}

النقد الثقافي: أفق مشرع على الثقافة في تعدديتها

ليندا نصار ليندا نصار 7 يونيو 2024
آراء النقد الثقافي: أفق مشرع على الثقافة في تعدديتها
يطرح الخيري الأسئلة النقدية لاجتراح مناحٍ وأفكار جديدة
في كتابه "النقد الثقافي: بحث في الجذور والمرجعيات النظرية" الصادر عن دار خطوط وظلال عام 2024، يشتغل الناقد المغربي رشيد الخديري على قضايا يطرح عبرها عددًا من الإشكاليات والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات عميقة في سبيل الإضاءة على النقد العربي الحديث، ومعالجة مسائله الجديدة التي تتماشى مع التحولات والرؤى في هذا العصر. اختار الناقد النقد الثقافي موضوعًا لبحثه، بما أنه يثير النقاشات، وقد جاء الاشتغال على هذا العمل بموضوعية بالانطلاق من أصول النقد، ومن النظريات القديمة، متتبعًا المنهجيات وإجراءاتها، مراعيًا حاجة إنسان اليوم. وتتألف هذه الدراسة من مقدمة، ومدخل جدلي، وفصلين وخاتمة، بالإضافة إلى المراجع التي اعتمدها الناقد في بحثه.

النقد وحقول المعرفة

لا يمكن لمن ليس لديه اطلاع على النظريات والجذور والمرجعيات والمفاهيم النظرية من أن يدخل في الحديث عن النقد الثقافي، فالعملية الكتابية النقدية تتطلب وعيًا وإحاطة بهذا الموضوع، كما فعل الناقد في هذه الدراسة التي وظّف فيها مرجعياته ومفاهيمه وثقافته ودرايته الواسعة في البحث العلمي، إذ إن النقد يتعالق مع الحقول المعرفية المتعددة، فقد عمل على إنتاج معرفة متجددة والحصول على ما هو مغاير، ففي البحث النظري عرض الدراسات الثقافية التي أوضحت النظريات السابقة، مرورًا بتفكيكية جاك دريدا، ونقد الخطاب عند ميشال فوكو، وسوسيولوجية بيير بورديو، والناقد البريطاني ريموند ويليامز.
يرى الخديري أنّ هذا النوع من النقد، أي النقد الثقافي، يتعين باعتباره أفقًا مشرعًا على الثقافة في تعدديتها، كما أنه ينطوي على مقولات تستمد مرجعياتها من حقول معرفية مختلفة، من قبيل علم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والتاريخ، والنظرية الأدبية، بحيث أنه نشاط يضع ثقله النظري والفلسفي على دعامتين اثنتين هما: دعامة الشمول أو الكلية، ودعامة التعدد أو رفض التمركز.
وتحت عنوان "النقد الثقافي: بحث الجذور والمرجعيات النظرية"، يدرج الباحث رشيد الخديري الرؤى النقدية الجديدة والتصورات في محاولة لفتح النقد على القراءة والتأويل، لكن من دون تغييب النظريات الأدبية، كما واكب التحولات والانعطافات التي طرأت على المشهد النقدي العربي اليوم مستقرئًا إياه ومحاولًا تفكيكه بالعودة إلى أصوله، والعمل على استنتاج النظريات من التجارب السائدة للإضاءة على المعرفة الأحدث.

النقد واختلاف زوايا النظر والتأويل

ينظر الكاتب إلى المنجز النصي، ويطرح الأسئلة النقدية، لاجتراح مناحٍ وأفكار جديدة تشكلت لديه من زوايا نظر متعددة، وذلك عبر التأويل، وتحليل النظريات الأدبية، والتوقف عند قضايا مهمة سبق أن عرض لها النقاد، خصوصًا الأكاديمي الناقد السعودي عبد الله الغذامي في كتابه "النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية"، الذي أعلن موت الكاتب، وموت النقد الأدبي. في هذا الكتاب، يحاول الكاتب استشراف نظريات نقدية حديثة، مع الاعتراف والتقدير لجهود النقاد العرب واهتمامهم بالأصالة، ودورهم في استثمار المناهج.




يعتمد الباحث منهجية نقد النقد، مؤكدًا أن هذه الدراسة تتعمق بخلفيات نظريات النقد الثقافي واختلافه وتمييزه عن باقي المناهج، حيث القدرة على النفاذ إلى جوهر الأسئلة النقدية، مع تقدير البحث العلمي الواعي لكل جديد.

تجديد الخطاب النقدي العربي المعاصر

كذلك يستقبل رشيد الخديري نظريات قابلة للتغيير والتحول وفق مقاصد وغايات محددة. بالنسبة إليه النظرية غير خاضعة للنسق، ثم هناك حالات من الإدهاش تخلفها الأعمال الأدبية فيجب تحديث الرؤى والتصورات وإعادة التفكير بتاريخنا وتاريخ غيرنا، خصوصًا وسط التغييرات الجذرية المعاصرة لتجديد خطاب الحداثة لكي لا تبقى هنالك أفكار تقوم على أنقاض أفكار أخرى من دون مواكبة أفكار العصر والبقاء ضمن التقاليد البالية. من جهة أخرى، يرى الباحث أن إشكاليات الحداثة ما زالت تعالج القديم والمحدث، والعلاقة بين النقد والمعرفة تكاملية، فالناقد يعد وينوع قراءاته، وبما أن النقد قراءة فهو حوار مفتوح مع المتن المدروس. فللمعرفة أهمية كبيرة في المسار النقدي من جهة توسيعه وانتشاره، وهي تساعد على تلاقح نظريات الأدب والمناهج النقدية، وتعتبر لغة النقد معقدة وطبيعته نخبوية ما يحول دون وصوله إلى كل القراء.
صرنا نتحدث عن نظرية كل شيء، فالنظرية ليست العمل الأدبي فقط، بل تطبق على المجتمعات والأنواع والوقائع الإنسانية والنظريات النقدية تغذي الجدل بين القراءات، فالناقد يعمل بطابع انتقائي أحيانًا مطبقًا ومتبنّيًا نظريات نقدية معينة موظفًا خلفياته المعرفية. وهنالك نظريات جديدة، لكنها تحاكي التراث، فليست لدينا نظرية عربية خالصة لتأسيس وعي مختلف يحاكي إنسان اليوم وطموحاته، من هنا يجب مراجعة النظريات من جديد.

عبد الله الغذامي والنظرية الفرنسية

كذلك يتابع الناقد اشتغاله على مشروع الناقد السعودي عبد الله الغذامي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية، فهو قراءة في مشروعه حول النقد الثقافي العربي، وهذا الكتاب يشكل حدًا فاصلًا بين النقد الثقافي والنقد الأدبي، وقد حاول الباحث توضيح التقاطع والاختلاف بين نوعي النقد، وفتح الباب على قراءته، والخروج بقراءة نقدية هادفة. ويرى الناقد أن هذا الفصل كشف عن الحاجة إلى التفكير النقدي والأسئلة الإشكالية "مواجهة كل الأسئلة بالمعرفة ولا شيء غير المعرفة الخلاقة حتى يصبح النقد منتجًا وقادرًا على تحديث أدوات اشتغاله".
ويتطرق الناقد إلى النظرية الفرنسية التي تمثل دورًا أساسيًا في اتجاهات المعرفة والتأسيس لخطاب مغاير، والتنظير لما بعد الحداثة والأنساق الثقافية، والتعامل مع النصوص من منظور جديد، كحداثة ثقافية، فنرى تفكيكية دريدا، وفوكو، وقد اتخذ الناقد عبد الله الغذامي مرتكزات نقده من منهجية دريدا الأنساق المضمرة والتعمق فيها وتحليلها.
ازداد الجدل النقدي منذ محاضرات الناقد الفرنسي جاك دريدا في جامعة جون هوبكنز لخلخلة المقولات القديمة، وفتح النص، والاشتغال على العلاقات في داخله، وكان قبله رولان بارت الذي يعد بداية الدراسات التفكيكية، مع أنه كان رحالًا يعتمد مناهج عدة.
"تمثلت مقترحات النظرية الفرنسية ها هنا بتفكيكية جاك ديريدا، ونقد الخطاب عند ميشال فوكو، وسوسيولوجية بيير بورديو، إضافةً إلى إسهامات الناقد البريطاني ريموند ويليامز، وكلُّها ميكانزمات اشتغال مَكَّنَتْنَا من الانصهار في تحديد الملامح الكبرى لانشغالات النقد الثقافي". إنه "لا يمكن للأداة النقدية أن تستجيب للطموحات ما لم تكن بدورها خاضعة لبوصلة واضحة، ولصرامة نظرية تضع الاستراتيجيات وتحدد الثوابت والمنطلقات".
بالنسبة إلى دريدا، تفكيك النص يساعد في الكشف عن بنيته الأولى وتركيبته، فلا يمكن للنص الواحد أن يكون محدودًا، أو محددًا، ويخضع لمبدأ التخالف، وليس التوافق والاستدلال على طبيعة التناقض المعرفي في النص، فالتفكيكية تمارس الهدم وتعرية الأنساق والخطابات واستخراج قواعدها وهي تشرح النصوص. ففكر دريدا قائم على النقد، نقد المؤسسة، نقد اللغة، ونقد النقد البنيوي الشكلاني.
وتتابع الدراسة بالحديث عن تقاطع فكر ميشال فوكو مع فكر جاك دريدا، إذ إنه تأسس على الحداثة، وهو الذي حارب تقديس الخطاب العقلاني والبنية المغلقة. ويعد فوكو أن من يمتلك المعرفة يمتلك السلطة، لأن المعرفة تميز الحقيقة. أراد فوكو تحرير الإنسان من أحادية الخطاب، وكل ما يتحكم بالمجتمعات، وكل ما يمتثل إليه الإنسان، فقد كانت مواقفه ضد العقل المغلق. فخطاب فوكو تأسس خارج السلطة، وهو لا يتقيد بالآليات الجاهزة، أو القديمة في قراءة النص وتحليله، بل يعمد إلى النظر إلى ما وراء النص، وتفكيك الأنساق المضمرة التي يخلقها كل نص، ومساءلة المعرفة لبناء تاريخ واع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.