}

غالب مسعود: نجترح البرامج لإنعاش العلاقة بين المجتمع والمكتبة

أحمد طمليه 14 مارس 2024
حوارات غالب مسعود: نجترح البرامج لإنعاش العلاقة بين المجتمع والمكتبة
غالب مسعود

هل المكتبة العامة التي كانت ملاذًا للباحثين عن الكتاب، وعن القراءة في أجواء خاصة، تفرضها طقوس المكتبة، ما زالت كما هي قبل سنوات قليلة، لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، قبل الشيوع المتنامي للكتاب الإلكتروني، الذي يتيح للقارئ أن يقرأ كتابه في بيته، وفي سياق الوضعية التي يشاء؟ وقبل جائحة كورونا التي عصفت بالعالم، مطلع عشرينيات القرن الحالي، وأثرت على المكتبات عموما، وعلى رواد المكتبات؟

ربما مرت جائحة كورونا، لكن تداعياتها لم تمر. ربما أثرت الجائحة على قطاعات كثيرة، لكن آثارها سرعان ما خبت في الكثير من القطاعات، إلا قطاعات معينة ظلت أجواء كورونا عالقة فيها. من هذه القطاعات المكتبة العامة.

إلى أي حدّ أثرت جائحة كورونا على المكتبات العامة، على رواد المكتبات، على مطالعة الكتب داخل قاعات المكتبات، على استعارة الكتب من المكتبات؟ وماذا عن شيوع قراءة الكتاب إلكترونيًا؟

ماذا فعلت إدارة المكتبات مع هذه الآثار؟ كيف حاولت أن تتخلص من توابع التحديات، ما هي البرامج التي لجأت إليها لتعيد للمكتبة مكانها المعهود؟

مكتبة عبد الحميد شومان العامة، الواقعة في العاصمة الأردنية عمان، التي توافد عليها أجيال منذ منتصف الثمانينيات، كان لها النصيب من تداعيات جائحة كورونا. أهمها الهبوط الشديد في عدد الرواد، سواء على صعيد مطالعة الكتب داخل المكتبة أو لغايه الاستعارة، فقد هبط معدل رواد المكتبة واستعارة الكتب إلى أدنى مستوى خلال عامي 2022/2021. وكان لا بد من اجتراح حلول لمواجهة نضوب المكتبة من الرواد.

إذ بات التقدير لدى إدارة المكتبة أنه إذا كان عدد الرواد قد تعافى قليلًا خلال عام 2023 فإن احتمالات أن يصل إلى ما كان عليه قبل عام 2019 ليس سهلًا، ذلك أن كورونا تركت أثارًا من الصعب إزالتها، أخطرها تكريس نمط سلوكي لدى شريحة واسعة من الرواد، خاصة كبار السن، كانت ترى في ارتياد المكتبة مكانًا مشبعًا بالكتب وسبل المعرفة، صارت تجد في الوسائل التكنولوجية التي استخدمتها أثناء كورونا سبيلًا يعفيها من تجثم عناء الوصول إلى المكتبة، إذ تكتفي بإغناء وقتها على ما توفره لها وسائل التواصل التكنولوجي.

هذه المكتبة الواقعة في أحد جبال العاصمة الأردنية، وهو جبل عمان، اتخذت الكثير من التدابير لإعادة المكتبة إلى الواجهة. من أهم هذه التدابير برنامج "ليلة في المكتبة". وهو برنامج تدعو المكتبة من يرغب في المشاركة بقضاء ليلة كاملة في المكتبة، بدءا من الساعة التاسعة مساء حتى الساعة السابعة صباح اليوم الذي يلي، وضمن شروط، منها، أن يكون المشارك مشتركًا في المكتبة، أي أن المعلومات الخاصة به متوفرة لدى المكتبة، وأن يتعهد المشارك بعدم مغادرة المكتبة تحت أي ظرف، وأن يعلن عن سلامة صحته وخلوه من الأمراض.

فكرة جديدة، الهدف منها إعادة الرواد إلى المكتبة باستضافة عدد من الشباب، ذكورًا وإناثًا، وقضاء ليلة كاملة في المكتبة، تقام خلالها برامج مختلفة، منها قراءات في كتب، مناقشات، مشاهدة فيلم سينمائي منقول عن رواية ومناقشة كيف كانت الفكرة في الكتاب وكيف تم تجسيدها على الشاشة. ومن الأفكار أيضًا في "ليلة في المكتبة"، فكرة البحث عن كنز، والمقصود البحث عن معلومة معينة داخل كتاب، وهناك فكرة طرح أسئلة مأخوذة من الكتب المتوفرة في المكتبة، إضافة إلى لعب الشطرنج، والكلمات المتقاطعة، وغير ذلك من الألعاب التي تعتمد على النشاط الذهني.

"ليلة في المكتبة" برنامج تم البدء فيه في ذروة كورونا، واستمر بعد ذلك. ويهدف إلى إنعاش العلاقة بين المكتبة والمجتمع، تلك العلاقة التي أوشكت كورونا أن تقضي عليها.

تتكفل المكتبة في هذا البرنامج بكل شيء أثناء قضاء الرواد فيها، من مأكل، ومنام مناسب، إذ ينام الشباب الذكور في الطابق الأول، بينما الإناث تنام في الطابق الثالث.

في هذا الحوار مع غالب مسعود، مدير مكتبة عبد الحميد شومان العامة، وهي واحدة من أكبر المكتبات في الأردن، نحاول أن نتعرف على ما أحدثته المستجدات، والتحديات التي فرضت على المكتبة العامة، والحلول التي تحاول إدارة المكتبات اجتراحها لمواجهة ما فرضته السنوات الأخيرة من متغيرات.

ومسعود حاصل على درجة الماجستير في نظم المعلومات الادارية من جامعة عمان العربية، والدبلوم العالي في علم المكتبات والمعلومات من الجامعة الأردنية.

له خبرة تزيد عن ثلاثين عامًا في العمل المكتبي، حيث عمل ما يزيد عن عشر سنوات في مكتبة جامعة العلوم التطبيقية مديرًا لمكتبتها، وما يزيد عن عشرين عامًا مديرًا لمكتبة مؤسسة عبد الحميد شومان العامة، منذ عام 2010.


(*)
لعل السؤال الذي يخطر في الذهن أولا، بخصوص برنامج "ليلة في المكتبة"، هل المشاركون في هذا البرنامج، يبقون ساهرين حتى اليوم الذي يلي؟

برامجنا تنتهي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، إذ نفسح المجال لمن يرغب أن ينام ما تبقى من ساعات، لكن الذي يحدث أن لا أحد ينام، يجد الشباب ما يشغلون وقتهم به من مناقشات وحوارات حول محتويات كتب استوقفتهم، تبقيهم ساهرين حتى الصبح.

(*) ما هي الفكرة من إنشاء مكتبة عبد الحميد شومان. وهل تعرض لنا أبرز المحطات في مسيرتها: تأسيسها، المراحل التي مرت بها، إذ نعرف إنها بدأت مكتبة عامة واحدة، ثم أصبح لها فروع؟

إيمانًا من مؤسسة عبد الحميد شومان - ذراع البنك العربي للمسؤولية الثقافية والاجتماعية- بأهمية الدور الذي تقوم به المكتبات العامة في حياة الأمم والشعوب، وانسجامًا مع رؤية المؤسسة في تعزيز الأدب والفنون وتوفير مختلف أشكال مصادر المعرفة التقليدية منها والمتقدمة وتقديمها للجمهور والباحثين تأسست مكتبة عبد الحميد شومان العامة عام 1986، كأول مكتبة عامة محوسبة ومجهزة بشكلٍ مثالي في الأردن. 

وسعيًا من المؤسسة لوصول خدماتها لكافة الأفراد بكافة الأماكن وضمان حصول المستفيدين في عدة مناطق خارج المبنى الرئيسي للمكتبة في جبل عمان على حقهم في المعرفة والتمتع ببرامج وخدمات المكتبة تم إنشاء فروع جديدة للمكتبة، أولها فرع الأشرفية داخل حرم مستشفى البشير 2018، ثم فرع الزرقاء، بالشراكة مع بلدية الزرقاء الكبرى في محافظة الزرقاء الكائنة في شارع الجيش/القاعة الهاشمية. ثم فرع المقابلين بالشراكة مع أمانة عمّان الكبرى في منطقة المقابلين داخل حدائق الملك عبدلله. وبالشراكة مع جامعة الحسين التقنية تم افتتاح الفرع الخامس ليخدم طلاب الجامعة والمجتمع المحيط.

 (*) برأيك ما هو الدور الأهم الذي تقوم به المكتبة؟

تلعب المكتبة عدة أدوار، بين دورها الأصيل كمركز معلوماتي يقدم أوعية المعرفة التقليدية والمتطورة، ومركز مجتمعي يرفده المستفيدون لبناء القدرات وصقل المهارات لتحسين نوعية حياتهم ومساعدتهم في إيجاد فرص للعمل، وكملتقى ثقافي للتوعية المجتمعية والتكنولوجية واكتساب المعرفة ورفع الذائقة الأدبية والفنية وزيادة الثقافة الذاتية والمجتمعية.

وتوفر المكتبة أيضًا مساحات للتعلم والتجريب وإظهار المواهب، وهي أيضًا ملتقى للتواصل وتبادل المعارف والخبرات بالإضافة لدورها كوجهة عائلية للآباء والأطفال مع بعضهم ومع أقرانهم من أبناء المجتمع.

(*) كيف تدعم المكتبة الكاتب والكتاب؟

تخصص المكتبة جزءًا من موازنة الكتب لشراء المؤلفات المحلية من خلال دور النشر الأردنية ومعرض عمان، وتساعد المؤلفين على إظهار مؤلفاتهم القيمة من خلال برنامج إضاءات على كتاب والأمسيات الشعرية، وتساهم في ترويج كتبهم ضمن خزائن (وصل حديثًا) ومناقشة مجموعة منها في نادي القراءة وفي توفيرها ضمن رفوف المكتبة في كافة الفروع وإتاحة الوصول إليها.

(*) إلى أي مدى تسهم المكتبة في تشجيع القراءة وجعلها ثقافة اجتماعية؟

بذلت المكتبة جهودًا متعددة للتشجيع على القراءة جزء منها من خلال برامج تنفذ في مكتبات شومان مثل مسابقة القراءة، مدونة شومان، نادي قراءة شومان، ترشيحات الكتب، أنسب لكم، كتب مع أمين المكتبة، عرض كتب وصل حديثًا، وكتب الأسبوع واستضافة أندية القراءة، وفيلم ورواية، وما أشرت إليه برنامج ليلة في المكتبة، وجوائز الرواد الأكثر استعارة.

وضمن الجهود الوطنية يتم تنفيذ ماراثون القراءة على مستوى المملكة بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني وبعض الجهات الحكومية والقطاع الخاص، كذلك تم تنفيذ طاولة مستديرة لحشد الجهود وعمل فريق وطني لبناء استراتيجية نحو أردن قارئ.

(*) ما تأثير جائحة كورونا على المكتبة؟

أدت كورونا إلى انخفاض جميع إحصائيات المكتبة، مثل عدد الرواد والكتب المعارة والكتب المستخدمة في المكتبة والاشتراكات والإقبال على البرامج وغيرها، إلا أنه وبفضل خطط الاستعداد المسبقة تمكنت المكتبة خلال فترة الإغلاق من توفير الكتب الإلكترونية للرواد لقراءتها في منازلهم، وبعد عودة الفتح التدريجي وفي الفترة اللاحقة بدأت أعداد الرواد والاستعارات والاشتراكات بالازدياد، وتسعى المكتبة إلى تعزيز وجودها الفيزيائي وليس الرقمي فقط للتشجيع على العودة إلى ارتياد المكتبة والتمتع بالمزايا والخدمات والمرافق المتوفرة، وتشجع المجتمع على المشاركة ببرامجها التي تصب بالنهاية في تعزيز قيمة الكتاب والتشجيع على القراءة لكافة الفئات العمرية.



(*) هل أثرت وسائط التكنولوجيا على الكتاب؟

زاد الإقبال على الكتب الإلكترونية، وبناء عليه أطلقت المؤسسة مكتبتها الإلكترونية التي تضم آلاف الكتب العربية والأجنبية، وتم الاشتراك مع عدة قواعد بيانات عالمية لتوفير المقالات والكتب والرسائل الجامعية باللغة العربية ولغات أخرى، ووفرت المكتبة وسائل القراءة الإلكترونية مثل تطبيق يلبي الوصول إلى مقتنيات المكتبة والكتب الإلكترونية من أي مكان.

كما وفرت المؤسسة خيارات تكنولوجية تدعم الخدمة الذاتية والخدمة الإلكترونية للتسهيل على الرواد وخلق تجربة سلسة وممتعة.

(*) يلاحظ أن أغلب رواد المكتبة من الشباب، طلبة الجامعات تحديدًا. هل يأتون إلى المكتبة من أجل قراءة مقرراتهم الدراسية، أم من أجل قراءة ما تتضمنه المكتبة من مقتنيات؟

حتى الذين يقصدون المكتبة من أجل قراءة مقرراتهم الدراسية، مستفيدين من أجواء المكتبة التي تساعد على ذلك، فإنهم سرعان ما يتحولون إلى أبرز نشطاء رواد المكتبة، ومتابعة مقتنياتها. المهم أن يعتاد الرواد على ارتياد المكتبة، ثم يصبحون روادًا من رواد المكتبة.

(*) حدثنا عن بقية النشاطات التي تقام في المكتبة لتفعيل التواصل مع المجتمع؟

هناك الكثير من النشاطات منها إضاءات على كتاب، إذ تحرص المكتبة دائمًا على أن تكون جزءًا من النسيج الأدبي في المجتمع، وتعمل على تشجيع الكتّاب أصحاب الأقلام الواعدة على إنتاج المعرفة والفن.

أيضًا، هناك الدورات والورشات التدريبية، وقد أطلق برنامج الورشات والدورات التدريبية عام 2014 سعيًا من المكتبة إلى تعزيز قدرات مشتركيها، وندوة المكتبة، إذ تسعى المكتبة بشكل دائم ومستمر إلى مواكبة التطورات التي تعمل على تعزيز دورها كمحرك للتغيير في المجتمع، لذلك تعقد المكتبة ندوتها السنوية التي بدأت عام 2016 للعاملين/ات في المكتبات العامة ومكتبات الأطفال والمكتبات المدرسية وأخصائي المعلومات ومستشاري المكتبات. تحت عنوان "المكتبة كمحرك للتغيير"، ولا ننسى الجلسات التثقيفية، إذ  تقوم المكتبة بعقد مجموعة من الجلسات التثقيفية منذ عام 2017 بشكل دوري، وجاهيًا وعن بعد لروّادها وجميع المهتمين، حيث تتناول مواضيع توعوية وتكنولوجية وتوجهات عالمية في مجالي الابتكار والتكنولوجيا. وتعمل المكتبة على توثيق هذه الجلسات التثقيفية وإتاحتها للعامة

إضافة إلى برنامج أمسيات شعرية الذي بدأ عام 2020 وجاهيًا وعن بعد لشعراء أردنيين وعرب للتعريف بهم وتنمية الذائقة الشعرية والتشجيع على قراءة الكتب الشعرية لجميع المهتمين.

ولتوفير مساحة للقرّاء ومحبي القراءة بدأت المكتبة العامة برنامج "نادي شومان للقراءة" الذي يتضمن جلسات مناقشة للكتب والروايات، ويقام ثالث خميس من، ويشارك فيه الحاضرون قراءاتهم وآرائهم في الكتاب الذي يُناقَش، وأسلوب سرد الكاتب، وحيثيات كتابته، ويمكن لأي شخص حضور النقاش الذي يُعقَد في المكتبة العامة.

كما يهمني الإشارة إلى برنامج ماراثون القراءة، وهو نشاط تقوم فكرته على الترويج لممارسة فعل القراءة بطريقة جماعية وتفاعلية، تجمع المهتمين بهذا الفعل في مكانٍ واحد ليكون احتفاليًا في طريقة العرض. أطلق الماراثون لأول مرة عام 2020.

أضف برنامج بنك المكتبة، وهو مسابقة ثقافية رقمية يختبر فيها المشاركون معارفهم وثقافتهم العامة في أجواء تنافسية حماسية تساهم في زيادة المعرفة وتوسيع المدارك الثقافية، كما تحفز المشاركين على القراءة والبحث في كافة المجالات العلمية والأدبية وتنتهي المسابقة بفوز 3 مشاركين وتكريمهم بهدايا هي عبارة عن كتب مميزة من اختيار فريق المكتبة لهم.

وهناك برنامج فيلم ورواية، تقوم فكرته على عرض الأفلام المقتبسة عن روايات، يتبعه نقاش يتم التركيز فيه على جزئية اتساق النص الروائي مع الصورة السينمائية.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.