}

آنا بلانت: لا دور للجاليات المسلمة بظاهرة الإسلاموفوبيا بأوروبا

ميسون شقير 9 ديسمبر 2020
حوارات آنا بلانت: لا دور للجاليات المسلمة بظاهرة الإسلاموفوبيا بأوروبا
بلانت: لا يجوز استخدام الإسلام في أوروبا كسلاح مقاومة
ضمن الانتشار الواسع لظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، وحدّة ارتفاع الأصوات العنصرية، والأصوات اليمينية المتطرفة، تلاقيك أصوات أوروبية أكاديمية تدرس وتحلل ما يحصل من زاوية مختلفة، زاوية أكثر عمقا وفهما لحقيقة أسباب هذه الظاهرة، ولحقيقة الظلم الذي تشكله بحق المواطنين الأوروبيين المسلمين، حيث تحولهم لضحايا العنصرية والكره، الأمر الذي يقود لنشوء دعوات إسلامية في أوروبا تعزل المسلم عن ثقافته كما تعزله عن المجتمع الذي يعيش فيه وعن قيم المواطنة التي تشكل دعائم وجوده هنا.

من بين هذه الأصوات الهامة في إسبانيا الدكتورة آنا بلانت التي تحمل دكتوراه في الفلسفة والآداب ودكتوراه في دراسات البحر الأبيض المتوسط الدولية وتعمل كأستاذة علم اجتماع الإسلام في ماجستير الدراسات العربية والإسلامية المعاصرة في جامعة مدريد المستقلة، والتي قامت بعدة بحوث أكاديمية في مجال علم اجتماع الإسلام في سياقات شمال أفريقيا وإسبانيا، وحول عمليات مأسسة الإسلام في إسبانيا، وحول السلوك السياسي للجاليات المسلمة، والهجرات المغربية في إسبانيا، ومدى تأثير هذه الهجرات على المجتمع المضيف وعلى مجتمع المنشأ، وحول المشاركة السياسية في البلدان المغاربية.
وقد سمح وجود بلانت في كل من كلية بروفانس، ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، وجامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأميركية، بإنشاء اتصالات أكاديمية مستقرة خارج إسبانيا وتطوير نهج متعدد التخصصات في بحوثها فيما يخص البحث والتدريس حول الإسلام في سياق أوروبي في الإطار الأوسع للتعددية الدينية، وهو ما قد تم تعزيزه بعد فترة وجودها في وزارة العدل كمستشارة فنية في المديرية العامة للشؤون الدينية، حيث أدخلت في بحوثها عناصر صياغة وتقييم السياسات العامة، وكيفية الحفاظ على تعاون سلس مع مؤسسة التعددية التي تجسدت بتوقيع اتفاقية للاستشارات حول قضايا الإسلام في إسبانيا وأوروبا، وبتعيينها عضوا في اللجنة الاستشارية للحرية الدينية بوزارة العدل في آذار/ مارس 2019.
وللدكتورة آنا عدة منشورات من بينها "سبتة" في موسوعة الإسلام الثالث (2020)، "مليلة" في موسوعة الإسلام الثالث (2020)، "من المسجد إلى ساحة المدينة: بعض التأملات في الإسلام والشباب والحركات الاجتماعية والمواطنة" بالاشتراك مع سالفاتور مادونيا (2019)، "دراسات حول العالم العربي المعاصر في إسبانيا. انعكاس تمهيدي" (2019)، "الإسلام في إسبانيا: من السؤال التاريخي إلى المجتمع" (2018).
ولأجل الإضاءة بشكل أعمق على نظرة الدكتورة آنا بلانت حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها أوروبا، وحول عمق خطورة انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتصاعد اليمين المتطرف في أوروبا بشكل عام وفي إسبانيا بشكل خاص، كان لنا هذا الحوار معها:

(*) كباحثة حول تواجد الجاليات الإسلامية في أوروبا، ما هو برأيك تأثير تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا على ما حدث مؤخرا في فرنسا والنمسا؟
ـ لسوء الحظ هناك تأثير كبير لتصاعد الإسلاموفوبيا على ما حصل مؤخرا، ويمكن أن يكون هذا معروفًا وحقيقيًا. فنحن نقرأ كثيرا في بعض الوسائط الإعلامية، وفي بعض شبكات التواصل الاجتماعي، بأنه في كل مرة يقع فيها هجوم إرهابي من قبل أفراد معينين فإن الإشارة الأولى تكون نحو التأكيد على أن هذا العمل قام باسم الإسلام، وتكمن الخطورة هنا في أن هذه الإشارة المزعومة تجعل من جميع المسلمين، رجالًا ونساءً وفتيات وصبيانا، أناسًا مشتبهًا بهم، أو قتلة محتملين. هذا هو الرعب. رعب يشل حركتنا جميعًا ويحول المسلمين إلى ضحايا حقيقين لهذا الإسلام المفترض، أو الإسلام المزعوم والمزور.

(*) ما رأيك في دور انتشار الإسلاموفوبيا في صعود اليمين المتطرف في أوروبا من ناحية، ودور انتشار اليمين المتطرف في تزايد تفشي الإسلاموفوبيا من ناحية أخرى؟
ـ يستخدم اليمين المتطرف في أي مكان في العالم، وفي أوروبا بشكل خاص، أية حجة يمكنه من خلالها أن يفكك المجتمع ويدمره وذلك من أجل إيجاد مساحة خاصة به في هذا المجتمع. وذلك لأنه بالنسبة لليمين المتطرف، فإن إثارة حالة الخوف وانعدام الثقة وإلقاء اللوم على مجموعات معينة على الأفعال التي يرتكبها بعض الأفراد، يشكل جزءا أساسيا من استراتيجيته الفكرية والانتخابية، وهذه الاستراتيجية لها عواقب وخيمة وخطيرة لأنها تملأ المواطنين بالذعر، وتفكك النسيج الاجتماعي، وهو ما يحقق لهذه الأحزاب اليمينية المتطرفة العدد الأكبر من الناخبين.


(*) ما رأيك في علاقة القومية بصعود اليمين وانتشار الإسلاموفوبيا والعنصرية في إسبانيا؟
ـ يبدو لي أن اليمين المتطرف لديه مواقف تبسط أو تختزل وتسخف من فكرة الأمة. إن أيديولوجية هذ الأحزاب اليمنية المتطرفة ليست أيديولوجية قومية بل هي أيديولوجية حصرية مغلقة، وهي غير قادرة على تقييم وتقدير الإثراء الذي تقدمه التعددية الدينية في أي مجتمع، كما يجب أن نعي بأن إثارة فكرة الأمة المتجانسة الصافية في القرن الحادي والعشرين هي كابوس وضرب من العبث واللا منطق، كما يجب أن نعي أن استراتيجية اليمين المتطرف التي تسعى دائما للاستفادة من الأزمات الاقتصادية من أجل توليد عدم حالة الثقة في المهاجرين، هي طريقة معاكسة للطريقة الصحيحة التي تسعى لتحليل أسباب مثل هذه الأزمة.


(*) ما هي برأيك الخطوات التي ينبغي على كل من المهاجرين المسلمين والأوروبيين اتخاذها لتخفيف هذا التوتر؟
ـ من الواضح أنه من الضروري العمل باستمرار من أجل نشر الوعي والمعرفة، لإنهاء حالة عدم الثقة السائدة حاليا. لكنني لا أعتقد أن ذلك ناتج عن الاعتراف بالخطأ الذي لا يخصهم.


لا يجوز أبدا استخدام الإسلام في أوروبا كسلاح مقاومة. فهو علاقة بين
الإنسان والخالق، وهو تعاليم دين روحي جميل، مثله مثل أي
دين آخر، وليس سلاحا ضد أي شيء



(*) هل من الممكن برأيك المقارنة بين أوروبيين ومسلمين وهل هذه المقارنة مقبولة برأيك؟ـ هذه المقارنة خاطئة بشكل مطلق، أن تكون مسلمًا في أوروبا هو أن تكون مواطنا أوروبيا لديه إيمانه الخاص. ومع هذا الإيمان يستطيع العيش كمواطن حقيقي، ويستطيع أن يناضل من أجل الحفاظ على نطاق قيم العلمنة وعلى استمرار وجود الحريات، بما في ذلك الحريات الدينية السارية، وحرية التعبير، يجب على كل مواطن أوروبي أن يقوم بحماية ورعاية هذه الحريات لأن هذه الحريات موجودة أصلا من أجل حماية ورعاية حقوق الجميع، بمن في ذلك الأفراد والمجتمعات.


(*) ما هي العوامل الموجودة بالفعل في الدعوات الإسلامية الحالية التي تجتاح أوروبا والتي ساهمت في نشأة الإسلاموفوبيا
؟
ـ أخشى أن تكون هناك أصوات تدعو إلى بناء مجتمع مسلم مغلق ومعزول، أو بناء مجتمع مسلم منفصل عن قيم المواطنة والعلمانية، إن مثل هذه الدعوات تمثل برأيي خيانة حقيقية للإسلام، حيث لا يجوز أبدا استخدام الإسلام في أوروبا كسلاح مقاومة. فهو علاقة بين الإنسان والخالق، وهو تعاليم دين روحي جميل، مثله مثل أي دين آخر، وليس سلاحا ضد أي شيء، لذا لا يمكن للمسلم في أوروبا، وبأي حال من الأحوال، أن يعيش في مجتمع مغلق، أو في غيتو ثقافي وأيديولوجي. فمع هذا الشكل المزور والفاسد للإسلام، سيكون عندها المسلمون قادرين فقط على تفكيك وتخريب المجتمع الذي يعيشون فيه، والأرض التي يعيشون عليها.


(*) كمتخصصة في دراسة التعددية الدينية في أوروبا، ما هو تحليلك للهجمات الإرهابية التي تعرضت لها كل من باريس وفيينا مؤخرًا؟
ـ أخشى أن هذه الهجمات لا تتعلق أبدا بالتعددية الدينية في أوروبا بحد ذاتها، بل إنها في الحقيقة وفي العمق، تتعلق بوجود الإرهاب بحد ذاته، الإرهاب الذي كان ينمو ويعمل بشكل متساوٍ في أجزاء كثيرة من العالم لأكثر من عقد من الزمان، وليست متعلقة بالتعددية الدينية أو بوجود الجالية المسلمة في أوروبا.

 

(*) هل تعتقدين أن مجرد خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورسومات شارلي إيبدو الساخرة من شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هما السبب الوحيد وراء هذه الهجمات؟
ـ لا أعرف بالتحديد ما هي دوافع هؤلاء القتلة. لكني أعتقد أنه لا يمكن ربط أفعالهم الإرهابية بخطاب ما، ولا يمكن حصر تفسيرها بنشر رسوم كاريكاتورية في البلدان التي تحمي حرية التعبير. أعتقد أن أسباب تشكل الشخصية الإرهابية هي أكثر من ذلك بكثير.


يجب على كل مواطن أوروبي أن يقوم بحماية ورعاية هذه الحريات لأن هذه الحريات موجودة أصلا من أجل حماية ورعاية حقوق الجميع، بمن في ذلك الأفراد والمجتمعات.



(*) هل تعتقدين بأن لدى المهاجرين المسلمين، وخاصة العرب منهم، دورًا ما في تشكل الإسلاموفوبيا في أوروبا؟
ـ أنا بصراحة لا أعتقد أبدا أنه يوجد أي دور للجاليات المسلمة في أوروبا في تكوّن ظاهرة الإسلاموفوبيا، بل إنني أرى على العكس تماما من ذلك، ومعظمهم لديه فقط الدور السلبي المحزن لكونهم ضحايا. كما أن ما نعيشه اليوم في دول مثل فرنسا ناتج عن ارتفاع شدة الاحتقان والتوتر الناتجين عن سوء الفهم من جانب البعض لأهمية حرية التعبير والحرية الأكاديمية، إذ لا يمكن تصور أو القبول باغتيال مدرس لمجرد أنه كان يقوم بعمله ويدرب طلابه على حرية التعبير والمعتقد.

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.