقي من جانب وعلى المنقود من جانب آخر. إذن فهو نقد لاذع وساخر لكل ظاهرة تسيء إلى بناء البلاد أو الشخصيات المشاكسة في الحياة وربما حالات أخرى يجدها الفنان مؤثرة وسلبية. وهذا الفن مكمل للفنون باعتباره فنًا له خصوصيته وللفنان أيضًا خصوصية أخرى وهو أكثر انتشارًا من باقي الفنون، إلّا أننا نجده في بعض الأحيان مؤثرًا على شخصية الفنان وربما تصل الحال إلى التهديد أو القتل.. ولذلك جاء مؤثرًا في بيئته وهو مصدر مهم في عملية تغيير وعي الإنسان حيث سهولة الوصول إلى كافة شرائح المجتمع وأيضًا سهولة فهمه والأشكال الموحية بالهزل والسخرية من كل ما هو سلبي، وفن الكاريكاتير يعتبر ذا رمزية عالية، ولفناني العراق أهمية كبيرة من حيث القوة والشخصية في التعبير.


الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.