الموتى يَخْتبئونَ في وَسْمِ الشهادة...
المعبدُ اسْتبدل الحجارةَ بترنيمةِ الروح
أيها السقف
من أوجَز تاريخَك بِخَفْقَةِ الحسْرةِ ليس إلا؟
يا بنت...
يا صاحبة العينين الطازجتين بِالعنْبر
كيف أرتقي نحو لحظتكِ النقيّة؟
كيف أتهجّى البريقَ الناصعَ في سلّةِ فاكهتكِ المنتشيَةَ بالرّماد؟
أي امتهانٍ تمارسُهُ الشاشات حين تُطلّين؟
حين تبعثرينَ رَزانةَ (السِيسْتم)؟
أو تحملينَ شهيقَ الدخانِ الطالعِ من أرواحِ الهَلاك؟
أيها القاربُ الحيران...
من علّم مجدافكَ استحالةَ الضِفاف؟
أيتها السماءُ الحقيقيّة...
انظري إليَّ، فأنا لم أتحوّل...
الكبرياء ما يزال هو الكبرياء رغم التّخاذل المُشفّر بِالعار...
أيها الطفلُ المليءُ القُدْرة،
لك كل هذا الفضاءِ الساطعِ فوقَ بيوتِ الموْتى
أرواحُنا أمامَك مكشوفةٌ
أقلامُنا، لا أطرافُك، مبتورَة...
مشاعلُ الشمسِ تُناديك
العدالةُ معطّلةٌ لولا أنت
أسلحةُ الشّفَقِ النورانيّ بانتظارِك
وصيةُ الأبِ... خزانةُ الشقيقِ الأكبر... دمعةُ الشقيقةِ الخجولة...
تعويذةُ الأمِّ التي تصنع من النار سلامًا
ومن البردِ أغنيةً
ومن الضياعِ أمانا...
كلها مفرداتٌ تدعوكَ للمقاومة...
تحثّك على أن لا تصْفحَ ولا تنسى
ولا تتركهم ينامون...
ظلُّكَ اليوم ظلّي...
دربُكَ دربي...
علِّمني كيف تشتقُّ المجدَ من أعينِ المستحيل...
يا صاحبَ الوهجِ المُبجّل...
والمُقام الرّفيع في الزمنِ الوضيع
لِأَجْلِ أطفالِ غزّة وحدَهم
لأجْلِكُم وحدكُم
لِأَجْلِ الصغيرةِ التي لا تريد أن تنسى الدُّمية
وفي جيبها ما تبقّى في الطريق من طعام القطّة
لأجْلِ الأسيرِ العارفِ الواقفِ الرافضِ كلَّ هذا الزّيف
لأجْلِ خليجِ حيفا
من أجْلِ أن ننسفَ كلَّ الأسيجةِ الضّامرة
من أجل عينيّ جدّتكَ المكحّلتيْنِ بالأسرارِ الطاهرة...
لِأَجْلِ أسوارِها عكّا
لأجل أجسادٍ نزعوا عنها القَيافة
لأجل شرارة الثورة الكبرى التي أشعلها الطوفان
لأجل حجارةِ البلاد... لأجلِ أشجارِها...
رُخامُ العطرِ المُعبّأ بالغضب
لأجلِ رنينِ السهمِ في وجْهِ العَطَب
واصِل أيها الفتى واصِل
هذا التراب عظمي... مسْبحةُ أمي...
هذي المآذن صوتُ أجدادي
كنائسُنا مدارسُنا
شرارةٌ منكَ تكفيني
أيها الفتى الطّحيني
يا المجبول بالقرآن
يا المكتوب في الوجدان
يا مترعَ الضوءِ مجْدولَ المشاعل
يا صاحبَ الدرب المقدّس
يا مُلَقِّمَ المدفعَ وصانعَ الزلازل
أنت الهزّةُ الكبرى
أنت الصيحةُ البُشرى
الغولُ بين يديك يتحوّل من أسطورةٍ إلى قنّاصٍ جليل
التبْرُ ترابُكَ في يوم أحبابِك
الظلالُ أنتَ قدّامَ بحركَ الوفيّ
هناك حيث تغفو قبورُ الغزاةِ جميعُهم
نحن لن نبقى خِرافًا غامضة في قطيعٍ أبيضٍ عدميّ
طَلَّقنا الحمائمَ الوادعةَ الهانئةَ في طولِ البال
غابت عن ليالينا كل الأضغاثِ الأحلام
كل شيءٍ احْترق، خَرِب... تلاشى في الهواء
لم يبق إلا أنت في هذا المدى المنذورِ للأعداء...
يا لجبروتِ ملوحة بحرِنا
آهٍ لنضارةِ برِّنا...
لكلِّ موجةٍ مطحونةٍ فوقَ صلابةِ صخرِنا
هنا... فوق أرصفة البلاد...
قرب المستشفى المهدّم...
تحت أنقاض الحكاية...
في الدُّغْلِ المُوحشِ الذي كان قبل الجنازير،
بقايا أجسادنا...
هنا...
حيث الهواء الرطب يقلّب صفحات الكتاب...
حيث المدى الأزرق عاجزٌ عن تحريك الأشْرِعة...
وهيدرا مُعلّبةٌ داخل دبّاباتِ الجنود...
نُعيدُ نسْجَ الثّوبِ بما هو نحن لا بما كانته هيلانة...
ومنذ اليوم لن نقع في هوى باريس
بفؤوسٍ مقْدودةٍ في شِعاب مكّة سوف نحطم آلهة الأسطورة الغابرة
نَحْتُنا يحملُ سِماتَ رملِنا
جرحُنا يسطعُ بالمسكِ والجِنان
ليلُنا، مثل نهارِنا، ميْدان...
لن نُسْقِطَ الراية
لن تُرْفَعَ اليَدان
هذه وثيقةُ البحّارة
هذا عهد الطين
صلاة الفجر
ترويدة النّدى
شهيقُ الوردِ في رفح
تفاح بيت لاهيا
الأحمر الطالع من فراولة الموسم شمال القطاع
يلوّن قذائف السّباع...
بالياسين... بالياسمين... بفلسطين.