}

أرشيفات غزّة في مهبّ حرب الإبادة الصهيونيّة

أوس يعقوب 5 يوليه 2024
هنا/الآن أرشيفات غزّة في مهبّ حرب الإبادة الصهيونيّة
الأرشيف المركزي لبلديّة غزّة بعد استهدافه من الاحتلال
يتواصل العدوان الصهيونيّ على قطاع غزّة المحاصر المنكوب لليوم الـ273، مستهدفًا مناحي الحياة كافة، من بشر وشجر وحجر وتاريخ يمتدّ إلى أكثر من خمسة آلاف عام.
إضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة التي جرى توثيقها ما أمكن من قِبلِ الجهات الفلسطينيّة المختصّة في القطاع، جرّاء هذا العدوان الوحشيّ، دمّر القصف المدفعيّ والغارات الجوّيّة ما يزيد على 200 موقع أثريّ وتراثيّ، من أصل 325 موقعًا في القطاع، سعيًا لمحو وجود التراث الثقافيّ الماديّ للشعب الفلسطينيّ، بما في ذلك أرشيفات غزّة، التي نخصّص لها هذه المقالة لتسليط الأضواء على الجرائم التي يقترفها الاحتلال الصهيونيّ بحقّ التراث الثقافيّ الماديّ في قطاع غزّة، وفي المقدمة منه الأرشيفات الرسميّة والعامّة، من دون التطرّق لمصير الأرشيفات الخاصّة بالمثقّفين والأدباء والفنّانين التشكيليّين، وغيرهم من المبدعين الغزّيّين، وما لحقها (أيّ الأرشيفات) من نهب وسلب وحرق وإتلاف ودمار، على أمل تناول هذا الموضوع في قادم الأيّام.
في حربه الانتقاميّة، التي يزداد سعيرها يومًا بعد يوم، يضيف الاحتلال إلى جرائم حرب الإبادة الجماعيّة والجرائم ضدّ الإنسانيّة التي يرتكبها في قطاع غزّة، إبادة ثقافيّة، من خلال محو الهوّيّة والتراث والثقافة الفلسطينيّة، وهو ما يمثّل انتهاكًا صريحًا للقانون الدوليّ الإنسانيّ، ولا سيما للاتّفاقية الدوليّة لمنع الإبادة الجماعيّة ومحاسبة مرتكبيها لعام 1948، واتّفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وملاحقها، واتّفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافيّة ومنع تدمير وإلحاق الضّرر بالتراث الثقافيّ في أثناء النزاع المسلّح لعام 1954، وغيرها من القوانين والاتّفاقيات الدوليّة التي يترتب على إسرائيل كقوّة محتلّة الالتزام ببنودها.
واستمرار إبادة أو نهب أرشيفات غزّة، التي تدلل على الهوّيّة الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة الجمعيّة للشعب الفلسطينيّ، وتلعب دورًا محوريًّا في السرديّة الفلسطينيّة التاريخيّة والقانونيّة، هو شكلٌ من أشكال حرمان الشعب الفلسطينيّ من تاريخه، وانتهاك مستمرّ لحقّه في الحفاظ على تراثه والاحتفاء به.
وبناء على ما سبق، فإنّ إبادة أرشيفات غزّة ما هي إلّا جزءٌ مكمّل للإبادة الثقافيّة في قطاع يمتلك ثروة غنيّة وهائلة من المقتنيات والقطع الأثريّة والتاريخيّة والمخطوطات والكتب والوثائق التّاريخيّة والأرشيفات الإداريّة، والمواد السّمعيّة والبصريّة والتّجهيزات وسجلّات الطّابو والسّجلات المدنيّة ووسائل الحفظ اليدويّ والإلكترونيّ، علاوة على المكتبات العامّة والخاصّة والجامعيّة، ومكتبات المدارس والمساجد والكنائس التي تعود لقرون عديدة، بالإضافة إلى المراكز الثقافيّة والمباني التاريخيّة والأثريّة والمتاحف.

من محتويات مكتبة المسجد العمريّ التي كانت تحتوي نحو 200 مخطوطة قبل دماره

المتابع للأنباء الواردة من قطاع غزّة منذ أكثر من ثمانية أشهر يعلم أنّ المئات من المواقع والمباني الأثريّة والتاريخيّة، والمساجد، والكنائس، والمؤسّسات الثقافيّة، والجامعات والمكتبات، والمتاحف في القطاع، والتي يضمّ معظمها أرشيفات تاريخيّة ووثائق تراثيّة، أصبح كثير منها اليوم أثرًا بعد عين، جرّاء الاستهداف الصهيونيّ المتعمّد والهمجيّ للنيل من تراث المدينة العريقة وإرثها الحضاريّ الإنسانيّ، ومحاولة "لاقتلاع التاريخ الفلسطينيّ"، وهذا أمر ليس بغريب على عصابات وحكومات الاحتلال المتعاقبة، حيث نهب الصهاينة من قبل أرشيفات الدولة العثمانيّة، ودوائر الاحتلال البريطانيّ، والقنصليّات الأجنبيّة، والمؤسّسات والهيئات الفلسطينيّة والبلديات مثل: دفاتر الطابو، وسجلات الأملاك، والمحاكم الشرعيّة، ودفاتر النفوس، ما قدر حجمه بأربعة آلاف متر طولي ونقلت إلى أرشيف الكيان الذي أسّس أواخر سنة 1949.
كما نهب جيش الاحتلال خلال اجتياحه العاصمة اللبنانيّة بيروت عام 1982، بشكلٍ ممنهج، أرشيفات مكتبات ومقرّات مؤسّسات منظّمة التحرير الفلسطينيّة، خاصّة أرشيف مركز الأبحاث التابع لمنظّمة التحرير. وإضافة لهذا الأرشيف، دمّرت إسرائيل، أو نهبت، كثيرًا من أرشيفات مؤسّسات وهيئات فلسطينيّة في جنوب لبنان أثناء الاجتياح، منها أرشيفات مركز التوثيق، والإذاعة، ووكالة الأنباء الفلسطينيّة، ومؤسّسة السينما الفلسطينيّة، ومركز التخطيط الفلسطينيّ، وأرشيفات نهبت من مقرّات منظمة التحرير، والفصائل في جنوب لبنان.

أرشيف البلدية المركزيّ... محو ذاكرة غزّة

وفقًا لمصادر فلسطينيّة عدّة، فإنّ أرشيف بلدية غزّة المركزيّ، الذي تمّ تدميره بشكلٍ كامل في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، هو الأهمّ في القطاع، حيث كان يحتوي على وثائق تاريخيّة يعود عمرها إلى أكثر من 150 سنة. وهذه الوثائق كانت تخصّ تاريخ البلدية والمدينة وسكّانها وبُنيانها المدنيّ، والحياة الثقافيّة في القطاع لعقود طويلة.




وكان أرشيف البلدية المركزيّ مصدرًا لا غنى عنه للمعلومات الأساسيّة التي توثّق الأحداث في الماضي وما آلت إليه. ومصدرٌ له أهمّيّة بالغة لفهم تطوّر المدينة عبر الزمن، ولتحليل القرارات التي اتُّخذت في الماضي والحاضر وفيم يتعلّق بالمستقبل.
وبحسب المصادر الفلسطينيّة، فإنّ الأرشيف المركزيّ للمدينة كان يضمّ إلى جانب الوثائق التاريخيّة، خرائط معماريّة، ومخططات لمبانٍ قديمة ذات قيمة أثريّة، وعقودًا ومعاملات ماليّة، ووثائق فوتوغرافيّة عن المدينة، ومراسلات رسميّة، ووثائق بخط يد شخصيّات وطنيّة معروفة، وملّفات رُخص البناء، وخرائط ودراسات هندسيّة ودوائر التحكم والمراقبة لآبار المياه وشبكات الصرف الصحّيّ، وملّفات الاشتراكات في المياه، وعقود تمليك الأراضي والعقارات، وملّفات رُخص ممارسة المهن، وعقود الإيجارات.
مصادر إعلاميّة فلسطينيّة وعربيّة قالت، في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إنّ "طائرات الاحتلال قصفت خلال حربها على قطاع غزّة، مبنى الأرشيف المركزيّ ودمّرته، وأعدمت آلاف الوثائق التاريخيّة التي تعد إرثًا لأهالي القطاع".
وأصاب القصف الصهيونيّ المتكرّر على مبنى الأرشيف المركزيّ، طابقين من المبنى المؤلّف من خمسة طوابق، وأدّى إلى إحراق وثائق تاريخيّة ذات قيمة كبيرة في الأرشيف المركزيّ، وإتلاف آلاف الوثائق التاريخيّة التي توثّق مباني المدينة ومراحل تطوّرها العمرانيّ.
وفي تصريح صحافيّ لرئيس بلدية مدينة غزّة، يحيى السراج، لوكالة الأناضول، فإنّ "استهداف الأرشيف المركزيّ يشكّل خطرًا كبيرًا على المدينة، حيث يحتوي على آلاف الوثائق التاريخيّة ذات القيمة العالية للمجتمع، كما ضمّ وثائق بخط يد شخصيّات وطنيّة معروفة". وأضاف أنّ "هذه الوثائق، التي يعود تاريخها لفترة طويلة، تمّ حرقها، ممّا أدّى إلى تحولها إلى رماد، ليتمّ محو جزء كبير من ذاكرتنا الفلسطينيّة".
من جهتها قالت وزارة الثقافة الفلسطينيّة في رام الله إنّ "الاحتلال تعمّد تدمير آلاف الوثائق التي تجسّد وتحفظ تاريخ العمل البلديّ في مدينة غزّة العريقة والقديمة"، عادة أنّ "هذا العمل يهدد التاريخ الاقتصاديّ والاجتماعيّ لغزّة".
وأفاد كلٍّ من المركز الفلسطينيّ للإعلام وقناة الجزيرة، في وقت سابق، بأنّ أرشيف غزّة المركزيّ كان هدفًا إسرائيليًّا محتملًا منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023.
أمّا مكتبة البلدية المركزيّة، المعروفة أيضًا باسم "مبنى المكاتب الرسميّة"، والتي تقع في شارع الوحدة وسط مدينة غزّة، فقد تأسّست عام 1999 من خلال "اتّفاقية توأمة" مع مدينة دنكرك الفرنسيّة بتمويل من البنك الدوليّ.
وشكّلت هذه المكتبة مركزًا ثقافيًّا هامًا لسكّان غزّة الذين يرون فيها ذاكرة البلاد وحاضرها، وكانت تُعدُّ أكبر مكتبة في المدينة، حيث شغلت طابقين وطابقا سفليّا، وتضمّ عشرة آلاف مجلد باللغات العربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة في مختلف المجالات والعلوم الإنسانيّة والطبيعيّة، وللأسف لم تنجُ هي أيضًا من الدمار جرّاء الغارات الجوّيّة الصهيونيّة التي تستهدف القطاع منذ بدء العدوان عقب عمليّة "طوفان الأقصى" البطوليّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023.
دائرة الأرشيف والمكتبات في الجامعة العربيّة الأميركيّة تابعت بالتعاون مع مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة مسار العدوان الصهيونيّ على غزّة عن قرب، وذلك بعد انتهاء الهدنة التي استمرّت ستة أيّام، والتي بدأت في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ومن خلال التواصل المباشر مع بلدية غزّة، تسلّمت هذه الدائرة تقريرًا مفصلًا عن الدمار الذي لحق بأرشيف البلدية المركزيّ، بحسب الخبيرة في الأرشيف البصريّ رلى شهوان، (مديرة "مركز السياسات ودراسات إنهاء النزاعات" التابع للجامعة العربيّة الأميركيّة).

مقرّ مركز التخطيط الفلسطينيّ،  بعد إستهدافه في العدوان الصهيونيّ المتواصل

شهوان، أكّدت في "ورقة سياسيّة" بعنوان: "أرشيف غزّة والتدمير المستمرّ"، نشرها موقع مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، العام الجاري، على أنّ الدمار الذي لحق بأرشيفات غزّة ومكتباتها ومتاحفها "بلغ حدّ جرائم حرب، من دون أن تصدر أيّ إدانة صريحة من المؤسّسات الدوليّة التي تدعو إلى حماية التراث الملموس، بما ذلك الأرشيفات، ومن هذه المؤسّسات المجلس الدوليّ للأرشيف، ومنظّمة بلو شيلد الدوليّة (Bule Sheild International)، ومنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة ــ اليونسكو". وبيّنت أنّ "هذا العدوان الإسرائيليّ البربريّ على التراث الملموس يرتبط، وبشكلٍ وثيق، بخطّة إسرائيل الكولونياليّة الاستيطانيّة الهادفة إلى تكوين سرديّة جديدة تخدم أهداف الاستيطان، وتمحو كلّ ما يناقضه".

مركز رشاد الشوا الثقافيّ أضحى ركامًا بأرشيفه

مركز رشاد الشوا الثقافيّ، الذي تمّ إنشاؤه عام 1985، واكتمل عام 1988 في حيّ الرمال بمدينة غزّة، والذي حمل اسم المؤسّس المرحوم رشاد الشوا، رئيس البلدية السابق في الفترة 1971 ــ 1982، كانت الغاية منه أن يكون بمثابة محور ثقافيّ يستضيف نشاطات ثقافيّة يوميّة، ولقاءات اجتماعيّة، ومؤتمرات، بالإضافة إلى تعليم اللغات الأجنبيّة، لم ينجُ هو الآخر من الدمار جرّاء هذا العدوان الهمجيّ، وأضحى ركامًا بأرشيفه الذي وُثّقت وحُفظت فيه كلّ النشاطات والفعاليّات الهامّة التي شهدها في العقود الماضية.
كما لعب المركز، الذي يُعدُّ أحد أقدم المباني الثقافيّة بالقطاع، أدوارًا هامّة في التاريخ السياسيّ والوطنيّ للمدينة، لعلّ أبرزها الاجتماع الذي عُقد بين الزعيم الفلسطينيّ الرّاحل ياسر عرفات والرئيس الأميركيّ الأسبق، بيل كلينتون، عام 1998.
وكان أن استضاف مسرح المركز كوكبة من الأسماء اللامعة، منها رئيس جمهوريّة جنوب أفريقيا المناضل الأمميّ الرّاحل نيلسون مانديلا (1918 ــ 2013)، والرئيس الفرنسيّ جاك شيراك (1932 ــ 2019)، وتمّ توثيق زيارتيهما في أرشيف المركز الذي تمّ تدميره بشكلٍ شبه كامل بغارة جوّيّة صهيونيّة.

إعدام مكتبة وأرشيف المسجد العمريّ

بُني المسجد العمريّ قبل 1400 عام، وهو يقع في حيّ الدرج في البلدة القديمة وسط مدينة غزّة، ويُطلق عليه اسم "المسجد الكبير" نظرًا إلى مساحته الأوسع على صعيد المساجد القديمة الموجودة في القطاع، ولُقب بـ "المسجد العمريّ" نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، ويُعدُّ ثالث أكبر مسجد في فلسطين التاريخيّة بعد المسجدين الأقصى في مدينة القدس، وأحمد باشا الجزار في مدينة عكا، ويوازيه بالمساحة مسجد المحموديّة في مدينة يافا.





الباحث والمؤرّخ الفلسطينيّ عبد اللطيف أبو هاشم أمضى سنوات عدة في وضع برنامج لما يحتويه المسجد العمريّ في غزّة، من مخطوطات. ويفهرس هذا البرنامج ما يقارب من 200 مخطوطة نادرة تعالج موضوعات إسلاميّة شتّى، وكانت هذه المخطوطات محفوظة في مكتبة المسجد منذ عشرات السنين. وقد أكّد أبو هاشم، بحسب الباحثة الفلسطينيّة رلى شهوان، أهمّيّة هذا الفهرس في تثبيت جذور التراث العربيّ الإسلاميّ في فلسطين المحتلّة، إذ أنّ الفهرس يضمّ وصفًا لمخطوطات عدة يرجع تاريخها إلى العصور الإسلاميّة المبكرة.
إضافة إلى هذه المخطوطات النادرة، وعددها نحو مئتي مخطوطة، تذكر شهوان في ورقتها السياسيّة، أنّه تمّ توثيق وفهرسة بعض الكتب والمراجع التي يحتويها المسجد العمريّ بشكلٍ دقيق. وهذه المخطوطات والمراجع، كما غيرها من النصوص والنُسخ والصور طبق الأصل، توثّق بمجموعها تقدّم فلسطين العلميّ والثقافيّ.

مطاردة أرشيف مركز التخطيط الفلسطينيّ

من أبرز المراكز التي نهب جيش الاحتلال أرشيفها أو دمّرها، أرشيف مركز التخطيط الفلسطينيّ، الذي تأسّس بقرار من المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ عام 1967 ليتبع منظمة التحرير، كهيئة تختصّ بتقديم الدراسات والبحوث والمعلومات بالقضيّة الفلسطينيّة، وعلى مدى سنوات شُيّدت فيه مكتبة وأرشيف، لكنّها دمّرت أو نهبت في بيروت، خلال الاجتياح الصهيونيّ عام 1982. غير أنّ قيادة منظّمة التحرير قرّرت إعادة بناء هذا الأرشيف والمكتبة في تونس عام 1985، ثمّ انتقل مقرّ المركز بعد توقيع "اتّفاقية أوسلو" عام 1994 إلى قطاع غزّة، ليواصل عمله من هناك ويراكم طوال هذه السنوات قرابة المئة ألف من وثائق الأرشيفات والمخطوطات النادرة، لكنّها دمّرت مرّة أخرى في قصف طائرات جيش الاحتلال في هذه الحرب الإباديّة.
وفي هذا السياق، جاء في مقدّمة تقرير أعدته مؤسّسة "خزائن" ومبادرة "أمناء مكتبات ومؤرشفون مع فلسطين"، تحت عنوان "التدمير الإسرائيليّ للأرشيفات، المكتبات، والمتاحف في غزّة، تشرين أوّل/ أكتوبر 2023 ــ كانون ثاني/ يناير 2024" أنّ "طمس التاريخ والثقافة الفلسطينيّة كان وما زال تكتيكًا تتبّعه آلة الحرب والاحتلال الإسرائيليّة على مرّ السنين كوسيلة للحدّ من حقّ الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره، فخلال النكبة عام 1948، نهبت العصابات الصهيونيّة ثلاثين ألف كتاب ومخطوطة من بيوت الفلسطينيّين. وخلال الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام 1982، نهبت قوات الاحتلال الإسرائيليّ وصادرت أرشيف منظمة التحرير ومكتبتها. وخلال الانتفاضة الثانية، تضرّرت المكتبات والأرشيفات واستهدفت بشكلٍ متكرّر في قطاع غزّة".
وفي مقالة كتبتها المخرجة والباحثة الإسرائيلية رونا سيلع، ونشرتها صحيفة "هآرتس" العبريّة، بعنوان "لماذا يتمّ دفن عدد لا يُحصى من الصور والأفلام الفلسطينيّة في الأرشيف الإسرائيليّ؟"، تتحدّث عن الوثائق التاريخيّة والمخطوطات التي يقوم الاحتلال الإسرائيليّ بتخزينها في أرشيفاته ومتاحفه...
وهي تذكر أنّه منذ احتلال فلسطين عام 1948 حتى اجتياح بيروت في 1982، قام جيش الاحتلال بسرقة ما يقارب 38 ألف فيلم، و2.7 مليون صورة، و96 ألف تسجيل، و46 ألف خريطة وصور جوّيّة من أرشيف الفلسطينيّين، ووضع بعضها في أرشيف الجامعة العبريّة.

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنّه مع تصاعد العدوان الصهيونيّ المتواصل بوحشيّة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، فإنّ كثيرًا من معالم قطاع غزّة والمواقع والمباني الأثريّة والتاريخيّة والمتاحف والمكتبات والأرشيفات التي لم تتمكّن طواقم الدفاع المدنيّ الفلسطينيّ، وفرق الإنقاذ، من الوصول إليها، يصعب تقدير الحجم الحقيقيّ للأضرار والدمار الذي لحق بها، منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، جرّاء الإبادة الصهيونيّة الممنهجة التراث الثقافيّ الماديّ الفلسطينيّ.

مصادر:

1)  بيانات وتقارير صادرة عن: وزارة الثقافة الفلسطينيّة، المكتب الإعلاميّ الحكوميّ بغزّة، الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" برام الله، اللجنة الفلسطينيّة التابعة للمجلس العالميّ للمعالم والمواقع (ICOMOS)، المكتبة الوطنيّة الفلسطينيّة، مؤسّسة "خزائن"، مبادرة "أمناء مكتبات ومؤرشفون مع فلسطين".
2)  تقارير ومقالات نشرت بالوكالات والمواقع الإلكترونيّة والصحف التالية: وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينيّة "وفا"، وكالة "الأناضول"، موقع "الجزيرة نت"، وصحيفة "العربي الجديد".
3)  رلى شهوان، ورقة سياسيّة بعنوان: "أرشيف غزّة والتدمير المستمرّ"، موقع مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، تاريخ النشر: 2024.
4)  أميرة شاعر ودانية اشتى، مقالة بعنوان: "التراث الثقافيّ في قطاع غزّة: شاهد وشهيد"، موقع مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، تاريخ النشر: 18/11/ 2023.
5)  عمار الشقيري، مقالة بعنوان: "الأرشيف في غزّة: حرب على ما تبقّى"، موقع "حبر"، تاريخ النشر: 06/ 03/ 2024.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.