}

عن منير العَكْش ومشروعه الفكريّ حول الإبادات وعنف الأديان

جورج كعدي جورج كعدي 17 مارس 2024
آراء عن منير العَكْش ومشروعه الفكريّ حول الإبادات وعنف الأديان
منير العكش
يستأثر باهتمامي منذ عقدين ونيّف ما يخوض فيه الدكتور منير العكش بحثًا وإصدارًا، فعناوين مؤلفاته تدلّ على مؤرّقاته الفكرية ومحاورها: "أميركا والإبادات الجماعية" (2002)، "تلمود العم سام" (2004)، "أميركا والإبادات الثقافية" (2009)، "أميركا والإبادات الجنسيّة: 400 سنة من الحروب على الفقراء والمستضعفين" (2012)، "دولة فلسطينية للهنود الحمر" (2015)، وكلّها في "منشورات رياض الريّس" في بيروت، ليتحفنا اليوم بثلاثيّة حول الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، تحت عنوان "كيف يصبح الدين شرًّا ـ نظرة موحدة للعنف في تاريخ الأديان الثلاثة" عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت، وصدر منها حتى الآن الكتاب الأول بعنوان "اليهود والعنف"، والثاني "المسيحيون والعنف"، في انتظار صدور الجزء الثالث "المسلمون والعنف"، الذي قد يواجه إشكالية إصدار ينتظر الباحث نفسه (ومعه دار النشر) "أن يتعافى المناخ اللازم لنشر الكتاب الثالث"! وكنت أتمنّى لو تحايل الدكتور العكش على العنوان المشترك للثلاثية وأسقط منه "كيف يصبح الدين شرًّا" لأنّ فيه استفزازًا للمتديّنين الذين يرون أن الدين كلّه خير ولا شرّ فيه، وقد يذهبون إلى نفي تاريخ العنف الخاص به، فالمسألة كلّها تتعلّق بدرجة الثقافة والوعي وقبول رأي الآخر والتسامح والموضوعية والرقيّ الفكريّ، وهذه جميعها غير متوافرة لدى جمهور العامّة.
ينظر د. العكش إلى هذه الثلاثية بكونها عملية معرفيّة تطوّرية مواكبة لتطور الجماعات البشرية، وهي بذلك كغيرها من دراسات النشاط الإنسانيّ يمكن مقاربتها من منطلقات تضمّ حقولًا ومناهج معرفية متعددة (interdisciplinary) لا يلتبس فيها التدين بدراسة العنف الدينيّ. يفصل الباحث إذًا بين خصائص الدين والتديّن، ودراسة ظاهرة العنف وتاريخيّته في مختلف الأديان. فالدراسة النقدية للدين والعنف الديني تستلزم فك اشتباك مع المعتقدات الشخصية وما يسمّيه الباحث "النفاق مع الذات". إذْ من دون هذه المسافة لا يمكن دراسة العنف الديني دراسةً نقدية نزيهة، وثمة فرق كبير بين دراسة الدين ومجرّد الإيمان بهذا الدين، ويوضح د. العكش أنّ ثلاثيته هذه تؤكد في تناولها ظاهرة العنف الديني على ملكة العقل والاستدلال الجدلي ووحدة المعايير، ورسم صورة واقعية لكلّ "الطبقات الجيولوجيّة" لهذا العنف، "صورة ليس فيها من التديّن أثر لعاطفة، أو ميل، أو هوى، أو حقد، صورة من مادة هذا الواقع تكشف عن فداحة العنف وسكاكينه الطويلة التي فتكت برقاب البشر باسم هذا الدين أو ذاك المذهب، قديمًا وحديثًا"، مؤكدًا أنّه يتحدث في هذه الثلاثية "عن تاريخ وبشر على وسع هذه الأرض، لا عن دوغما ولا عن لاهوت".
يقرّ د. العكش بأنّ السؤال عن سبب ارتكاب أشنع أنواع الفظائع والعنف باسم الدين ليس جديدًا، بيد أنّه يرى أنّ "الأخطار التي تمثلها جماعات وتنظيمات وحكومات تستلهم الدين أو تستثمره لم تكن يومًا أوضح ممّا هي عليه الآن، فما هيّج الحكومات الغربية كلّها على دم الفلسطينيين اليوم، وجعلها كفصيل واحد من الضواري الجائعة، هو إجماع لم يعرفه تاريخ الشرق والغرب منذ الحروب الصليبية. وها هي وجوههم بلا قناع وأيديهم الملطخة بدم الفلسطينيين بلا قفازات، وها هي ضمائرهم وقد أحالها جنون العنف إلى جيف منتنة"، معترفًا بأنّ "تأسيس نظرة واحدة موحدة في الإنسانيات مغامرة أكثر تعقيدًا من مثيلتها في العلوم الطبيعية (ما يعرف بنظرية كل شيء/ Theory of everything)، لأسباب لا حصر لها". وتتعذّر بالنسبة إليه معرفة زمن ظهور هذا الإله أو ذاك بالتحديد، ومتى استحق في عين المؤمنين به صفة الإله، كحال رب العهد القديم الذي كثيرًا ما تقلّب اسمه حتى استقرّ تأليهه. وهذا الإيمان بسيطرة الآلهة على قوى الطبيعة وما بعد الطبيعة، والحياة وما بعد الحياة، واستخدامها في الخير والشرّ، أفضى إلى الاعتقاد بأنّه لا بد من رشوتها بشيء أو سفك الدم في سبيلها (بداية نشوء العنف) أو إبادة المدن وتدميرها لنيل رضى هذه الآلهة ودفع غضبها، ولا بد أيضًا من منافقتها في شعائر وطقوس وذبائح صار اسمها عبادات مقدسة.




لا إمكان لنفي دور الأساطير في ولادة كثير من هذه الأديان، منذ ما قبل أن يتعلّم الإنسان كيف يجرّب ويختبر ليحدّد الكيف واللماذا، فكثيرة هي أسئلته وقليلة الأجوبة. ومذ بدأ أهل الأرض يُنطِقون آلهتهم أَنْطَقها كلُّ واحدٍ منهم على هواه، وكلّ طائفة، أو مذهب، أو ملّة، أو فئة، من هذا الدين، أو ذاك، تعتقد أنّ فهمها للكتاب هو الفهم الذي عناه ربّها، وأنّ كلّ ما عدا ذلك تجديف وافتراء قد يصل إلى حدود الكفر، ويقتضي هدر الدم. كلٌّ يدعي لنفسه حقيقة الدين ومعناه، ويعيش على افتراس سماء الآخرين، إذ لا يرى السماء إلّا من كوّة تاريخه. لكنّ السؤال الأساسيّ الذي يطرحه د. العكش "هل الإنسانية محتاجة فعلًا إلى كلّ هذه الآلهة، والأديان، والمذاهب، والفِرَقْ، والمِلَلْ، والنِحل؟". والجواب بالنسبة إليه نجده واحدًا "عند أبسط الثقافات وأكثرها تعقيدًا، عند الشامان والعرّافين والسحرة، كما عند الكهنة والحكماء والفلاسفة ونجوم اللاهوت وعلم الكلام. ولو أنّ أهل الأرض اكتفوا بما أملاه عليهم قلب كل فرد منهم لما وُجد على هذه الأرض غير دين واحد. فما هو جوّاني وأصيل فينا هو القانون الأخلاقيّ، أو مَلَكَة الأخلاق بتعبير الإحيائي مارك هوزر/ Hauser".
المسألة الأخلاقية محور أساسيّ في منهج د. العكش الفكريّ، إذ تحفل ثلاثيته بأمثلة كثيرة على أنّ بعض هذه الأديان وبحسب قول كانط "لا تكترث على الإطلاق بالنيّة الأخلاقية لأنّها ليست بدين". إنّ قيم الخير والصدق والأمانة ليست اختراعًا دينيًا، فهذه القيم رافقت الإنسان قبل ظهور الأديان الثلاثة بألوف السنين إذ تضرب جذورها في الطبيعة البشرية. مذ كان الإنسان علم بما هو خير وما هو شرّ، وبما هو صدق وما هو كذب... إلخ.



هنا يطرح د. العكش سؤالًا جوهريًا آخر: ماذا يحصل عندما يجعل الإنسان من نفسه ديّانًا للبشر وعقائدهم وأفكارهم، زاعمًا أنّ لهذا الاعتداد تفويضًا إلهيًا يؤهله لفعل ما يشاء بمن يشاء؟ فكل الحروب والفتوحات والغزوات الدينية المقدسة أُضرمت باسم "الإله الحقيقي"، على حد السيف، أو فوهة البندقية. كانت كل شناعة من تلك الشناعات تحتكر القداسة لنفسها وتعمّدها بدم الآخرين. صحيح أنّ فكرة قوة كونية واحدة تحكم الكون هي فكرة سامية، لكنها تستحيل خطرًا مميتًا حين تصير كالملوك الآلهة حكرًا وطنيًا لهذه الجماعة البشرية أو تلك، أو عندما تغرينا عبادة الذات بأن نخلق آلهتنا على صورتنا، ونعتقد أن خرافاتنا أولى بالحياة من حياة البشر. هذا تمامًا ما يفعله اليهود الصهاينة اليوم، وما فعلوه بالأمس، مع الشعب الفلسطيني تعاليًا واحتقارًا لإنسانيته وتمسكًا بالخرافة الدينية مبرّرًا للإبادة الدينية العنصرية والمجرمة.
يلفتنا الباحث العكش إلى القنوات الدينية في الولايات المتحدة، حيث يعيش ويحاضر في جامعاتها منذ عقود طويلة، التي صارت أكثر من الأعشاب البرية، إذ يفوق عددها المئة وخمسين قناة. هذا الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة ومفاتيح الجنة والنار هو مرتع خصب لأصوليات دينية، يهودية ومسيحية وإسلامية، عطشى للدم والنشاط العدواني والعنف المميت.
إذْ ترافق صدور الكتابين الأولين من هذه الثلاثية مع مجازر غزة التي أدمت قلوب الشرفاء والإنسانيين الخيّرين في العالم، فإنّ الدكتور العكش أدرج في مقدمة الكتاب الأول ردّ فعله الغاضب والمتألّم، هو السوريّ بالمولد، الفلسطينيّ بالاختيار، قائلًا: "ما يجري في غزة اليوم من مذابح لا تختلف عن مذابح الإسبان في العالم الجديد هو الذي اضطرني إلى تجزئة الثلاثية ونشر الكتابين الأولين منها. هؤلاء الذين لا يملَّون من البكاء والعويل والمسكنة والردح والتشكّي والتمثيل الوظيفي لشخصية الضحية في أفران الغاز هم أنفسهم الذين يلقون على رؤوس أهل غزة الفلسطينيين يوميًا آلاف أفران الغاز made in USA. يا لها من ضحية أدمى من جلّادها. ومع ذلك، إذا كان لهذا التضليل الإعلامي الذي يرافق جرائمهم من فائدة ترجى فإنه دليل جديد بالصوت والصورة على أنّ رواياتهم بدءًا من وجودهم في فلسطين وانتهاءً بأوشفيتز والهولوكوست قد تكون هي أيضًا أعراضًا أخرى من إدمانهم المَرَضي على الكذب والتضليل. ما يشهده العالم في غزة اليوم هو عرض طقسيّ ritual حيّ تقدمه حكومة المتدينين بالصوت والصورة لهذه الأيديولوجيا الإبادية التحريمية HRM التي كانت وما زالت عبادة لهم لازمت فكرة إسرائيل من يشوع إلى نتنياهو".
لا يكتمل خطاب الدكتور العكش ومشروعه الفكري من دون المسألة الأميركية، الوجه الآخر من المنبع التوراتيّ للإبادة في أميركا وفلسطين استنادًا إلى خرافة "أرض الميعاد"، والغطاء الإلهي! فـ"فكرة إسرائيل" بحسب الباحث، ووفق ما عرضتها الكلاسيكيات العبرانية ورسمها مؤدلجوها في القرنين الماضيين، ومثلما بدأت تتنفس الحياة في أرض فلسطين مع الاحتلال البريطانيّ للقدس في 9 ديسمبر/ كانون الأول 1917، تتضمن في ما تتضمن ثلاث مهمّات أساسية لا تتحقق إلّا بالعنف: 1 ـ احتلال بلاد الآخرين، 2 ـ استبدال سكانها بسكان غرباء (واستبعاد من يعصى منهم على الاستبدال)، 3 ـ استبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين الغرباء وتاريخهم. هذه الفكرة التي لفظتها إرادة الحياة من أرض كنعان مرة بعد مرة، بصورها البدوية الأسطورية وصورها الأوروبية القروسطية، كانت تلهب مخيلات القديسين الإنكليز الذين غزوا شمال أميركا. فقبل أن تبحر سفن مستعمريهم إلى بليموث، وكيبكود، وما بات يعرف لاحقًا بـ"إنكلترا الجديدة/ New England" كانوا يسمّون أنفسهم بـ"المستعبِرين" Hebraists، ويطلقون على العالم الجديد الذي لم يروه بعد اسم "كنعان الجديدة"، أو يخصصون ذلك أحيانًا، فيسمّونه "كنعان الإنكليزية/ New English Canaan"، أو "إسرائيل الله الجديدة/ God's new Israel"، أو "أرض الميعاد/ Promised Land".




وكانوا يعتقدون أنّهم الورثة الروحيون ليهود اللحم والدم الذين تخلّوا عن جوهر رسالتهم (فكرة إسرائيل)، فلم يبق لها "شعب مختار" يحملها ويرفع رايتها ويمجد الله بتحقيقها سواهم. هذه الصيغة الإنكليزية من "فكرة إسرائيل" لازمت تاريخ أميركا منذ موجة الاستعمار الأولى، وقبل أن يولد هرتزل بأكثر من ثلاثة قرون. يقول عالم الأديان الأميركي كونراد شيري/Cherry  "إنّ تاريخ الدين في أميركا هو تاريخ الاقتناع الراسخ بأنّ الأميركيين هم الإسرائيليون فعلًا، وشعب الله حقًا. لقد تلبست فكرة إسرائيل جوهر فكرة أميركا وصاغت شكلها، فمن المسلّمات أنّ الأمة الأميركية أقرب إلى الإسرائيليين الأوائل من أيّ شعب آخر على وجه الأرض، لذا شاعت تسمية أميركا الإسرائيلية/ American Israel على بلادنا ودرجت. إن رضانا بهذه التسمية، وإجماعنا عليها، هو ما يجعلها أمينة وحقيقية".
وإذ ما من شعب يتنازل طوعًا للغزاة الغرباء عن بلاده وحريته (كما هي تمامًا حال الشعب الفلسطيني المستمرّ في مقاومته ونضاله حتى الساعة) كان لا بدّ لـ"فكرة إسرائيل"، و"فكرة أميركا"، من تقديس طقس العنف الذي يستلهم "أخلاقه"/  Ethicsمن منبع واحد. كلّ بلاغة العنف الأميركية كانت، ولا تزال، تستمدّ استعاراتها من أدبيات "فكرة إسرائيل" وحكاياتها المقدسة وأنماط سلوك أبطالها. فالجنود المتوجهون لغزو الهنود هم بنو إسرائيل في مواجهة العماليق. تبنّت "فكرة أميركا" في حرب إبادة الهنود "أخلاقيات" العنف التي تحلّت بها "فكرة إسرائيل" التاريخية تلميحًا وتصريحًا. البُعد المقدّس في هذا العنف هو المثال المحتذى لقتل الهنود وإخضاعهم وسلبهم أرض آبائهم وأجدادهم. فالهنود بحسب تعبير رولاند بينتون/ Bainton يستحقون القتل والإبادة، تارةً لأنّهم عماليق، أو عمونيون، أو كنعانيون، أوصت "السماء" بقتلهم، أو تشتيت شملهم حتى يتمّ أمر الله بتأسيس إسرائيل الجديدة، وتارةً لأنّ إبادة الرجال والنساء والأطفال، وقتل المواشي، وتدمير المدن، وتقويض المعالم الثقافية، لازم للحفاظ على نقاء شعب الله!
يلفت د. العكش بدقة الباحث الممحّص إلى أنّه "رغم الهزيمة الأيديولوجية أمام روح التنوير الأوروبية التي تبنّاها الآباء المؤسسون/Founding fathers، أمثال پاين، وجفرسون، وواشنطن، وآدامس، وماديسون، وفرانكلين، فقد شقّ العنف الطقسي قنواته إلى عقائد الأصوليين الأميركيين وأنبياء الرأسمالية المتوحشة الذين ما زالوا يعتقدون أنّ هيمنتهم على العالم هي إرادة الله. وعلى الرغم من انغماس معظم هؤلاء الآباء في طقس العنف وإلحاحهم على المعنى الإسرائيلي لأميركا فقد حفلت كتاباتهم بنقد لاذع للخطاب المقدس الذي غشي موجات الاستعمار الأولى. كانت كتابات هؤلاء الآباء تعبّر عن نفورهم من وصايا الكهّان وخوفهم من تواطؤ الدولة معهم على حريات البشر وتعذيب عقولهم وأرواحهم، ولذلك عبّروا عن اشمئزازهم من وصايا الخطاب المقدس الدموية ومضارباته العقارية وتسليته الساديّة بالشعوب والأعراق". فالخطاب الذي يعزو جرائم فكرة "أميركا الإسرائيلية" إلى إرادة الله هو، بحسب تعبير پاين، خطاب شيطاني. شرير يفسد البشر ويصنع منهم وحوشًا (على شاكلة نتنياهو وعصاباته). يعرّي عصر العقل/ The Age of Reason "فلسفة أخلاق" هذا الخطاب الديني الذي يبرّر حملات الإبادة والمذابح الطقسية و"التضحية المقدسة" بذلك "الآخر" الكنعاني المهدور دمه من الركبة الجريحة/Wounded Knee إلى رأس الرجاء الصالح، ومن ضفاف الميزوري إلى ضفاف دجلة. أراد هذا الخطاب وهو يرسم مصير الشعوب فرادى وجماعات أن يقرن طقس العنف المميت بإرادة الله كي يضع الأسس "الأخلاقية" اللازمة لاستبدال "شعب منحطّ" بـ"شعب متفوّق"! و"ثقافية بدائية" بـ"ثقافة سامية"، ولاستبدال المصير الطبيعي لأرضنا وحياتنا الإنسانية بمصير "فوق ـ طبيعي" أو غيبيّ. فالحرب التي أطلقتها إدارة جورج دبليو بوش كترجمة قيامية لـ"حق الحرب" ولـ"القدر المتجلّي" ليست سوى محاولة إضافية لاغتصاب إرادة الله نفسها، ودليل آخر على هذا الوحل الأصوليّ الذي تغرق فيه الدولة الأميركية كلّما تعاملت مع العرب، ومع المسألة الفلسطينية في شكل خاص. ومن المفارقات أن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور سئل عام 1953 عن مصطلح "الحرب الوقائية" فأجاب بأنه من اختراع أدولف هتلر. أمّا جورج دبليو بوش فبعث إليه أدولف بيريز إسكيڨال برسالة معبّرة عام 2003 جاء فيها: "تتحدث عن الله وأنت تكفر به. وتتحدث عن الحرية وأنت تدمرها. وتتحدث عن الديمقراطية والكرامة وأنت لا تتردّد في التضحية بهما على مذبح مولوخ إله الدمار والدم الذي لا تعبد إلّاه". مضمون الرسالة يصحّ أيضًا وتواليًا على أوباما وترامب وبايدن، وسلسلة رؤساء "فكرة إسرائيل" التوراتية المستمرّة.
يبذل الدكتور منير العَكْش منذ عقود جهدًا بحثيًّا هائلًا مقدّرًا له، وثلاثيّة العنف الدينيّ مدماك جديد في عمارة مشروعه الفكريّ المؤمّل أن يستمرّ وأن يكتمل بالجزء الثالث الخاص بالإسلام، إذ تقتضي الموضوعيّة صدوره، علمًا بأنّه في حاجة إلى مناخ مغاير من الحرية والتسامح والقبول بمناقشة المفكّر في بحثه وسعيه إلى الحقيقة.

*ناقد وأستاذ جامعي من لبنان.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.