}

أيُّ مآلاتٍ لأعقدِ الصراعات؟

جورج كعدي جورج كعدي 27 أغسطس 2024
آراء أيُّ مآلاتٍ لأعقدِ الصراعات؟
يمين (أعلى): أفنيري، شتيرنهل، عيران، برينكر، سريد، بارأون، يهوشواع


بعض الوثائق، وإن اعتُمد لها شكل الحوار، لا تتقادم في الزمن وتبقى مفيدةً العودةُ إليها لفهم المرحلة الراهنة واستشراف تلك الآتية. هذه حال الحوارات السبعة التي سبق أن أجراها الأستاذان أنطوان شلحت وبلال ضاهر لمجلة "قضايا إسرائيلية" (تصدر عن "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار" ومركزه رام الله) بين عامي 2009 و2014، وقد جُمعت اليوم في كتاب تحت عنوان "في مآلات إسرائيل تحت وطأة ماضيها {مقابلات خاصة مع نخب إسرائيلية}" صدر عن مركز "مدار" أيضًا، والحوارات هي مع عوديد عيران، مناحيم برينكر، أوري أفنيري، يوسي سريد، مردخاي بار أون، زئيف شتيرنهل، أبراهام يهوشواع.

في مقدّمته للكتاب الصادر حديثًا في مائة وستين صفحة يلفتنا الأستاذ شلحت إلى "أننا ملزمون بملاحظة أنّ الواقع السياسي الإسرائيلي الذي يرتسم من المقابلات في تحليلها للماضي وتوصيفها للحاضر واستشرافها المستقبل، يعجّ بالإشكاليات والقصورات. مع ذلك، فقراءة الراهن السياسي الإسرائيلي في الأعوام التالية لموعد إجراء المقابلات تقود إلى استنتاج قاتم جدًا. فالمحاوَرون في هذا الكتاب، على الرغم من تقديمهم رؤى منقوصة للحل بمقاييس الحقوق الوطنية الفلسطينية، حافظوا على قدر جديّ من واقعية ورشد سياسيين في تحليل الوقائع واستشراف سُبل الخروج من الدماء والدمار، وأقرّوا بوجوب احترام الحق السيادي للشعب الفلسطيني (...)".

إثر قراءتي الحوارات السبعة خرجتُ بانطباع عام قد يكون أكثر "قتامةً" من استنتاج الأستاذ شلحت، إذ تبدّى لي انسداد أفق الحلّ في الحواريّات نفسها التي يقدّم المحاوَرون فيها تصوّراتهم المثلى لإنهاء الصراع المستمرّ (حلّ الدولتين، أو الدولة الواحدة ثنائية القومية)، قبل أن يعبّروا هم أنفسهم عن صعوبة التوصّل إلى ذلك، بل استحالته أحيانًا! وهذا في تقديري يعمّق الصراع ويستبعد الحلّ، ويُظهر كم هي مسألة عويصة إيجاد صيغة نهائية ودائمة تضع حدًّا للمأساة التي نشهد اليوم بين غزة والضفة الغربيّة أفظع فصولها بعد النكبة. قد يكون الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أعقد القضايا التي عرفتها البشرية منذ قرون مديدة، إن لم يكن عبر التاريخ كلّه، إلى حدّ أنّها قد تتسبّب بحرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر في منطقة سريعة الاشتعال.

في استعراض لوجهات النظر التي تتضمنها هذه الحوارات، نجد بدءًا أنّ الدكتور عوديد عيران، الدبلوماسي والرئيس السابق لـ"معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب (توفي عام 2023) يقرّ بصعوبة المخرج الذي يؤمن به وهو "حلّ الدولتين" مقترحًا "اتفاقيات جزئية أو مرحلية" مع الحفاظ على الهدف المتمثل في حلّ "الدولتين للشعبين". واللافت أنّ عيران كان مصدّقًا يوم إجراء الحوار معه (خريف 2009) أن نتنياهو موافق على مبدأ "الدولتين للشعبين"، بينما لو قُدّر له أن يعيش حتى اليوم لسمع رئيس الحكومة الإسرائيلية يُعلن بالفم الملآن رفضه حلّ الدولتين. وإذ يعتقد عيران أن لا حلّ آخر، وأنّ على طرفي الصراع أن يقدّما تنازلات، يعود ليشكّك في السياق عينه في إمكان حصول رئيس الحكومة على موافقة الجمهور الإسرائيلي على تنازلات معينة من أجل الوصول إلى حل الدولتين! فما أهمية موافقة رئيس الحكومة (آنذاك) وهو يحتاج إلى موافقة الشعب الذي سيستفتى أيضًا حول تقسيم القدس ولن يحظى بأغلبية مؤيدة! معربًا عن خشيته من مرور الوقت من دون تحقّق شيء. حلقة مفرغة تدور فيها التصوّرات والشكوك، الممكنات والمستحيلات، الاحتمالات ونقيضها، حتى في ما يخصّ مسائل كبرى فرعية مثل المستوطنات وعودة اللاجئين والانسحاب من الجولان... كما يزعج نفيه استخدام "إسرائيل" القوة المفرطة ضدّ المدنيين وإلحاقها دمارًا هائلًا بالبنية التحتية! فهل كان ليصرّ على رأيه هذا حيال الإبادة الحالية في غزة؟!

البروفسور مناحيم برينكر، أستاذ الأدب العبري والفلسفة في الجامعة العبرية، المتوفى عام 2016، يرى في الحوار الذي أجري معه عام 2011 أنّ محاولة إقامة الدولتين فشلت، وأنّ ثمة إمكانيتين؛ "الإمكانية الأولى أن تصبح إسرائيل دولة مثل جنوب أفريقيا بمعنى أنه يوجد شعبان لكنّ اليهود لن يعترفوا بالشعب الآخر وأن تسيطر إسرائيل بالقوة العسكرية على شعب بأكمله يتزايد باستمرار وربما سيصبح عدده أكبر من اليهود. والإمكانية الثانية دولة ثنائية القومية مع مساواة في الحقوق". ولأنّ الإمكانية الأولى تعني بالتأكيد استمرار الصراع، والإمكانية الثانية (الدولة الثنائية) لا يقبل بها الإسرائيليون، فلا يبقى والحال هذه سوى أن تهبّ الروح الإسرائيلية مجددًا في روح البروفسور برينكر ويطلع بنتيجة أنّ "العرب يعرفون أنهم لن يحصلوا على أكثر مما يمكن أن يحصلوا عليه من خلال المفاوضات، وإسرائيل لديها التفوّق التكنولوجي والقنبلة {النووية} (...)!". وكأنّي به لا يرعوي عن التهويل ضمنًا باستخدام القنبلة النووية، وهذا غير واقعيّ إلّا في حالة طغيان الجنون المطبق، منبّهًا العرب في الوقت نفسه إلى أنهم لا يحصلون بغير المفاوضات على شيء، كأنه ينفي جدوى المقاومة والنضال لاسترداد الحق والأرض!

إلى أوري أفنيري، الناشط السياسي اليساري الراديكالي والصحافي والكاتب وعضو الكنيست الأسبق (توفي عام 2018)، الذي يعبّر في الحوار الذي أجري معه عام 2012 عن اعتقاده بأنّ "أيّ رئيس حكومة إسرائيلية لم يقتنع بضرورة صنع سلام مع الشعب الفلسطيني" (إقرار بأنّ "إسرائيل" هي دومًا العقدة واللا حلّ) مستثنيًا، من وجهة نظره، إسحق رابين (الذي لم يتلفّظ يومًا بكلمة "دولة"، رغم أوسلو، بل كان يستخدم بحسب ملاحظة مناحيم برينكر تعبير "كيان فلسطيني" وهو أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة)، مؤكدًا على أنّ رؤساء الحكومة الجدّيين أمثال بن غوريون وليفي إشكول وبيغن لم يقبلوا بدولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال "فبيغن صنع سلامًا مع مصر من أجل عدم الوصول إلى دولة فلسطينية. وبن غوريون أقام حلفًا مع الملك عبد الله من أجل منع قيام دولة فلسطينية". نظرية مثيرة جدًا في تقديري، جديدة لم يلحظها أحد من قبل. ويكمل أفنيري على نحو أشدّ صراحة وإثارة: "إنّ تطلّع الحركة الصهيونية، الذي أعتقدُ أنّه راسخ لديها في الجينات، هو نحو إقامة دولة يهودية تمتد شرقًا حتى نهر الأردن على الأقل إن لم يكن أكثر من ذلك، وشمالًا حتى نهر الليطاني على الأقل إن لم يكن أكثر من ذلك، وجنوبًا حتى العريش على الأقل. وهذا ما طرحه زعماؤها خلال مؤتمر في العام 1918. وإجراء تغيير في هذه الأفكار، والموافقة على إقامة دولتين للشعبين، هما بمثابة تغيير هائل، وذلك إذا ما أرادوا السلام. والتوجه اليوم هو مثلما كان حينذاك. هذا الفكر لم يتغيّر منذ مائة عام". ولكن في الاستشراف المستقبليّ يملك أفنيري تصوّرًا مهمًا جديرًا بالتأمل إذ يقول في هذا الحوار: "يجب أن نقرّر ما إذا كانت هذه دولة يهودية أم دولة إسرائيلية. هذه هي جذور المسألة كلّها. إذا كنّا راغبين في أن تكون إسرائيل دولة يهودية فهذا يعني أننا مبعوثون أوروبيون نمثل الحضارة الأوروبية، وأننا ضد الحضارة العربية وضد الشعوب العربية، وأننا لسنا موجودين في هذه البلاد بصفتنا جزءًا منها وإنما مثل الأوروبيين، وأنّ نظرتنا إلى العرب فوقية استعلائية. السؤال هو: أين ترى نفسك وأيّ دولة هذه؟ هل هي دولة عبرانية، أم دولة إسرائيلية، أم دولة يهودية؟ ومن نحن؟ هل نحن إسرائيليون أم عبرانيون أم يهود؟ هل نحن إسرائيليون – يهود أم يهود – إسرائيليون؟ (...) إنك تتساءل أحيانًا بشأن الغباء المطلق المتمثل في أن الصهاينة يعملون من أجل القضاء على الدولة الصهيونية. ولا أحد يسأل نفسه إلى أين نحن سائرون؟ ولا أحد، تقريبًا، يسأل أين سنكون بعد عشر سنين أو خمسين سنة؟ (...) لدى العرب صبر (...) اليهود لا يفكرون بعيدًا. لا يفكرون بمدى أبعد من سنتين أو ثلاث في الحد الأقصى (...) يبدو أن الإسرائيليين اليهود لديهم إيمان أعمى بأنّه عندما تحدث مأساة فإنّنا نعالجها في وقتها". الأهمّ في كلام أفنيري هو سؤال الهوية، فالمواطن في الكيان الصهيوني ما برح إلى اليوم يبحث عن تحديد جليّ وواضح ونهائيّ لهويّة "دولته" وهويته هو داخل هذه "الدولة". للإسرائيليّ، لم تُحسم مسألة الهوية بعد (في أحد الاستفتاءات الميدانية التي شاهدتها على "يوتيوب" يطرح شاب إسرائيليّ في العقد الثالث هذه الإشكالية صراحةً بقوله "لا أعلم من أنا في إسرائيل وما هي هويتي الحقيقيّة").


من ناحيته، يعتقد يوسي سريد، الوزير وعضو الكنيست ورئيس حزب ميرتس الأسبق (توفي عام 2015)، أن "لا بديل عن تسوية وفق حدود 1967 وتقسيم القدس كأساس للمفاوضات"، مؤكدًا على "أن الاحتلال والديمقراطية لا يسيران معًا، وجميع الدول المتنوّرة والديمقراطية تنازلت عن الاحتلال من أجل إنقاذ الديمقراطية، ونحن لا نتنازل عن الاحتلال، ولذا فإن نظامنا الديمقراطي يواجه خطرًا كبيرًا. وبرغم أنّ إسرائيل توصف كدولة يهودية وديمقراطية، فبإمكاني أن أقول لكما إن إسرائيل غير الديمقراطية لن تتمكن من البقاء. ولذا فإن رؤيتي ليست متفائلة، وليست لدي أي توقعات متفائلة يمكنني أن أطرحها (...) لا أعرف كيف سيكون بالإمكان إخلاء مستوطنات في الضفة (...) في الظاهر تبدو فكرة الدولة الواحدة للشعبين رائعة. لكننا لا نعيش في واقع يتيح إمكان تحقيقها (...) التفكير بأنّه في بلادنا بالذات، ومع كل تاريخنا البائس والترسبات والشحنات، سينجح نموذج الدولة ثنائية القومية بينما فشل في كل الأماكن الأخرى، يستلزم قدرًا كبيرًا من السذاجة". وإذ يُطرح عليه سؤال: هل تتوقع حلًا من أي نوع كان في الأفق المنظور؟ يجيب سريد: "ليس الآن. لا يوجد أي احتمال لحل في الوقت الراهن. غير أنه بطبيعة الحال يوجد حل، لكن ليس هناك من يمكنه تطبيقه. توجد على الطاولة مبادرة السلام لجامعة الدول العربية منذ أكثر من عشر سنوات، وهذه أفضل مبادرة، وتتضمن كل ما حلمت به إسرائيل طوال السنوات الماضية. لكن إسرائيل لم تتطرّق إليها بشكل جدي. دائمًا بالإمكان إجراء تعديلات بناء على اتفاق بين أطراف، فالتسويات ليست أمرًا سيئًا، شريطة الا تكون عفنة، بمعنى ألّا ألوي ذراعك من أجل أن توافق على التسوية، لأنّه في هذه الحالة لا تكون هذه تسوية وإنّما إملاء. لكن إذا اتفق الجانبان على حل أو تسوية على أساس حدود العام 1967 مع تقسيم القدس، فسيكون هذا هو الأساس للمفاوضات". أيضًا يرى سريد صعوبة الحلّ، أي حلّ، حتى ذاك الذي يؤمن به لأنّ أي مفاوضات لا تخلو من "ليّ الأذرع" الذي يحذّر منه.

في الحوار مع مردخاي بار أون، الضابط المتقاعد والمؤرخ وعضو الكنيست الأسبق (توفي عام 2021)، ثمة إفصاح علني وواضح عن أنّه "لا يمكن إعادة اللاجئين العرب، فهذا حل غير ممكن من دون تدمير دولة إسرائيل" (يربط مردخاي بذلك بين حق العودة وزوال "دولة إسرائيل"!)، لكنه يستدرك بالقول: "يجب تصحيح الوضع بواسطة إقامة الدولة الفلسطينية، وأن تكون للفلسطينيين حياة وطنية خاصة بهم. وأعتقد أيضًا أن على إسرائيل الاعتراف بمساهمتها في إنشاء قضية اللاجئين. وبالتأكيد لا يوجد سبب لمطالبة العرب بالتنازل عن حق العودة. عمومًا، الحق هو مسألة شعور. فاليهود لم يتنازلوا عن العودة إلى {أرض إسرائيل}. لذلك يجب احترام مشاعر الفلسطينيين في ما يتعلق بحق العودة"(!). نلحظ هنا تناقضًا جمًّا، فبعد ربط مردخاي بين حق العودة وزوال "إسرائيل" يعود ليقرّ للشعب الفلسطيني المطالبة بحق العودة! كيف ذلك؟! لا أفهم شخصيًا ذلك إلّا بالمنظار الذي أعرفه جيدًا أنّ كل إسرائيليّ، بل كل يهوديّ، تستبدّ به التناقضات كجزء من مكوّنه العقيديّ والتاريخيّ والثقافيّ الموروث.

البروفسور زئيف شتيرنهل، أستاذ جامعي ومؤرخ متخصص في شؤون الحركات القومية والفاشية (توفي عام 2020)، تعرّض في 25 أيلول/ سبتمبر 2008 لمحاولة اغتيال على خلفية الأفكار السياسية التي كان يتبنّاها. وكان ردّ فعله الأول على هذه المحاولة: "في حال أن من قام بهذا العمل ليس مجنونًا فردًا، وإنّما جهة تمثل تيارًا سياسيًا أو شعبيًا، فإنّ هذه ستكون بداية انحلال الديمقراطية الإسرائيلية. إنّ مجرد تنفيذ هذا العمل يدلّ على هشاشة الديمقراطية الإسرائيلية، وعلى الحاجة إلى أن نتجنّد من أجل الدفاع عنها بإصرار وحزم". الحوار مع البروفسور شتيرنهل قد يكون الأجمل والأعمق والأمتع بين مجموعة الحوارات هذه ويتشعّب في اتجاهات عديدة، لكن في ما يخصّ آفاق الحلّ ومآلاته يقول: "وجهتنا يجب أن تكون قبل أي شيء نحو السلام، وإقامة دولة فلسطينية، والعيش بسلام معها، ومع العالم العربي عمومًا (...) لكن الأمر يجب ألّا يسير في اتجاه واحد، أي أنه يجب أن يكون هناك تجاوب عربي. على العرب أن يفعلوا أمرين : أولًا، الاعتراف بحقيقة وجود إسرائيل وبشرعية هذه الحقيقة. ثانيًا، لزامٌ على الفلسطينيين في المناطق أن يعبّروا عن ذلك بالاعتراف بحقيقة أنهم لن يعودوا إلى الأماكن التي ولد فيها آباؤهم وآباء آبائهم (...)" معتبرًا "أن هذا الحلم بالعودة هو مأساتنا" (!). وإذ يُسأل: هل تعتقد أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصيًا هو مشكلة أمام أي تسوية، يجيب آنذاك كأنه يجيب اليوم: "نتنياهو جزء من المشكلة، ولذا لا يشكل جزءًا من الحل (...)". مرة إضافية يبرز التناقض بين الرغبة في الحلّ واستحالته، والاستحالة متمثلة هنا في نفي حق العودة أيضًا.

إلى الحوار الأخير في هذه السلسلة مع أبراهام ب. يهوشواع، أحد أبرز الأدباء الإسرائيليين أبناء "جيل الدولة" (توفي عام 2022)، وقد تعرّف القراء العرب على روايته "العاشق" التي أنجز ترجمتها الأديب الراحل محمد غنايم. هذا الحوار ممتع وسلس يختصر القضية برمّتها منذ نشوء الحركة الصهيونية، ويقول على نحو مثير إنّه كان على الشعب الفلسطيني غير الضعيف أن يطرد المستوطنين اليهود والصهاينة منذ البداية، مستشهدًا بثورة البراق عام 1929 والثورة العربية الكبرى عام 1936.

الدولة الثنائية القومية يعدّها يهوشواع كارثة للفلسطينيين والإسرائيليين معًا، قائلًا: "أخشى من أن يقوم اليهود بخدعة ويمنحوا حق التصويت لجميع الإسرائيليين في الخارج، وبعد ذلك يمنحون حق التصويت لكلّ يهوديّ في العالم (...) سيستوطنون في كل مكان، ويأخذون كل شيء، وسيعيش الفلسطينيون في شبه أبارتهايد (...) أعتقد أنه لا يوجد رئيس حكومة إسرائيلي بمقدوره إخلاء المستوطنين بالقوة (...) وإذا حاول أحد إخلاء المستوطنين في الضفة فإنه ستنشب حرب أهلية، لذا فإنّ الطريق الوحيدة هي الاتفاق مع الفلسطينيين على ضمّ الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل مع تبادل أراضٍ، وبالإمكان تحقيق ذلك (...)". مثل أقرانه في مجموعة الحوارات هذه، لا يملك أبراهام يهوشواع حلًّا أكيدًا أو شبه أكيد ينهي الصراع ويرضى به الطرفان المتنازعان. مثلهم يدور في الحلقة المفرغة التي يمكن منحها عنوان "يمكن ... ولكن"!

تمضي الحوارات السبعة في مسارات متنوّعة ومتشعّبة، غنيّة ومعبّرة، جديرة بالقراءة الكاملة، بيد أنّي عرضت لأجزاء منها تحت محور واحد هو: اقتراحات الحلّ ومآلات الصراع المحتملة. وخلاصة الآراء تفيدنا بعمق المأزق بين المالك التاريخيّ للأرض، وهو الشعب الفلسطيني، والمستوطن المحتلّ الذي أسعفته ظروف دولية وإقليمية في تحقيق حلمه الصهيوني المختلق استنادًا إلى بهتان حجّة دينيّة فيها الكثير من المزاعم والادعاءات والخرافات والأساطير والمغالطات التاريخية المتهافتة. مأزق تاريخيّ لعلّ البشرية لم تختبر مثله لناحيتي التعقيد واستحالة الحلّ، إلّا بغلبة طرف على آخر. وتميل عِبرَ التاريخ إلى ترجيح الغلبة لصاحب الأرض الأصلانيّ على المحتلّ الطارئ، وتحقيق هذه الغلبة متروك لفعل الزمن، ولمنطق التاريخ.

*ناقد وأستاذ جامعي من لبنان.     

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.