}

الشعر والعنصرية: نماذج قصائد تقف إلى جانب القضايا الإنسانية

مناهل السهوي 24 مايو 2024
استعادات الشعر والعنصرية: نماذج قصائد تقف إلى جانب القضايا الإنسانية
مايا آنجلو ومحمود درويش ولانغستون هيوز (Getty)

تثير العنصرية عدم الثقة، وتحاول منع أي محاولة لفهم ضحاياها، وهذا لبُّ الظلم: أن يعجز البشر عن أن يكونوا مفهومين، أو تسمع أصواتهم. وفي القرن الواحد والعشرين لم تنقص أصوات الخائفين من العنصرية، بل ازدادت، وتغيرت أشكالها ومسمياتها، ابتداء من العبودية، وصولًا إلى التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، مرورًا بما يعانيه اللاجئون السوريون في لبنان، وما تعانيه قبائل المساليت، والفور، والزغاوة، في السودان، من دون أن ننسى خطاب الكراهية ضد الآسيويين بعد انتشار وباء كوفيد ــ 19.
فهل يوجد الشعر داخل كل هذه الكراهية والخوف؟

"ما زلت أنهض": الثقة في مواجهة العنصرية

قد يبدو الشعر رفاهية أمام العنصرية وقبحها، لكن كثيرًا من الشعراء كتبوا عن العنصرية ليشفوا منها، أو يوصلوا أصواتهم، فكيف تبدو العنصرية حين تصبح موضوع القصائد؟
ربما كان الشعراء والشاعرات السود أكثر من كتبوا قصائد عن العنصرية، فما تعرضوا له من كراهية وتمييز امتدَّ لفترات تاريخية طويلة تبتدئ من لحظة الولادة.
الأميركية مايا آنجلو (1928 ــ 2014) واحدة من الشاعرات التي أبدعت في مقاومة العنصرية من خلال الكتابة. وتعكس قصيدتها "ما زلت أنهض"، على سبيل المثال، رغبة امرأة مهمشة في الحياة، والاستمرار رغم الكراهية والتمييز.
"قد تُطلقُ النارَ عليَّ بكلماتِكَ/ قد تُقطِّعني إِربًا بنظراتِكَ/ قد تقتلُني بما تحملُ من بغضاءَ/ لكنّي ما زلتُ، مثلُ الهواءِ، سأنهض".
أطلقت آنجلو عنوان القصيدة هذه على مجموعتها الثالثة، التي تتناول بشكل أساسي تحديات وصراعات كونها امرأة سوداء، مرتكزة على تاريخ العبودية في أميركا كمصدر لإبداعها.
الميزة الأساسية لهذه المجموعة هي الثقة، رغم كل الظلم والإقصاء، تبني مايا رؤيتها على الثقة بنفسها كإنسان مساوٍ للآخر، تملك من الأهمية ما قد يملكه أي إنسان أبيض.
ومن خلال حديثها عن تجربة الأميركيين الأفارقة، من خلال موضوعات كالحب والخسارة والأسرة والتمييز والنضال والعبودية، تمكنت مايا من أن تكون أول شاعرة تحضر تنصيب رئيس في تاريخ الرئاسة الأميركية، وقرأت قصيدة "على نبض الصباح" عام 1993 بمناسبة تنصيب الرئيس بيل كلينتون.
قصيدة "ما زلت أنهض" هي أشبه بنشيد يلجأ إليه المضطهدون والخائفون، إنها قصيدة شديدة العاطفية ومشحونة بالطاقة للنضال والاستمرار، ويمكن أن تنطبق ببساطة على أي تجربة عنصريّة يعيشها أي إنسان على هذا الكوكب، فهي مناسبة لكل الأزمان.
"أَتركُ ليالي الخوفِ والرعبِ/ أَنهضُ/ وفي بزوغِ فجرٍ وضّاحٍ مُدهش الصفاء/ أَنهضُ/ لِآتيكم بكل العطايا التي قدمها أَجدادي/ أَنا الحلمُ والأَملُ للعبيد/ إني أنهض/ إني أنهض/ إني أنهض".

في العنصرية... الحياة حلم مؤجل

تجعل العنصرية حياة الفئات المستهدفة أكثر صعوبة، ليس على صعيد التفاصيل اليومية كالتنقل وممارسة الأعمال اليومية وحسب، بل أيضًا على صعيد المستقبل، شكل الحياة والأحلام، فحياة من يواجهون العنصرية وخطاب الكراهية هي "حلم مؤجل"، كما قال الأميركي لانغستون هيوز (1901 ــ 1967).
لكن السؤال ليس فقط إلى متى قد يؤجل المضطهدون أحلامهم، بل ما الذي يحدث لهذه الأحلام؟ أين تذهب، ماذا يحصل لها؟ في قصيدته الاستثنائية "حلم مؤجل" يقول لانغستون:
"ما الذي يحدثُ لحُلمٍ مؤجّل؟/ هل يذوي كحبةِ زبيبٍ تحت الشمس/ أم يتقيّح كدمّل؟"
يتابع لانغستون تساؤلاته المحقة، التي قد تخطر لكل مضطهد، أو مهاجر، أو شخص قابع تحت الاحتلال، يكافح كيلا يكون مستهدفًا بسبب انتمائه، أو جنسه: هل يفسد الحلم، أم يسقط لثقله، ما مصير الأحلام المؤجلة؟
عنوان القصيدة الأصلي هو "هارلم"، والتي تعني أنه عندما لا يتمكن الناس من تحقيق أحلامهم، فقد يكون ذلك ضارًا لهم، إذًا تذهب الأحلام.




أما قصيدة "أغنية برمنغهام" لـ دودلي راندال (1914 ــ 2000)، فتصف أمًا أميركية من أصل أفريقي وابنتها تتحدثان عن "مسيرة الحرية" في شوارع برمنغهام. تطلب الطفلة الصغيرة الإذن بالمشاركة في المسيرة، لكن والدتها تعترض، وتصف مخاطر الذهاب إلى مسيرات الحرية. وبدلًا من ذلك، ترسلها إلى الكنيسة، على اعتبار أنها مكان آمن، لكن يحصل تفجير في الكنيسة وتموت الطفلة:
"لكن يا أمي، لن أكون وحدي/ سوف يذهب معي أطفال آخرون/ ومسيرة في شوارع برمنغهام/ لنجعل بلادنا حرة".
لا تدور القصيدة فقط عن أحلام الأطفال بالحرية، بل أيضًا هي إشارة إلى غياب مكان آمنٍ عندما يكون السائد هو خطاب الكراهية، في لحظة ما ينقلب كل شيء، وحتى أكثر الأماكن أمانًا قد تقتل أصحابها.
من الشرق إلى الغرب، وعلى امتداد الكوكب، ستجد قصائد تحكي عن العنصرية، ربما لأن هنالك كثيرًا من الكراهية، وربما لأن هنالك كثيرًا من الشعراء الذين اختبروا العنصرية.

التمييز العنصري ضد الفلسطينيين

في فلسطين، تحدث كثير من الشعراء عن العنصرية، وتطرّق محمود درويش مرات ومرات إلى التمييز العنصري والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، حتى قصائده مورست عليها العنصرية، ففرضت إسرائيل حظرًا على قصائده من خلال إلغائها من منهاج التعليم لدى الفلسطينيين في مناطق 48. لكن ألا تعني محاربة الشعر قوته، وحين يجرب الاحتلال رفض قصائد أبناء الأرض، ألا يعني ذلك أنه خائف منها، ويعلم مدى قوة وتأثير القصيدة!
درويش كتب أيضًا: "نحبُّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلًا/ ونسرق من دودة القزّ خيطًا لنبني سماء لنا ونسيّج هذا الرحيلا". فما يجمع المضطهدين والمعرضين للعنصرية هو رغبتهم في الحياة، وربما هذا أكثر ما يغضب العنصريين، أن تكون قادرًا على المواصلة والرغبة بالحياة، رغم معرفته أنك تعيش ظروفًا قاسية وغير رحيمة، العنصري يعلم أنه قاسٍ، لكنه لا يرفض أن يكون كذلك.
هذه نماذج قليلة جدًّا من طوفان قصائد كُتبت عن العنصرية وحولها، نماذج تقول لنا بأن الشعر يستطيع الوقوف إلى جانب قضايا إنسانية شديدة الحساسية من دون أن تقل شاعرية القصائد، ولو قليلًا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.