}

حول إجازة مجمع اللغة العربية كلمة "ترند"

حمدي المصطفى حمدي المصطفى 18 سبتمبر 2023
هنا/الآن حول إجازة مجمع اللغة العربية كلمة "ترند"
مجمع اللغة العربية - القاهرة، 1932

في 9 أيلول/ سبتمبر، أصدر مجمع اللغة العربية في القاهرة فتوى لغوية جديدة أجازت استعمال كلمة (ترند) في النصوص العربية، فتداول كثيرٌ من المهتمّين بعلوم العربية هذه الإجازة، وصار الموضوع حديثًا يتقدّم على كثير من الموضوعات في مواقع التواصل؛ وانقسم الناس أشتاتًا، بين مؤيّدٍ على استحياء، ومستبشرٍ بتوسيع فتحة باب التعريب، ورافضٍ بحجّة، ومعارِضٍ بغضب، ومُقترِحٍ بديلًا آخر، ومستهجن، وآسف، وساخِرٍ... وغير ذلك.
كتب مُقدِّم الموضوع الأستاذ الدكتور محمد رجب الوزير (وهو عضو في المجمع)، معرّفًا بدلالة الكلمة: "التِّرِنْد (في مواقع التواصل الاجتماعيّ) موضوع ساخن جديد يُثار على منصّات مواقع التواصل الاجتماعيّ، فينتشر بسرعة في فترة زمنية قصيرة، ويهتمُّ به الجمهورُ، ويتداولونه بالحديث فيه والتعليق عليه، ويتبادلون الأخبار عنه بكثرة. (ج) تِرِنْدات". وقال: إنّ وجه الاعتراض هو "عدم ورودها في المعاجم". وإنّ وجه الإجازة أن "التِّرِنْد كلمة معرَّبة عن الأصل الإنكليزي trend، بمعنى: اتِّجاه، أو نَزْعة، أو مَيْل، أو موضة"[1].
وعلى الرغم من أن المجمع يُصدِر عددًا من الإجازات اللغوية، فإننا قلّما نجد تفاعلًا كبيرًا، سواء أكان سلبيًا أم إيجابيًا، كما حدث في هذا المنشور، إذا ظهرَت بوضوح علامات الغضب والسخرية (أضحكني) في شريط التفاعُل أسفل المنشور، فضلًا عن عتبات المشاركات والتعليقات والردود على المنشور ذاته، ولا يكاد الصادي لمعرفة الحقيقة يجد فيها سوى دخانِ الانفعالات بمختلف أنواعها. وقد أجاز المجمع في هذا الشهر بضع كلمات، لم تلقَ أيّ اعتراض، بل لاقَت الترحيب والثناء عند كثير من المتابعين، ومن الكلمات التي أجازها، نذكر: الترفيق: إقامة المرافق بمنطقة ما توطئةً لإعمارها؛ التركيز: بمعنى الانتباه أو شدته؛ التركيز: بمعنى التقوية والتأكيد؛ التَّرْميد: حرق الشيء وتحويله إلى رماد؛ التَّرْمِيز (بخاصة في مجال الحاسوب والبرمجيات): إدخال رموز معينة للدلالة على أشياء محددة؛ الترويسة: كلمة رئيسة أو عنوان رئيس يُذكر في رأس الصفحة لإبراز مضمون ذي أهمية خاصة؛ الترويقة: ما يُؤكل ويُشرَب في الصباح على الرّيق. وساق الأدلّة والحجج على سلامة إجازته تلك الكلمات، ولم يظهر أي اعتراض على أيّ منها.


وإثر الضجة التي أحدثتها الإجازة، أعاد المجمع نشر توضيح لملابسات المسألة، مؤكّدًا سلامة الإجازة؛ إذ كتب الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور (الأمين العام للمجمع) الآتي[2]: "نوقشت هذه الكلمة [ترند] مناقشة مطوَّلة في لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع، وتعدَّد الرأي حولها، ما بين موافق ورافض، ولكلٍّ وِجْهة هو مولِّيها، وحدث هذا الأمر نفسه عند العرض على مجلس المجمع. وبعد مناقشات طويلة ما بين القبول والرفض، تغلَّب الرأي الذي وافق على تقبّلها، وكان من أسباب تقبّلها أنه لا توجد كلمة واحدة تعبّر عن مضمون هذه الظاهرة المركبة التي ساقتها وسائل التواصل الاجتماعي، ثم إن اشتهار هذه الكلمة وسرعة تداولها قد أعطتا هذه الكلمة قوّةً تعطيها فرصة كبرى للانتشار...".




غير أن المنشور الداعم الذي كان الرجاءُ أن يُخفّف الحِدة والضجّة ذهبَ في اتجاه مضاد، وبدا كأنه زاد الطين بلّة، حيث كُتبت مئات المنشورات على مواقع التواصل، معظمها يستنكر "فعلة" المجمع، وقليلٌ منها يبارك الخطوة، ونادرًا ما يحظى المطالع بردّ منصِفٌ يُبيّن علّة الرفض أو القبول تبيينًا علميًا موضوعيًا خاليًا من الهوى ونوازع الذات. ولم يقف الموضوع حيث أريد له أن يقف، بل طار في الأقطار والأمصار، وأوشك أن يصير ترندًا حقيقيًا، حتى إن حاكم الشارقة، الدكتور سلطان القاسمي، أجرى اتصالين هاتفيين برئيس المجمع، الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ، ناقش الطرفان خلالهما عددًا من القضايا، "من بينها ما أُثير في منصات التواصل الاجتماعي حول إجازة مجمع اللغة العربية في القاهرة بعض الألفاظ الأجنبية، ومنها لفظة (تِرِنْد)"، وذلك بحسب صفحة مجمع اللغة العربية على فيسبوك[3].

قضية المعرَّب



لا يغيب عن الباحث أن مسألة التعريب من المسائل المشكلة المتشعبة، منذ زمن بعيد، ولا يمكننا في هذا المقام بسط القول فيها، وسنكتفي بإيراد ما هو ضروري لفهم القضية. والتعريب هو نقل اللفظ من العجمية إلى العربية، وقد اشترط علماء اللغة أن يتوفّر في الكلمة المعربة شرطان[4]: الأول أن يكون اللفظ الأعجمي المنقول إلى اللغة العربية قد جرى عليه إبدال في الحروف وتغيير في البناء، حتى صار كالعربيّ. والشرط الثاني أن يكون اللفظ قد نُقل إلى العربية في عصر الاستشهاد، ذلك بأنْ يرد في القرآن الكريم أو في كلام العرب الذين يُحتج بكلامهم.
وأول كتاب اختص بترتيب الألفاظ المعرّبة كتاب "المعرّب من الكلام على حروف المعجم"، لأبي منصور الجواليقي (توفي 540 هـ/ 1145 م.)، وهو من أهمّ المراجع في بابه. لأنه جمع الألفاظ الأعجمية التي دخلت في اللغة العربية عبر العصور، في كتاب مفرد، ورتّبها على حروف المعجم، فكان كتابه أكبر كتاب في ذلك العصر. وهذه عيّنة من المفردات التي أوردها الجواليقي: من الفارسية: (إبريق، أسطوانة، باذنجان، برنامج، بستان، بابونج، بهار، جاموس، جوهر، جَوق، خِيار، خنجر، خندق، دفتر، دستور، دينار، ديوان، زعفران، زمرّد، زنجبيل، سرداب، شطرنج، عسكر، فستق، فنجان، كافور، مهندس، ميدان، ميناء، نرجس، نسرين، نموذج، نيزك، ياسمين...). ومن اليونانية: (أسطول، إقليم، ألماس، بطاقة، درهم، جغرافيا، قالب، طاووس، فانوس، فلسفة، قانون، قرطاس، قرنبيط، موسيقى، ياقوت...). وما ذُكر في الكتب من المعرّب وبادَ كثير كثير.

حجّة المجمع في الإجازة



على غير عادة المجمع في مثل هذه المسائل، لم يُقدّم المجمع حجّة مقنعة تُعزز ما ذهب إليه وتدرأ عنه ما كان يفترض أن يكون في حسبانه؛ إذ اكتفى بالقول: إن وجه الإجازة أن "التِّرِنْد كلمة معرَّبة عن الأصل الإنكليزي trend بمعنى: اتِّجاه، أو نَزْعة، أو مَيْل، أو موضة"، وهنا كانت المشكلة، فكيف يمكن أن تكون حجّة تعريب كلمة أنها معربّة! هذا مما لا يُقنع أحدًا من الناس، بلْهَ العلماء والمختصين وأهل الصنعة.




وقد أشار إلى ضعف حجّة المجمع أعلامٌ في العربيّة كِبار، منهم الدكتور فيصل المنصور، إذ كتَب في (تويتر)[5] منشورًا يُقلل فيه من أهمية حجّة المجمع: "(الترند) ليس اختراعًا بديعًا لا نعرف مسمَّاه إلا من قِبَل الغرب فيكونوا أحقَّ بتسميته، وليس بعَلَمٍ فيصانَ لفظُه، ولم يطُلِ استعماله حِقَبًا فيستعصيَ على التغيير، وليس بالعربية فقرٌ فتُضطرَّ إليه، ولا بها ضَعةٌ فتذعنَ له، فما الذي يمنعنا إذن من استعمال البديل العربيِّ له كما تصنع الأممُ التي تحترم لغاتها؟!".
وفي مسألة الحجة، سألنا الباحث الدكتور شوقي المعري عن رأيه، فقال: إن المسألة بسيطة "أيّ كلمة لها مرادف في العربية لا يجوز تعريبها"، مشيرًا إلى وجود مفردات عدة تؤدي الدلالة ذاتها، ودعا إلى إيلاء مسائل الإجازة مزيدًا من العناية والاهتمام، واستنكر أن "يتفرّد مجمع القاهرة بمثل هذه الأشياء". وكان الدكتور المعرّي قد رأى ـ قبل ثلاثة عقود ـ أن المجمع يستسهل الإجازات اللغوية، ومما قال: "إذا أخذنا بما يقرره مجمع القاهرة، فإننا سنصل إلى تجويز كل الأخطاء الشائعة".

الدكتور محمد شاويش 


في الموضوع نفسه، قال الدكتور والمؤلف محمد شاويش: "لا أرى موجبًا لإجازة هذه الكلمة ومثيلاتها، إذ ليست كلمةً مهمّةً، ولا هي مصطلح خطير، كي نهتم بترجمتها وتعريبها، وليست من المفاهيم العلمية العظيمة التي يجب توضيحها وتحديد دلالتها، وهناك عشرات الكلمات التي هي أجدر بالبحث وأولى بالعناية". ورأى أن هناك بدائل عدة أصيلة للكلمة: (شائع، كثير المشاهدة، رائج عند متصفحي الإنترنت إلى آخره)، وأنّ مثل هذه المفردات (شير، كومنت، لايك، كانسل، ريتويت...) ليس من الحصافة إجازتها، مجاراةً للشباب المفتونين بمفردات العصر، ولا سيّما أن لها بدائل متفقًا عليها.

الدكتور سليمان الطعان 


الباحث الدكتور سليمان الطعان أيضًا بدا غير مقتنع بحجة المجمع. ورأى أنّ هذا هو نوع من "الاستهتار"، ورأى أنّ القائمين على المجمع كأنهم أمسَوا "حداثيين أكثر من الحداثة"، وأبدى أسفه لأن المجمع بدا أقلَّ اهتمامًا وعنايةً باللغة العربية من مواقع التواصل الاجتماعي والشركات الأجنبية! ودعا لأن تكون مجامع اللغة "أكثر رصانة وحرصًا وعناية بهذه المسائل"، ولم يرَ أي موجب لإجازة هذه الكلمة (ترند).

حسام كريِّم 


من جانب آخر، لم يُخفِ الباحث في قواعد اللغة العربية حسام كريّم امتعاضَه من الأمر، واستهجانه للحجة المقدّمة، واجتهد في شرح المسألة وخطورتها، وقال في حديثه إلى "ضفة ثالثة": "علينا أولًا أن نميّز بين المعرَّب والمولَّد؛ أما المعرَّب، فيضمّ الكلمات الدخيلة على اللغة العربية من لغات أخرى، وأكثرها من الفارسية، وهذا النوع يقتصر على ما ورد في عصور الاحتجاج، وهي مصادر اللغة الفصيحة. ومعظم هذه الكلمات المعرّبة مما ليس له نظير أو مثيل في العربية، نحو (درهم، دستور، ديوان، دينار...)؛ أو هي ممّا كثر استخدامه عند الناس، وكلّ ذلك يقف عند عصور الاحتجاج. أما المولّدُ، فما جاء بعد عصر الاحتجاج، نحو (قطار، وسيارة، محطة). ورأى أن "المجمع يقيس المولّد على المعرَّب، أو يقيسون العامي والمحدَث على المعرّب، ويجعلونهما في الحكم سواء. وهم في ذلك يخالفون الشروط الأساسية للإجازة: الحاجة، وعدم وجود النظير في العربية". وأوضح أن كلمة (ترند) لها بدائل عديدة في اللغة العربية، مثل الشائع، والرائج، والمتداول، وغير ذلك؛ ولذلك لا تصحّ إجازتها.

آراء
لا يمكن حصر الآراء والأقوال التي وردت في هذا السياق، لكثرتها وتنوّعها، ولانعدام تماسك كثير منها، وسأقف هنا عند من وجدتهم يمثّلون الرأي الذي يمكن أن يُسمَع ويُناقَش، ويؤخذ به، أو منه.
نشرت صفحة (الأمالي) مقطع فيديو للّغوي الموريتاني محمد لغظف[6]، علّق فيه على إجازة المجمع كلمة (ترند)، بالقول: "هذا أمرٌ مؤسف، حين تكون منصّات التواصل الأجنبية أحرصَ على العربية من العرب، فمنصات التواصل تترجم (ترند) إلى متداوَل رائج ومتصدّر، وغير ذلك. أما مجمع اللغة العربية لدينا، فقرر تكاسلًا أن يجعل (ترند) عربية! ولدى المجمع جماعة من الأساتذة، لديهم لغة من أغنى اللغات وأكثرها مرونة، توفّر لهم الآلاف المؤلفة من الاشتقاقات والاحتمالات وخلق كلمات جديدة. ومع ذلك، يعلنون استسلامهم أمام هذه الكُليمة الصغيرة". وردّ على الطرف الذي يحاول تبرير الإجازة ـ من حيث إنّ اللغة العربية أخذت من اللغات الأخرى، وإن اللغات يأخذ بعضها من بعض ـ بالقول بأن الزمن اختلف، وأن هذا زمن حرب اللغات، زمن السياسة اللغوية. وقال: "كلّ أمة اليوم تسعى لحماية لغتها وحفظها من غزو اللغات، وتسعى لمواكبة الجديد وتمويل مؤسسات عملاقة، لا لشيء إلا لترجمة الجديد خَشيةَ أن تُخترق لغتهم". وختم لغظف خطابه بأن دعا "اللغويين، في مصر وفي الأمة العربية، أن يهبّوا وينصروا لغتهم، وألا يرضخوا لانهزام بعض اللغويين وانبطاحِهم وتكاسُلِهم". وكان لغظف قد نشر من قبلُ بضعة منشورات عن الموضوع نفسه، أبدى فيها امتعاضه، وأعلن رفضه إجازة المجمع كلمة (ترند).

نزار شهاب الدين 


الباحث والشاعر نزار شهاب الدين قال لموقع "ضفة ثالثة": إنّ "حاجة الناس الأساسية للغة هي فهم المراد بأقلّ جهد ممكن؛ فأيّ داعٍ لأن يُسمّيَ الطفلُ، بعد أن يتعلّم الحِساب وماهيته، الآلةَ الحاسِبةَ بـ (كَلْكُيُوليتُر)! هذا أمرٌ مرفوض بالمطلق، وسيكون الأمر مقبولًا عندما يكون اسم الآلة من المصدر (حاسبة) قياسًا على ناقلة، حافلة، طائرة، وغيرها". وأضاف معددًا بدائل كلمة (ترند) التي تحمل تلك الدلالة: "إن كلمة (ترند) يقابلها أُحدُوثة، إذا أردت ما صار حديث الناس؛ أو الشائع، أو الرائج، أو المتداول، أو الدائر، أو الاتجاه، للمعنى نفسه.
والعربيّ سيفهم الدلالة قياسًا على ما يعلمه من أصول هذه الكلمات التي اشتُقت منها (الحديث، الشيوع، الرواج، التداول...)، وليس مضطرًا إلى تعلّم اللفظ في غير لغته ليفهمه في لغته". وأشار شهاب الدين إلى مصير اللغة التي تفتح دفتي معجمها لكلّ كلمة، من دون دراسة ونظر في العواقب، إذ قال: "علينا النظر إلى مصير من توسّع في الأخذ والإدخال، فمعظم مفردات هذه اللغات لحون في أصلها، ولغات عامية من لغة، أو لغتين فصيحتين أصيلتين، حيث صار آخرُهم لا يفهم قول أوّلهم، وثقافتهم غير متّصلة، آخرُها مُنبَتّ من أولها، لا يعلم كنه لغتهم إلا الدارس المتخصص"، وتساءَل: "فهل هذا ما يريدونه للعربية: أن تقتصر على العلماء والأدباء، ويهجرَها الناس، فينقطعوا عن فهم دينهم وتراثهم وأدبهم!".


البدائل لا تؤدي الغرض

فرج بيرقدار 

 




ا
لشاعر والكاتب فرج بيرقدار قال في حديثه إلى "ضفة ثالثة": "قرأتُ على صفحة مجمع اللغة العربية بالقاهرة تعليقات وردودًا كثيرة، تعترض على إجازة اعتماد كلمة (الترند) ضمن لغتنا العربية، وقد تركزت أغلب الردود على أن هنالك ترجمات ومعادلات وبدائل كثيرة في العربية تغنينا عن تعريب هذه الكلمة، أو قبولها في لساننا كما هي في أصلها الإنكليزي، فمنهم من اقترح استخدام (الموضوع الساخن ـ أو موضوع الساعة، أو أكثر المواضيع شهرة، أو الأكثر تداولًا)، كبديل عن (الترند)، ومنهم من اقترح البدائل (رائج، متداول، شائع)، وهنالك من اقترح (الهبّة)، أو (الموضة)". ورأى بيرقدار أن جميع تلك البدائل لا تؤدي الغرض ولا تغطي الدلالة، "لأنها صفات لا يمكن فهمها بدون موصوفاتها، أو أنها مؤلفة من عبارة أو تركيب لغوي لا يستطيع الحلول محل (الترند). أما اقتراح (الهبّة أو الموضة) فقد كان ممكنًا لو لم يكن لكل منهما دلالاته المتمايزة والمحددة مسبقًا وبعيدًا عن موضوع (الترند)". وبدا بيرقدار مستبشرًا بما حدث، إذ قال: "أرى أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد فعل خيرًا بإجازته للكلمة، إذ ينبغي لنا أن لا نكون أقل جرأة من الإنكليز في رفد لغتهم بما يُشتَهَر في اللغات الأخرى، فبعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مثلًا، دخلت كلمة (intifada) بيُسر إلى الإنكليزية، وبعد اتساع وانتشار مجاميع الشبيحة في سورية ضد من ثاروا على نظام الطاغية الوريث 2011، دخلت كلمة (shabbiha) إلى الإنكليزية بيسر أيضًا". وختم بالقول: "إن جميع اللغات الحيّة تستقبل كلمات أجنبية بصورة عادية، فلماذا تتعقّد الصورة في لغتنا؟ وللدقة ينبغي القول في مجتمعاتنا، وليس في لغتنا. إنّ كل تقديس أو مبالغة في تمجيد أي لغة إنما يعني تجميدها، وبالتالي قتلها على المدى البعيد".


خطوة موفقة

محمد السلوم 


الكاتب والمحرّر اللغوي محمد السلوم رأى أنّ إجازة المجمع كلمة (ترند) "خطوة موفقة"، وأنها "أحسن من ابتداع كلمة لا يستعملها أحد وتبقى مجالًا للسخرية والتندّر وعدم الاستعمال". وقال في حديثه إلى "ضفة ثالثة": "مسألة الاختلاف في تعريب الكلمات ليست جديدة، ومنذ زمن قديم، كان هنالك صراع بين طرفين، أو رأيين: طرف يجيز المفردات الوافدة ويرحّب بها، وطرف يتشدّد في قبولها ويشترط". واختصر الفكرة بمقولة: "دخيلٌ مستعملٌ خيرٌ من فصيح مهجور"، ورأى أن هذه الخطوة "سابقة" في عمل المجمع، إذ كانوا من قبل يشتقون كلمات، ولا تُكتب لها الحياة طويلًا، فكلمة (مذياع)، مثلًا، لم يعد أحد اليوم يستخدمها. ولم يرَ السلّوم بأسًا في إجازة كلمة (ترند) كما هي، بدلالتها التي يعرفها الناس، وأضاف أنّ الكلمة ستظلّ مستعملة، سواءٌ أقرّها المجمع أم لا، لأنها دارَت على الألسن حتى صارت مألوفة. على أنه أشار إلى أنّ "تحرّك المجمع كان متأخرًا، وهذا التأخّر هو الذي جعل إجازة كلمة جديدة لا تحوز رضا الناس، وتُحدث شيئًا من ردات الفعل"، وقال: إن في كلمة (ترند) نوعًا من "الحيوية ومجاراة العصر"، وإجازتها مقبولة، وهي "خيرٌ من توليد كلمة بنصف رُوح، تزيدنا انعزالًا عن الأمم الأخرى، وتبعدنا من جيل الشباب، ونحن في أمس الحاجة اليوم إلى جَسر المسافات".

الترند لمواقع التواصل الاجتماعي

نسرين أنابلي 


الصحافية نسرين أنابلي رأت، في حديث إلى "ضفة ثالثة"، أن كلّ الكلمات التي تُقدَّم بديلًا لكلمة (ترند) غير كافية، ولا تؤدي الدلالة ذاتها، وقالت: إن "كلمة (رائج) ـ مثلًا ـ ليست خاصة بسياق مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يمكن أن تستعمل حتى مع البضائع والمنتجات والسلع والأخبار الشفوية، وكلمة (متداول) تستعمل في سياق العملات والمعادن والأخبار، وغير ذلك... وكلمة (شائع) أيضًا، وكل الكلمات البديلة كذلك لها سياقات متعددة ومتنوعة، حتى كلمة (أحدوثة) تصلح لأكثر من سياق، على حين أن كلمة (ترند) لا تجوز إلا في سياق ارتفاع الأخبار المتداولة كثيرًا صعودًا باتجاه أعلى، عبر آليات حسابية ترصد وتتابع حركة الكتابة، على مواقع التواصل حصرًا".

المحاكمة
لا شكّ في أن كثيرًا من المفردات الأعجمية دخلت اللغة العربية، طوعًا أو كرهًا، وباتت حاضرة في كلامنا وكتاباتنا، ولا أظهر من كلمة "أستاذ، دكتور، بروفيسور، دبلوم، ماجستير..."، التي تَرِد وتُردّد من دون حرج، حتى في معاقل اللغة العربية. وفي الحياة العامة مئات الكلمات التي نرددها: (بنك، باص، كرت، قارمة، ميترو، ليتر، شورت، بوط...)، وهي تشمل كل مستويات الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتتغلغل في كلّ تفاصيلها. والأمثلة كثيرة، وحسبنا أن ندخل إلى أحد المراكز التجارية الضخمة، ونتجول فيها، وأن نُعدّد ما يمكننا تخليصه من براثن المسميات الأعجمية.
ما يهمّنا في هذه الفقرة هو البحث في جوهر الموضوع: لماذا استهجنَ قسم من الناس ما حدث؟ ولماذا لم يرحّب هؤلاء بهذا الضيف، أو المولود؟ من بعد النظر في التعليقات والردود والآراء، يبدو لي أنه لا حيّز كبيرًا للمحامين عن المجمَع، من بعد الحجّة التي قدّمها، وقد بدت واهية واهنة، فهي أقلّ من الحجج التي يسوقها المجمع نفسُهُ عادة، من حيث الإقناع والمحاجّة والصمود. وأظنّ أنه كان عليه أن يُقدّر أن الأمر لن يمرّ مرور الكرام، ولا سيّما في هذه المرحلة، وأحسب لو أنه قدّم حججًا منطقيّة (في برنامج حوار ونقاش مصوّر) لهذه الكلمة بالذات، قبل أن يعلن إجازتها، لأخرج كثيرًا من المعارضين من حلبة الاعتراض، ولَسلِمَ من سَلق الألسنة. ولنفترض هنا أنّ المجمع قال إن هناك كلمات معرّبة من عصر الاحتجاج، على هذا الوزن نفسِه، كلمة (فِرند)[7]، مثلًا، ثم قدّم حججًا متينة، وذكر العِللَ البديهية للإجازة: (تعريف الكلمة بأل وبالإضافة، والجمع والتثنية...). وأنا هنا لا أنفي أن هذا الكلام قد دار في أروقة المجمع، وإنما أذكر ذلك مذكّرًا، لأنّ للدليل سلطانًا على المحتجّ والمعترِض الأعزل، يُثخِن حركته ويُضعِف تأثيره، وهو من جانب آخر، يُحفّز العالمَ الحازم على البحث والتحرّي والتحقيق في الحجج المعروضة، ومن ثَم يدفعه إلى كتابة ردّ علميّ رصين يُفيد المجمعَ وجمهورَه والأمّة كلها.

خاتمة
لا شكّ في أنّ بواعث كثير من الرافضين تتجسّد بالغيرة على اللغة والخوف عليها، وما المشاكسون إلا قلّة؛ حيث إن الهوّة بين العرب ولغتهم تزداد اتساعًا، يومًا بعد يوم، وإنما المأمول من المجمع أن يكون حصنًا عاليًا يبعث مرآهُ الشعورَ بالأمان والقوة والوجود. ولا شك في أن ما حدث درسٌ مهمّ، إذ إنّه فتح نوافذ الأدمغة على قضية كبيرة قلَّ مَن يعتني بها، على أن كثيرًا من الغيورين على العربية يطمعون بأن يُجسّد مجمع اللغة العربية بالقاهرة المثلَ القائلَ (رُبّ ضارةٍ نافعة).

هوامش:
(1) tps://www.facebook.com/arabicacademy.eg/posts/pfbid02DeZc5ucD7nsz7tFXQZVsVPiBcvTubWqLm6hJZFbPfJv89UfNDanmb3csxnPZmZ9tl
(2) https://www.facebook.com/arabicacademy.eg/posts/pfbid02mhKTRKCMyEqg5Sfb6HapSXRKhxxneeG2x7G5Rh3fmkYJ3eV4Z8SqS8W5Hps4nrJVl
(3) https://www.facebook.com/arabicacademy.eg/posts/pfbid0b4q8hk2vKKgSsQwVKhRsSiYTyadV7m2D4Twio8UXQNXNknj75XZU78reLHXbzFznl
(4) المعرّب، الجواليقي، ط 1 (دمشق، دار القلم، 1990) ص13.
(5) https://twitter.com/faalmansour/status/1702247285206159460
(6)
https://www.facebook.com/watch/?v=653495610208157
(7) الفِرند: فارسي معرّب، جوهر السيف وماؤه، الحرير. ومن معانيه الورد الأحمر (بحسب ابن منظور). انظر كتاب (المعرّب) ص473 ـ 474.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.