}

نشأت سلمان: الموسيقى والفنون بأنواعها تضفي معنى على الحياة

ليندا نصار ليندا نصار 20 فبراير 2024
حوارات نشأت سلمان: الموسيقى والفنون بأنواعها تضفي معنى على الحياة
نشأت سلمان


يمثّل الفنان اللبناني نشأت سلمان تجربة مميزة في العزف الموسيقي والتلحين، فقد تجلى إبداعه وتفرّد في العمل على انسجام اللحن وتناسقه مع الكلمة والصورة.

في سمفونياته إحساس عال يتشكل داخل الروح فتطرب له الحواس ليجد السامع نفسه أمام مشهدية أو بانوراما أو قصيدة تحاكي أحاسيسه وتفتح آفاق أفكاره وهواجسه ومخيلته على احتمالات الحياة.

في معزوفاته وألحانه وإيقاعاته اتحاد مع روح الإنسان التي تدعو بانسيابها إلى التطلع إلى الإنسانية وبناء علاقات تشترك في الاقتداء بالقيم.

 يشارك الفنان نشأت سلمان جمهوره عوالمه الموسيقية الفرِحة والممتعة التي تمتزج بكل روح عصيّة على التدمير والقتل الرمزي بحيث تسير منسابة في طريق السلام.

تحمل ألحان نشأت سلمان أحلام كل إنسان وترتقي ليتشكل بوساطتها واقع جديد من رجل يحلم بعالم أكثر جمالًا ينتصر فيه للحياة بصفائها ونقائها.

هناك رسالة ومعنى عميق يتصل بالنصوص الملحّنة التي اختارها نشأت سلمان ومنها قصائد والده الشاعر الراحل أنور سلمان، إذ ننتبه إلى نوع من التكامل بين اللحن والكلمة، لتظهر قدراته الإبداعية وهو الذي تعمّق في اشتغاله على الموسيقى التصويرية بالتقنيات الحديثة التي تبرز جمال اللحن الصافي. ومن أعماله الموسيقية في ما يختص بهذا الموضوع، مجموعة قصائد للشاعر أنور سلمان ترافقها موسيقى تصويرية، ومنها مغنّاة للفنانة المطربة سمية بعلبكي تمّ إطلاقها في مهرجانات بعلبك الدولية. 

هنا حوار معه: 

(*) يقول ريتشنر: "يمكننا بوساطة الموسيقى أن نستبطن كنه أمور لم يسبق أن رأيناها ولن نراها". ما الذي أضافته الموسيقى إلى نشأت سلمان الإنسان والموهوب؟ 

‏أنا من المؤمنين بأن الموسيقى والفنون على أنواعها من العناصر التي تضفي معنى على الحياة وخصوصًا تلك الأعمال المتكاملة  التي تجمع الموسيقى والكلمة . ولكني لست من المقتنعين بمبدأ الفن للفن فقط ولذا أعتبر أن الموسيقى هي مصدر متعة وفرح للإنسان أيضًا. على الأقل هذا ما تساهم الموسيقى في إضافته إلى حياتي أي المعنى والمتعة خصوصًا أني أجد متعة في التأليف الموسيقي، والمتعة الأكبر تأتيني عند مشاركة العمل النهائي مع الآخرين. أما على الصعيد المهني وكوني أعمل في مجال الإدارة الهندسية أيضًا فقد وجدت في الموسيقى عاملًا مساعدًا في طريقة إدارتي وتعاملي مع فرق العمل وقد لاحظت نقاطًا متشابهة إلى حد كبير بين عملية قيادة الأوركسترا والعمل الموسيقي الجماعي من جهة وبين القيادة في العمل الإداري. من المثير استكشاف الجوانب المشتركة بين هذين العالمين: كالديناميكيات، والانسجام، والتنوع، والتعاون، والانضباط، والحصول على أفضل ما في الفريق في الوقت المناسب، والوعي بالإيماءات وتأثيرها، والقيادة بالقلوب والشغف تجاه العمل، وتفويض كل شيء للآخرين الذين هم أفضل وأكثر مهارة، والتركيز في الأمور التي تواجهها بدلًا من القلق بشأن ما يقال، ومشاركة الأضواء، وأخيرًا وليس آخرًا تأتي المتعة من العمل الجماعي والإنجاز.

(*) إلى أي مدى ترى استمرارية الراحة النفسية من خلال العلاج بالموسيقى؟

إنّ  التأثير العاطفي القوي للموسيقى مستمد من آثارها الجسدية والنفسية العميقة. على سبيل المثال، غالبًا ما يكون للاستماع إلى الموسيقى الهادئة تأثير إيجابي على الجهاز العصبي اللاإرادي (الذي ينظم العديد من وظائف الجسم الرئيسة)، عن طريق إبطاء التنفس وتنظيم معدل ضربات القلب وخفض ضغط الدم وتقليل توتر العضلات.

يؤثر الاستماع إلى الموسيقى فينا أيضًا على المستوى الفيزيولوجي العميق، إذ أن لها تأثيرًا قويًا على جهاز الغدد الصماء المسؤول عن إنتاج الهرمونات لجميع العمليات البيولوجية في الجسم، بما في ذلك تطور الدماغ والجهاز العصبي.

وفي دراسة أجراها باحثون من جامعة ستانفورد عام 2007، وجدوا أن الموسيقى ذات الفترات الصامتة القصيرة استحوذت على انتباه المشاركين على مستوى اللاوعي وساعدت في زيادة التركيز. لم يحافظ المشهد الصوتي المتموج على تنبيه الدماغ فحسب، بل عزز قدرته على تقبل المعلومات أيضًا. والجدير ذكره أن ردود الفعل العاطفية تجاه الموسيقى والأغاني تختلف اعتمادًا على تفضيلات المتلقي وارتباطاته بالموسيقى. إذا لم تعجبنا الأغنية (أو تعيد لنا ذكريات)، فلن تجعلنا سعداء مهما كانت جودتها. وأنا من خلال تجربتي الشخصية  كمستمع للموسيقى أرى أنها من أشد العناصر المُحفزة للنوستالجيا. في اعتقادي أن الموسيقى والرائحة (العطور) هما من العناصر الأساسية التي تحفز الأحاسيس النوستالجية عند تلقيها بحيث تأخذنا إلى اللحظة التي التقطناها بها في سفر شجن عبر الزمن.

وفقًا لمراجعة عام 2017 المنشورة في مجلة Frontiers in Psychology، قد تكون الموسيقى مفيدة في تقليل أعراض الاكتئاب. في 26 من أصل 28 دراسة قام الباحثون بتحليلها، كان هناك انخفاض كبير في مستويات الاكتئاب مع مرور الوقت في المجموعات التي استمعت إلى الموسيقى مقارنة بالمجموعات التي لم تفعل ذلك. على وجه الخصوص، أظهر الأفراد الأكبر سنًا تحسنًا عندما استمعوا إلى الموسيقى أو شاركوا في العلاج بالموسيقى.

يسعدني أن بعضًا من أعمالي استعملت لهذه الغاية، مثلًا أغنية Life goes on.

نشأت سلمان: لم ينقطع ارتباطي ببيروت وقد ساهمت بإنشاء "مؤسسة أنور سلمان الثقافية" التي ما زالت تؤمن بدور بيروت المُنير على صعيد المنطقة 


(*) بين اللحن والكلمة علاقة متناسقة، كيف تنظر إلى هذه التجربة خصوصًا وأنك اشتغلت على هذه العلاقة، ولحّنت شعر والدك الشاعر الراحل  أنور سلمان، وألّفت الموسيقى التصويرية بصوته، كذلك غنّت قصائده، التي هي من ألحانك، المطربة سمية البعلبكي؟
 

كما ذكرت في أحد لقاءاتي مع بعض وسائل الإعلام أنه في البداية كانت الكلمة، فأنا من المؤمنين بأن الكلمة هي الأساس في أي عمل غنائي متكامل، ولقد ألّفت الموسيقى التصويرية للعديد من قصائد أنور سلمان نشرت بصوته مع مصاحبة موسيقية، وقد كانت من أولى الأعمال التي أنجزت على هذه الطريقة أي دمج الموسيقى والشعر. 

ولكن التجربة الأخيرة مع الفنانة الكبيرة سمية كانت بمثابة التجربة الأولى للتلحين باللغة العربية. أما قصة العمل فهي بدأت منذ ثلاث سنوات وفي خضمّ أزمة الكورونا وخلال الأزمات التي كان يمر بها لبنان من الخضات السياسية إلى الانهيارات الاقتصادية هذا بالإضافة إلى ما كانت عليه ولا تزال تمر به المنطقة إقليميًا بحيث توافقت مع سمية على إنجاز عمل مشترك يحاكي آمالنا. وقد وقع الخيار على قصيدة أو خاطرة من شعر أنور سلمان كانت قد نُشرت في مجموعة "بطاقات ملونة لزمنٍ بلا أعياد " الصادرة عن دار الآداب في أوائل التسعينيات. القصيدة تجمع بين الرومانسية العالية والعلاقة مع الوطن والهوية ولبّ معناها أن الحب وحده يبقى مرفأ الشجن بالرغم كل المحن التي يمر بها الإنسان.

ويقول مطلعها : "مهما يمر علي من محنِ  عيناك باقيتان لي وطني".

‏وهنا سأذكر تفصيلًا أعلنه للمرة الأولى وحتى سمية لم تعلم به حتى الآن، وهو أن هذه القصيدة كتبها أنور سلمان  لشريكة عمره في فترة عصيبة مرّ بها، إن كان على الصعيد الوطني عمومًا أو على الصعيد الشخصي، وقد حولنا صيغة القصيدة من المخاطب الأنثى إلى الرجل. وقد خاطَ اللحن لكي يناسب خامة سمية وطبقاتها الصوتية وقد استغرق إنجاز العمل سنتين بمصاحبة أوركسترا يفوق عدد أعضائها خمسة وستين عازفًا. 

(*) هل تشعر بالطمأنينة تجاه ما قدمته حتى اليوم؟ ومتى يمكن للمبدع أن يطمئن؟ 

الطمأنينة تعيق الإبداع! قد يكون جوابي صادمًا للبعض ولكنني من المؤمنين بأن الطمأنينة تؤدي إلى الكسل الفكري والتخاذل في الإنتاجية والعطاء. أجمل الأعمال الإبداعية وُلدت في مراحل صعبة مرّ بها صانعوها... والمراحل الصعبة ليست بالضرورة متعلقة بالمحيط البيئي الذي يعيش فيه المؤلف بل قد تعكس الحالة النفسية والعاطفية التي يمرّ بها.

(*) كيف تصف علاقتك ببيروت وما كان تأثير الهجرة في فنك؟ 

تأثير بيروت عظيم وعلاقتي بها  كبيرة. أذكر أني تركتها فور تخرجي من الجامعة وقد عشت فيها مرحلة مهمة ساهمت في صقل تجربتي الفكرية إلى حدّ كبير خصوصًا خلال دراستي في الجامعة الأميركية التي كانت تعدّ مختبرًا للحريات وللتنوع الفكري والثقافي في تلك المرحلة. فمن دون حرية لا مجال للعطاء. 

بالرغم من هجرتي إلى سويسرا، لم ينقطع ارتباطي ببيروت وقد ساهمت بإنشاء "مؤسسة أنور سلمان الثقافية" التي ما زالت تؤمن بدور بيروت المُنير على صعيد المنطقة وما زالت بيروت "نجمتنا وخيمتنا "بالرغم من مرضها ووعكتها هذه الأيام. 

(*) ما هي مشاريعك المستقبلية ؟

هنالك عمل ضخم مع الأوركسترا الفيلهارمونية القطرية سيصدر مع بداية العام المقبل وكذلك فيديو مصور لعمل موسيقي أوركسترالي وعمل غنائي مع مغنيّة أميركية بالإضافة إلى بعض الأعمال الموسيقية التصويرية لأفلام وثائقية.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.