}

الفوز بجائزة نوبل للآداب مرتين أو أكثر

عارف حمزة عارف حمزة 30 مايو 2023

كنتُ أتساءل، طوال السنوات الماضية، وأنا أكتب مواد صحافيّة عن المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب، أو عن الذين نالوها، أو عن كواليسها والاتهامات التي تنال أعضاء الأكاديمية السويديّة عامًا بعد عام، عن سبب عدم فوز أحد الكتّاب بهذه الجائزة مرتين أو أكثر منذ بداية منحها في عام 1901 ولحد الآن. هل هناك شيء مكتوب في حيثيات تأسيس الجائزة يمنع من حدوث ذلك؟ أم أنه عُرف شفهي؟ أم أنه لم يمرّ على فنون الكتابة مَن يستحق ذلك؟ خاصة أن هذه الجائزة تُعتبر من أشهر الجوائز عالميًا بقيّمتها الفنية، بغض النظر عن قيمتها المالية العالية.

ربما يقول أحد ما بأنها جائزة سنوية، وفي كل عام هناك عشرات المرشحين، الذين يكبرون عامًا بعد عام، وقد يموت العديد منهم بدون أن ينال الجائزة، وهو كان يستحقها، وخاصة أن هذه الجائزة تُعطى للأحياء فقط.

فضيحة رومان جاري مع غونكور

إذا ذهبنا للنظر في جائزة غونكور الفرنسية سنجد الأمر واضحًا بالنسبة للمرات المسموح الفوز بها. وهي جائزة مجايلة لجائزة نوبل، فقد مُنحت لأول مرة في عام 1903، ولكن الكاتب الفائز بها ينال جائزة مالية رمزية قيمتها 10 يورو فقط. فمن المعروف أن جائزة غونكور الفرنسية الكبرى للرواية ينالها الكاتب لمرة واحدة، ويُمنع الحصول عليها أكثر من مرة. وهذا الأمر تم الاتفاق عليه في النظام الداخلي للأكاديميّة التي تمنحها، وتمنح منحًا وجوائز أخرى في الشعر والقصة والسيرة ولصاحب أفضل رواية أولى. بمعنى آخر، يُمنع منح الجائزة أكثر من مرة لأي كاتب كان، ومهما كانت مكانته الأدبية.

ولكن حدث أن فاز بها كاتب واحد مرتين، وذلك شكّل فضيحة للكاتب الفرنسي رومان جاري (ولد في عام 1914 وتوفي منتحرًا في عام 1980) والذي فاز بالجائزة لأول مرة في عام 1956 عن روايته الشهيرة "جذور السماء"، ثم فاز بالجائزة مرة أخرى في عام 1975 عن رواية "الحياة أمامك" والتي نشرها باسم مستعار هو إميل آجار. ذلك الحدث، أو الاحتيال، للفوز بالجائزة مرتين، رغم منع ذلك من قبل مؤسسي الجائزة، شكّل صدمة كبيرة في فرنسا وقتها، واعتُبر فضيحة بحق الكاتب، وليس الجائزة، بغض النظر عن أن رومان جاري كان يستحق الحصول عليها في المرتين.

مان بوكر وتعدد مرات الفوز

ولكن الحال يختلف لدى جائزة مان بوكر (أو بوكر الدولية كما تُسمى حاليًا) البريطانية الشهيرة، وهي جائزة سنوية أيضًا، انطلقت منذ عام 2004، فقد تكرر فوز بعض الكتاب بها لأكثر من مرة؛ كما حصل مع الكاتب الجنوب أفريقي جي. إم. كوتزي (جون ماكسويل كوتزي، ولد في عام 1940) والذي نالها مرتين في عامي 1983 و 1999. وتكرر الأمر بعد كوتزي ثلاث مرات أخرى مع الكاتب الأسترالي بيتر كاري (1988، 2001) والكاتبة البريطانية هيلاري مانتل (2009، 2012) وأخيرًا الكاتبة الكنديّة مارغريت آتوود (2000، 2019).   

وهذه الجائزة، التي ينال عليها الفائز 50 ألف دولار أميركي إضافة لعشرة آلاف دولار أخرى عن الوصول للقائمة القصيرة، تعتبر من الجوائز الكبرى أيضًا، ولطالما كانت بوابة واسعة لترجمة الأعمال الفائزة إلى لغات كثيرة، وترشيح أصحابها إلى جائزة نوبل للأدب، وكأن الأمر يبدو بأن جائزة نوبل تأتي في قمة هرم الجوائز العالمية، وتصبح بالتالي الجائزة النهائيّة للكاتب، وتكون عادة عن مجمل أعماله، وليس عن رواية، أو عمل أدبي واحد فحسب.

نيل نوبل مرتين

بالعودة إلى جائزة نوبل، والتي تبلغ قيمتها المادية 9 ملايين كرون سويدي أو ما يقارب 935 ألف دولار أميركي، وعند مراجعة بنود تأسيس الجائزة، يجد المرء أنه لا يوجد فيها ما يمنع حصول كاتب أو كاتبة على جائزة نوبل للأدب مرتين أو أكثر. طالما أن هناك أشخاص نالوا هذه الجائزة أكثر من مرة في فروع الجائزة الأخرى، فما الذي يمنع حصول ذلك مع فرع الأدب؟

ففي العام الماضي، 2022، أصبح العالم الأميركي باري شاربلس خامس شخص يفوز بجائزة نوبل مرتين، بعد أن نالها في عامي 2001 و2022 في فرع الكيمياء. وكانت العالمة البولندية ماري كوري أول من فاز بهذه الجائزة مرتين، ناهيك عن أنها أول امرأة تنال جائزة نوبل والمرأة الوحيدة حتى الآن التي نالت الجائزة مرتين، فقد حصلت عليها في عام 1903 في فرع الفيزياء، ثم في عام 1911 في فرع الكيمياء.  

من جهته حصل العالم الأميركي جون باردين على جائزة نوبل في الفيزياء في عامي 1956 و 1972. وعالم الكيمياء الحيوية البريطاني فردريك سانغر في عامي 1958 و 1980. أما عالم الكيمياء الحيوية الأميركي لينوس كارل بولينغ فقد نال جائزة نوبل للكيمياء في عام 1954، ثم جائزة نوبل للسلام في عام 1962.

من هذه اللائحة يستنتج المرء بأنه لا يوجد ما يمنع من حصول شخص على جائزة نوبل في الفرع الواحد مرتين، أو حصوله على الجائزة في فرعين مختلفين. فلماذا لا يحصل ذلك في جائزة نوبل للآداب؟

احتيال الكاتب الفرنسي رومان جاري للفوز بجائزة غونكور مرتين اعتبر فضيحة بحق الكاتب،وليس الجائزة


نهاية الخدمة

ما يثير الأمر في جائزة نوبل للأدب هو ترشيح كاتب ما مرات كثيرة للحصول عليها، بينما لا يمكن له الحصول عليها سوى مرة واحدة فقط، أو عدم الفوز بها نهائيًا. وكمثال ليس حصريًا، نجد أن كاتبًا وسياسيًا مثل ونستون تشرشل نال جائزة نوبل لمرة واحدة، وكانت في عام 1953، وقد ترشح لنيل جائزة نوبل للأدب 21 مرة، ومرتين لنيل جائزة نوبل للسلام.

هناك من يجد بأن جائزة نوبل للأدب تُمنح عادة في أواخر حياة الكاتب، ومن مراجعة قائمة الفائزين بجائزة نوبل للأدب، من وقت منحها لأول مرة ولحد الآن، نجد أن هناك كتابًا ماتوا في العام التالي لحصولهم عليها، لدرجة بدا الحصول على جائزة نوبل للأدب، وكأنها مكافأة نهاية الخدمة للكاتب. ومن هذه الأمثلة الكاتب الألماني تيودور مومزن الذي نال الجائزة في عام 1902، وتوفي في عام 1903. وكانت الحال كذلك مع الكاتب البريطاني جون غلزورثي الذي نال الجائزة في عام 1932، وتوفي في العام التالي، أو الايطالي لويجي بيرانديلو الذي نال الجائزة في عام 1934، وتوفي بعدها بعامين، أو السويدي إيريك أكسل كارلفلت الذي نال الجائزة في عام 1931 وتوفي في نفس العام.

ما الذي يمنع حصول كاتب على جائزة نوبل للأدب مرتين؟ ربما الأمر يتعلق فقط بأن الجائزة تعطى عن مجمل أعمال الكاتب، وليس عن عمل واحد، وهو أمر يمكن تجاوزه ولو في حالة واحدة نادرة

ولكن قد يقول قائل بأن هناك كتابًا عاشوا بعد نيلهم الجائزة أعوامًا طويلة، وعقودًا، ونشروا أعمالأ مهمة بعد ذلك، ولكنهم لم يحصلوا على الجائزة مرة أخرى. كما كانت الحال مع الكاتب الألماني توماس مان الذي نال الجائزة في عام 1929، وتوفي في عام 1955. ورغم أن جائزة نوبل تُمنح عادة على مجمل أعمال كاتب ما، إلا أن الرواية الأولى لتوماس مان، "بودنبروكس، قصة انهيار عائلة"، والتي نشرت في عام 1901، كانت سببًا في نيله الجائزة، وتم التنويه إلى ذلك في خطاب الجائزة. ومن المعروف أن توماس مان نشر أعمالًا عظيمة بعد ذلك، وحتى وفاته. وينطبق هذا الأمر على حالة كل من الفرنسي جان بول سارتر (نوبل 1964) الذي توفي في عام 1980، والروسي ميخائيل شولوخوف (نوبل 1965) الذي توفي في عام 1984، وصموئيل بيكيت (نوبل 1969) الذي توفي في عام 1989.

ولو أخذنا الكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز على سبيل المثال لوجدنا الأمر مثيرًا للتساؤل. فهو قد نال جائزة نوبل في الأدب في عام 1982، وتوفي في عام 2014، أي أنه توفي بعد 32 عامًا من نيله الجائزة، وقد نشر بعد عام 1982 العديد من الروايات والكتب والمحاضرات والقصص التي تجعله مستحقًا للجائزة، وقد لا تكون عن روايته "ذكرى غانياتي الحزينات" (2004)، ولا عن "الجنرال في متاهته" (1989)، بل مثلًا عن "الحب وشياطين أخرى" (1994) ولكن بالتأكيد عن رائعته "الحب في زمن الكوليرا" (1985). والروايات الثلاث الأخيرة تستحق أن نطلق عليها "مجمل أعماله" الصادرة بعد حصوله على جائزة نوبل.

وربما الأمر ينطبق كذلك على الكاتب البرتغالي الكبير جوزيه ساراماغو، الذي نال الجائزة في عام 1998، وتوفي في عام 2010. أو الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الذي نال نوبل في عام 2010، وهو ما زال على قيد الحياة.

وهناك كتّاب أعطيت لهم جائزة نوبل وهم في الخمسينات من أعمارهم، ويمكن لهم أن يقدموا روايات كثيرة عظيمة بعد ذلك، خاصة إذا عرفنا أن الكاتب جوزيه ساراماغو (نوبل 1998) قد بدأ بنشر رواياته وهو في الأربعين من عمره. فالكاتب التركي أورهان باموك، الذي نال نوبل منذ عشرين عامًا تقريبًا (2004)، نالها وهو في الرابعة والخمسين من عمره، وما زال يكتب روايات تترجم مباشرة إلى لغات كثيرة، مثل "متحف البراءة"، و"ذات الشعر الأحمر"، وتشير إلى حضوره الكبير في فن الرواية. وينطبق الأمر على الكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك، والتي نالت نوبل للأدب في علم 2018 وهي في السادسة والخمسين من عمرها، وما زالت تستطيع تقديم حكايات ملحمية عن الشرق الأوربي وتاريخه.

إذًا ما الذي يمنع حصول كاتب على جائزة نوبل للأدب مرتين؟ ربما الأمر يتعلق فقط بأن الجائزة تعطى عن مجمل أعمال الكاتب، وليس عن عمل واحد، وهو أمر يمكن تجاوزه ولو في حالة واحدة نادرة. فهل نشهد ذلك الأمر، رغم أن زمن الكتاب العظماء ربما قد انتهى؟ 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.