}

هل فقد الأوكران حظوتهم في ألمانيا؟

عارف حمزة عارف حمزة 15 أبريل 2024
هنا/الآن هل فقد الأوكران حظوتهم في ألمانيا؟
لاجئون أوكرانيون يصلون محطة القطار في برلين (16/3/2022/Getty)

لم يكن في الحسبان أن يطول "الغزو الروسي لأوكرانيا" لعام أو عامين، بل كان المحللون يعتقدون بأن الأمر لن يطول سوى لبضعة أشهر منذ بدء العدوان في 24 شباط/ فبراير 2022، وذلك لأسباب عدة، أهمها أن أوكرانيا ستلقى دعمًا أوروبيًا ضخمًا، كما حدث بالفعل، وسيتم الضغط الدولي الشديد لردع روسيا بشكل أكبر مما حدث في عام 2014، عندما قامت روسيا باستغلال الاضطربات في أوكرانيا، وقامت بضم جزيرة القرم. وهناك سبب آخر، وهو أنه من غير المعقول أن تطول الاضطرابات في بلد، أو بلدان، من القارة الأوروبية العجوز ونحن في هذا القرن الذي طرد الاضطرابات نحو آسيا وأفريقيا بشكل نهائي.

مليون لاجئ
في الوقت الذي فتحت ألمانيا أراضيها وذراعيها للاجئين الأوكران، لم تصنّفهم كلاجئين، بل كضيوف مؤقتين، ومرحب بهم جدًا، على الأراضي الألمانية. وصدرت قرارات إدارية بإعطاء الفارين من أوكرانيا حق الإقامة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، على عكس حالة اللاجئين الآخرين الذين يخضعون لإجراءات صارمة.
شعبيًا كذلك لقي الأوكران، في بداية العدوان الروسيّ، حفاوة كبيرة، ولم يشكل وقتها لجوء أكثر من مليون لاجئ من أوكرانيا، أكثرهم من النساء والأطفال، حالة قلق لدى الألمان، ولا حالة تململ من دافعي الضرائب.
ووفق هذا التصوّر المضياف، لم تكن هنالك خطط لتجميع الأوكران في ولاية واحدة، فمع ازدياد أعداد الفارين خلال أيام قليلة تم وضع خطة طارئة لاستقبالهم في الولايات الألمانية الست عشرة كافة، ووضع كل الإمكانيات تحت تصرفهم، وفي خدمة دعمهم النفسي واستقرارهم المؤقت.
هنالك سبب اقتصادي، كذلك، وراء هذا الدعم التلقائي للقادمين من أوكرانيا، وهو ما أشار إليه ارتفاع الأسعار الكبير في الأسواق الألمانية، وشكل حالة من الخوف لدى محدودي الدخل. وذلك السبب يعود إلى توقف أكثر من ألف منشأة صناعية ألمانية كانت في أوكرانيا. وهي صناعات مختلفة تتخصص في صناعة الزيوت، والطحين، والسكر، والزبدة، وقطع السيارات... ناهيك عن الواردات من أوكرانيا من القمح والقطن والفواكه، وذلك لأن أوكرانيا تشكل سلة أوروبا الغذائية، وكذلك لرخص اليد العاملة هناك مقارنة بالوظائف المقابلة لها في ألمانيا. فبسبب ذلك تم تأسيس تلك الشركات هناك، بدل الاستيراد من الدول الأخرى، وكذلك بدل تحمل تكاليف أكبر حين تأسيسها في ألمانيا نفسها.

عنصرية
بعد أيام قليلة من وصول الأوكران، شعر اللاجئون السابقون بأنهم لاجئون من الدرجة الثانية، أو الدرجة الثالثة. فقد شاهدوا ولمسوا الحفاوة الكبيرة من السلطات والشعب الألماني، وكيف تم تأمين البيوت وأثاثها مباشرة للأوكران، في الوقت الذي يقضي اللاجئ فترة، قد تطول لسنوات، في المعسكرات الخاصة باللاجئين، حتى استكمال النظر في أوراقهم الثبوتية وأسباب لجوئهم وإعطائهم إحدى حالات الإقامة في ألمانيا والاعتراف لهم بالعمل والدراسة وتعلم اللغة. وكذلك الوقت الطويل حتى العثور على مسكن ضمن شروط مالية وبمساحة محددة من قبل وكالة العمل. وتفاجأ اللاجئون بوجود شقق وبيوت كثيرة فارغة أعطيت للأوكران، بينما ظلوا هم لسنوات في انتظار حصولهم على سكن مناسب، متلقين خلال ذلك تلك الجملة التي تقول: "لا توجد شقق فارغة. عليكم الانتظار في معسكرات اللجوء".
صار اللاجئون الآخرون يتألمون من تعبير السياسيين الألمان، وكذلك رجال الدين، الذين وجدوا بأن الأوكران لا يختلفون عن الألمان، فهم "أصحاب عيون زرقاء وبشرة بيضاء ويؤمنون بالديانة المسيحية"!
وفي الوقت الذي يتحمل فيه اللاجئ الآخر تكاليف تأثيث منزله، مع وجود دفعة واحدة للتأثيث من وكالة العمل، وشراء كل شيء من راتبه الخاص باللجوء، أو الإقامة الخاصة بالعاطلين عن العمل، كان الأوكران يحصلون على بيوت، خارج تلك الشروط الصارمة، وأثاث، من دون أن يدفعوا ثمنه، والانتقال بالحافلات والقطارات من دون قطع تذاكر، وتذاكر المواصلات مرتفعة الثمن في ألمانيا. بل وصل الأمر إلى أن دخول الأوكران لدور السينما وأماكن الترفيه مجاني، ويلزمهم فقط إبراز وثيقة تثبت أنه أوكراني.
النقمة زادت بين اللاجئين الآخرين، عندما حصل الأطفال الأوكران مباشرة على أماكن لهم في رياض الأطفال ودور الحضانة والمدارس، بينما عانى أطفال اللاجئين من هذا الأمر طويلًا، بسبب البيروقراطية الألمانية، والتذرع بقلة الأماكن والمقاعد.





هنالك مراكز للمساعدات الخاصة بالمشردين والعاطلين عن العمل، أو الذين ليس لديهم دخل مادي مستمر، أو يزيد عن الحد الأدنى للمعيشة، مثل مراكز "التافل"، وهي مراكز موجودة في كل المدن الألمانية، تقدم المواد الغذائية وبقية المواد التي يتبرع بها التجار، أو محلات السوبرماركت عندما تقترب مدة صلاحيّتها من الانتهاء.
اللاجئ عليه الحصول على بطاقة من البلدية لكي يذهب ويحصل على المواد التي توزعها مراكز "التافل". وعليه أن يدفع 2 يورو عن كل شخص من أفراد عائلته في كل مرة يذهب فيها إلى تلك المراكز. بمعنى أنه لو كان هناك شخص متزوج ولديه طفلان، عليه أن يدفع لمركز "التافل" 8 يورو قبل الحصول على المواد التي يقومون بتوزيعها، من خبز، ولحوم، وأسماك، وخضروات، وفواكه، ولباس، وزيوت، وبيض، وسكر، ورز...


النقمة من الألمان
ذهب الأوكرانيون إلى تلك المراكز أيضًا، رغم أنهم يتلقون رواتب شهرية جيدة، وتم قبل ذلك تقديم الثياب، وحتى ألعاب الأطفال، مجانًا لهم، ولم يُطلب منهم الحصول على تلك البطاقة من البلدية، ولا دفع أي شيء لمراكز "التافل". بل، فوق ذلك، يتم وضع الأوكران في صف انتظار خاص بهم، أمام مراكز "التافل"، وبقية المعوزين، من ألمان ولاجئين من دول مختلفة، في صف انتظار آخر. ويتم إدخال الأوكران أولًا ويأخذون ما يريدون، بينما يتم توزيع ما يتبقى على بقية المعوزين!
كذلك أقام الصليب الأحمر الألماني حفلات خيرية جمع من خلالها كثيرًا من الألبسة والمواد الأخرى، ليتم توزيعها مجانًا على الأوكرانيين فقط.
هذا الأسلوب جعل حتى المعوزين والمتقاعدين ودافعي الضرائب الألمان يشعرون بالتمييز العنصري لصالح الأوكران، مما زاد النقمة عليهم من الألمان أنفسهم، وصارت الأحزاب اليمينية تتحدث عن "عيون أكثر زرقة" من عيون الألمان أنفسهم.

أساليب ملتوية
صار منظر الأوكران وهم يدفعون العربات المليئة بالمواد الغذائية المجانية أمامهم، وحمل كثير من أكياس الثياب، ورمي بعضهم كثيرًا من المعونات التي تصلهم في حاويات الزبالة، مثيرًا للنقمة لدى كثير من المقيمين في ألمانيا.
وصارت المطالبة بالمساواة بين اللاجئين ليس مطلب اللاجئين فحسب، بل أيضًا مطلب الأحزاب والسياسيين، الذين رأى كثير منهم بأن الحرب الروسية الأوكرانية أضرّت بالاقتصاد الألماني، وجعلته مدينًا بمبالغ طائلة.
كثير من الأوكران ذهبوا لدورات مجانية لتعلم اللغة الألمانية، كما حصل مع اللاجئين الآخرين. ولكن كثيرًا منهم لا يُريد أن يعمل في ألمانيا. والعمل في ألمانيا يعني توقف المساعدات التي تدفعها الدولة، وكذلك عدم الذهاب للمراكز البلدية، أو الكنسية، لتوزيع المعونات المجانية.
وربما ما زاد النقمة أكثر هو اكتشاف موظفين أن عددًا من الأوكران الذين قدموا إلى ألمانيا أجّروا بيوتهم أو محلاتهم للآخرين هناك، ويتلقون إيجار تلك البيوت أو المحلات من خلال حسابهم البنكي في ألمانيا.
بالطبع، هنالك سرية للمصارف في ألمانيا، ولكن من حق البنك أن يسأل صاحب الحساب عن مصادر المال الذي يتلقاه في حسابه، إذا شك الموظف بأن هنالك تهربًا من الضريبة، أو شبهة تدل على أموال غير نظيفة، أو شبهة دعم الإرهاب.
هذا التحايل على الدولة، ممثلة بوكالة العمل، ومكتب الضرائب، جعل موظفي وكالات العمل في الولايات الألمانية يضغطون على الأوكران، من أجل التقدم للعمل في إحدى الوظائف، مع التهديد بوقف الرواتب الشهرية المقدمة منها لمدة شهرين متواصلين.
هذا الضغط من الموظفين عادة ما يحدث مع كل لاجئ يستطيع العمل، بعد أن يتقدم في اللغة الألمانية. ولكن في الحالة الأوكرانية يبدو أن الأمر متعلق بالكذب، أو بالتحايل على الدولة، أو بعدم دفع الضرائب. وهي جرائم ليس بالهيّن المسامحة فيها في دولة تعادل ميزانية الضرائب فيها ميزانيات دول أخرى.
هنالك بالفعل نقمة متزايدة، خاصة مع الأخبار التي تتحدث عن مغادرة عدد من الأوكران بسياراتهم الفارهة وحقائبهم الكثيرة، رافضين العمل في وظائف لدى الشركات الألمانية، معللين بأن جلوسهم في البيت، كعاطلين عن العمل، يدر عليهم مبالغ أكبر بكثير مما لو عملوا في أية وظيفة، مع وجود طرق أخرى كثيرة، تجعلهم يُحافظون على العطالة عن العمل، وتلقي الرواتب والمعونات بشكل ثابت ومستمر، ومنها وثائق وتقارير طبية تفيد بأمراض نفسية تحتاج لوقت طويل للعلاج، وستدفع تكاليفه، بكل الأحوال، الدولة الألمانية بالطبع.
النقمة زادت عند الألمان، وخفّت عند اللاجئين الآخرين، ولكن ذلك لن يؤدي، في نهاية الأمر، إلى طرد الأوكران من ألمانيا. لن يتم طرد النساء والأطفال. وإلا لظهرت ألمانيا المسيحيّة غير إنسانيّة. وكذلك لبَدَت بأن سياسة مكتب الهجرة ووكالة العمل، والوزارات والإدارات المرتبطة بها، كانت عبارة عن خطط عمياء وجاهلة. ولكن سيبقى هنالك ضغط على الأوكران، قد يطول أو يقصر، بحسب مسائل تتعلق بسياسة الأحزاب والانتخابات، وبحسب الفاتورة التي ستدفعها أوكرانيا عند انتهاء العدوان الروسي عليها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.