}

حوارات

سمير الزبن سمير الزبن 13 سبتمبر 2023
يوميات حوارات
علاء البابا، فلسطين

 

حوار من بعيد


هي: أتذكر؟ بعد افتراقنا، تمنينا اللقاء.

هو: كان الفراق، ليكون اللقاء.

هي: أملك الجرأة لأن أقول، أنت لي.

هو: لقد تعبت من الحرب، فهربت.

هي: لا ألومك، لكني أكره حزنك. عليك الفرح.

هو: من أين يأتي الفرح؟!

هي: أنت هناك ولا تجد الفرح المؤقت؟! اجتهدْ.

هو: تركت فرحي هناك، ورسبت في الامتحان.

هي: عليك أن تحمل فرحك معك، نحن هنا، نخترع فرحنا بين الركام.

هو: هذا الركام حياتي.

هي: عليك الخروج من نفسك.

هو: عليّ أن أجدها أولًا.

هي: أكتب لي رسائل الفرح، تجدْ نفسك.

هو: أنا تهت في البلاد الغريبة، لا أعرف نفسي ولا الغرباء يعرفوني.

هي: أنت، أنت. لا  تهرب من رسائلي.

هو: أنا هناك، وهنا أهرب من نفسي.

هي: ستكتب؟

هو: انكسر قلمي منذ ملأ الدم عينيَّ.

هي: أكتبْ بقلبك، وسأصدقك ولو كذبت.

هو: لم أعد قادرًا على صنع الفرح.

هي: سأرسل لك الفرح من بين الركام.

هو: سأنتظر ما ترسلين.

هي: أراك تضحك.

هو: صورتك خاطئة.

هي: احفرْ ذاكرتك، ستجد الفرح.

هو: لا ذاكرة لي، تركت تاريخي هناك.

هي: كان منامك عن الثوب الأبيض والسماء الزرقاء رائعًا.

هو: كان المنام خطأ في النوم، لا واقعة في الصحو.

هي: أنا قديسة.

هو: صدقتك منذ نشرت تعاليمك.

هي: أنا قديسة بسببك.

هو: أخاف علو القول، أحب الكلام الذي يحبو على أرض الواقع.

هي: لذلك أنت متشائم؟! احلمْ قليلًا، حتى يستقيم واقعك.

هو: أنا كذلك لأني تركت حياتي هناك.

هي: الحالم يستطيع أن يحلم في أي وقت.

هو: الحالم يحتاج اختراع الأمل.

هي: احلمْ بي.

هو: لا أستطيع جمعك مع أرض الخراب.

هي: نتحدث من عالمين منفصلين.

هو: أنت تتحدثين من عالمي وأنا لست هناك.

هي: اتركْ القذائف جانبًا، وتحدّث أجمل.

هو: فقدت لساني.

هي: أحبك من بين الدمار.

هو: وأنا أحبك أكثر.

هي: فسر لي كي أفهم؟

هو: أنت السؤال وأنت الجواب.

 

الحب في حوار المنفى


حملها وهربا بعيدًا عن الحرب، لأن الحب أقوى من الموت، فرّ بها.

في المنفى

قالت: أتحبني؟

قال: أنت الحب وطعم المكان هناك.

قالت: هناك كنت أجمل، كنت وحدي في كلامك دون المكان.

قال: أنت وحدك هنا، المكان هناك.

قالت: حملته معك لتخدش حبي؟

قال: حملتك وتركت كل شيء.

قالت: كنت وطنك، وهنا أصبح شريكي.

قال: لا وطن لي، لذلك، سكنتك.

قالت: أريدك خارجي، تراني بين الزهور.

قال: خسرت نظري.

قالت: إذا، لم تعد تراني جميلة؟

قال: أراك كما أول مرة، وجنات تحتفل بحمرتها الصباحية.

قالت: أسألك عن الآن؟

قال: بعد الاقتلاع، الآن، لا تعني شيئًا.

قالت: غيّرك المنفى؟

قال: أنا ابن المنافي، ولدت على أرض الآخرين من رائحة مكان بعيد.

قالت: كنت لي، وأنت اليوم للذكريات.

قال: لا ذكريات لي، لا تاريخ للمنافي.

قالت: إذًا، لم أكن في حياتك يومًا؟

قال: نزفت حياتي على طرقات ليست لي.

قالت: إذًا، لم يكن ما بيننا حبًا؟

قال: ماذا كان إذًا؟

قالت: كذبة، فالحب كذبة تخدعنا ونصدقها، وتتركنا وحدنا في منتصف الطريق.

قال: إذا كان الحب كذبة، فالحياة كذلك. ما الفرق؟

قالت: المنافي أوهام، لن أصدقك بعد اليوم.

قال: ليس عليك تصديقي، خذي المنافي، خذي الأمكنة، خذي الذكريات، واتركيني أرتب غموضي وحيدًا على رصيف ليس لي، ولا أريده. كنت نسيج وحدي، وسأعود لأحيك وحدتي بصنارتي وأفرطها كما أشتهي، دون أن تسأليني عن لون السماء في ظلام حالك.

قالت: ألن تعود إليّ، انتظرتك طويلًا؟

قال: لا ماضي أعود إليه، ولا مستقبل لأصنعه، حاضري عابث بما يكفي، اعتبريني ضحية سائق مخمور على طريق سريع، ستصلك شهادة وفاتي قريبًا عندما يجد ساعي البريد وقتًا لممارسة عمله، انسِ أني يومًا ما عكرت حياتك بحب فائض عن الحاجة، وكان كاذبًا بما يكفي لنسيانه، ولتتابعي حياتك من دوني.

قالت: ما الذي تقوله؟

قال: ما يجب قوله، ولدت وحيدًا وغريبًا عنك وعن عالم ليس لي، وأنا النكرة التي عليها أن تختفي من حياة الآخرين، كأني لم أكن، ولم أحب، ولم أحلم، ولم تزرني الكوابيس، كأني وهمًا يتبدّد كفقاعة صابون.

قالت: ما الذي تقوله؟

قال: كان عليّ الرحيل منذ زمن بعيد، لأني لم أفعل، أرحل الآن.

قالت: ما الذي تقوله؟

قال: الوداع لك ولكل الأوهام والأكاذيب، حبًا وأوطانًا ومنافي.

 

حوار المنتصرة والمهزوم


من وراء الحرب أتى صوتها:

كفى لا أحد يستحق سقوطك.

لم تهزمك الحرب ولا سجون الجلاد

فلا تدع المنفى وحماقات امرأة أخرى

تضع نهايتك.

خجلت من كلماتي، ابتلعتها، واشتعلت الذكريات.

قلت: أحاول تخيّل ما فعلت الحرب بملامحك؟

قالت: لا تقلق على ملامحي، فللحروب فوائد أخرى

تعلمك أن تكون أنت، وتُخفض وزنك.

وتعلمك أن تحيا الحياة كلها بين قذيفتين.

فقد أختفي في القذيفة التالية.

قلت: أخاف عليك منها.

قالت: كما تبحث القذائف عن أرواحنا

ترى أرواحنا تركض خلف القذائف بحثًا عن مخرج.

فلا تسأل عن ملامحي، لقد دمرتها الحرب

أنا أعيش اليوم من دوني.

ولأواسي نفسي، أقول أن أجمل ما في الحرب

أنك نجوت بكامل أعضائك لتكتب روايتي. 

لتكتبني يومًا وتكتب كم كنت جميلة قبل الحرب

وكيف كانت ضحكاتي تهز سماء دمشق المعلقة بخيط رفيع.

قلت: نعم، سأكتب رواية عن خطوط كفيّك

عن حبنا المقصوف بالأديان والهويات المريضة.

سأكتب عن خصرك وعن أمواج شعرك عن كحل عينيّك

سأكتب عن الطرقات التي مشيت عليها، 

وعن صوت كعبك المدوي في قلبي.

سأكتب عن دموعك التي قتلتني في وداعنا الأخير

كم كنت لك، كم كنت لي.

قالت: لك ما تشتهي من الذكريات، ولي دمشق المنكوبة بالمرارة.

قلت: أتذكرين، على الجدار الجنوبي للجامع الأموي

أقسمنا، أنا وأنت، أن نكون ما نريد.

قالت: كذبنا، وكنا ما يريدون.

قلت: القسَّمُ المعلق على الجدار هناك بدّدته دماء الحرب.

ضحكت وقالت: لا تكذب! لقد تبدّد قبل الحرب.

قلت: هل أنتِ لي بعد هذا الدم؟!

هل أنتِ لي بعد هذا الرحيل؟!

مثل الأيام الخوالي، هزت ضحكتها قلبي هنا 

وسماء دمشق هناك.

قالت: لا أنا أنا ولا أنت أنت.

لا شأن لي بالماضي والذكريات

أخذتنا القذائف إلى مستقبل أكثر مما نحتمل

هنا، رحلة بين قذيفتين بالنسبة لي.

هناك، رحلة بين خيبتين بالنسبة لك.

هل أنا لك؟ 

أنا ما بعد السؤال اليوم

أنت تعيش في الماضي، 

وأنا معلقة في الحاضر من الأهداب.

خجلت من أسئلتي وقلت:

سأكتب رواية عنك، أنت الحكاية

أنت صهيل الأغنية وما حمل الحمام من الحنين

أنت باقية قبل الحرب وبعدها

وأنا ظلال باهتة في ماضيك البعيد.

ضحكت مرة أخرى وقالت:

أنت تكذب من جديد.

وغاب صوتها وراء الحرب؟

 

هي وهو والحب والمنفى


وجع في القلب تمامًا لا فوقه ولا تحته

جرح غائر، يسيل دمي، أصرخ في الفراغ.

ألعقُ شوقي لها كذئب جريح، تائه في سهوب باردة

شوقي كالنصل يدمي خاصرتي ويبكيني.

لم أقطع خطواتي إلى نهايتها لأسقط وحيدًا

في بلاد ليست لي.

قطعت ما قطعت من أجل حبًا وعدني

أن يحملني في صقيع المنافي إلى نهايات الطريق

خذلته ساعداه فكانا أضعف من حمل ثقلي

فسقط وسقطت بمديّة المنفى،

كان حبًا من زجاج

تحطم على درجات المنفى وجرحنا.

في الحرب وبرد المنفى أصيب الحب بالعطب دون أن ننتبه.

قالت: هل كان حبًا؟

قال: كان أكثر من الحب، هو المعاني كلها ووعد الخلاص.

أحبك حتى نهايات الطريق.

قالت: اثبت لي، فأنا انتظرتك طويلًا، وأنت خذلتني.

قال: أنا لك، وفرش سجادة قلبه.

وقال: اجلسي هنا.

قالت: لا يكفي، غيرتنا الحرب،

وأنا هنا لم أعد تلك التي كانت هناك.

قال: هذا ما أملك بعد أن أخذت الحرب كل شيء. أنت ثروتي.

قالت: لا يكفي، عليك أن تأخذني إلى ما أريد، وتثبت لي.

قال: في المنافي لا إثبات للحب إلا وجوده.

قالت: في المنافي يحتاج الحب إلى الإثبات أكثر.

قال: لا اختبار في الحب إلا لمن يريد ذبحه.

قالت: فليكن، لن أعيش مع الشكوك، لنذهب كل في طريقه.

قال: في الحب لا يهان رجل منفيّ،

فليكن، لنذهب كل في طريقه. فأنا بعد الحب أصبح عاريًا

لا أشياء أثبتها لتسترني.

قالت: لتفعل ما تشاء، منحتك كل الحب، قابلته بالنكران.

قال: آن، أن يذهب كل في طريقه 

امرأة نادمة ورجل مجروح.

 

مقالات اخرى للكاتب

شعر
5 أبريل 2024
شعر
29 يناير 2024
يوميات
13 سبتمبر 2023
شعر
7 أغسطس 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.