}

في معنى رئاسة بوعلام صنصال لمهرجان الكتاب الفرنسي بنيس

بوعلام رمضاني 11 يونيو 2024
آراء في معنى رئاسة بوعلام صنصال لمهرجان الكتاب الفرنسي بنيس
(بوعلام صنصال، Getty)


أخيرًا انتصر الروائي بوعلام صنصال على كمال داود ومحمد سيفاوي وياسمينة خضراء الجزائريين، وعلى الثنائي المغربي الطاهر بن جلون وليلى سليماني، وعلى الراحل التونسي عبد الوهاب مؤدب صاحب كتاب "مرض الإسلام"، بالضربة الأيديولوجية القاضية على معايير ومواصفات الإبداع الروائي. تجاوزُه أيديولوجيًا ألبير كامو، وتفوّقه في إبراز خطر وشرّ الإسلاميين وحدهم على حقوق الإنسان الأبيض والخيّر وغير المتوحش، في روايته "قرية الألماني" التي وصف فيها مناضلي جبهة التحرير الوطني الجزائري بالإرهابيين والنازيين ـ كما يتم اليوم مع قادة حماس - هو بمثابة اجتهاد أيديولوجي غير مسبوق جعل منه الاسم الأكثر جدارة لكي يترأس مهرجانًا فرنسيًا للكتاب تحت يافطة "الجرأة" (31 مايو/ أيار ـ 2 حزيران/ يونيو 2024). إنها الجرأة التي تتركه ينافس سلمان رشدي باسم محاربة الإسلاميين، وهي نفسها الجرأة التي سمحت له بأن يبقى حيًا في "جزائر إرهاب الإسلاميين" وقمع الدولة التي يخرج منها متوجهًا إلى نيس وإلى عواصم غربية كثيرة، ويعود إليها حرًا طليقًا، وتحديدًا إلى بيته الواقع في شرق مدينة الجزائر ببومرداس الوديعة خلافًا لمثقفين وسياسيين وصحافيين راحوا ضحية العشرية السوداء.

من زناة التاريخ (حسب بوجدرة)

بوعلام صنصال المهووس بتخصصه في معاداة ومطاردة الإسلاميين فقط خارج سياقات أنواع الإقصاء الأيديولوجي والتاريخي والديني غير الإسلامي تماما ـ مثل برنار هنري ليفي وإليزابيت ليفي وإريك زمور ومارين لوبان والنجم اليميني المتطرف الشاب جردان بارديلا- يختلف جذريًا في مقاربة الغرب المهيمن كما يراه الروائي رشيد بوجدرة. يؤمن بوجدرة، الشيوعي المنبوذ اليوم في باريس، والذي حدثني عن خلافه حتى مع كاتب ياسين في باريس قبل أكثر من عقدين من منطلق مقاربته الحضارة العربية والإسلامية بروح غير عدائية كما فعل صاحب رواية "نجمة"، يؤمن بأن بوعلام صنصال هو من "زناة التاريخ"، كما جاء في كتابه الهجائي الذي هاجم فيه الكتاب المرّوجين للفرنكفيلية كأيديولوجية استعمارية استشراقية معادية للحضارة العربية والإسلامية. ويعتقد بوجدرة الذي يرى في فرديناند سيلين أبدع الروائيين الفرنسيين على الإطلاق، وصاحب تحفة "رحلة حتى حافة الليل"، والمنبوذ هو الآخر في باريس بدعوى معاداته السامية التي حالت دون تكريمه بقرار من وزير الثقافة الراحل فريدريك ميتران، أن صلصال صاحب رواية "قسم البرابرة" التي دشن "بها رحلته مع معاداة الإسلاميين فقط"، عنصر فعال في قائمة زناة التاريخ إلى جانب آخرين معروفين. ومن هؤلاء، الذين يتنافسون بشراسة، ويخدمون إسرائيل، والأيديولوجية العنصرية والفرنكفيلية كتحصيل حاصل إذا فهمنا جيدًا بوجدرة، ويرفضون طرح المؤرخ اليهودي اليساري إيلان بابيه صاحب كتاب "التطهير العرقي في فلسطين"، كمال داود الذي كتب "أن الإسلاميين هم أكبر الرابحين من الحرب في غزة" في مجلة "لوبوان"، وياسمينة خضراء الروائي الشهير والمدير السابق للمركز الثقافي الجزائري بباريس، والذي قال: "من يفرح بعملية السابع من أكتوبر ليس إنسانًا"، وسليم باشي ووسيلة تمزالي وصحافيون ومسؤوليون إعلاميون مارسوا على بوجدرة الرقابة والتضييق والتهميش على حد قوله. بوعلام صنصال ومن لف لفّه من الكتاب المذكورين وغير المذكورين، ليس سوى تجسيد في نظر بوجدرة لطروحات فرانز فانون، المفكر الشهير العالمي المناهض للاستعمار والعنصرية، والمتعلقة بعقدة المستعمر (بكسر الميم)، وهي العقدة التي تنم عن مرض لا يمكن علاجه بحكم تأصله وانتشاره مثل السرطان في ذوات كارهة للذات، وتشعر باليتم بعد طرد الاستعمار من البلاد التي دمرّها ومارس فيها سياسة الأرض المحروقة، كما فعلت وما زالت تفعل إسرائيل في فلسطين بشهادة قلة من كتاب غربيين يهود وغير يهود.

يؤمن بوجدرة أن صنصال من "زناة التاريخ" كما جاء في كتابه الهجائي الذي هاجم فيه الكتاب المرّوجين للفرنكفيلية كأيديولوجية استعمارية استشراقية معادية للحضارة العربية والإسلامية


ضيف استروزي المؤيد لإسرائيل

بوعلام صنصال الذي نال المكافأة المنتظرة بتعيينه رئيسًا شرفيًا في مهرجان كتاب نيس، كتتويج منطقي لمسار وفاء مطلق لقتلة الفلسطينيين باسم الانتقام من وحوش وصنّاع السابع من أكتوبر الإرهابي، حلّ ضيفًا معزّزًا ومكّرّمًا في عز استباحة الدم الفلسطيني الجاري بغزارة لحظة كتابة هذه السطور وحتى إشعار جديد ومستبعد، على عمدة بلديتها، كريستيان استروزي، المعروف بتأييده المطلق لإسرائيل، وكواحد من اليمينيين، والكثير من اليساريين الإشتراكيين والشيوعيين، الذين يربطون الإرهاب بالإسلاميين والوطنيين الثوريين، كما فعلوا من قبل مع العربي بن مهيدي وقادة جبهة التحرير الذين أضحوا نازيين في خلط متعمّد مع الألمان الشيوعيين الشرقيين الذين أمدّوها بالسلاح حسب بوجدرة في كتابه "زناة التاريخ".
زناة التاريخ، وحسب بوجدرة دائمًا، هم ورثة فكر وأدب ألبير كامو الذي تمّ تحويله إلى جزائري أكثر جزائرية من الجزائريين، وهو الذي كتب رواية "الغريب" عام 1942 برخصة الغستابو وفقًا لبوجدرة. وتزداد اليوم أهمية كتاب هذا الأخير في علاقته بدور ومعنى ترؤس بوعلام صنصال لمهرجان الكتاب الفرنسي المذكور، في سياق ربط الإرهاب والوحشية والتخلّف والشر بالإسلاميين العرب وغير العرب، تمامًا كما تحدّث صقور البيت الأبيض عقب الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، وكما يتحدّث اليوم بنيامين نتنياهو لتبرير وحشية إسرائيل التي اعترفت بها محكمة العدل الدولية برغم التهديدات التي تلقّتها. بغضّ النظر عن هامش الاتفاق أو الاختلاف مع معالجة بوجدرة لمن أسماهم بزناة التاريخ، عن حق أو غير حق، أو بذاتية مفرطة وروح تصفية حسابات شخصية كما يرى البعض، يمكن القول، كتحصيل حاصل، إن ترؤس بوعلام صنصال لمهرجان كتاب فرنسي دون الآخرين من رفقاء دربه، يعدّ انتصارًا إعلاميًا مدويًا لكاتب يذكره الفرنسيون عند الحديث عن محاربته للإسلاميين بجرأة وشجاعة بعيدًا عن معيار الإبداع، تمامًا كما يذكر سلمان رشدي وألبير كامو مقابل سارتر وفانون المعتم عليهما فكريًا وإعلاميًا. الأول وقف مع ثورة الجزائريين الذين يقولون مثلًا يكرّرون قوله عن رئيسهم الراحل هواري بومدين: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، والثاني قضى حياته ينّظر لعنصرية البيض، ولتبعية المستلب ثقافيًا وروحيًا من أمثال صنصال في تقدير بوجدرة، والذي يتخذ من كامو مثله الفكري الأعلى مثل أعضاء نادي تبييض العهد الاستعماري البغيض، كما يفعل تمامًا مؤيدو إسرائيل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، والمحقة في سحق فلسطينيين متوحشين على حد تعبير نتنياهو في الوقت نفسه.

جعبوب: كان مكلفا بمهمة ديبلوماسية

استنادًا للمقارنة التي يستعين بها في كل الأوقات كل المؤيدين لإسرائيل بدون شرط أو قيد، عند الحديث عن حماس "كمنظمة إرهابية"، سليلة جبهة التحرير الجزائرية في تقديرهم، يصبح الدور الذي يلعبه بوعلام صنصال في باريس، وفي مدن أوروبية فرنسية وأوروبية أخرى، ومن بينها نيس، مصدر تساؤل محيّر للعقول، ومنبع ريبة وشبهة، كما جاء في شهادة السيد عثمان جعبوب، وزير الصناعة الأسبق، الذي اتخذ قرار فصله نتيجة عدم انضباطه المتكرّر. الشهادة الفيسبوكية التي كتبها بتاريخ 9 ـ 12 ـ 2017، وأعاد نشرها المؤرخ محمد الأمين بلغيث يوم 30 نيسان/ أبريل من السنة نفسها، كشفت عن دور واضح يقوم به بوعلام صنصال باسم الرواية الأمر الذي يفسّر تعيينه رئيسًا شرفيًا في مهرجان نيس التي أشهر فيها عمدتها أستروزي العلم الإسرائيلي جنب العلم الفرنسي في عزّ إبادة الفلسطينيين، ومكارثية رفقاء دربه من السياسيين والمثقفين المدافعين عن إسرائيل من المهد حتى اللحد. حسب وزير الصناعة السابق "يعود سبب غياب صنصال المنتظم إلى سفريات تفرضها مهام رسمية وسرية لصالح الدولة الجزائرية، وهي السفريات التي كانت تتم من دون علم وزيره، وبعلم أطراف تفوق صلاحياته". بعد إنهاء مهامه، وإحالته على التقاعد رغم ضغوطات وتدخلات حماة الروائي الشهير، أردف الوزير يقول: "زار صنصال إسرائيل بعد أن مثّل الجزائر لسنوات في محافل دولية خدمة للجزائر حسب تعبير أحد أصدقائه في الحكومة الجزائرية"، كما جاء في شهادة عدوه الوزير السابق جعبوب. صنصال الذي كان حرًا طليقًا أيام إدارة السيد مناصرة لوزارة الصناعة طيلة خمسة أعوام (كما فهمنا من منشور الوزير الذي وضع حدًا لتمثيله الجزائر سريًا بحماية من جهات عليا) لم يقبل إحالته على التقاعد، ووصف الوزير جعبوب في حديث لمجلة فرنسية "بالأصولي الخطير الذي لم يحترم مكانته العلمية والأدبية العالمية". صنصال الذي كان يتمتع بمعاملة تفضيلية أيام وزير محسوب على الإسلاميين أيضًا، ما زال يكّرر متحدثًا للصحافة الفرنسية أنه ضحية نظام سياسي فاسد وقمعي، وإسلاميين تخصّص في التشهير بهم بجرأة تفوق بها على رفقاء دربه، الأمر الذي مكّنه من تكريم ثقافي وأيديولوجي بشكل غير مسبوق باسم الكتاب تحت شمس نيس أستروزي المؤيد لإسرائيل، والذي أشاد به كضيف مبجّل في مدينته الساحرة.
جدير بالذكر، أن المدينة اللازوردية استقبلت أكثر من 200 شخصية أدبية كما ورد في برنامج التظاهرة، ومن بينها فرانتز أوليفييه غيزبارغ المدير الفني، والشخصية الإعلامية اليمينية المؤيدة لإسرائيل، ولنادي المدافعين عن فرنسا الحضارية البيضاء، وبوعلام صنصال المحبوب في العالم بأسره، والمناضل من أجل الحرية ضد الحقد واللاتسامح والتردّي والحمق، حسب تعبيره. غاب كبار الأدب والفكر في مهرجان نيس للكتاب باستثناء جان باتيست أندريا، صاحب جائزة غونكور الأخيرة، وديدييه فان كوويلارت، أحد أبناء نيس مثل ضيوف آخرين، والمحلل النفساني الشهير بوريس سيرولنيك، وجيل كيبال صاحب كتاب "هولوكوست غزة والحرب ضد الغرب"، وفيليب بيسون نجم الصحافة اليمينية. تألق فيليب فال غير الأديب، والمعروف بتوجهه المؤيد لإسرائيل دون قيد أو شرط مثله مثل راشيل كان. وللتغطية على مهرجان كتاب مؤيد لإسرائيل في عز إبادة غزة، برمجت رشيدة براكني، الممثلة والمخرجة الفرنسية الجزائرية الأصل والمؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني، لتقديم كتابها الأول "قدور". لم يحضر برنار هنري ليفي حتى لا تنكشف اللعبة، وجيل كيبال كان بديلًا غير مقنع لإخفاء خلفية توجه تظاهرة ثقافية تخدم إسرائيل في المقام الأول.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.