}

معرض لندن للكتاب: الناشر العربي غائب وكذلك الكتاب والمترجمون

فخري صالح 11 مايو 2023
تغطيات معرض لندن للكتاب: الناشر العربي غائب وكذلك الكتاب والمترجمون
معرض لندن للكتاب (gettyimages,18/4/2023)

يصنَّف معرض لندن للكتاب The London Book Fair، أو كما يُشار إليه اختصارًا LBF، ثانيَ معرض للكتاب في العالم، بعد معرض فرانكفورت في ألمانيا. فهو، مثله مثل نظيره الألماني، يمثل أكبر تجمع للناشرين، والعاملين في حقل النشر، ومنتجي تقنيات النشر، والوكلاء الأدبيين، في العالم. وهو إضافة إلى كونه يركز على صناعة النشر، يستضيف كتابًا ومثقفين، ومترجمين، وسياسيين، ومتخصصين، وتقنيين، ليناقشوا قضايا الساعة، ومشكلات حرية التعبير، وقضايا البيئة، والنزاعات بين الدول، إلى جانب مشاغل متعددة تهم الناس، كما تهم المثقفين والعاملين في صناعة النشر. إنه، ومرة أخرى، مثله مثل نظيره الألماني، منصة للارتقاء بصناعة النشر، والتشبيك بين العاملين في هذه الصناعة، كما هو مكان للسجال والحوار حول قضايا متعددة. لكنه، وهذا شيء يستدعي المقارنة، ليس مكانًا لبيع الكتب، بل لبيع الحقوق، حقوق النشر والترجمة، واستخدام التقنيات. إنه، بالمقارنة مع معارض الكتب العربية، يهتم بصناعة النشر، لا بتحقيق ربح مادي آني، من خلال بيع الناشرين لكتبهم للجمهور. صحيح أن دور النشر الكبرى في العالم، وخصوصًا في العالم الناطق بالإنكليزية، حاضرة بكثافة في المعرض، من خلال أجنحة ذات مساحات كبيرة، أو صغيرة، لكنها ليست للبيع، إنما لعرض أحدث العناوين لديها، من أجل توقيع صفقات مع الموزعين، أو توجيه بيع حقوق النشر والترجمة. وهذا دليل على طريقة النظر إلى صناعة النشر بوصفها صناعة ثقيلة، تدر أرباحًا هائلة على المستثمرين، والدول التي تنظر إليها بوصفها كذلك. إنها بالفعل واحدة من الصناعات الكبرى (بقراء النصوص، ومحرريها، والمدققين، والمصممين، والوكلاء الأدبيين، وعمال الطباعة، والناشرين، والموزعين، وعشرات المهن المساعدة) التي تدر مليارات الدولارات على دور النشر البريطانية، والأميركية، والفرنسية، واليابانية، والصينية، وغيرها. صحيح أن بعض المعارض في أوروبا وأميركا تبيع الكتب للجمهور، لكن المعارض الكبرى المهمة، وعلى رأسها معرض فرانكفورت، ومعرض لندن للكتاب، ليست كذلك، بل هي تركز على الكتاب كصناعة، كمنتج يدر أموالًا كثيرة، فتوفر منصة للتعاقد وبيع الحقوق وعقد الصفقات بين المشاركين من دول العالم المختلفة.

هذا العام، كان معرض لندن للكتاب (18- 20 نيسان/ أبريل)، الذي أشارك فيه للمرة الخامسة أو السادسة، بصفتي الشخصية، وانطلاقًا من رغبتي في التعرُّف على تطور هذه الصناعة المهمة، على الصعيد الثقافي الذي يهمني، كان مثل خلية النحل. ضجيجٌ يصدر عن المشاركين وهم يتناقشون، ويتحاورون، ويعقدون الصفقات. فقاعاته المترامية تضم ناشرين، وعارضين، ومنتجين للتقنيات الجديدة، ووكلاء أدبيين، من معظم أنحاء العالم، أتوا لعرض ما لديهم، أو لشراء الحقوق، أو بيع الحقوق. قاعاتٌ شاسعة مترامية الأطراف، يضمُّها مركز أوليمبيا وسط لندن، يتحرك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص العاملين في صناعة النشر. وقد كان المعرض هذا العام أكثر حيوية من العام الماضي، الذي عقد عام 2022 بعد سنتين من التوقف بسبب جائحة كورونا. ففي معرض 2022، الذي شهد إقبالًا كبيرًا، إلى حد ما، حالت الإجراءات الصحية، والإغلاقات، التي استمرت في بعض الدول، دون مشاركة أعداد كبيرة من دول شرق آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية. كما أن مظاهر الحذر، كما شهدت بنفسي، سادت أجواء المعرض، حينذاك. فالتفتيش على أخذ المطاعيم، وشهادات الخلو من مرض كورونا، كان يوميًّا، بل وسواسيًّا. كما أن الكثير من المشاركين كانوا يرتدون الكمامات في أثناء تجولهم، أو جلوسهم في أجنحتهم. أما معرض هذا العام، فقد كان من النادر أن تشهد من يرتدي كمامة، أو يحاول تجنب الاقتراب من الناس، أو يعتذر عن المصافحة، أو عناق الأصدقاء والمعارف. لقد أحسست أن كابوس كوفيد 19 قد توارى وابتعد، وبدأ الناس يعيشون حياتهم الطبيعية. 

الحضور العربي الضعيف يبدو احتفاليًّا، بل استعراضيًّا في جزء منه (gettyimages, London, 18/4/2023) 


اللافت، والمتوقع في معرض 2023، هو الحضور الكثيف للحرب الأوكرانية - الروسية، وللنقاشات حول هذه الحرب، والتضامن الغربي الواسع مع أوكرانيا، والمساحة الواسعة التي أفردت للكتاب والمثقفين، بل والسياسيين الأوكرانيين. فقد استضاف المعرض السيدة الأوكرانية الأولى أولينا زيلينسكي، التي شهدت كلمتها الموجهة إلى الحضور تضامنًا كبيرًا. وإلى جانبها حضر وزير الثقافة الأوكراني، ومثقفون أوكرانيون، وناشرون، ومترجمون من دولة تشهد حربًا شرسة مدمرة. كما شهدت أروقة المعرض ندوات عن حرية التعبير، وآثار الحرب المدمرة، والمشكلات التي يجابهها الكتاب في العيش، وفي قول كلمتهم، في عالم تتقلص فيه حرية التعبير، ويقمع فيه الكتاب، ويسجنون، ويقتل فيه الصحافيون، كل يوم، في مناطق مختلفة من العالم. لكن، وعلى عكس سنوات سابقة، كان نجوم الكتاب والكاتبات أقل عددًا، هذا العام. فعلى الرغم من أن المعرض استضاف الروائية والكاتبة والمذيعة البريطانية المعروفة كيت موس Kate Mosse، والروائي الأفرو أميركي كولسون وايتهيد Colson Whitehead، الحاصل على جائزة بوليتزر، التي تعد أرفع جائزة في أميركا، عام 2017؛ والروائية الفرنسية المغربية ليلى سليماني (التي ترأست هذا العام لجنة جائزة مان بوكر الدولية International Man Booker)، فقد كانت الغلبة لنجوم السياسة، مثل صادق خان (عمدة لندن)، وسارة فيرغسون (دوقة يورك)، وهي كاتبة ومؤلفة ومذيعة معروفة أيضًا؛ إضافة إلى زوجة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وبعض ممثلي الحكومة الأوكرانية، الذين حضروا لحصد التضامن ضد العدوان الروسي على بلادهم.

الناشر العربي ينظر إلى مهنته بوصفها عملًا صغيرًا، لا صناعة ثقيلة، كما يفعل الناشرون في أميركا، وأوروبا، واليابان، والصين، وكوريا الجنوبية. وهو يتعامل مع المعارض كأماكن لبيع الكتب

ما لاحظته هذا العام، وفي الأعوام الماضية عمومًا، هو شحُّ الحضور العربي، ناشرين، وكتابًا، ومؤلفين، ومترجمين. ثمَّة جناح لاتحاد الناشرين العرب، تتناثر على رفوفه بعض الكتب التي أرسلتها بعض دور النشر. وهناك أيضًا جناح للمملكة العربية السعودية، ولحكومة الشارقة، وحكومة دبي، وليس هناك ناشر عربي واحد (في العام الماضي كان هناك جناح لدار جامعة حمد بن خليفة في قطر). لكن هذا الحضور العربي الضعيف يبدو احتفاليًّا، بل استعراضيًّا في جزء منه. المهم أن العرب شبه غائبين عن هذه المنصة الهائلة للنقاش، والتداول، حول صناعة الكتاب، وشراء حقوقه، وبيعها. والعرب غائبون أيضًا عن الندوات، والمحاضرات، والنقاشات، في أروقة المعرض.

هذا يعني أن الناشر العربي ينظر إلى مهنته بوصفها عملًا صغيرًا، لا صناعة ثقيلة، كما يفعل الناشرون في أميركا، وأوروبا، واليابان، والصين، وكوريا الجنوبية. وهو يتعامل مع المعارض كأماكن لبيع الكتب. ولا شكَّ في أن هذه الصورة التي يرسمها الناشر العربي لنفسه تنعكس على صناعته للكتاب، وعلى علاقته بالمؤلفين الذين ينشرون كتبهم لديه، وطريقة تسويقه لكتبه. أتذكر أن أحد الناشرين العرب قال لي مرة إنه عندما يسافر ليشارك في أحد معارض الكتب في العالم يشعر بالاحترام الذي يكنه الناس للناشرين، فهم رسل المعرفة. صحيح أنهم يؤدون عملًا تجاريًّا، ويسعون إلى الربح في النهاية، لكنهم يؤدون خدمة كبرى للثقافة والمعرفة والتعليم، والحضارة. هذا إن أحسنوا لعب هذا الدور المعرفي، والتعليمي، والحضاري، ولم يغرقوا السوق بكتب لا تستحق الورق الذي طبعت عليه، وكان نشرها "جريمة بحق الأشجار"، كما قال أحد الأصدقاء مرة، عندما أمسك كتابًا رديئًا أصدره ناشر عربي معروف! 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.