}

مبدعون غزّيّون قتلهم القصف الإسرائيليّ الهمجيّ

أوس يعقوب 14 نوفمبر 2023
هنا/الآن مبدعون غزّيّون قتلهم القصف الإسرائيليّ الهمجيّ
محمد سامي قريقع مع مجموعة من أطفال غزّة

مع تواصل حرب الإبادة المنظّمة التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيليّ على قطاع غزّة، منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، عقب عمليّة "طوفان الأقصى"، ارتقى عدد من المبدعات والمبدعين الغزّيّين من كتّاب وشعراء وفنّانون وفاعلون في المشهد الثقافيّ الغزّيّ.

وزارة الثقافة الفلسطينيّة في مدينة رام الله أعلنت يوم الأربعاء الثامن من الشهر الجاري، في بيان لها، أنّ "خمسة عشر شخصًا من المثقّفين المبدعين قتلوا في القصف الإسرائيليّ المستمرّ على قطاع غزّة، فيما دُمّرت عشرات المراكز الثقافيّة".

وقال البيان: "فقَد المشهد الثقافيّ العديد من المبدعين في مختلف المجالات عُرف منهم حتى اللحظة 15 شهيدًا، ودُمّرت العديد من المراكز الثقافيّة عُرف منها 5 مكتبات ودور نشر في القطاع و6 مراكز ثقافيّة".

في مقالتنا هذه، رصد لسير ومسيرة عدد من مبدعات ومبدعي غزّة من ضحايا العدوان الإسرائيليّ المستمرّ، الذي أدّى - حتى كتابة هذه السطور - إلى مقتل أكثر 11 ألفًا معظمهم نساء وأطفال.

عمر فارس أبو شاويش 


عمر فارس أبو شاويش...
"جائزة قلم الشعراء الدوليّة"

في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، استشهد الشاعر عمر فارس أبو شاويش، بالتزامن مع انطلاق عمليّة "طوفان الأقصى". والراحل هو ناشط مجتمعيّ بارز من مخيّم النصيرات وسط قطاع غزّة، وله إسهامات مختلفة على الصعيد المجتمعيّ والشبابيّ والثقافيّ والفكريّ. وشارك في تأسيس العديد من الجمعيّات والهيئات الشبابيّة، وقدّم مبادرات متميّزة في مجال العمل المجتمعيّ والثقافة والأدب.

أبو شاويش، من مواليد مخيّم النصيرات للاجئين عام 1986، تعود جذور عائلته إلى قرية برقة قضاء غزّة والمحتلة عام 1948. وهو يعتبر من القيادات الشبابيّة أصحاب الخبرات في القيادة والتخطيط وبناء القدرات والعمل الإبداعيّ، وشارك في العديد من المؤتمرات الدوليّة والعربيّة والمحلّيّة.

صدرت له رواية بعنوان "على قيد الموت"، تدور أحداثها حول الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة عام 2008، حيث رصد الحياة عن كثب، وسرد مواقف وشواهد وتجارب مختلفة من هذه الحرب بتفاصيل دقيقة، معبّرًا فيها عن الدمار الذي لحق بالشباب نتيجة معيشتهم الصعبة في المخيّمات وتحت الحصار المضروب على القطاع منذ عام 2006.

حصل أبو شاويش على العديد من الجوائز أبرزها: "جائزة أفضل أغنية وطنيّة" لعام 2007 ضمن المهرجان الدوليّ للأغنية الوطنيّة والتراث بالأردن؛ و"جائزة قلم الشعراء الدوليّة" في باريس في العام نفسه، من قِبل الشبيبة الفرنسيّة؛ و"جائزة الشباب العربيّ المتميّز على مستوى الوطن العربي"، التي يمنحها "مجلس الشباب العربيّ للتنمية المتكاملة" التابع لجامعة الدول العربيّة.

علي نسمان 


علي نسمان... الفنّان الفلسطينيّ "يقاتل بالفنّ"

يوم الجمعة، 13 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، أُعلن عن استشهاد الفنّان الكوميديّ علي نسمان في غارة جوّيّة إسرائيليّة على غزّة، وذلك بعد يوم من ظهوره في مقطع فيديو تحدّث فيه عن "حتميّة النصر أو الشهادة"، وهو يرصد شوارع غزّة بعد القصف الوحشيّ العنيف، مشيرًا إلى انسحاب الناس من إحدى المناطق التي تعرّضت لقصف مكثف طوال الليل ودُمّرت بالكامل، ليكون ذلك آخر تسجيل له.

ولد نسمان في غزّة، في نيسان/ أبريل عام 1985، وقد قضى هناك سني عمره. أنهى الثانويّة العامّة وحصل بعد ذلك على شهادة البكالوريوس في إدارة المال والأعمال، وحصل على دبلوم في إدارة المنظّمات. وهو ناشط سياسيّ وممثل كوميديّ ومدوّن، شارك في عدد من المسلسلات الفلسطينيّة من بينها مسلسل "الروح" ومسلسل "بوابة السماء". ومؤخرًا كانت له مشاركة في مسلسل "شارة نصر جلبوع"، الذي روى قصّة الأسرى الفدائيّين الستّة الذين انتزعوا حرّيّتهم من سجن جلبوع في أيلول/ سبتمبر 2021.

وسبق للشهيد علي نسمان أن أكّد، أنّ الفنّان الفلسطينيّ "يقاتل بالفنّ"، مطالبًا الجميع بـ "الاهتمام ودعم هذا اللون من الفنّ، وسيصبح لفلسطين أسماء تقدّم القضيّة بشكلٍ دقيق وجميل وفنّيّ رائع".

هبة زقوت وأحد أعمالها


هبة زقوت... فنّانة رسمت حكايات وطنها المحتلّ

في نفس اليوم، الجمعة 13 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، استشهدت الفنّانة التشكيليّة هبة زقوت، رفقة ابنها بالقصف الإسرائيليّ. وهي من مواليد عام 1984 في مدينة غزّة، درست تصميم الجرافيك في "كلّيّة تدريب غزّة" عام 2003، ثمّ تخرجت من "كلّيّة الفنون الجميلة" بجامعة الأقصى.

شاركت زقوت في عدّة معارض محلّيّة ودوليّة كان آخرها بعنوان "متجذرون كشجر الزيتون" بالتعاون مع مؤسّسة "رواسي" في غزّة. كما أقامت معرضا تشكيليّا فرديّا بعنوان "أطفالي في الحجر" عام 2021.

اهتمّت الشهيدة هبة زقوت في لوحاتها الفنّيّة بالمرأة الفلسطينيّة، حيث كانت تحاكي معاناتها في ظلّ واقع الاحتلال الإسرائيليّ، فقد أظهرتها بزيّها الأسود تارة، وبزيّها الفلسطينيّ التقليديّ تارة أخرى؛ وفي لوحة أخرى وهي تشعر بالحرّيّة وفي غيرها تشعر بأنّها مترقبة، وأحيانًا قويّة وأخرى تحت الحصار ولوحة أخرى لأسيرات في سجون الاحتلال. كما رصدت في أعمالها معنى الأمومة وحنانها والتصاقها بأطفالها وخوفها عليهم، مشيرة فيها إلى الحكايات الحزينة للوطن الباكي بدماء شهداء أبنائه، حيث أظهرت في العديد من اللوحات حمامة السلام؛ كتأكيد على الإصرار والتمسّك بالأمل. وكانت آخر رسوماتها لامرأة حزينة تحمل في يدها حمامة السلام، وعلقت عليها بجملة: "نحن دائمًا نبحث عن الأمان في حياتنا. قد نجده في الحب ولكنّنا سنظلّ نبحث عنه".

وفي مطلع الشهر الجاري، أقيمت في العاصمة الإسبانيّة مدريد، فعاليّة تكريم لها وللشاعرة والروائيّة الغزّيّة الشهيدة هبة أبو ندى، التي قتلت أيضًا بعدها بأسبوع جرّاء القصف الإسرائيليّ المستمرّ على القطاع. وشارك في الفعاليّة، التي دعت إليها ونظّمتها الشاعرة والناشطة الإسبانيّة ماريا فيكتوريا كارو برينال، كلٍّ من المستعربة والباحثة الأكاديميّة والمترجمة الدكتورة كارمن رويث برافو، والكاتب الإسبانيّ دافيد لوبيث، والشاعرة يولاندا لوبيث، والصحافيّة والكاتبة باتريثيا ميريثالدي، والكاتبة لاورا أولايا، والدكتور الفلسطينيّ المقيم في مدريد ناصر الفرا، والشاعرة السوريّة المقيمة في مدريد ميسون شقير.

يوسف دوّاس 


يوسف دوّاس... عازف الغيتار الحالم بزيارة مدن العالم

صباح يوم السبت، 14 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، استشهد عازف الغيتار الفنّان الشابّ يوسف دوّاس (20 عامًا)، بقصف وحشيّ استهدف أحد الأحياء السكنيّة شماليّ بيت لاهيا ما أدّى، أيضًا، إلى استشهاد سبعة وعشرين شخصًا من عائلته. والشهيد ناشط في فرقة "مجموعة أصوات من غزّة"، وعرفه أصدقاؤه ورفاقه عازفًا وكاتبًا وصاحب محاولات شعريّة أُولى خطّها بالإنكليزيّة. وكان ينشط ضمن فرق شبابيّة أدبيّة تابعة لـ "مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ" في غزّة "يراعات" و"أصوات من فلسطين".

المؤسّسة التعليميّة نعت دوّاس في بيان جاء فيه: "باغتيال الاحتلال ليوسف نفقد صوتًا من أصوات فلسطين التي لا يعوّضها أيّ صوت. صوت عرفناه بشكلٍ وثيق، وستظلّ كلماته وضحكاته وصوره معنا دومًا". وأردفت: "كان يوسف قارئًا وكاتبًا متحمّسًا، مع حبّ خاصّ للتعبير عن نفسه باللغة الإنكليزيّة. كما كان خيّالًا ومصوّرًا وكاتبًا وبنصوصه شارك حبّه العميق للحياة حتى في أصعب الظروف".

ومن أبرز المبادرات التي نشط فيها دوّاس مبادرة "لسنا أرقامًا"، التي تحاول، منذ تأسيسها عام 2015، أن توثّق معاناة الشعب الفلسطينيّ تحت الاحتلال بعيدًا عن ربطها بخطاب الإحصاءات الذي يحوّل تجارب الناس المريرة إلى مجرّد أرقام. ومطلع العام الجاري، قدّم يوسف مقالًا بالإنكليزيّة حمل عنوان "من يدفع ثمَن العشرين عامًا التي فقدناها؟"، يعود فيه إلى أوّل أيّام عيد الفطر عام 2022، وكيف دمّرت الطائرات الإسرائيليّة بستانهم. وكان آخر مقالٍ له وقّعه بالإنكليزيّة، أواخر شهر آب/ أغسطس الماضي، بعنوان "زرع الكلى والولادة الجديدة: قصّة حبّ فلسطينيّة". تناول فيه قصّة زوجين من غزّة: عنان وريما، والرحلة الشاقّة التي خاضاها منذ عام 2021 لعلاج الزوجة من فشل كلوي أُصيبت به.

كما أسهم يوسف دوّاس في كتاباته بموقع "الوقائع الفلسطينيّة"، الذي نشر، كتحية للكاتب، تسجيلًا له يُظهره وهو يتحدّث عن رغبته بزيارة مدن مختلفة حول العالم.

محمد سامي قريقع... رسّام الكوميكس لواقع فلسطينيّ مُحاصر

"إذا صرلنا إشي... تذكّروا أنّها من النهر إلى البحر"، كانت هذه هي العبارة الأخيرة التي كتبها الرسّام والناشط الاجتماعيّ محمد سامي قريقع، في صفحته في "فيسبوك" قبل استشهاده بيومين، في السادس عشر من الشهر الماضي، بعد إصابته في إحدى ساحات "المستشفى الأهليّ المعمدانيّ"، التي استهدفتها طائرات الاحتلال الإسرائيليّ بغارات وحشيّة، ما أدّى إلى استشهاد أكثر من خمسمئة شخص، أغلبهم من الأطفال والنساء والنازحين.

وُلد قريقع عام 1999، وتخرّج من "جامعة الأزهر" في غزّة. وهو عضو في "مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ"، التي نعته عبر حسابها على "فيسبوك" بالكلمات التالية: "شكّل (محمد سامي) روح المرسم في "مؤسّسة تامر"، كان فاعلًا في كلّ مبادراتنا وكلّ خطواتنا وأنشطتنا، كان أوّل المتطوّعين، وآخر المغادرين".

انصبّ اهتمام الشهيد الشابّ على الرسوم المصوّرة (الكوميكس)؛ وسعى إلى إنشاء تجمّع فلسطينيّ للكوميكس يضيء مشاهد من الحياة اليوميّة. ومن هنا نشأت فكرة مجلة "ترانزيت" التي شارك في تأسيسها، خلال العام الماضي، مع مجموعة من الرسّامين والمهتمّين في هذا الشأن. كذلك عقدت المجموعة لقاءات حول موضوعات فنّيّة مختلفة كالفَرْق بين الكوميكس والكاريكاتير، وأهمّيّة السرد البصريّ، كما أتاحت مسارات تدريبيّة مع مشاريع كوميكس مُشابهة في العالم العربيّ، مثل مجلة "السمندل" اللبنانيّة. وفي آب/ أغسطس الماضي، صدر العدد صفر من المجلّة تحت عنوان "دماغ مفتوح"، والذي وقّع قريقع إحدى قصصه: "تقلقش".

كذلك، كانت له مشاركة في فيلم تسجيليّ قصير بعنوان "المطار"، والذي يرصد حلمًا غير متحقّق بأن يعود لغزّة مطارها الدوليّ الكبير، الذي دمّره جيش الاحتلال الإسرائيليّ عام 2001، أيّ بعد ثلاث سنوات فقط على افتتاحه.

"هنا مطار غزّة"، يُمسك الرسّام الفلسطينيّ بالريشة ويخطّ هذه العبارة على أحد الجدران المُهدّمة، يتحدّث عن شُركائه الشباب الذين ألهمهم المكان برؤى مختلفة عن وطن مسلوب، وماذا يعني المطار لكلِّ واحد منه.

يقول مقربون من قريقع: "ظلّ هاجسه دمج التكنولوجيا بالفنون"، وقد نال مشروعه "كود الروبيك" في أواخر عام 2022، إقامة فنّيّة من "دائرة الفنون البصريّة المعاصرة" في الاتّحاد العامّ للمراكز الثقافيّة بالقطاع "محترف شبابيك".

يقوم المشروع على طرح جوانب من القضيّة الفلسطينيّة، كالتهويد وقتل المدنيّين العُزّل والاعتقال والحصار من خلال المسح الضوئيّ (الباركود). ويعتمد المشروع على تقنيات مختلفة ركيزتها الأساسيّة ربط "الباركود" بلعبة "مربّع روبيك"، إضافة إلى رسم "اسكيتشات" ولوحات تنقل مشاهد حقيقيّة من واقع فلسطينيّ يحاول الاحتلال طمسه وتزويره.

هبة أبو ندى 


هبة أبو ندى... الشهيدة شاهدة الدهشة

يوم الجمعة، 20 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، لحقت بقوافل الشهداء من مبدعي ومبدعات غزّة، الشاعرة والروائيّة والمدوِّنة هبة أبو ندى (33 عامًا)، جرّاء القصف الهمجيّ الإسرائيليّ. وهي من مواليد مدينة مكة بالسعوديّة عام 1991، لعائلة تنحدر من قرية بيت جرجا المُهجّرة، وحازت إجازة في الكيمياء الحيويّة من "جامعة الأزهر" في غزّة، قبل أن تنشط في المجال التربويّ، حيث عملت في مركز "رُسُل" التعليميّ، فكانت قريبة من الأطفال وعوالمهم.

كتبت أبو ندى الشعر والقصّة والرواية، ولديها كتابات شعريّة ونثريّة منشورة ورقيًّا وإلكترونيًّا، ولعلّ اهتمامها اللافت بالكتابة الإبداعيّة، وتوزُّع الأجناس الأدبيّة التي جرّبتها، هو ما أضاء اسمها وموهبتها حقًا. وتُعَدّ روايتها الموسومة بـ"الأكسجين ليس للموتى"، الكتاب السرديّ الأوّل للشاعرة الغزّيّة؛ وحازت عنها المركز الثاني في (فئة الرواية) ضمن الدورة العشرين لـ "جائزة الشارقة للإبداع العربيّ" عام 2017.

كما حازت المَركز الأوّل في القصّة القَصيرة على مُستوى فلسطين؛ في "مسابقةِ ناهض الرّيس"، والمَركز الرابع؛ في "مسابقة شاعِـر غزّة".

وكان أن شاركت في عدد من الإصدارات الشعرية المُشتركة، منها: "أبجدية القيد الأخير"، و"العصف المأكول"، و"شاعر غزّة"، متناولةً قضايا تستنزف الإنسان المُحاصَر في غزّة منذ سبعة عشر عامًا، مازجة في أسلوبها مقاربات مختلفة عن الحبّ والحرب والتفاصيل اليوميّة.

ومنذ بدء عمليّة "طوفان الأقصى" حوّلت الشهيدة جدار صفحتها في الفضاء الأزرق، إلى ما وصفَته بـ "بيت عزاء"، سواء لأهلها وجيرانها وللأصدقاء الذين يقضون تحت القصف الإسرائيليّ. وكانت قد كتبت، بُعيد ساعات من انطلاقة العمليّة البطوليّة، "أيُّ كاتب مجنون هذا الذي وضعَ كلّ الأحداث الصادمة في حلقة واحدة، لكنّ شبابنا لا يُجيدون كتابة المسلسلات الخياليّة. يُجيدون كتابة الواقع بالدم والنار! أيّتها الحلقة المهيبة لا تنتهي، كلّنا شهود الدهشة".

وودّعت أبو ندى، عبر صفحتها في "فيسبوك"، قبل يوم واحد فقط من ارتقائها شهيدة، صديقتها الكاتبةَ الشابّة الغزّيّة مريم سمير، التي استشهدت قبلها بأيّام بالعدوان الإسرائيليّ أيضًا، دون أن تستبعد صُحبتها قريبًا في رحلتها الأبديّة، فكانت هذه الكلمات آخر ما خطّته: "نحنُ في غزّة عند الله بين شهيد وشاهد على التحرير، وكلّنا ننتظر أين سنكون. كلّنا ننتظر اللهمّ وعدَك الحقّ".

حليمة الكحلوت ومن أعمالها 


حليمة الكحلوت...
سوداويّة الواقع والحلم بالحياة

يوم الإثنين، الثلاثين من الشهر الماضي، استشهدت الفنّانة التشكيليّة حليمة الكحلوت، المولودة عام 1994 في مدينة غزّة. نالت إجازة في الفنون الجميلة من جامعة الأقصى، قبل أن تبدأ مشاركاتها في عدد من الأنشطة والمعارض الفنّيّة، حيث حصلت على منحة إقامة فنّيّة في "محترف شبابيك"، من خلال حَملة "فنّ لأجل غزّة" الذي نفّذه الاتّحاد العامّ للمراكز الثقافيّة بالتعاون مع "مركز خليل السكاكيني الثقافيّ" عام 2021.

جسّدت الكحلوت في أعمالها الفنّيّة سوداويّة الواقع الغزّيّ والوجع والألم والتفاؤل والأمل والحلم بالحياة، وما فعله العدوان في بلدها وشعبها. وكان أن أنجزت العام الماضي، عملًا بعنوان "على قيد المتابعة"، ضمن معرض جماعيّ بعنوان "مبنيٌّ للمعزول" (2022)، حيث تستبدل فيه شُعيرات المِكنسة لتضعَ مكانها رُزَمًا من الوصفات الطبّيّة. عملٌ فائق الرمزيّة ومُوحٍ، إذ يقول الكثير عن رحلات علاج المرضى ومراراتها في غزّة المُحاصَرة، هل يتسلّحون بقوّة الوصفة ليكنسوا آلامهم؟ وكيف يصرفون تلك الوصفات في ظلّ شحّ الأدوية أصلًا؟ عنفٌ عميق لا يقلّ وحشيّة أبدًا عمّا تمثّله ضخامة المفارم والسكاكين.

وقدّمت أيضًا، مشروعًا يحمل اسم "خطوة خارج منطقة الراحة"، وشبهته في كلمتها خلال افتتاحه بأنّه يشبه الحياة القاسية التي يعيشها الفلسطينيّون تحت الحصار، وقالت: "قرّرت أن أحكي قصّة فتاة استطاعت الوصول للفضاء، لإثبات أنّنا قادرون على أن نحقّق أحلامنا إن صمّمنا عليها".

كذلك ساهمت الفنّانة الشهيدة بمشروع "مسار وادي غزّة" (2022)، إلى جانب فنّانين فلسطينيّين شباب، ومشروع "ملاذ الفن" (2021)، ومعارض أُخرى.

كما اشتركت بجداريّة رُسمت في "جامعة دار الكلمة" بغزّة، تحت إشراف الفنّان محمد الحاج. وتُحاكي الجداريّة إحدى لوحات التشكيليّ الفلسطينيّ الرائد إسماعيل شمّوط، وتظهر فيها الصحافيّة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، ووقّعها فنّانون شباب.

إيناس السقا 


إيناس السقا... "ولادي يا عالم... ولادي تحت الأنقاض"

الفنّانة والممثّلة المسرحيّة إيناس السقا، المتخصّصة في الفنون البصريّة والمسرح، استشهدت مع ابنتيها لين وسارة إثر القصف الهمجيّ، يوم الثلاثاء 31 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.

تُعَدّ السقا من أوائل العاملات في المسرح الغزّي، ونفّذت الكثير من ورش الدراما والمسرح مع الأطفال، ولعبت أدوارًا بارزة في العديد من المسرحيّات، من بينها مسرحيّة "فيلم سينما" (2009) للمخرج حسين الأسمر، إذ جسّدت دور سعاد؛ الفتاة الفلسطينيّة التي يفتح لها الزواج باب العودة إلى غزّة التي هجّرت منها عائلتها، لكنّها تكتشف مع مرور الوقت أنّ الغربة ما تزال تسكنها. كذلك تعاونت مع الأسمر في مسرحيّة "كلّ شي تمام" عام 2010 عن نصٍّ للروائيّ عاطف أبو سيف، والذي يعالج قضيّة العنف ضدّ المرأة في مجتمعنا الفلسطينيّ.

كما شاركت بدور الأم في مسرحيّة "كلهم أبنائي" للمخرج ناهض حنونة عام 2011، عن نصٍّ لآرثر ميلر من إعداد القاصّ والكاتب الفلسطينيّ خالد جمعة.

سينمائيًّا، قدّمت السقا عددًا من الأدوار المهمّة، من بينها فيلم "ميلاد" للمخرجة أماني أبو رمضان، حيث لعبت دورًا مستوحى من تجربتها الشخصيّة لامرأة حاملٍ تعاني آلام المخاض في ظلّ عدوان الاحتلال على القطاع عام 2008. وفيلم "سارة" (2014) للمخرج خليل المزين، وهو فيلم روائيّ طويل حاز العديد من الجوائز العالميّة، ويتناول حكاية فتاة فلسطينيّة من أحد مخيّمات اللاجئين في غزّة تعرّضت للعنف الأسريّ والحبس ثمّ القتل على خلفية ما يسمى بـ "جرائم الشرف".

في مسرحيّة لها بعنوان "نساء غزّة وصبر أيوب" للمخرج سعيد البيطار، والتي تتطرّق إلى آثار الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة على النساء الغزّيّات، وعرضت أكثر من مرّة بين عامي 2009 و2014، كانت السقا تصرخ في أحد المشاهد قائلة: "ولادي يا عالم... ولادي تحت الأنقاض".

*****

هذا، وذكر بيان وزارة الثقافة الفلسطينيّة من المبدعين الشهداء، الذين لم نتناولهم في مقالتنا هذه لقلّة المصادر، كلًا من: الفنّانة التشكيليّة والمحاضرة الأكاديميّة في جامعة الأقصى نسمة أبو شعيرة، والمهندسة إيمان خالد أبو سعيد وأطفالها جودي وزياد وزوجها إياد و22 فردًا من عائلتها، والفنّان طارق أحمد ضبان، والخطاط والفنّان مهند أمين الأغا مع عائلته ووالديه، والشاعر الفلسطينيّ والباحث التربويّ شحده البهبهاني، والطفلتين شام أبو عيد (8 سنوات) وليلى عبد الفتاح الأطرش (8 سنوات) من فرقة للدبكة الشعبيّة.

ووفق بيان الوزارة "يوجد في غزّة 76 مركزًا ثقافيًّا، و3 مسارح، و5 متاحف، و15 دار نشر ومركز لبيع الكتب، و80 مكتبة عامّة".

ومن الجدير ذكره هنا، أنّ "المركز الثقافيّ الأرثوذكسيّ" بمنطقة تل الهوى في قطاع غزّة تعرّض إلى قصف جوّيّ تسبب في أضرار بالغة بالمركز، كذلك تعرّض "متحف القرارة الثقافيّ" إلى أضرار بالغة نتيجة القصف الذي استهدف البيوت والمساجد ما أدّى لوقوع انفجار بجوار المتحف الواقع في بلدة القرارة. وتسبب الانفجار في تحطّم معظم أجزاء المتحف الذي بُني عام 1958 من الداخل، وتصدع الأسقف، وتهشم الزجاج الخارجيّ للمبنى التراثيّ، وتحطّم "فاترينات" عرض المقتنيات الأثريّة، كما نتج عن التفجير تهشم العديد من المقتنيات. ناهيك عن تعرض "مكتبة سمير منصور" مجددًا إلى قصف أدّى إلى ضرر كبير فيها. ونشرت صفحة المكتبة على "فيسبوك" مقطع فيديو يظهر حجم الدمار الذي حلّ بالمكتبة، والذي حول جزءًا منها إلى رماد مُكوّم على الأرض، بفعل الغارات الإسرائيليّة المستمرّة على القطاع.

كذلك تهاوت "مكتبة الشروق"، التي تعمل منذ 25 عامًا ركامًا. وقال صاحبها: "ربع قرن من الجهد والتعب ضاع بلمح البصر"!!

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.