}

عن انعكاس الواقع العراقي على عناوين الإبداع الأدبي

علي لفتة سعيد 20 سبتمبر 2023

 

سادت خلال سنوات ما بعد الغزو الأميركي للعراق عناوين لم يكن بالإمكان التطرّق لها أو حتى التفكير بكتابتها. بل إن العناوين كانت تبتعد عن استخدام الكلمات في اللهجة العامية الدارجة، وكان هذا يُعدّ عيبًا. لكن ما بعد التغيير حصل ما يشبه ردّة الفعل على الواقع العراقي والذي أطلقنا عليه الأدب الغاضب سواء في الأفكار والحكايات التي تحملها النصوص المخالفة شعرًا وقصةً وروايةً ومسرحًا وغيرها من الفنون الإبداعية الأخرى، وهي تقابل الفعل الذي تسببّت به الأحداث السياسية التي كان يطلق على الإنتاج في زمنها بالأدب الخائف، وقد وصلت ردّة الفعل إلى استخدام عناوين تحمل معها قدرتها على القبول من قبل المتلقّي أيضًا، مثلما تحمل القدرة على المواجهة وتسمية الأحداث بمسمياتها واستخدمت ألفاظًا كانت مرفوضةً اجتماعيًا مثل (تفو) و(سيبندية) أو مزج كلمات لتكون دلالة الاحتجاج (قياموت) أو السخرية مثل عنوان (أحببت حمارًا). فهل شكّلت هذه العناوين ظاهرة أدبية؟

المجهر والتميّز

الروائي شوقي كريم الذي ربما أكثر من أطلق مثل هذه العناوين على نتاجه الأدبي يقول إنه مع المتغّير السياسي الذي حدثت معه جملة متغيّرات اجتماعية واقتصادية توجّب على المثقّف العراقي النظر بمجهرٍ مغايرٍ غير ذاك الذي كان ينظر من خلاله إلى الأحداث والحروب، موضّحًا أن هذا المجهر كان أكثر حدّة وشراسة كون المجتمع اختار مواجهاتٍ حادّة مع نفسه ومع الساسة. وأشار إلى أننا نحتاج إلى وعيّ نقديّ سرديّ ساخرٍ بعض الشيء ومثير للأسئلة، وهو ما جعل الكاتب يبحث عن عناوين مدخلية صادمة وتتوافر على مغايرةٍ غير مألوفة. ويبرهن شوقي على كلامه من أنه أوّل من اهتمّ بهذا التحدّي "حيث روايتي (شروكية) التي قدمتها الى دار الشؤون الثقافية عام 2003. فكانت المساومة على العنوان الذي رفضت تغييره واستمرت لعبتي في (هباشون) و(هتلية) و(قنزة ونزة) وكانت الانطلاقة المهمة في مغايرة العنوانات المتحديّة واللافتة للنظر والتي تتحمل لدى المتلقّي أكثر من معنىً تفسيري"، ويعتقد أنها أصبحت ظاهرة متحدية وتسويقية معا وهذا هو المطلوب. 

لكن الناقد حسن الموسوي يرى أن الموضوع ليس له علاقة بالتاريخ الزمني أو بالغزو الأميركي للعراق، لأن أكثر الأدباء يميلون إلى التميّز والانفراد ليس في العراق فقط، بل في كل دول العالم. ويضيف أن أغلب الأدباء يستخدمون عناوين غريبةً في محاولةٍ منهم لشدّ انتباه القرّاء لكتبهم الأدبية، باعتبار أن العنوان هو العتبة النصيّة الأولى إلى جانب الغلاف والإهداء والمقدمة، ويمكن للعنوان أن يختزل الكتاب الأدبي بعدة كلمات تكون كافية لمعرفة مكنون الكتاب. ويرى أن العنوان يمثل بوابّة النص وبحسب جيرار جينيت فإن العنوان هو (مجموعة من العلامات اللسانية التي يمكن أن توضع على رأس النص لتحدّد وتدل على محتواه لإغراء الجمهور المقصود بقراءته). ويمضي بقوله إن العنوان يعمل على اختزال الفكرة المحورية وعلى الصعيد الشخصي وخلال قراءتي لكثير من الكتب وجدت أعمالًا ذات عناوين غريبة مثل مجموعة شعرية تحت عنوان (يبوووو).

الكاتب والمخرج والممثل المسرحي علي العبادي يشير الى أن المتغيّرات التي عصفت بالبلاد لم تشكّل هوية للكاتب أو الفنان فحسب، بل شكّلت هوية ثقافية للراهن الذي نعيش، وأصبحت هناك توجّهات معيّنة لدى المشتغلين في الحقل الثقافي والفني في رصد هذه الظواهر والاشتباك معها. وأضاف: أنا كمؤلّفٍ مسرحي أنتمي لهذه المرحلة (مرحلة الديستوبيا) وردّة الفعل هي تناسل في الأخطاء السياسية التي أخذت مأخذًا كبيرًا من أعمارنا، طفولة مرعبة، شباب بمستقبل مجهول، كل هذه التداعيات كانت محفزًا لي في اشتغالي مسرحيًا، لذا أجنح صوب الاحتجاج. ويرى العبادي أن المسرح الذي يخلو من الاحتجاج تنتفي حاجته خصوصًا في الدول النامية التي تعاني من اضطهادٍ سياسيّ وديني. وعن نصوصه التي مثّلت في أكثر من دولةٍ عربية وأجنبية يقول العبادي إنها ما هي إلّا صراخٌ بوجه هذه المرحلة التي نعيشها شبابًا والتي عشناها وتربينا على أزيز رصاصها في الطفولة، فتجد عناوين هذه النصوص صادمة، وبالتالي هي إدانةٌ لكلّ ما حصل وما يحصل مستقبلًا في تقويض السلام وإشاعة روح القتل والدماء في ربوع الوطن من أجل مكاسب سياسيةٍ ليس للمواطن فيها ناقة ولا جمل، سوى أنه يحلم أن يعيش بسلام، وبناء على ذلك أن الضمير الوطني وزخم ذاكرتنا الطفولية المعبئة بالخراب، هي من شكّلت التوجه الصادم الذي أعمل عليه تأليفًا وإخراجًا. ويضيف: أحاول جاهدًا أن أخلق من العنوان نصًّا موازيًا للمتن بمعنى لا بدّ من مغادرة العناوين الجاهزة والمعلبة فلجأت إلى عنونة نصوصي المسرحية  ولم تأتِ هذه العناوين اعتباطًا أو من أجل اثارة الانتباه، بل لأني أردتها احتجاجًا على الواقع.

احتجاج وتعدّ

أما الناقد علوان السلمان فيقول إن العنوان هو العلامة السيميائية الدالة والعتبة الموازية والمفسرّة للنصّ وهو ثريا النص. أما عناوين الزمن الجديد فقد جاءت مفارقة للمتن لكنها أسهمت في جذب المتلقّي لغرابتها حتى يبدو أن منتجيها أخذوا من مقولة أمبيرتو إيكو منهجًا لهم في تشكيل عنواناتهم عندما قال (على العنوان أن يشوّش القارئ ولا يقود إلى تأويل معين). وبحسب رأيه فقد ظهرت عناوين مكتظّةً بغرابتها وهي تميل إلى السريالية والتشظّي حتى أنها أصبحت ظاهرة في المنتج الثقافي شعرًا وقصةً ورواية، من مثل (مقهى المنتحرين) و(شروال برهوم) و(الساقطة) و(امرأة من طابقين) و(شروكية) و(سيبندية) و(ولاد الوسخة) و(أمنيتي أن أقتل رجلًا) و(كرش الملك) و(فن الصياعة) و(أولاد المرة) و(قتلته بأسلوبي) و(كيف تقتل زوجتك) وكذلك (يكفي أن تكون شرقيًا). وبرأيه إن بعض هذه العناوين مصنوعة ومفتعلة، وتجد قبولًا عند أصحاب دور النشر كونها تحقّق انتشارًا لجاذبيتها وغايتها الربحية لا المعرفية، لذا يعدها تعديًا على التاريخ الثقافي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.