}

منظّمات المجتمع المدنيّ وفضيحة النّفاق الغربيّ

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 2 نوفمبر 2024
آراء منظّمات المجتمع المدنيّ وفضيحة النّفاق الغربيّ
طفلة غزية تحدّق في العدم
مع انتهاء الشهر الورديّ (يحمل شهر تشرين الأول/ أكتوبر، إضافة إلى أنه شهر الطوفان، اسم الشهر الورديّ كونه الشهر المخصص للتوعيةِ بسرطان الثّدي)، يحق لنا أن نسأل: أين مؤسسات المجتمع المدنيّ (بنسخِها الغربية على وجه الخصوص) مما جرى ويجري ويسيل وينْهار ويحْترق في غزّة المدينة والقِطاع؟
في دراسة مهمّة لها، تقول الناشطة والأكاديمية الفلسطينية د. إيلين كتّاب إن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية تُعد "امتدادًا لأبناء الشعب الفلسطيني ومسعاهم نحو نيل كرامتهم الإنسانية"، مطالبةً، بِإلحاح، من الشركاء الذين يموّلون البرامج ويبْدون تضامنهم السياسي مع الفلسطينيين "ألا يرضخوا لإدانةِ المقاومة، أو تأطيرِها كما لو كانت إرهابًا"، رائيةً أن وَقْفَ المموّلين الغربيين المساعدات الاقتصادية وحجْبها في الحالات التي ترفض فيها المؤسسات الفلسطينية التمويل المشروط سياسيًا، هو "جزءٌ لا يتجزأ من طائفة ممتدة من التدابير الاقتصادية التي تُفرض على الصعيد العالمي من أجل إخضاع الفلسطينيين وضمان إذعانِهم، وإنْكار ما يجب لهم من حقوق سياسية، وترسيخ حرمانهم من التنمية وإجبارهم على التنازل عن حقوقهم الوطنية والسياسية والتخلّي عنها" (من مقال غير مثّبت التاريخ نشرته كتّاب في جريدة "حق العودة" التي تصدر عن مركز "بديل- المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين" تحت عنوان "كيف تتجاوب مؤسسات المجتمع المدني مع الأوضاع الراهنة").
تضع الناشطة الصلبة يدها على الجرح؛ حيث معظم الدعم الغربي (مع استثناءات أوروبية قليلة جدًا وتكاد تكون غير مرئية)، بات، هذه الأيام، وربما من منذ بداياته، مشروطًا. نحن لا نتحدث هنا عن شروط في الشكل، وفي آليات تنفيذ المشروع، أو المبادرة المتفق عليها، وفي خطوات التزام الشفافية المالية وتبنّي معزّزاتها، بل هي شروط تتعلّق بكيف ينظر الغرب لنا، وكيف ينظر لعدوّنا الصهيونيّ، وتتعلّق بكيف ينظر الغرب لقيمِنا، وكيف يريدنا أن نخلعها كما نزع الأشعريّ خاتمَه. شروط تفضح النفاق الغربي وتعرّي منظومته الانتقائية الكاذبة، وأعمى بعيون أميركية من لا يرى كل هذا النفاق، ولا يستشعر كل هذا الصمت النخبويّ، بعد المشاركة الغربية الرسمية في المقتلة التي يفترض أن تخلُص محكمة العدل الدولية يومًا ما إلى أنها جريمة إبادة جماعية لا لبس فيها!

كرمة مؤسسة "دالية"... 

العصابات الصهيونية المختبئة في تل أبيب أبت أن ينتهي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الذي لا يحبّهم ولا يحبّونه من دون أن يُقْدِموا على خطوة جديدة تؤكد نازيّتهم وفاشيّتهم في آن حين قرّر زعماء تلك العصابات عدم قانونية "الأونروا/ وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئ فلسطيني في الشرق الأدنى" وعدم السماح لمكاتِبها وتمثيلاتها البقاء فوق أرض فلسطين (إسرائيل) حاظرين أنشطتها جميعها. ضربة جديدة تتلقاها مؤسسة أممية، تضاف إليها الضربات التي سدّدتها بعض مؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية NGOs (non-governmental organizations) إلى نفسها بنفسِها حين قررت الصمت على الجريمة، أو حين ساوى بعضها بين الضحيّة الجلّاد. أما أهم انتكاسات تلك المؤسسات فإدارتها الظهر لكل ضحايانا من الأطفال والنساء وعددهم، كما تعلمون، بعشرات الآلاف، علمًا أن معظم البرامج والأجندات التي تدفع عشرات ملايين الدولارات لإنجازها في بلادنا تتعلّق بـ(حقوق المرأة) و(حقوق الطفل) و(الجَنْدر) وعناوين وشعارات واستعارات وإيماءات و(شقْلبات) ورغبة مسعورة بتثبيت سلوكيات وأدبيات (لعلّها لا أدبيات) قد لا يتناسب كثير منها مع معتقداتِنا وأعرافِنا وأخلاقِنا، وقد لا يتناسب، حتّى، مع السويّة المجتمعيّة الفُضلى في العالم أجمع.




قوّست الحقوق التي تدفع هذه المؤسسات لتكريسها والسعي لتحقيقها لأعبّر عن تهكّمي من التناقض الفاضح بين سموّ هذه الشعارات ودنوّ التغاضي عن انتهاكها إن كان من يقوم بهذا الانتهاك هم الصهاينة مدلّلو العالم (الحر)، المحميون بالعنوان الذي أصبح لا يطاق "معاداة السامية"، والمستفيدون، حدّ التُّخمة، من (محرقة) ارتكبها أوروبيون من بلادهم بحق أحد مكوّنات هذه البلاد! (لن أتورّط وأورّطكم بتناول أرقام الهولوكوست وبعض حقائقه فهذا ليس موضوعنا ولا مُقامنا).
غضُّ النّظر، أو النظر بعينٍ واحدة... التلاعب بالألفاظ والتعريفات والمآلات... استغباء المجتمعات والكيانات غير الأوروبية، أو الأوروبية الناقدة لهم... ومظاهر غيرها مما شاع هذه الأيام، منذ أن أصبحت برهنة الشعارات المتعلقة بحقوق المرأة والطفل وتأمين سبل الاستدامة في الأرض والزرع والضرع، استحقاقًا أخلاقيًا إنسانيًا لا يمكن القفز فوقه، أو التعامي عنه، وصدق من قال إن من أهم بركات الطوفان أنه كاشفٌ؛ نَقَلَ اللعب من تحت الطاولة إلى فوقها.

في الاستهلال...

بالاستناد إلى ثلاث ركائز أساسية، يمكن تعريف مؤسسات المجتمع المدني أنها: "منظمات مستقلة تقف في الفجوة الواقعة بين الدولة والمجتمع لتعزيز الديمقراطية، والحفاظ على حقوق الإنسان، وضمان تحقيق الحريات المدنية، كما يمكنها أن تمارس دورًا رقابيًا على الأداء الحكومي بشكل مستقل". تلك مهام يمكن أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني المحلية، وهي مؤسسات، بمعظمها، إلا من رحم ربي، تتلقى، لتحقيق هذه الأهداف، تمويلًا أجنبيًا، وحين نقول "تمويلًا أجنبيًا" فالمقصود في السواد الأعظم من هذه المقولة "تمويلًا غربيًا" أوروبيًا في معظمه مع قليل من التمويل الذي تتصدى له أميركا خصوصًا مؤسستها الأكبر  USAID
(United States Agency for International Development)
وبالعربي: الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية، مسؤولة (كما يقولون) عن إدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين. ومرّة ثانية يرتطم التنظير بالحقائق على الأرض، فها هي مديرة USAID سامانثا باور، وحين قرّرت أن تُدْلي بدلوها في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في غزّة، وَزارت لهذه الغاية المنطقة، تفقدت مستوطنة (كيبوتس) بئيري الصهيونية التي (دمّرها الإرهاب) في السابع من أكتوبر، بدل أن تزور أي حي، أو مخيم، أو مدينة، أو شارع، أو مدرسة، أو جامعة، أو مستوصف، أو مستشفى، أو حقل زراعة، أو موئل شجر، أو حجر، أو طير، أو حظيرة أبقار، أو مواشي، أو ملجأ بغل، أو مخبأ حمار في القطاع لتعاين، لو أرادت، وصفّت النوايا، الدمار غير المسبوق، وترى بعيْنِ دورِها الإنساني المفروض حجم الجريمة وأبعادَها ومفاعيلَها على الأرض.
في الفترة التي كانت الشيوعية في طريقها إلى الأفول، قررت الطبقات النيوليبرالية الحاكمة وغير الحاكمة، التسلل للمجتمعات انطلاقًا من الأسفل؛ أي الترويج، بحسب مصطفى شلش، لمنظمات "شعبية" ذات أيديولوجيا "مناهضة للدولة" للتدخل بين الطبقات التي يحتمل أن تكون متنازعة، لخلق "وسادة اجتماعية". منهجية تعامت عن عودة اليسار إلى كثير من وعي الناس، وعن الفرق بين الانتخابات وإرادة الشارع.

أين أنتم؟ 

بحلول تسعينيات القرن الماضي، كان عدد هذه المنظمات، التي توصف بأنها "غير حكومية"، قد وصل إلى ثلاث خانات على يمين الرقم، ووصل ما تلقته وتتلقاه في جميع أنحاء العالم إلى ما يقترب من أربعة مليارات دولار، أو يورو. رقم من شأنه لو صدّقت النوايا أن يحفّز كل مكامن التحرّر داخل ضلوع من يصْبون إلى ذلك التحرر، ليس التحرّر بالمفهوم المَشاعي عند كثير من هذه المنظمات، بل التحرّر من كل استعمار ما يزال يجثُم فوق شعب أو أمّة أو حاضرة، ونيل كل شعب، لم ينل حقوقه بعد، ما يكفل من تلك الحقوق إنسانيةً مُشتهاة.
في الحالة الفلسطينية ترى إيلين كتّاب أن سياسات القمع الاستعماري، تسعينيات القرن الماضي، "أنهكت قدرة المنظمات الشعبية على التنظيم والتعبئة، مما أدى إلى بروز فجوة بين القيادة وقاعدة الشعب. وكانت هذه المستجدات نتاجًا لمجموعة من العوامل المتشابكة على المستويين المحلي والدولي". حقائق أدّت إلى انطلاق موجةٍ مؤسسيةٍ ترمي إلى "إضفاء طابعٍ مؤسسيّ مهنيّ على المنظمات غير الحكومية، ليتسنّى لها إعداد برامجها في قطاعات الزراعة والصحة والقضايا الاجتماعية". في تلك اللحظة التاريخية أطلّ الاتحاد الأوروبي من هناك ليعلن عن نفسه بوصفه إحدى الجهات المانحة الرئيسية التي مدّت يد العون لغايات تمويل هذه البرامج، فارضًا (الاتحاد وتفرّعاته ومنظماته) طائفة من القضايا التي شملت "حقوق المرأة والعنف الأسري وسياسة فرض الحجاب والزواج المبكر ونماذج التنمية البديلة وأبحاث السياسات"، ثمّ، إنْ انخرط الفلسطينيون في هذه العناوين جميعها، ننظر (نحن الاتحاد الداعم مقدّم المال ومعه الشروط) في مسألة تنمية قطاعيّ الصحة والزراعة! حتى أن بعض الحملات اقتصرت من خلال عروض مسرحية وجولات ميدانية على "سفاح الأقارب"، وكأنه، على بشاعته، النكسة الوحيدة التي يعاني منها شعب عاش نكبة ونكسة واقتلاعا واجتياحات واعتداءات واعتقالات وتخريب مزروعات وخنق مختلف وجوه الحياة.




ومن يصدّق أن هكذا خطيئة مُدانة ممكن أن تسقط في بلادنا وقرانا ومدننا إلى مستوى الظاهرة؟ فعلٌ مجرّمٌ ولا مرّة شكّل ظاهرة، والتركيز عليه، وفرض تناوله عبر عدد من عروض المسرح التفاعلي (تقوم كما في عرض شاهدته صبية من بين الحضور وتبدأ بالصراخ لماذا فعلت ذلك يا عمّي) يعزز، حتمًا، ومن دون أدنى شك، ادعاءات عدم وصولنا إلى رتبة بشر أسوياء!! صراخ بصوتٍ مبحوحٍ مفحوحٍ (من الفحيح) مفتعل (لا يا عمي لالالالالالالا) وعلينا أن نصدّق قصتها ونبكي معها، ونلْعن كل الأعمام والأخوال من أول الزمان حتى آخر الزمان! فإلى ماذا تريد أن تصل أجندات هذا هو محتواها؟
مشاريع وحملات يخضع خلالها ممثلوها المحليون لكل شروط المموّل، لا بل ما يجري على الأرض حقيقة أن المستفيدين من هذا التمويل، أو ذاك، يبالغون في أرقام ظاهرة ما ويلْوون المعطيات لصالح النتائج المرغوب بالوصول إليها (وعندي حول هذه التفصيلة معلومات أخجل من إيرادها هنا). كل هذا وذاك جعل الانشغال الفلسطيني الأوسع يدور في مدارات تبعد فلسطين أكثر، وتجعل حلم الدولة بعيد المنال. لا أحد ينكر أن كثيرًا من المشاريع حققت انطباعًا إيجابيًا، وألقت الضوء على مبدعين فلسطينيين على صعيد العزف والرسم والإخراج وصناعة الأعواد وإبداعات أُخرى كثيرة، وأتاحت لمعظمهم فرصة زيارة دول أوروبية عديدة، والتفاعل مع ناشطيها والداعمين لقضيتنا فيها، ولكن هذا كلّه... كلّه... لم يخلخل القشور ويواصل دروبه نحو اللب... حيث الأرض عطشى لأبنائها... والحق يحتاج القوة... والقوة تعني المقاومة... والمقاومة مصطلح سيجعل كل مموّل غربي يضع يده على مسدسه، ويعيد نقوده إلى خزائن شعاراته الكاذبة، وادعاءاته المنافقة، وألاعيبه التي قصدت أن تنسينا موضوعنا الرئيسي، وتتحايل على حقيقة أننا ما نزال مغتصبين، واقعين تحت نيرِ أبشع احتلال عرفته البشرية على امتداد تاريخها المكتوب والمرسوم فوق جدران الكهوف.

شروط... تسلّط... تشظّ...

عمل المنظمات الإنسانية والمدنية الفلسطينية، وفي ظل "الحضور الاستعماريّ العنيف، والخلل الجوهريّ في النظام السياسيّ الفلسطينيّ بعد سنوات من الانقسام التنفيذيّ والتشريعيّ والمؤسساتيّ"، تعرّض لمعضلتيْن يفصل بينهما زهاء 20 عامًا؛ المعضلة الأولى هي الدور التسلّطيّ الذي لعبته السلطة الفلسطينية في عمل هذه المنظمات من خلال تصديرِ قوانينَ "ضيّقت الفضاء المدني ساعية إلى السيطرة على الحيّز العام"، وأمّا الثانية فحدثت في عام 2019، عندما وضع الاتحاد الأوروبي (المموّل الرئيسي للمنظمات المدنية الفلسطينية، وبما يصل إلى 70% من مجموع ما تحصل عليه هذه المنظمات من تمويل)، شروطًا تقييديّة على هذا التمويل، خصوصًا البند الخامس من المادة الأولى في ملحقٍ حمل الرقم (2)، الذي يقول: "على المستفيدين من المنح ضمان عدم استفادة، أو إشراك متعاقدين من الباطن، بمن فيهم المشاركون في الورش والدورات التدريبية، من المدرجين في قوائم التدابير التقييدية للاتحاد الأوروبي"، والمقصود بقوائم التدابير التقييدية، كما هو واضح، كل مقاوم للاحتلال، رافض للظلم، وهو ما رأى فيه كثير من الناشطين في هذه المنظمات ليس مجرّدَ تقييدٍ لحريةِ المنظمات المدنية الفلسطينية وآلياتِ عملها، ولكن أيضًا، وأيضًا: "تجريمًا للمقاومة الفلسطينية حتى في صورتها الأكثر سلميّة ومدنيّة" (عن دراسة نفذها مركز "شمس" ونشرتها المؤسسة الفلسطينية للتمكين والتنمية المحلية تحت عنوان "المساحات المدنية ومستقبلها في ظل الاشتراطات الأوروبية للتمويل").
وعليه، فإن سلطة الأمر الواقع، وانْحياز النفاق الأوروبي، وتَعامي بعض مقاولي النيوليبيرالية، أدى بمجمله إلى عودة الصيحة القديمة المتجددة: "آآآآه يا وحدنا".
دراسة ثانية "ورقة موقف" تبنّاها المركز الفلسطيني "بديل"، ونشرها في ربيع عام 2020، حيث كشفت الورقة التي حملت عنوان "تمويل الاتحاد الأوروبي المشروط... انعدام المشروعية والآثار السلبية"، عن مزيد من الشروط التي فرضها ويفرضها الاتحاد الأوروبي، منها على سبيل المثال لا الحصر: فرض الرقابة على المصطلحات التي تعتمدها المنظمات الفلسطينية في منشوراتها وأدبياتها، ومنع استخدام مصطلحات مثل: نكبة، استعمار، فصل عنصري وحق العودة! تخيلنَ يا رعاكنّ الله... تخيلوا يا رعاكم الله...!! وبما يصل إلى حجب التمويل عن مشاريع تتعلق بالترويج لحقِّ اللاجئين والمهجّرين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم الأصلية، وطبعًا، من باب تحصيل حاصل، أن أخبركنّ/م أن حركةَ المقاطعة مُقاطعةٌ قولًا واحدًا ولا بواكي لها، لا بل سُحِبت الاستثمارات منها وفُرِضت العقوبات عليها! أمّا الفلسطينيون في عكا وحيفا ويافا وباقي المدن الفلسطينية المحتلة في عام 1948، فهؤلاء خارج الحِسْبة تمامًا، بغض النظر، تمامًا، عن العنوان الذي يطلبون الدعم من أجله.
الشروط المُجحفة المُتهافتة على إرضاء المستعمِر على حساب المستعمَر، والتسلّط المرضيّ أديا كلاهما إلى تشظّي عمل منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، وانقسامها على نفسها؛ الوطنيون الأنقياء الأقوياء رفضوا هذه الشروط جملة وتفصيلًا، ومن ذاقوا طعم الدعم ولم يتخيّلوا أنفسَهم من دون ألوفِهِ في جيوبِ طمعهِم الاستهلاكيّ المُغترّ بالتّشاوف والرّفاه الواهِم وافقوا عليها جملة وتفصيلًا!

جرائم أحرجت مؤسسات المجتمع المدني الأوروبية 

بدورها، تدلي "دالية" بدلوها، ودالية هي مؤسسة مجتمع مدني فلسطينية، ظهرت للنور بعد انتخابات عام 2006، وانقلاب كثير من الداعمين الأوروبيين على الخيار الفلسطيني الذي أتى بحركة حماس إلى السلطة، وبالتالي معاقبة المجتمع الفلسطيني كلّه على ما حصدته صناديق اقتراعه (الديمقراطية). "دالية" نشرت في ربيع 2007، دراسة عنوانها "ضرورة تخفيف اعتماد المجتمع المدني الفلسطيني على المساعدات الدولية"، وسأكتفي بعنوان دراسة "دالية" المقدسيّة التي ترى نفسها داليةَ عنبٍ تتمسّك بالقدرةِ الكامنةِ داخلَ البذرةِ الصغيرة على بثّ الأمل وتحْقيق الازْدهار، فالمكتوبُ في الدراسة مقروءٌ من العنوان: إلقاء الضوء على سوء الشروط، وعلى ما يستدعيه التمويل الأجنبيّ الغربيّ من أجندات وتحديد وِجْهات.
إن صح المثل الفصيح الذي يقول إن من يدفع للزمّار يحدّد النغمة، فإن على أصحاب المعزوفة الفلسطينية أن يحسنوا اختيار من يدفع لهم، فهم أصحاب الحق، وأصحاب الأرض، وأصحاب المشروع الذي لا يقبل القسمة على اثنين: مشروع مقاومة المحتل المعتدي الذي أثبتت الأيام، وأثبتت الليالي، وأثبت الميدان، أنه يريد أن يجتثّنا عن بكرتِنا نادمًا على عدم إتقانه التطهير العرقيّ إبّان نكبتِنا، فإمّا نحن، وإمّا نحن، ولا مكان بيننا للواهمين، أو الراغبين بإيهامِنا.
المعابر مغلقة... وكالة الغوث مشيطَنة... القتل في القطاع، شمالِهِ ومناطقِهِ جميعِها، عقائديٌّ مريضٌ غارقٌ في مستنقع الخرافة... وأبشع من كل هذا وذاك الصمت العربي الذي ينتظر دعم الاستعمار القديم لإيقاف آلة قتل الاستعمار الجديد، المصنوعة في عواصم القديم، المرسلة للمجرم مع أمنيات التوفيق في اصطياد الصغار، فأي صديدٍ ينزّ من كل هذي الجروح التي تأبى أن تنْدمل.   

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.