}

أوليفييه روا وثقافة التطرف والإسلاموفوبيا

ميسون شقير 28 نوفمبر 2020
تغطيات أوليفييه روا وثقافة التطرف والإسلاموفوبيا
أوليفييه روا

لربما من الهام حاليا، وخاصة بعد ما يحصل في فرنسا، وفي هذا الجو العالمي المليء بتصاعد الممارسات العنصرية الناتجة عن الإسلاموفوبيا وتصاعد حالة الضياع التي تسببها "أزمة الهوية" التي يعيشها الشباب المسلم في أوروبا، وكذلك من المفيد والضروري، أن نحاول دراسة وتحليل ووعي ونقد الأصوات الأوروبية عامة، والفرنسية منها بشكل خاص، التي حاولت التصدي للإسلاموفوبيا، لكن ضمن أيديولوجيتها الخاصة. من هذه الأسماء الهامة الباحث الفرنسي، أوليفييه روا، الذي اشتهر بدراساته حول ربط التطرف الإسلامي بعودة "الديني"، مقدما في كتابه الشهير"الجهل المقدس" رؤية شاملة لعلاقة الديني بالثقافي وخاصة بعد طغيان العولمة التي سمحت بتصدير الأديان لتتجاوز الحدود السياسية والعرقية واللغوية والثقافية، وهو الأمر الذي جعل ما ينتشر حاليا بشدة ليس هو الدين، بل ما أسماه روا بـ"السلعة الدينية" التي كانت السبب في فوز بعض أحزاب اليمين في أوروبا، وبفوز دونالد ترامب في أميركا.
وفي كتابه "الإسلام والعلمانية"، يعود روا لدراسة توافق الإسلام مع قيم العلمانية وقيم الجمهورية الفرنسية؛ مقدما مقاربة علمية تتجاوز التحليلات التقليدية المعتادة، ومؤكدا على أن "فقدان الهوية الثقافية هو فقدان البداهة الاجتماعية للدين نفسه".
وهنا يرى روا أنه من دون هوية ثقافية سوف يعيش المؤمنون المسلمون في المجتمع الغربي كأقليات محاطين بثقافة يرونها فقط على أنها ثقافة "دنيوية، ملحدة، إباحية، مادية، اختارت آلهة مُزيفة متمثلة بالمال، والجنس، وبالإنسان نفسه"، وسوف لن يروا فيها قوانين احترام حقوق الإنسان، ولا قيم الديمقراطية، ولا تطورها وتنظيمها، وسوف يحقدون على هذه الثقافة، كما سيكون ارتفاع لمعدلات البطالة بينهم، وصعود اليمين الأوروبي وخطابه الاستفزازي، أهم العوامل التي ستصعد من إحساسهم بالتمييز العنصري الديني وبالعجز الشديد، وبالتالي سيزاد تنامي الحقد بداخلهم وصولا للتطرف الذي ليس سوى عملية نزع الثقافي عن الديني.
وأشار روا إلى أن  خطاب "السلفيين المتشددين"، على العكس من الإسلاميين المعتدلين، هو خطاب متأقلم مع وضعية "نزع الثقافي عن الديني"، وذلك لأن الأصولية، باعتبارها شكلًا دينيًا يحتقر الثقافات الإنسانية و"البدع" التي أضافتها للأديان، هي الشكل الأكثر قدرة على الانتشار، والأكثر قابلية للتصدير، مضيفا أن ما يحصل الآن هو استبدال الثقافة بالرمز المسلّع، فبدلًا من أن تكون الديمقراطية المعولمة و«التعددية الثقافية» مجالًا للتطور والترابط الثقافي الحر، تصبح تركيبًا لاختزالات ثقافية ضحلة، فتُستبدل الثقافة الإسلامية العريقة مثلًا برمز مختزل كالحجاب أو اللحم الحلال.
ومن جهة ثانية، يرى روا أن العلمانية تعمل على تحرير المجال السياسي من سيطرة الدين، وأنها لا تطمح أبدا لوضع أسس منظومة أخلاقية جديدة بديلة عن تلك المنظومة الأخلاقية الدينية، وهذا ما يسمّيه روا بـ(العلمانية المناضلة) التي استطاعت  أن تصل إلى تسوية مرضية مع الأديان الموجودة في الدولة، مؤكدا على أن ظهور الأنماط الإسلامية السلفية قد أعاد إنتاج الصدام مرة أخرى ما بين العلمانية والدين، وهو ما سمح لليمين الأوروبي المتطرف أن يجعل مجرد امرأة محجبة، أو مطعما صغيرا يقدم وجبات حلال للمسلمين، مكانا مستهدفا لهجمات اليمين.


لعل أهم ما يميز دراسات روا هو نقدها الجريء للأفكار المسلَّم بها، خاصة حينما يصر على أن المشكلة ليست في الإسلام بقدر ما هي في الأشكال المعاصرة لعودة الدين



واعتبر روا أن ما نشاهده اليوم في جميع الأديان التوحيدية، هو بروز أشكال جديدة من التديّن، أشكال طائفية وإقصائية، وأن هذا السجال الناشب "على نحو سيّء، ومشوَّش، ومُجحف، وحزبيّ، ومشبوب بالعاطفة"، يطرح أسئلة أساسية أهمها هل كانت المشكلة هي في الإسلام تحديدا، أم أنها مشكلة حقيقية وعميقة في الأديان عامّة؟ وهل أسهمت المسيحيّة في إرساء النظام العلمانيّ والسياسي الحالي، في حين أن الإسلام ممتنع جوهريًا على كل شكل من أشكال العلمانية؟ أم أننا نعيش اليوم مع الإسلام ما عاشته أوروبا مع الكاثوليكية منذ قرن من الزّمان، وهل يشكل الإسلام تهديدًا للعلمانية، أم أن الهوية الفرنسية بلغت من التأزم حدّ أن بضع مئات من الفتيات المحجبات والدُّعاة الملتحين يمكنهم القضاء عليها، مؤكدا على أنه ينبغي النظر لفكر الأصولية الإسلامية ضمن الزاوية نفسها التي ننظر منها إلى خطاب الأصوليين المسيحيين أو اليهود. وعلى أن الأزمة الحقيقية هي في التأزم الذي وصلت إليه الهوية الفرنسية نفسها، أكثر منها في صدام الإسلام مع العلمانية.


ولعل أهم ما يميز دراسات روا هو نقدها الجريء للأفكار المسلَّم بها، خاصة حينما يصر على أن المشكلة ليست في الإسلام بقدر ما هي في الأشكال المعاصرة لعودة الدين، متكلما عن اتجاهين إسلاميين مختلفين تماما، الأول: هو الاتجاه الأصولي الذي حاول التوفيق ما بين النموذج المثالي الإسلامي والواقع العلماني الغربي، ولكن مع رؤية متشددة لا تقبل الآخر ولا تحترمه، والثاني هو الاتجاه الذي يعمل على تحرير الإسلام من أسر وقيود النصوص التاريخية ليجد إجابات مناسبة لأسئلة الحداثة والعلمانية. وهو الاتجاه الذي يراهن روا عليه.
وإذا كنا نتفق مع روا في مراهنته على الإسلام المعتدل والإسلام الإصلاحي، وفي تأكيده على أن التطرف مصدره الأساسي هو التهميش الذي يعانيه المسلم في أوروبا، بالإضافة إلى نزع الثقافي عن الديني، فإننا نختلف معه حول إصراره على أن أدلجة الدين هي السبيل الوحيد كحل لأزمة الدولة في المتخيل الإسلامي، مثلما نختلف معه حول تأكيده على وجود فجوة كبيرة تفصل ما بين العقيدة الإسلامية وشكل الدولة، وعلى أن الرابط الوسيط ما بين الطرفين يتمثل في (الأيديولوجيا)، التي ستخلق قواعد قانونية وأخلاقية.
إن هذا طرح خطير على التطبيق العملي، لأنه أولا قد يقود إلى جماعات أو دول تجعل مشروعها السياسي كله مبني على الأيديولوجيا الدينية وتسلب من الدين روحه النقية، مثل المشروع الصهيوني، وثانيا لأنه يسمح للمواطن الأوروبي بتصعيد النزاع والفجوة بين ثقافته وبين الإسلام، وبالتالي يزيد من حدة النزاع، أكثر بكثير مما يحاول تحليله.

في كتابه "الإسلام والعلمانية"، يعود روا لدراسة توافق الإسلام مع قيم العلمانية
وقيم الجمهورية الفرنسية؛ مقدما مقاربة علمية تتجاوز التحليلات التقليدية
المعتادة، ومؤكدا على أن "فقدان الهوية الثقافية هو
فقدان البداهة الاجتماعية للدين نفسه".



وفي اتجاه ثان، نختلف مع روا أيضا بسبب عدم إعطائه الدور الهام للسياسات الأوروبية الخارجية التي تمارسها هذه الدول تجاه الدول الإسلامية، في تفعيل حركات التطرف الإسلامي في أوروبا، حيث أهمل روا شعور الشاب المسلم الأوروبي بالظلم والقهر والكره حين تساهم الدولة الأوروبية التي يعيش فها بتدمير بلاده الأولى مثلما يحصل حين تدعم بعض الدول الأوروبية المشروع الصهيوني، أو حين تشارك بعض الدول الأوروبية في الحرب على العراق.
ولعل أهم ما أغفله روا، وما يغفله الكثير من المحللين، هو أن الدول الديمقراطية الأوروبية تحاول الآن حل أزماتها الاقتصادية بتفعيل أزمات دينية أو أيديولوجية لتشغل ناسها عن الإشكاليات الاقتصادية التي تمر بها، الأمر الذي يساهم بتصاعد حدة الصراع الاسلامي/ اليميني، أو اليميني/ اليساري، الحالي في أوروبا، ويساهم كثيرا في ما يحصل اليوم في فرنسا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.