}

مقدّمات بعضها طائشة وبعضها أصابت الهدف

منذر مصري 5 سبتمبر 2024
آراء مقدّمات بعضها طائشة وبعضها أصابت الهدف
(بريشة الكاتب)

 

[إلى الشعراء الذين رغبوا ذات يوم أن أشاركهم بكلماتي، وخاصة النادمين منهم!]

لا شيء أسوأ من مقدّمات الكتب، فما بالك بمقدّمات الكتب الشعرية! صدّق، هناك من يكتب مقدّمات للشعر! ويثقل على قارئه باستعراض حذاقته وطول باعه. من لا يذكر المقدّمة المحرجة التي كتبها سعدي يوسف لمجموعة رياض الصالح الحسين "بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس"، التي كانت نصيحتي لرياض ألّا يوردها في المجموعة، وذلك لأنّه في رأيي، كان وما يزال، ليس من وظيفة المقدمات النقد وتبيان المثالب، ميدان ذلك المقالات والدراسات. ولكن، هذه قصة أخرى. قصتنا اليوم هي مقدّماتي لعدد من المجموعات الشعرية، التي سمحت لنفسي بكتابتها كصديق أولًا وأخيرًا. والتي سأوردها الآن باعتبار أنّها تقدّم صورة ما عن شعر الذين كتبتها لهم، يتخلّلها أفكار عديدة عمّا كان يدور الحديث عنه في الشعر. وباعتبار أيضًا أنّ أكثرها بات مفقودًا. فلم يورد لقمان ديركي مقدّمتي لمجموعته "وحوش العاطفة" في مجلد أعماله الشعرية! مكتفيًا بمقدّمة سعدي يوسف للأعمال كلّها. مع ملاحظة أنه يكاد يكون أمرًا محتّمًا، أن تصدر الأعمال الشعرية الكاملة بمقدمات، مقدمة عباس بيضون لأعمال أمجد ناصر، ومقدمة خالدة سعيد لعباس بيضون نفسه، ومقدمة أمين الصالح لأعمال قاسم حداد. كما أسقط فراس سليمان مقدمتي لمجموعته "رصيف" في طبعتها الثانية. ولكنّي سأرجئ ذكر هذه المقدمة بالذات مع الوقائع العجيبة التي رافقت إصدار المجموعة لمقالة لاحقة، مفتتحًا مقدماتي بأطولها، علمًا بأنّي اختصرت أجزاء عديدة منها:

1- لقمان ديركي: كما وكأنّه ليس هو

كنت، كلّما ذكر أمامي لقمان ديركي، وطلب مني بطريقة أو بأخرى، أن أبدي رأيًا فيه وفي شعره، أقول: "ما أعرفه عن لقمان أنّه يستطيع فعل أيّ شيء يريد! يستطيع أن يمثّل، أن يعزف ويغني، أن يخرج مسرحية، أن يؤلّف مسلسلًا تلفزيونيًّا، أن يكتب قصّة أو رواية. وإذا ركّز قليلًا يستطيع أن يكتب نقدًا! نقدًا سليطًا في كلّ الأحوال. أو يقضي حياته متبطّلًا لا يفعل شيئًا في هذا المقهى أو ذاك، وهناك يستطيع، بشكل طبيعي، أن يكتب شعرًا".

قال لي: "عندما بدأت كتابة الشعر لم أكن قد قرأت مجموعة شعرية في حياتي، وكان أبعد ما يخطر على بالي أنّي يومًا سأغدو شاعرًا. كلّ ما في الأمر، أني وجدت في الملتقى الأدبي بجامعة حلب من يكتبون الشعر، فرحت أكتب بالطريقة التي وجدت نفسي أكتب بها، وأقرأ ما أكتبه في الأمسيات الشعرية، فإذ بهم يثنون على كتابتي ويصفّقون لي كما يصفّقون لغيري، وينظرون لي تلك النظرات التي ينظر بها إلى الشعراء... وهكذا".

ولكنّي أيضًا عرفته عاشقًا. فقلت له: "لم تخيب ظنّي إلّا في هذا" لأنّه خلاف ما يبدو عليه، وجدته عندما زارني مع صديقته، مثل أي عاشق غرّ! ضعيفًا وحزينًا ومحبطًا. لم أصدّقه حينها. وحسبت أنه يؤدي هذه المرّة دور العاشق، يمثله كعادته! لكنّه تزوجها!

...

الشعر الحقيقي كاشف غطاء، كاشف عورة، عورة جميلة كبقية ما يسمونه عورات. كان مصطفى يقول: "في الشعر إمّا أن ترتدي ملابس جميلة وإمّا أن تتعرى". كنت أصحّح له: "في الشعر عليك أن تكون عاريًا وجميلًا في ذات الوقت". حقيقة الشعراء في شعرهم لا في أيّ مكان آخر مهما أغوتنا سهولة البحث، حيث هناك ضوء، حيث هناك وضوح... ينجرفون شيئًا فشيئًا إلى التوحد مع ما نخاله صفات أو أدوار انتحلوها في شعرهم. ودائمًا دائمًا، ويا للمفاجأة، إلى العاطفة، إلى الرقّة. ما كتبته مرّة عن عادل محمود، أقوله الآن للقمان:

        "الشعر هو تفاجؤ الجميع

        بتلك العاطفة المائعة

        تحت قشرتك القاسية".

هذا شعر لا سند له إلّا ما يقدّمه، إلّا ما يعطيه. لذا عليه أن لا يبخل بشيء، مهما كان ثمنه، حاله، نفسه، كلّه... ما أقصده هو أن شعر لقمان في هذه المجموعة، كما في سابقتها "كما لو أنك ميت" لا يراهن إلّا على نفسه. وإذا كان لا بد من ذكر رهانات أخرى، أقول، يراهن على حقيقته والتباسه، سهولته وتعثره، وضوحه وعكره، ابتذاله وطرافته، كلّ هذا برمية نرد واحدة، وأخيرة.

وبقولي إنّه شعر لا يمكن الفصل بينه وبين ما يقوله، أقصد أنه يتعفّف عن اللعب والشطارة في الكتابة. ولأنّه كما بالحيلة لا يمكن أن نحصل على السعادة، فبالحيلة أيضًا لا يمكن أن نصنع فنًّا، ربما نصنع تفنّنًا، وليس فنًّا! حتّى إنّه يمكنني القول، إنّه شعر يخلو من الأسلوب، أو إن أسلوبه هو اللا أسلوب... شعر عارٍ.

...

دم زهري شفّاف، ينزّ من جراح صنعتها أنياب وبراثن وحوش الحبّ، وحوش الندم، وحوش القرب والبعد عمّن لا نستطيع أن نحيا إلّا في حركة المد والجزر إليه. الوحوش التي لا حياة لنا من دونها، وحوش الحياة ذاتها، لأنّها الحياة ذاتها. مصرّة في كلّ خطوة على الألم، لأنّ كلّ ما هو حيّ يتألّم، كلّ ما هو حيّ يجرح وينزف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "وحوش العاطفة" 2000.

إلّا أنّ لقمان وقتها لم يكتف بمقدمتي، بل وضع على الغلاف الثاني للمجموعة كلمة لممدوح عدوان، مقطعها الأخير: "في كلّ جلسة مملّة، في كلّ ثرثرة مقهى، في كلّ صخب ملهى، في كلّ تثاؤب ضجر... هناك شعر قد يلتقطه لقمان ديركي...".




2- نجيب عوض: شاعر شاء أم أبى

خلافًا لكلّ معارفي من كتبة الشعر، وحده نجيب عوض يصرّ على أنه ليس شاعرًا! ولكن بماذا نستطيع أن نصف من يقول:

        "في الربيع

        في الخريف

        في الشتاء

        لا يهم

        هناك دائمًا

        صيف".

وهكذا... في رجل الدين الذي يقوم بدراسات عليا في علم اللاهوت، في إنكلترا، في الصديق الأشدّ ركاكة في الوداع، في العاشق الذي يعضّ حبّه كي لا يفضحه، هناك شاء أم أبى... نجيب عوض الشاعر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "طقوس حافية" 2003

 

3- فراس سعد: أيها العدو... هيّا إلى المبارزة

خلطة فظيعة من الشعر الذي يصرّ فراس - مكابرًا - على أنه لا يعنيه بشيء، وإنشاء لغوي وفلسفي وسياسي وديني، مع نزوع قاس لشكّ ورفض وهدم، وبالكلام ذاته عموميات أفكار عن المقاومة والانتماء والفساد. قلت له، يوجد شقٌّ كبير في وعيك ولغتك بآن، تلك الثنائيات التي لا يمكن فصلها كتوائم سيامية لكلّ منها رأسان ولكن بقلب واحد. إلّا أن هذا لن يمنعني من الإشارة إلى أنّ فراس في أحد وجهيه، ينجح في ما يطمح له الجميع ويقصّر عنه الكثيرون، ألا وهو تقديمه كلامًا لا يشبه أحدًا سواه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "سبيرتو- هزائم مرقّطة" 2004.

4- علي حميشة: حرب على وتر من العود ناقص

ليس سواه، من لا يجد صليبًا يرتقيه، رغم كثرة الصلبان، سوى الشعر. وعلى هذا الصليب، لا شيء لدى علي حميشة يحتجّ به على الربّ، ولا ذنب يغفره للآخرين، هو من اختار وهو من صعد. فقط، تلك الرؤية الغائمة التي يتيحها ذلك البرزخ بين السماء والأرض. بل هناك أيضًا، هذه المشاركة غير المتوقّعة من المصلوب في القرعة على ثيابه، الدائرة أبدًا، تحت قدميه، عند قاعدة الصليب.

في ألمه، وفي يأسه، علي حميشة يصرّ على أن:

"الحرب مستمرّة

على وتر من العود

ناقص".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "ضربات حادّة" 2007

 

5- محمد دريوس: اسمي الغامض

"أين رسالتي إذا كنت أكتب على هذا النحو دومًا ثم أنسى؟"

"خذي انتباهي ليكون عندي ما أتباهى به في المنام"

إنّه دومًا ينسى، فلا يكون لديه ما يتباهى به سوى النسيان. في مناماته! أو أنتظره قليلًا ريثما:

        "أبدل ملابسي فأكون منكم مجدّدًا"

انتبهوا، يقول فأكون منكم وليس معكم! ليس فرادة واختلاف شعر محمد ما راح يفاجئني كلّما قرأته. لدي نظرية تقول: "لكلّ شاعر أو فنان، جيدًا كان أم وسطًا أم رديئًا، أسلوب خاص" بل تطور أداؤه الشعري خلال السنين القليلة الأخيرة إلى ذلك المستوى الذي يستحق وصفه بالرفيع! ومن ثم وصوله إلى قصيدة ذات حساسية لغوية ومزاجية شخصية، تكاد تخلو من كلّ ما تزدحم به قصيدة النثر الرائجة من عيوب معممة، مكتفية، ويا لها من مأثرة، بعيوبها الخاصة فحسب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "خط صوت منفلش" 2007

6- مروان علي: غريب.. كلّ شيء عنك في ويكيليكس!

لم ينفع الوطن، ذاك الوطن، مع مروان علي، فغادره عند أول فرصة أتيحت له عام 1996. ولم ينفع معه التشرّد أيضًا، فبعد أن حطّ في هولندا غادرها إلى ألمانيا عام 2003. ويبدو أن الاستقرار بدوره، العمل والزواج والأطفال، لا ينفع مع مروان، أو لأقل لا ينفع معه كفاية، لأنّه بعد مرور ما يزيد عن 25 سنة عن إفلاته بطرف خيط الشعر، وتركه له يتلوى ويتخبط كذنب ثعبان مقطوع، يعود ويمسك به، فينشر فتات قصائد هنا وهناك، ومن ثم يفاجئنا بإصداره باكورته المتأخرة: "ماء البارحة" (الغاوون-2009).

"ماء البارحة"؟ لا تخطئوا مثلي وترسموا في مخيلتكم كأسًا تمّ تعبئته بالماء، وترك على الطاولة لليوم التالي، وعندما يجيء أحد ما ويكرعه، يشعر بطعم هذا الماء، البائت، الراكد، القديم، ويبقى عالقًا في فمه، حتّى وإن شرب أو أكل بعد ذلك شيئًا آخر مشبعًا بالمنكهات. ففي قصائد المجموعة جميعها، تلك التي كتبها مروان في سورية، وتلك التي كتبها بعد مغادرته، نجده لا يفعل شيئًا، ولا يقول شيئًا، إلّا بعد أن يرشف من هذا الماء الذي حمله في عقله وقلبه وروحه، قطرة تلو قطرة، وكأنّه ماء الحياة. ويا للأسف أو ويا للروعة، لا فرق هنا، ما زال مروان، في مجموعته الثانية هذه "غريب... لا شيء عنك في ويكيليكس"، مصرًّا على أن يشرب ويسقينا من ذات الماء، وهذه المرّة على شكل جرعات كبيرة: "أنظر إليك بعين قديمة"، "الألم الذي بقي في مكانه بعد مغادرتك كان عذبًا"، "كلّما مرّ القطار أمام بيتك يلتفت للوراء"، "أفكر في إعادة طباعة حياتي"، "كلّما ذهبت في طريق وجدتكِ أمامي". وإذا كان كلّ ما ذكرت سابقًا إشارات وتلميحات، فها هو يصارحنا دون أية مواربة: "في كلّ البلاد التي زرتها، شيء من سورية، باب، شجرة، غيمة، امرأة، صديق، أغنية، كلّما ابتعدت لأنسى، تذكرتها...". الأمر الذي يصل به لحد الهلوسة في آخر وأهم قصيدة من المجموعة: "الصورة ليست واضحة"، حين يخبرنا المرّة تلو الأخرى: "أنفخ عليها بفمي وأعيد مسحها بكمّ قميصي، ولكن دون جدوى. صبي صغير ربّما في العاشرة من عمره أو أكثر، يمسك بثوب أمه التي تجلس قرب حائط طيني يوشك على الانهيار/ رجل بملامح قاسية، يبدو عليه التعب حتّى الإنهاك، نصفه في الصورة ونصفه الآخر خارجها، أبحث عن النصف الآخر بلا جدوى"...

... آه، لا جدوى من إيراد الأمثلة، قصائد المجموعة برمّتها، استنزاف قاس دون حساب لهذا الماء. الأمر الذي يجعلنا نفكّر أنّه لا يمكن أن يكون شيئًا حمله مروان علي معه بأي طريقة نتخيّلها، بل نهر، نهر ينبع ويجري في داخله...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ غريب ... لا شيء عنك في ويكيليكس" 10/3/2013





7- سحر عبد الله: أيّ عيب في شعر الحبّ!

"الشاعر يأتي من شعراء". الشعراء سلالات، جد وأب وابن، ولكن ليس جميعهم بالتأكيد، سحر عبد الله تحديدًا، أم وابنة وعاشقة. قلت لها: "ما زلت أحتفظ بقصيدتك عن أبيك". قالت لي: "منذر... لم تكن قصيدة". لا بل قصيدة بالتأكيد. لأنّ سحر عبد اللّه غالبًا ما تصل إلى الشعر وتعبره دون أن تتوقف، تتخطاه دون أن تنتبه.

"للحبّ وحده" مجموعة شعرية صريحة عن الحبّ، الشغف، إلى درجة أن شعورًا مؤكدًا، شعرت به بنفسي، سوف يخامر قارئ قصائدها، هو أن يغبط، يحسد، يتمنّى لو كان هو، ذلك الشخص الذي تقوم سحر بنحت صورته، من حلم إلى حلم، تمثاله الفخاري المتشقّق ذي العينين الجافتين، قصيدة تلو قصيدة، دون مهاودة، دون كلل. إلّا أن في "للحبّ وحده" دون سواه، كلّ شيء، هذا ما نعرفه جميعًا، وتشهد عليه هنا قصائدها عن أبيها الذي يلقي تحية الصباح على صورتها المعلقة على خزانة الملابس، أمها التي توقظ الفجر وتسكبه في فنجان القهوة، ثم تقود المساء من يده إلى الفراش. "ميسم" التي يسمونها نقطة في المصحف، آية الكرسي، في بيت لا يوجد فيه، لا مصحف ولا كرسي. و"تغريد" و"عباس" و"عدوان الصبر"، أي اسم، أي إنسان؟

سحر عبد الله في هذا كلّه، تأتي من جهة واحدة... وتصل إلى جهة واحدة... القلب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "للحبّ وحده" 25/4/2017

8- ندى منزلجي: تمسّنا

شوط بعيد، تقطعه ندى منزلجي في كلّ خطوة من خطواتها، هكذا، منذ باكورتها التي تأخرت بإصدارها حتّى باتت حقًا: "قديد فلٍّ للعشاء" 2002،  ثم بعد 13 سنة! ماذا كانت تفعل؟ جاءتنا بمجموعتها الثانية: "سرقات شاعر مغمور" 2015، وها هي الآن تخطو خطوتها الثالثة: "بقع داكنة على ظاهر الكف"، مستغرقة هذه المرّة، بلا حسيدة، 7 سنوات لا أكثر! ثلاث خطوات طويلة، عبرت بها ندى ما لا يقاس بالمسافات، ولا بالزمن، بل أيضًا، وهنا بيت القصيد، بالشعر.

ليست ندى من الشاعرات اللاتي يستسهلن الشعر! هذا كلام قلته عنها سابقًا، ولا علاقة له بالإطراء أو خلافه، على الإطلاق، فهي تأخذ وقتها ويزيد، في كتابة قصيدتها، وكأنّها تمتلك كلّ الوقت! فما إن تشعر أن صنارتها، بعد طول انتظار، قد علقت بها فكرة ما، "سمكة ملوّنة" على حدّ قولها، حتّى تسحبها من الماء بكلّ تأنٍ، لتلتقطها بأصابعها المرتجفة، خشية أن تفلت، ثم تروح تحملق بها من كلّ جهة! ترى من أي نوع؟ ماذا تقول؟ ماذا تعني؟ وماذا يمكن أن يصنع منها؟ وكيف لها أن تصير إحدى قصائدها؟ إن لم يكن هذا، فهي تعود وتلقي بها في الماء، ولكن ليس بعيدًا. على أمل أن تعود، يومًا، وتعلق بصنارتها.

القصيدة التي تعرف بها ندى منزلجي، ومنذ بداياتها، ليست فقط لقطة عابرة، أو خاطرة شعرية، من ثلاثة أسطر أو أربعة! بل، قصيدة مركبة، ذات قوام معماري، وبنية فنية، أقل ما يقال عنها، مفكر بها، بعمق وحساسية بآن. وهذا ما يشاركها به القليل من الشعراء والشاعرات الذين عرفت. إضافة لكلّ هذا، وهو الأهم، حرصها الأشد، على أن تكون قصيدتها: "تمسّنا".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "بقع داكنة على ظاهر الكف" 22/10/2022

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.