}

واسيني الأعرج: علينا أن نخلق الأمل

أحمد طمليه 4 أكتوبر 2023
هنا/الآن واسيني الأعرج: علينا أن نخلق الأمل
رواية "2084-حكاية العربي الأخير" طغت على لقائه مع جمهوره
بسيط الروائي العربي الجزائري واسيني الأعرج في شخصيته: ابتسامته تسبق كلامه. إبداء تفهمه لسائله يسبق، أحيانًا، إلمامه بالسؤال، فالمهم، بالنسبة له، احترام السائل قبل حتى معرفة السؤال. يبسط فكرته حتى تصل البسطاء قبل النخبة والمثقفين. يقول إنه يكره السياسة، لكنه، في واقع الأمر، لا يملك إلا أن يكون له موقف سياسي، خاصة إذا وصل الأمر إلى حد تهديد وجوده، والوجود هنا ليس شخصيًا، بل عربي قومي، فحين يلاحظ دولًا عربية آيلة إلى الزوال، وفي هذا، ربما، مبالغة يتقصدها، يهرع إلى الكتابة لينسج حكاية تحذر من الخطر، وتستشرف آفاق النجاة.

يستعين في قيامه بدوره هذا، بين الكاره للسياسة والمشتبك معها، من خلال قدرته على الفصل بين كونه روائيًا يعيش عوالمه الخاصة من خلال ما يكتب، وما بين كونه مثقفًا له موقف واضح ومباشر مما يحدث في العالم، وتأثيرات ذلك على العالم العربي. وما يهمه من هذا العالم العربي هو الإنسان العربي الذي لم يخلق بعد. فثمة مستقبل طالما ثمة حياة.

إضافة إلى استشعاره الخطر، فهو يميز بين الكتابة الخاطرة والكتابة المخاطرة. ففي الكتابة التي تشبه الخواطر، كما يرى، حق أي كاتب أن يعبر عما يجول في خاطره، لكن على هذا الكاتب أن يفهم أن ما يكتبه ليس بالرواية، كما أن مثل هذا النوع من الكتابة سرعان ما يزول. ويدعو أصحاب مثل هذه الكتابات أن لا يتسرعوا في المشاركة بمسابقات وجوائز، إذ تخضع الأعمال في هذه المجالات لقراءات دقيقة، من نقاد جادين، على الكاتب أن يكون مستعدًا لذلك.

أما الكتابة المخاطرة، وهي التي ينتمي إليها، فثمة تجريب، وخلق لشخصيات، وغوص في عوالم قد لا تخطر في ذهن أحد. وفيها جهد كبير يبذله الكاتب حتى تخرج روايته إلى النور، مدهشة، قالبة لموازين.

قبل أيام حلّ واسيني الأعرج ضيفًا على أهله ومحبيه في عمان، وكان له أكثر من لقاء ثقافي معهم. وقد بدا وهو الذي يفصله عام واحد عن عقد السبعين، شابًا بحضوره، محافظًا على روح الدعابة في حديثه، ذكيًا في الرد على أسئلة الحضور، فخلف روح الدعابة التي يحملها، يحمل إحساسًا بالمسؤولية، إزاء مستقبل العرب، ومستقبل الأجيال العربية تحديدًا، حيث يدعو إلى ضرورة أن لا يصل الشباب العربي إلى اليأس، فكل لحظة بائسة خلفها أمل بمولد جديد علينا أن نتشبث به.

شارك في محاورة نظمها منتدى شومان بعنوان: التاريخ والرواية. كما التقى جمهورًا عريضًا ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض عمان الدولي للكتاب.

أجواء رواية (2084... حكاية العربي الأخير) طغت على لقائه مع جمهوره في لقاء معرض عمان. وهي الرواية التي كتبها الأعرج عام 2016، وتنبأ فيها بنهاية العرب في العام المشار إليه في عنوان الرواية. إذ سأل أحد الحضور إذا كانت النهاية المفتوحة التي انتهت إليها الرواية بإبقاء مصير آدم بطل الرواية مجهولًا، محاولة لإبقاء أمل بعودة آدم وإعادة الأمل إلى العرب من جديد؟ أجاب: عندما يغيب الأمل علينا أن نبدع من أجل خلقه. واعتبر أن إيمانه هذا ينطلق من الإحساس بالمسؤولية إزاء الأجيال العربية القادمة، إذ لا يجوز، ما معناه، أن نغلق أبواب الأمل في وجوههم. وأكد ضرورة أن لا نتوقف عند اللحظة الراهنة، وأن ننظر إلى ما سوف يليها.

وشرح للحضور كيف تختلف مهمة الروائي عن مهمة السياسي والمؤرخ. فإذا كان السياسي يأخذ بالوقائع ويبني عليها. وإذا كان المؤرخ يوثق تلك الوقائع، فإن على الروائي أن يبدع في التعامل مع تلك الوقائع. ومن أوجه هذا الإبداع، خلق الأمل عندما تغيب فرص الآمال.

وفي حديثه عن التاريخ والرواية، أوضح أن التاريخ إذا كان مسلمة، فهو قابل لأن يصبح محاورة. وهذا لا ينطبق على التاريخ الآن، بل إن التاريخ عمومًا، يكون مسلمة، ثم يصبح قابلًا للمحاورة.

وأشار إلى أن كل رواية هي رواية تاريخية، بمعنى أو آخر، إذ أن الزمن حاضر فيها، لكن الرواية التاريخية بالمعنى المحدد، لها شروطها. موضحًا أن كل شيء يصير تاريخًا، وكل شيء يصبح حاضرًا.

وردًا على سؤال إذا كان قد ضحّى بالحقيقة التاريخية في أعماله الروائية، قال: حق الروائي قول ما لم يقله الرواة، مؤكدًا: "أنا لست مؤرخًا... أنا مبدع".

إحدى الحاضرات سألته عن مريم التي وردت في كتاباته، فأوضح، بأسلوب لا يخلو من الدعابة، أنها صبية حلوة عرفها في مطلع صباه، وما زال يستغرب كيف تزوجت رجلًا قبيحًا أنفه طويل.

وعودة إلى رواية "العربي الأخير" قال إنها كتبت في عز الخراب العربي، حيث أغلقت كل إمكانيات الأمل، لكن مهمة الروائي أن يبحث عن صناعة المستقبل: "يجب عدم التوقف عند أي حد، كأننا نقبل بالقدر. الروائي ليس سياسيًا".

تسرد الرواية جملة حكايًا وقصص تفسر وتتنبأ بمآل العرب داخل دوامة التحلل والتفكك التي قذفت بهم خارج التاريخ وحولتهم إلى شعوب ضائعة، بلا أرض ولا هوية، يبحثون عن معاشهم وسط عالم جشع، وعودة محمومة إلى الحاضنة الأولى، الصحراء. ويستدعي الأعرج في هذه الرواية بصورة رمزية، إسرائيل إذ شبهها بالقلعة المليئة بالظلم. وتوقّع لها بالانهيار. كما أنها تشرح وتحلل الوضع السياسي في العالم العربي منذ العام 2011، ضمن سياق دولي مترابط، بدءًا من تحالفات دولية واستقطابات. وصولًا إلى هزيمة العرب ووقوعهم بين جبهات الصراع الدولية.

في الرواية حكايا الموت وانتهاء تفاصيل الحياة، وحديث عن اندثار أمة العرب واضمحلال تاريخها، ويستشرف الكاتب من خلالها فداحة المستقبل الذي ينتظر العرب، في سردية لا تنفصم عن الواقع العربي بعد ثورات الربيع العربي.

وقد استعان الروائي برموز لتمرير أفكاره، فالمنطقة العربية رمز إليها باسم (أريبيا) فيما جاء اسم "أميروبا"، إشارة إلى التحالف الأوروبي الأميركي، كما ورد اسم "أزاريا" ليرمز لإسرائيل.

وتأتي أجواء الرواية منسجمة مع أسلوب الأعرج في الكتابة، فهو يوغل في إثارة الألم، إلى الحد الذي يقتضي إطلاق نداء استغاثة، ويبدو أن نداء الاستغاثة بالنسبة له هو بمثابة الإعلان عن بصيص أمل.

يرثي الأعرج الحال الذي وصلت إليه بعض الدول العربية في العقد الأخير، مثل: العراق، وسورية، وليبيا، لكن ذلك، برأيه، يجب أن يقود إلى التمسك بالإيجابية في مواجهة الخراب العربي. ويؤكد على الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في هذا المجال.

كما يؤكد على أهمية خلق الأمل إذا استعصى على الواقع ذلك، موضحًا أن الكاتب لا يستطيع أن يقدم حلولًا، لكنه يستطيع أن يقدم فسحة أمل. وتتجلى فكرته في هذا السياق أن المهم ليس النظر إلى ما هو راهن، بل ينبغي النظر إلى ما يمكن أن يؤول إليه هذا الراهن.

له نظرته الخاصة في فعل الكتابة، إذ يرى أن الكتابة تكفل لصاحبها أن يحقق أثرًا في حياته. وعن نفسه يقول: أشعر بالسعادة أنني لا أمر على هذا العالم بشكل عبثي، وأنني عشت أنتج الشخصيات وأغوص في حيواتها.

واسيني الأعرج الأكاديمي والروائي، يشغل منصب أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس. ويعتبر أحد أبرز الأصوات الروائية في الوطن العربي، إذ ألّف العديد من الروايات المشهورة مثل طوق الياسمين، ورماد الشرق، ومملكة الفراشة.

ولد بتاريخ 8 آب/ أغسطس 1954 في سيدي بو جنان في ولاية تلمسان وحصل على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة الجزائر ثم انتقل إلى سورية لمتابعة الدراسات العليا إذ حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة دمشق. وهو ابن شهيد، حيث استشهد والده في حرب تحرير الجزائر.

حصل على العديد من الجوائز منها: جائزة الرواية الجزائرية على مجمل الأعمال الروائية، سنة 2001، جائزة التلفزيون الأولى للحصص الثقافية الخاصة، عن البرنامج الثقافي التلفزيوني: أهل الكتاب سنة 2001، وجائزة المكتبيين الجزائريين (2006) عن روايته كتاب الأمير، وجائزة الشيخ زايد للآداب (2007) عن روايته كتاب الأمير، وجائزة الكتاب الذهبي في المعرض الدولي عن روايته سوناتا لأشباح القدس (2009)، وجائزة المقروئية العربية عن روايته البيت الأندلسي (2010)، وجائزة شخصية السنة الأكثر فاعلية إبداعيا ونقديا وثقافيا، اتحاد الكتاب، (2010)، وجائزة الإبداع العربي بيروت (2013) عن روايته أصابع لوليتا، وجائزة كتارا للرواية العربية، وجائزة النص القابل للتحويل الدرامي- قطر (2015) عن رواية مملكة الفراشة.

 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.