}

نويمي فييرو: المترجم مؤلف ترجمته وهذا يعطيه مساحة للإبداع

عيسى جابلي 20 ديسمبر 2023
حوارات نويمي فييرو: المترجم مؤلف ترجمته وهذا يعطيه مساحة للإبداع
نويمي فييرو خلال تسلّمها جائزة حمد للترجمة

 

أعلنت جائزة حمد للترجمة والتفاهم الدولي لائحة الفائزين والفائزات بجوائزها منذ أيام، ومن بينهم المترجمة الإسبانية نويمي فييرو عن نقلها رواية علاء الأسواني "جمهورية كأن" إلى الإسبانية. وفييرو هي مترجمة متميّزة تركّز اهتمامها على نقل نماذج أدبية من الأدب العربي المعاصر إلى لغتها الأم. وقد ترجمت منه عشرات الكتب، رواياتٍ ودواوينَ شعر وغيرهما من أجناس أدبية. وقد كنا التقيناها في مقابلة خاصّة قبل فوزها بالجائزة كشفت فيها عن حبها للعربية والصعوبات التي تجدها فيها أثناء عملها الترجمي، كما شخّصت وضع الترجمة من العربية إلى الإسبانية وسبب خمول الترجمة رغم عديد المترجمين العاملين في المجال.

هنا نص الحوار:

(*) يمثّل الأدب العربي جزءًا مهمًّا من الثقافة الكونية، ويزخر بتجارب متميّزة، كيف تقيّمين وتيرة نقله إلى الإسبانية؟

أظنّ أن المترجم بشكل عامّ لا يفكّر في ذلك عندما يكون لديه مشروع ترجمة بين يديه، أو هذا على الأقل ما أحاول أنا شخصيًّا أن أتجنبه. إن التركيز على اللّغة وأسلوب الكاتب ورسالته يجب أن يكون الأهمّ.

(*) هل يحظى الأدب العربي المنقول إلى الإسبانية بالإقبال اللازم في إسبانيا والبلدان الناطقة بالإسبانية؟

في رأيي المتواضع، وللأسف الشديد، عليّ أن أجيب بالنفي. أعتقد أننا في إسبانيا نترجم جيدًا، ولكن قليلًا. والأدب العربي لم يحصل بعد على المكانة التي يستحق بين القراء الناطقين باللغة الإسبانية، ولكن عندي نظرة متفائلة إلى المستقبل وآمل أن يتغير هذا التيار شيئًا فشيئًا، ويصبح الكتّاب العرب أكثر حضورًا.

(*) من خلال تجربتك، ما المعايير الّتي يتقرّر في ضوئها ترجمة كتاب ما إلى الإسبانية؟

إن هذا السؤال صعب للغاية في الردّ عليه. فمن المفترض أننا سنجد بين المعايير وفي المقام الأول اهتمام الناشر بالنص المقترح للترجمة، فهو في نهاية المطاف صاحب القرار الأخير، ولكنّ هذا الأمر أكثر تعقيدًا مما يبدو. إذ يمكن أن نربط هذا السؤال بسؤال آخر: ماذا يجذب اهتمام الناشر في كتاب ما لكي يقرر استثماره في مشروع ترجمة جديد؟ الله يعلم. أحيانًا إنْ تُرجم النص سابقًا إلى لغات أوروبية أخرى فيمكن حينها أن يقرأ النّاشر الكتاب الأصلي قبل أن يتخذ قرارًا، ولكن هذا لوحده ليس مفتاح القبول على الإطلاق، فقط يساعد قليلًا على إقناع الناشر.

وفي المقام الثاني، وليس ضروريًّا أيضًا، فقد يدخل في الحسبان عاملُ حصول الكتاب على الجوائز، فيحوز بالتالي صدى في وسائل الإعلام الأوروبية، وتصبح له مكانة تتحدث عنها الجرائد والمجلات الأدبية الأوروبية. رغم أنّنا، في الحقيقة، لدينا قائمة طويلة من النصوص العربية قد ترجمت إلى الإنكليزية وإلى الفرنسية بنجاح، وهي حائزة على جوائز مرموقة، ولم تترجم بعد إلى الاسبانية. فكما عبّرت سابقًا تبقى معرفة الأسباب الحقيقية أمرًا غامضًا بالنسبة إليّ رغم معرفتي بأبرز العوامل المتحكّمة في العمليّة برمّتها.

(*) ما الإشكاليات والصعوبات الّتي تواجهينها عند ترجمة كتاب عربي إلى اللغة الإسبانية؟ وكيف تتعاملين مع توازن الحفاظ على أصالة النص الأدبي الأصلي وبنفس الوقت تجاوز الاختلافات اللغوية والثقافية؟

سؤال جميل حقا! في رأيي الأصعب في ممارسة الترجمة وهدفها الأخير هو نقل النص إلى لغة ثانية دون أن يشعر القارئ أنه كُتب في لغة أخرى فعلًا. وانطلاقًا من هذا المعنى المنتج الأخير في الإسبانية لا بد أن يكون في لغة طبيعية ومجرى طبيعي. ومن الصعوبات التي نجدها عند النّقل هو التكرار، وهو مسألة تميّز اللغة العربية، أولًا لأن اللغة العربية لغة اشتقاق. وفي الأساس تعتمد على الاشتقاق المعنوي من الجذور. وهذا المفهوم غير موجود في الإسبانية. وقد يبدو أنه يساعد، ولكن في بعض الأحيان منطق العربية لا يساوي منطق الاسبانية. ومتعلقًا بهذا يأتي ما كنت سمّيت سابقًا "التكرار"، ففي العربية على سبيل المثال عندكم مكوّن نحويّ اسمه "المفعول المطلق"، وتكره الإسبانية التكرار بكونه (في منطق اللغة) أسلوبًا ضعيفًا. بالطبع هذان المثالان لا يختصران صعوبات اللغة، وهي متعددة ولا يدخلان في قضايا ثقافية. ولكن لكي لا أهرب من الجواب سأقول لك إن أي حل من الحلول الممكنة عند الاختلافات الثقافية يقوم أساسًا على رؤية السياق ودراسته وفهمه، وليست هناك قاعدة رياضية يمكننا أن نطبقها لكل حال.

(*) يُقال دائما إن الترجمة "خيانة" للنصّ الأصلي، ما رأيك في هذه الأطروحة؟

سأرد عليك بفكرة المترجم والفيلسوف الإيطالي أومبيرتو إيكو الذي كان يصف الترجمة بقول الشيء نفسه بلغة أخرى، فكان تعقيبًا على هذا يضيف إلى تلك الجملة: "وهذا مستحيل"، من هذه التأمل انطلقت فكرة كتابه بعنوان: "أن نقول الشيء نفسه تقريبًا" وقد ترجمه إلى العربية أحمد الصمعي.

(*) كيف بدأ اهتمامك بمجال الترجمة في نقل الأدب العربي إلى الإسبانية؟

إنّ الاهتمام بالترجمة (وليس باللغة لأن اهتمامي بالعربية قد سبق التوجه إلى الترجمة) بدأ خلال قراءة رواية للكاتب العماني سالم آل تويه وهي "أيوب شاهين". فقد اشتريت الرواية في معرض الكويت للكتاب. والكويت هي البلد العزيز حيث كنت مقيمة حينذاك (2012) وحيث تعرفت على شيء جديد بالنسبة إلي وهو العواصف الرمليّة. أذكر هذا الأمر لأنه تركنا عدة أيام محبوسات في سكن الطلبات، فاغتنمت فرصة ذلك "الحبس" لأغوص في عالم "أيوب شاهين". مع هذه الرواية، التي أنصح بقراءتها بشدة، فكرت لأول مرّة كيف يمكن أن أقول الشيء نفسه تقريبًا بلغتي الإسبانية، وبدأت رحلتي مع التّرجمة.

فازت نويمي فييرو بجائزة حمد للترجمة والتفاهم الدولي عن نقلها رواية علاء الأسواني "جمهورية كأن" إلى الإسبانية 


(*) كيف تتعاملين مع الاختلافات الثقافية بين اللغتين أثناء عملية الترجمة؟

أتعامل معها بالصبر. هناك اختلافات ثقافية قد قرأتها في ترجمات أخرى، ولمّا أجد لها حلولًا بقلم مترجم آخر وتعجبني أو أراها مناسبة، فأسجّلها في دفتر فمن الأرجح أّنها قد تظهر مجددًا في نص آخر.

أعيد ما قلت سابقًا: السياق مهم جدًّا، ويجب على المترجم أن يسمعه، وأن يدخل فيه، قبل أن يتخذ قرارات.

(*) هل تعتقدين أن هناك مساحة للإبداع والتفسير الشخصي في عملية الترجمة الأدبية؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف تجمعين بين ذلك وبين الوفاء لرسالة النص الأصلي؟

أظن أن مساحة للإبداع ينبغي أن تكون موجودة، ذلك أنّ المترجم في نهاية المطاف هو صاحب ترجمته وليس المؤلف. بعبارة أخرى، إن المترجم هو مؤلف ترجمته، وهذا الأمر يعطيه مساحة للإبداع الى حد ما مع الحفاظ دائمًا على رسالة النص الأصلي وكل تفاصليها. أمّا عن التفسير الشخصي فصراحة لا أراه ضروريًّا، فأنا بوصفي مترجمة لا بد أن أبقى في الظلّ، وتلك هي لعبةُ الترجمةِ المثيرةُ، يعني أن أتجنّب قدر الإمكان إظهار صوتي الشخصي، وألاّ أحكم على النص الأصلي وألا أتدخل فيه بأفكاري الشخصية. 

(*) كيف تتعاملين مع التحديات التقنية المتعلقة بالترجمة، مثل استخدام البرمجيات والأدوات الترجمية الآلية؟ هل ترين أن هذه التقنيات تعزز من جودة الترجمة الأدبية أم أنها قد تؤثر سلبًا في الأداء البشري؟

في الحقيقة لم أستخدم أبدًا هذه البرامج، ولكن أفهم سؤالك وأعلم أن هناك من يعتمدون عليها في شغلهم اليومي. ولكنني بصراحة لا أعلم حتى كيف تعمل هذه البرمجيات، ثمّ إنّ لي شكوكًا كبيرة فيها. لا أظنّ ولا أريد أن أظنّ أننا سنصل إلى مرحلة قد تُبدّل فيها مهنة الترجمة الأدبية ببرنامج تقنية. فيمكن في كثير من الحالات اليومية العادية أن تعمل بشكل جيد، وأفكر مثلًا في هذه الحالات عند السفر، عندما يكون السائح في مكان لا يعرف لغته الأم، ويحتاج إلى فهم المكتوب في لوحة ما، أو يريد أن يسأل في الشارع عن أي معلومة، ولكنّ الأدب شيء آخر.

ما أجده مفيدًا للغاية هو شبكة الإنترنت، فكثيرًا ما تنقذ المترجم من الوقوع في الخطأ، ولا أقصد فقط كل القواميس والتّحاليل عن موضوع ما لا يعرفه المترجم، بل حتى الصّور. فأحيانًا قد تجد مصطلحًا لا تفهم جيدًا ما هو بالضبط، فتساعدنا الصورة حينها على توضيح المعنى وتوجيهنا إلى الكلمة التي نريدها. لا أنفي أنني قد أكون من الجيل القديم، والجيل الجديد من المترجمين قد وجدوا استفادة أكثر مني.

ومن المسائل المتعلقة بهذا السؤال أيضًا موضوعٌ أراه مهمًّا، وأعتقد أننا لا نتحدّث عنه كثيرًا وهو مراجعة الترجمة، وهي عملية ضرورية ولازمة ومفيدة جدًّا لنقدم أفضل نتيجة ممكنة. شخصيّا أحب أن أقوم بالقراءة الأخيرة على الورق قبل أن أرسل الترجمة، أي أطبع النّص المترجم الكامل، وآخذ يومين أو ثلاثة لأرتاح قليلًا منها (ولكي ترتاح هي أيضًا مني) وهي في درج المكتب ومن ثم أبدأ القراءة. لست أدرك بالتحديد سرّ هذه العملية، ولكن أعتقد أنّ العين عندما تبتعد عن شاشة الحاسوب فسترى أخطاء لم تكن تراها فيها، مع أن المترجم قد قرأ ترجمته عشر مرات سابقًا.

(*) هل يهدّد الذكاء الاصطناعي وتطوّره الهائل وظيفتك بوصفك مترجمةً؟

سيشبه ردي على هذا السؤال جوابي السابق كثيرًا. لم أشعر حتى الآن بأي نوع من التهديد بهذا المجال. ممكن لأنني أجهله تمامًا، ولكن صدقًا لا أفكر في هذه القضية على الإطلاق.

(*) ما الحلول الّتي ترينها ناجعة لتعزيز ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإسبانية وانتشاره في إسبانيا والبلدان الناطقة بالإسبانية؟

إن حلًا من الحلول قد يأتي من دور النشر، فهي العمود الفقري لجزء كبير من عملية مشروع الترجمة. أتمنى ألا يفهم كلامي خطأ عندما أقول إني أرى الوصول إلى دور النشر الكبيرة والمرموقة أمرًا أساسيًا. بالطبع ليس عندي أي نقد ضدّ دور النشر الصغيرة، ولكن النصوص العربية تستحق كذلك حضورًا واقعيًّا في هذه الدور التي تصل إلى المكتبات الكبيرة، والتي تكون منتجاتها في طاولة المكتبات الرئيسية وهي التي تُرى عند عبور الباب. فكثيرًا ما يدخل القارئ إليها من دون فكرة واضحة عما يريد أن يشتري أو ما يبحث عنه. ثمّ إنّ دور النشر المرموقة هي التي تبيع جيدًا ويكون إقبال القراء عليها ختم الجودة على كتبها المنشورة. ثانيًا ما زلنا نحتاج إلى تمويل ودعم مادي من أي طرف من الأطراف، فالحصول عليه قد يساعد على الترجمة، أقصد: إذا كانت تكلفة الترجمة مدفوعة من قبل مؤسسة ما، قد يسمى أيضًا جمعية، أو هيئة، أو وزارة، منحة، لا تهمني الجهة تحديدًا، ولكن يهمني أن ذلك الدعم بالتأكيد سيسهّل إقناع الناشر. ينبغي علينا أن نفهم أن الإصدار كأي عملية إنتاج تجارية الغاية منها هي البحث عن الربح لا الخسارة. ويعرّض الناشر نفسه للكثير من المخاطر، خاصة عندما لا يقرأ النص الأصلي أحيانا قبل أن ينتهي المترجم من عمله. لا أريد أن أسهب في الإجابة كثيرًا، ولكن سأضيف أن عنصرًا مهمًّا يمكن أن يساعد أيضا وهو الوكيل الأدبيّ، وأعتقد أنه لم يجد بعد الأهمية التي يستحق في العالم العربي.

(*) كيف يمكن للمترجمين الأدبيين أن يساهموا في تعزيز التفاهم الثقافي بين لغات وثقافات مختلفة من خلال أعمالهم برأيك؟

يقال إن المترجم يساهم بعمله (الترجمة) في تعزيز التفاهم الثقافي، لذلك وُصف بأنه "الجسر بين الثقافات". شخصيًّا لست مرتاحة جدًّا لهذا الوصف، وعندما أسمعه لا يسعني إلا أن أتصوّر المترجم المسكين وهو مستلقٍ على الأرض، متمدّد على الأسفلت، والناس يدوسون ظهره ذهابًا وإيابًا لعبور الجسر. وبعيدًا عن المزاح، فإنّ ما أريد أن ألفت إليه الانتباه هو أننا تعودنا أن نلقي على كاهل المترجم مسؤولية كبيرة في رأيي لا بد أن يشاركه فيها أفراد آخرون. إن المترجم يركّز على النص الذي يعمل عليه وحسبُه هذا الشغل. فهو لا يفكر عادة بما سألت عنه لأنّه يترك وصف شغله للآخرين، للنقاد أو الصحافيين أو من يرغب في التعليق على عملية الترجمة. الأدب العربي ملتصق بالحياة وبالواقع الموجود في المجتمعات العربية كثيرًا. وهذا جعله يكون انعكاسًا وافيًا لما يحدث ولما كان يحدث في الماضي. إنّ التفاهم الثقافي إن حصلناه، فهو ليس بيد المترجم لأنّه لن يكون إلا الوسيط أو الوسيلة لكي يقرأ القارئ ما يُكتب في لغة أخرى. لا أتجرأ أن أعطيه مسؤولية أكبر من هذه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.