}

أطفال فلسطين والحلم بالحرية

سمر شمة 9 فبراير 2024
هنا/الآن أطفال فلسطين والحلم بالحرية
في عام 2022 فقط اعتقلت إسرائيل نحو 882 طفلًا(Getty)
قديمًا كانوا يقولون "السجن للرجال"، أما الآن فقد أصبحت السجون للجميع، رجالًا ونساء وأطفالًا وشيوخًا ورضّعًا وأجنّة، إذ لم تستثنِ الأنظمة المستبدة والاحتلال الاسرائيلي أحدًا من الاعتقال، والتنكيل، والقتل، والتعذيب.
والحقيقة أن الأطفال تحديدًا هم الذين يدفعون الثمن الأكبر في مناطق الحروب والنزاعات والاحتلال، بالرغم من الأديان السماوية والقوانين والتشريعات والاتفاقيات الدولية والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تؤكد دائمًا على ضرورة الحماية والرعاية الخاصة للأطفال في كل مكان.
كان أطفال فلسطين وما زالوا، منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لوطنهم حتى الآن، أهدافًا لأسلحة الاحتلال الفتاكة وسجونه ومعتقلاته المرعبة، التي اكتظت بالأسرى من مختلف الأعمار، بعد أن تصاعدت عمليات الاعتقال الممنهجة على وقع حرب غزة المدمرة منذ شهور، والتي شنتها قوات الاحتلال على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الفائت، وخلفت دمارًا هائلًا في البنية التحتية وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين وآلاف المعتقلين من غزة والمدن والبلدات الفلسطينية، ومنهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال.
وقد أكدّ نادي الأسير الفلسطيني أن الجيش الإسرائيلي نفذّ أكثر من 880 حالة اعتقال في صفوف الأطفال الفلسطينيين خلال العام الفائت، الذي شهد تصاعدًا في الاعتقالات، وبشكل غير مسبوق، في حق الأطفال، ولا سيما بعد بدء العدوان على غزة في أكتوبر الماضي، حيث تمّ تسجيل 145 حالة اعتقال في هذا الشهر وحده.
وفي بيان أصدره النادي بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للطفل، أكدّ أن عدد الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية أكتوبر الماضي بلغ أكثر من 200 طفل يقبعون في سجون: عوفر، ومجدو، والدامون، بينهم 26 طفلًا رهن الاعتقال الإداري.
وصرح قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، بأنه لا توجد معلومات رسمية عن أعداد وأسماء معتقلي القطاع، وبينهم أطفال، محذرًا من أن هذا التعتيم الإسرائيلي مريب، وتترتب عليه مخاطر كارثية كبيرة، لا سيما وأن العدو الصهيوني لا يسمح لمحامي الهيئة بزيارتهم، والتأكد من أسمائهم.
منظمة "أنقذوا الأطفال"، من جهتها، أعلنت عن استشهاد ما لا يقل عن 100 طفل منذ مطلع العام الماضي، وأن قوات الاحتلال اعتقلت آلاف الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر في الضفة الغربية، بينهم أعداد كبيرة من الأطفال.
وأشارت المنظمة في بيان لها إلى أن مصادرة هواتف الأطفال الذين يحاولون المرور عبر نقاط التفتيش في الضفة، واعتقالهم من قِبل نظام الاعتقال العسكري بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يثير مخاوف خطيرة بشأن حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير، والخصوصية، والحرمان من الحياة الطبيعية.
بينما أكدّت مصادر حقوقية على اعتقال ما بين 500 و700 طفل فلسطيني في العام الواحد، وتهمتهم الوحيدة: رمي الحجارة على القوات الإسرائيلية العسكرية.
أما مركز المعلومات الوطني الفلسطيني فقد أكدّ أن حوالي 11000 مواطن فلسطيني تعرضوا للاعتقال خلال عام 2023، نصفهم بعد عملية طوفان الأقصى، ومن بينهم 1085 من الأطفال، وأن حالات الاعتقال عمومًا تصاعدت بعد هذه العملية، وبلغت أكثر من 5500، من بينها 355 طفلًا.
تتفاوت أرقام الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بين مصدر وآخر، ولكن هناك تقارير إعلامية دولية وعربية وفلسطينية ذكرت أن أعداد السجناء لدى الاحتلال كبيرة جدًا، وتتجاوز عتبة الخمسة آلاف بكثير قبل العدوان على غزة، وتخطت العشرة آلاف بعده، ومن بينهم مئات الأطفال والقاصرين.
وكالة الأناضول، نقلًا عن مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد" الحقوقي الإسرائيلي، قالت إن إسرائيل، وبحلول العام الجاري، تحتجز أكثر من 2114 سجينًا محكومًا عليهم، و2534 محتجزًا احتياطيًا، و3291 من "المقاتلين غير الشرعيين"، وهم الذين اعتقلوا من غلاف غزة، ومن القطاع، وبين صفوفهم عدد كبير من الأطفال أيضًا.
أما صحيفة هآرتس الإسرائيلية فقد أكدت أن عدد المعتقلين في قطاع غزة ارتفع مؤخرًا بنسبة 150 في المئة عن السابق. بينما أفاد مؤسس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده بأن إسرائيل اعتقلت مؤخرًا ما لا يقل عن 900 فلسطيني في شمال القطاع، بينهم أطفال وقاصرون، وأنها تحتجز معظمهم في قاعدة زيكيم العسكرية.
ووثقت مؤسسات الأسرى اعتقال 145 طفلًا خلال أكتوبر الماضي وحده في الضفة، مشيرة إلى أن متوسط عمليات الاعتقال يوميًا بلغ نحو 73 عملية، بينهم نساء، وصحافيون، وبرلمانيون، وأطفال. وكان نادي الأسير الفلسطيني قد أكدّ مؤخرًا أن إسرائيل هجّرت منذ بدء الحرب على غزة أكثر من مليونين ومئتي ألف فلسطيني وفلسطينية، من ضمنهم أطفال وقاصرات. وقد أشار النادي ومعه هيئة شؤون الأسرى إلى أن ازدياد عمليات الاعتقال لا تعكس فقط استمرار الاحتلال في تنفيذ سياسته التعسفية المتصاعدة، وإنما تعكس مستوى الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المعتقلون، لا سيما وأن مستوى عمليات التنكيل وجرائم الحرب الصهيونية هي من بين المستويات الأعلى والأخطر والأكثر كثافة منذ بدء العدوان على القطاع.
ومن المعروف أن عمليات الاعتقال للفلسطينيين، وتحديدًا للأطفال منهم، مستمرة منذ عقود، ففقط في عام 2021، على سبيل المثال، اعتقلت إسرائيل 1149 طفلًا. وفي عام 2022 اعتقلت إسرائيل نحو 882 طفلًا، منهم 654 من القدس المحتلة.




وقد أفرجت إسرائيل ضمن صفقة تبادل الأسرى مع حماس العام الماضي عن عدد من الأطفال المعتقلين معظمهم من القدس الشرقية، وفرضت حظرًا على عودتهم إلى المدارس، ومن بينهم أصغر أسيرة وهي نفوذ حماد (16 عامًا) من حي الشيخ جراح، والمحكوم عليها بالسجن 12 عامًا. أما الأطفال الآخرون المفرج عنهم، وعددهم 24، فهم من محافظات الضفة الغربية المحتلة.
يتعرض الأطفال للتنكيل والانتهاكات الجسيمة أثناء عمليات المداهمة والاعتقالات، مثل: اقتحام البيوت بعد منتصف الليل، وفي الفجر، وتفجير أبوابها، والتخريب والتهديد باعتقال الأهل، وضرب المعتقل وأفراد أسرته، واستخدام الكلاب البوليسية، والابتزاز المادي، وعدم تقديم أي مبرر للاعتقال.
وقد تحدثت وكالة الأسوشيتد برس عن حملات الاعتقال المرعبة والممنهجة والجماعية التي ينفذها الاحتلال في حق المدنيين والأطفال شمالي غزة، وكشفت عن إجبارهم على خلع ملابسهم قبل نقلهم إلى مركز اعتقال الشاطئ، حيث يمضون هناك أيامًا وهم عراة، من دون طعام، أو دواء. وقالت الوكالة في تقرير لها إن الاحتلال اعتقل أعدادًا كبيرة من جميع أنحاء شمالي قطاع غزة بعد بدء الحرب، وفصل العائلات وشتتها، وإن محتجزين في بيت لاهيا المدمرة، ومخيم جباليا الحضري، وأحياء مدينة غزة، قد تم تقييدهم وعصب أعينهم وجمعهم في شاحنات لنقلهم إلى مراكز مجهولة، ومن بينهم أعداد كبيرة ممن هم تحت سن 18 عامًا.
ووفقًا لشهادات من أُفرج عنهم من المعتقلين الأطفال، ولوثائق صادرة عن منظمات حقوقية وإنسانية، فإن الأطفال يتعرضون للانتقام والتعذيب الوحشي في المعتقلات الإسرائيلية، كما يتعرضون للصعق بالكهرباء والإبتزاز والعنف الجسدي والجنسي والنفسي، ويفتقدون إلى الماء والغذاء والتهوية والرعاية الطبية والنفسية، وبعضهم يتم سجنه في زنازين انفرادية تعجّ بالحشرات لأوقات طويلة، ويُحرمون من النوم والزيارات ومقابلة محاميهم، ويُجبرون على الاعتراف بتهم لم يرتكبوها بعد أن يتمّ سحلهم وتقييدهم بالسلاسل وتعذيبهم مطولًا. وقد ازدادت هذه الممارسات الإجرامية كمًا ونوعًا بعد العدوان على غزة، كما ذكر الأطفال المُفرج عنهم في صفقة التبادل.
منظمة العفو الدولية قالت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: إن السلطات الإسرائيلية كثّفت على نحو واسع استخدام الاعتقال الإداري، وهو شكل من أشكال الاحتجاز التعسفي، وإنها مددت إجراءات الطوارئ التي تتيح معاملة الأسرى معاملة لا إنسانية، بينما تقاعست عن التحقيق في حوادث التعذيب والوفاة في الحجز على مدى الأسابيع التي أعقبت عملية طوفان الأقصى.
وقد كشف تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية معاناة الأطفال، وخصوصًا في الزنزانة رقم 36 في سجن الجلمة شمال فلسطين، وهي واحدة من الزنازين التي يُحتجز فيها الأطفال في الحبس الانفرادي لأيام وأسابيع. وتحدث التقرير عن فتى فلسطيني عمره 16 عامًا، احتُجز فيها لمدة 65 يومًا، لا يخرج منها إلا للتحقيق.
ووصفت جمعية "الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال" عام 2023 بأنه عام الإبادة الجماعية في حق أطفال فلسطين، مؤكدةً أن الاحتلال قام خلال ذلك العام باعتقال وتعذيب ومحاكمة الأطفال بشكل تعسفي، وأن ما بين 500 و700 طفل تمّ اعتقالهم شهريًا العام الماضي، وتعرضوا لانتهاكات جسيمة: 61 في المئة منهم تعرضوا للعنف الجسدي و96 في المئة كانوا مقيدي الأيدي والأرجل، و88 في المئة كانوا معصوبي الأعين.




أما صحيفة نيويورك تايمز الأميركية فقالت: إن غالبية المفرج عنهم في صفقة التبادل لم تتم إدانتهم بأي جريمة، وأن 107 منهم هم مراهقون أعمارهم أقلّ من 18 عامًا، بينهم ثلاث فتيات، و66 مراهقًا عمرهم 18 عامًا.
ومعروف للجميع أن ما يقوم به الاحتلال مخالف للقانون الدولي، وخصوصًا اتفاقية حقوق الطفل، والمادة 16 التي تنصّ على أنه: "لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي، أو غير قانوني، للطفل، في حياته الخاصة، أو أسرته، أو منزله، أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه، أو سمعته"، وتنص أيضًا "على أن للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو  المساس"، إضافة إلى أن الاحتلال لا يراعي حداثة سن الأطفال أثناء اعتقالهم، أو محاكمتهم، ولا يشكل لهم محاكمة خاصة، ويُحدد سن الطفل بما دون 16 عامًا، وذلك وفق الجهاز القضائي الإسرائيلي الذي يستند في استصدار الأحكام ضد الأسرى الأطفال إلى الأمر العسكري رقم 132، وفي هذا مخالفة صريحة لنصّ المادة رقم واحد من اتفاقية حقوق الطفل، التي عرّفت الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة".
وتحرم سلطات الاحتلال الأسرى، ومنهم الأطفال، من أبسط الحقوق التي تضمنها لهم المواثيق الدولية، كالحق في عدم التعرض للاعتقال العشوائي، والحق في معرفة سبب الاعتقال، إضافة إلى حق الاعتراض على التهمة، والطعن بها، والمثول أمام القاضي، والتواصل مع العالم الخارجي والمحامين.
كما تحاول سلطات الاحتلال تجنيد الأطفال كجواسيس، وتتعامل معهم من خلال محاكم عسكرية تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة. وتستند في ممارساتها القمعية على الأمر العسكري رقم 1500، الذي أطلق العنان لها لاعتقال أي مواطن فلسطيني، حتى لو كان طفلًا، لمدة 18 يومًا من دون عرضه على محكمة، أو السماح له بمقابلة محاميه. ويسمح هذا الأمر بتمديد فترة الاعتقال بناء على ما يراه القائد العسكري الإسرائيلي. هذا إضافة إلى الأمر العسكري 101، الذي يسمح لإسرائيل بسجن الأطفال، وغيرهم، لمدة أقصاها عشر سنوات، أو أكثر، كعقوبة على المشاركة في تجمع يضمّ عشرة أشخاص أو أكثر، أو المشاركة في توزيع مواد ضد الاحتلال، أو رفع العلم الفلسطيني.
ثمة احتجازات غير قانونية، ومحاكمات صورية، وقصص مؤلمة رواها الأطفال الذين اعتقلوا، وهي كثيرة لا تعدّ ولا تحصى:
أحد هؤلاء عرّف عن نفسه بأنه محمود (14 عامًا) وروى كيف اعتقلته سلطات الاحتلال في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في حي الشجاعية في غزة، والمعاناة الكبيرة التي عاشها هو ووالده في السجن، والتعذيب، والإهانة، التي تعرضا لها، وقد أُطلق سراحهما من دون توجيه أي تهمة لهما.
أما أحمد علي الصباح الذي اعتُقل قبل أن يتم 16 عامًا، فقد أمضى 17 شهرًا في السجن بتهمة إلقاء الحجارة، من دون محاكمة. وقال إنهم ضربوه بوحشية، وحققوا معه مطولًا، وأن أطفالًا ما بين 10 و13 عامًا كانوا معه في السجن.
أما محمد الشبراوي من مدينة طولكرم، الذي اعتُقل وعمره 16 عامًا فقال لصحيفة الغارديان البريطانية: إن أربعة جنود اسرائيليين دخلوا غرفة نومه ليلًا بهمجية، ونقلوه مقيدًا ومعصوب العينيين إلى مستوطنة إسرائيلية، ثم نُقل إلى زنزانة انفرادية بقي فيها وحيدًا خائفًا وقتًا طويلًا، وفي النهاية اضطر للاعتراف مكرهًا بالانتماء إلى جماعة محظورة، كما طلبوا منه.
وهنالك قصص حقيقية أخرى جمعتها الناشطة الماليزية نورما هاشم ضمن كتابها "الحلم بالحرية"، ومنها قصة الطفل أحمد خلف (13 عامًا) الذي اعتُقل وهو يحتفل بانتهاء امتحاناته المدرسية النهائية في أحد المتنزهات في الضفة الغربية، وتعرض للتعذيب الوحشي، ثم حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن ستة أشهر بتهمة إلقاء الحجارة على قوات الاحتلال. إضافة إلى قصة الطفل أسامة صبح (13 عامًا) الذي وضعته إدارة سجون الإحتلال في العزل الانفرادي بعد عثورها على صورة له وهو يشارك في إلقاء الحجارة على حاجز لجيش الاحتلال.
وأوردت هاشم في كتابها تصريحًا لأحد الأطفال المعتقلين، قال فيه: "لا شيء جديدًا هناك، فالطعام سيء، والنوم سيء، والمكان أيضًا مليء بجيوش من الحشرات تملأ الزنازين والغرف، الزنزانة القذرة كأنها وسيلة تعذيب بحد ذاتها".

اليوم تتواصل الحرب الوحشية على غزة ومدن فلسطين، ومعها تتواصل الإبادة الجماعية، والاعتقالات العشوائية التعسفية، والوجع الفلسطيني الكبير. في الوقت الذي يقف فيه العالم متفرجًا كما هي العادة. ولكن غزة ومعها فلسطين ما زالت تحلم، وللحلم بقية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.