}

المستعربة الإسبانية كارمن رويث برافو: غزة اليوم ترتبط بالعزّة

تغطيات المستعربة الإسبانية كارمن رويث برافو: غزة اليوم ترتبط بالعزّة
كارمن رويث برافو
أقيم مؤخرًا في البيت العربي في مدريد حفل تسليم "جائزة الصداقة" الأولى لهذا البيت العربي إلى المستعربة والمحررة كارمن رويث برافو فيلاسانتي، حيث ترأس الحفل ممثل عن وزارة الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون، بمشاركة المديرة العامة للبيت العربي إيرين لوثانو.
وجاء على موقع البيت العربي أن "جائزة الصداقة" تم إنشاؤها بهدف الاعتراف بأعمال الأفراد والكيانات، العامة أو الخاصة، الوطنية أو الدولية، التي ساهمت بشكل كبير في نشر اللغة العربية، والابتكار فيها، ونشرها، وتوسيعها وتعزيز تفردها وثرائها، وإظهار عمق علاقتها وتأثيرها في اللغة الإسبانية وفي حيويتها اليوم.
وقد تكونت لجنة التحكيم في هذه الدورة الأولى من المديرة العامة للبيت العربي، ومن ستة أعضاء آخرين معروفين بمساهماتهم في مجالات الثقافة واللغة والتعليم والاقتصاد والعلاقات الدولية والاتصال، وهم ألبرتو أوسيلاي، المدير العام لمنطقة المغرب العربي والبحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط في وزارة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون، ودولورث برامون، الدكتور في فقه اللغة السامية وتاريخ العصور الوسطى، والمترجمة مليكة مبارك، المتخصصة في التاريخ المعاصر للعالم العربي، والأستاذ الجامعي إغناثيو غوتييريث دي تيران، والصحافية الإذاعية بيلار سامبييترو، والخبير الاقتصادي خوسيه لويس كوربيلو، رئيس شركة كوفيدس، حيث ثمن أعضاء لجنة التحكيم في مداولاتهم بشكل إيجابي تفاني كارمن رويث في الدراسة والبحث، ونشر اللغة العربية طوال حياتها، وخاصة عملها على منهجية تدريس اللغة العربية.
وقبل تقديم الجائزة إلى المستعربة ذكرت مديرة البيت العربي في مدريد أن الجميع يفتقد في هذا اليوم عميد المستعربين الإسبان، الأستاذ الدكتور بيدرو مارتينيث مونتابث، الذي رحل عن عالمنا قبل عام، وكان سيستحق هذه الجائزة بكل جدارة.
ولدى تسلم الدكتورة برافو للجائزة ألقت كلمة مطولة أهدت في نهايتها جائزتها إلى أطفال فلسطين.
وجاء في الكلمة:
إنه لشرف عظيم لي بالطبع أن أحصل على هذه الجائزة، وذلك أولًا بسبب ما تعنيه في حد ذاتها، وثانيًا لأنها تشير إلى المجتمعات العربية، في زمن مثل الزمن الصعب الذي نعيش فيه، حيث أرى أن هذه الجائزة تمثل رسالة إيجابية، رسالة أمل ومودة ونور صغير، تأتي في وقت تعيش فيه فلسطين، والبلدان المحيطة، في الرعب والظلام والظلم، ولقد أصبحت اللغة العربية وللأسف الشديد ترتبط بالقهر والطغيان.
وفي الواقع، أنا أضم صوتي إلى ما قالته مديرة البيت العربي بشأن تلك الإشارة إلى أستاذنا الكبير بيدرو مارتينيث مونتابيث، وأنا بالطبع أهديه الجائزة بشكل رمزي. وهو الرابط الذي يجمع الأجيال السابقة والحالية والأجيال القادمة. لقد علّمنا أستاذنا بدقة أن طريقة التعامل مع اللغة العربية، أو الثقافة العربية، يجب أن تكون مرتبطة بالتعاطف، وأن نصاحب التعاطف بالموضوعية، وبالمقاومة، وبمواصلة الجهد. كما علّمنا أيضًا أن نستمتع باللغة العربية، مثلما قال ابن خلدون: "لم يكن كافيًا تعلم القواعد، لأن المطلوب هو التذوق، والاستمتاع"، كما هي الحال مع الموسيقى، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف ننهار، أو ببساطة نتعب.




إن الجائزة التي تسلمتها اليوم تسمى "جائزة الصداقة"، وكلمة الصداقة باللغة العربية تشير، كما في لغاتنا الغربية، إلى المودة، ولكنها تشير في العربية تحديدًا أيضًا إلى "الصدق والإخلاص". فالصديق في اللغة العربية هو الشخص المقرب الودود والصادق، الصديق الذي يقول الحقيقة عندما يتعين عليه وبنية حسنة. إنه يفعل ذلك بأفضل طريقة ممكنة، أي أنه "يبتعد عن المظاهر، وعن الخطابات المتكررة إلى حد ما"، كما يبتعد عن تلك الطريقة السطحية الزائفة. وهذا ما يجب أن نعيه ونطبقه حين نقول الصداقة الإسبانية العربية، أي أننا لا يجب أن نكتفي بالصداقة الإسبانية العربية التقليدية، بل يجب أن تكون هذه الصداقة بحثًا عن المعرفة، وعن العلاقات الوثيقة.
هنالك كلمات أخرى لقول الصداقة باللغة العربية، ومن تلك الكلمات كلمة "صاحب"، والصاحب في العربية هو الصديق الذي يرافقنا في لحظات الخطر، لذا فقد سمي الأشخاص الذين آمنوا برسول الله واضطروا للهجرة معه بالصحابة.
وهناك كلمة أخرى في اللغة العربية تقارب كلمة الصديق، هي كلمة الخليل، والخليل في العربية هو أقرب الأصدقاء. ولذلك فقد دعي النبي إبراهيم بخليل الله، وقد أعطى النبي إبراهيم الخليل اسمه لإحدى المدن الثلاث الرئيسية في فلسطين، مدينة الخليل في الضفة الغربية، والتي تعيش الآن وقتًا صعبًا، لدرجة أننا لا نستطيع حتى تخيله، مثلها مثل جميع المدن والأماكن الفلسطينية، وخاصة ما تعيشه مدينة غزة وقطاع غزة كله.
ولقد فكرت أن أذكر اليوم تحديدًا معاني أسماء عدة أماكن في قطاع غزة، مثل دير البلح، أي هو دير التمر، وخان يونس، وهو يعني نزل يونس، لكني سأتوقف طويلًا عند معاني كلمة غزة نفسها. فإذا مررنا بالأدب والمعاني الحرفية فإننا نضع كلمة غزة في علاقة مع الشاش الذي يحتاجه المجروح ليُشفى، وهذا المعنى قادم من الكلمة الفارسية قزة. لكن كلمة غزة اليوم ترتبط بمن يعيش فيها، بالأطفال بشكل خاص، أي أن غزة اليوم ترتبط بالعزّة، والعزّة في العربية تعني عزّة النفس، والقوة الداخلية، والمودة أيضًا. والعزيز هو الشخص المحبوب المحترم. وسوف أطلب من الحاضرين المحترمين جميعًا ومن مديرة البيت العربي في مدريد عرض دقيقة من مقطع فيديو قصير، حيث يصبح الأطفال فيه معلمينا. أخصص هذه اللحظة الصغيرة من كلمتي لبعض الأطفال في غزة، الذين يغنون بعض العبارات المخصصة لغزة، والتي يجمعونها مع كلمة العزّة. وأتمنى منكم جميعًا، من الآن فصاعدًا أن تنطقوا "غزة، غزة"، بهذا الإيقاع الشعبي الذي يقولونها به، ببساطة، من دون آلات موسيقية، ببساطة وبإيقاعكم الخاص.
وبالعودة إلى جائزة الصداقة العربية الإسبانية، أود أن أشير إلى أن تدريس اللغة العربية في جامعات إسبانيا هو مادة عادية، مثله مثل عدد من مواد تدريس اللغات الأخرى، وهذا أمر لا يقبل، لأننا لم نأخذ بعين الاعتبار أن اللغة العربية هي أكثر من مادة بالنسبة لنا، وذلك لأن لها طابعًا وقيمةً عالمية، والأهم لأنها تعد لغة مشتركة، لغة مرتبطة بتاريخنا نحن الإسبان بشكل يجعلها من مؤسسي لغتنا وحضارتنا، ويجب أن نعترف بأن اللغة العربية كانت في هذا البلد محظورة، حيث لم يتم تهميشها أو إساءة معاملتها فحسب، بل كانت محظورة بشكل كامل ولعقود طويلة، وإذا كان الأمر كذلك، فقد ضاع إذًا الحرف العربي، أي ضاعت العلامة العربية، من اللغة والثقافة الإسبانية، الأمر الذي يعني أنه كانت ولا تزال لدينا عقدة تاريخية ودينية عميقة ويجب فكها، أي أنه يحب تحقيق العدالة وإنشاء مشروع الاعتراف بتلك اللغة التي جلبت بذورها ثمارًا غير عادية في ثقافتنا، خاصة وأن اللغة العربية هي لغة حية وديناميكية.
أخيرًا، سأختم مداخلتي بكلمة شكر، ولكن ليس بالطريقة التي نقولها نحن في الغرب (شكرًا، أشكركم شكرًا جزيلًا)، بل بطريقة تعلمتها عندما كنت طالبة في السنة الأولى، عندما أخذونا في رحلة إلى المغرب على متن حافلة مع 60 شخصًا، حيث قال لنا البروفيسور بيدرو مارتينيث مونتابيث حينها: "لكي تقول شكرًا، عليك في اللغة العربية أن تقول أيضًا بارك الله فيك". وهذا هو الجذر الذي تولد منه كلمة بركة، البركة الموجودة على جميع جدران قصر الحمراء، وفي عدد من الأماكن الأخرى، والتي جعلتني أفكر في الآونة الأخيرة ـ وهذا سيكون الجزء الأخير من مداخلتي ـ أن أتذكر بيتًا من قصيدة يتم تدريسها في المدارس للأطفال العرب، وخاصة في الشرق العربي، وهي قصيدة من العصر الأموي كتبت في القرن السابع للشاعر المعروف جرير والبيت هو: "لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت أسباب دنياكم من أسباب دنيانا"، أي أن الدنيا لن تكون مباركة، لن تحمل بركة الله، إذا انفصل عالمي عن عالمكم. وأنا في البداية فهمتها، كما يفهمها كثير من الناس، على أنها قصيدة حب، ولكن، وعند إعدادي لهذه المداخلة وتفكيري في هذا اليوم، وفيما يعانيه الفلسطينيون، استنتجت أن هذا البيت من الشعر لا يخص الحب، أو العشق، فحسب، بل إنه يفسر بقراءة جماعية مغايرة ومعاصرة: الله لن يبارك بهذا العالم، العالم الذي لا يستحق النعمة إذا كان يقيس بمقياسين ومعيارين مختلفين. نعم أقول من هنا، وفي هذه المناسبة، وعند تسلمي لجائزة الصداقة العربية الإسبانية، أقول لأطفال فلسطين الذي يستحقون الجوائز: لا بارك الله في الدنيا اذا انقطعت أسباب دنياكم من أسباب دنيانا. وهذا هو البيت والمفهوم الذي يتعلمه أطفال المدارس في الشرق العربي، ويمتد اليوم، من المستوى الشخصي إلى المستوى الجماعي الدولي.

كارمن رويث برافو هي أستاذة سابقة للأدب والفكر العربي الحديث في جامعة مدريد المستقلة

من الجدير بالذكر أن كارمن رويث برافو هي من مواليد عام 1947، وهي أستاذة سابقة للأدب والفكر العربي الحديث في جامعة مدريد المستقلة، وقد ترجمت من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية عددًا كبيرًا من الكتب أهمها: "اللهب الأزرق" لجبران خليل جبران، و"مدخل إلى الشعر العربي"، و"الشعر العربي" لأدونيس، و"يوميات مدينة اسمها بيروت"، "وجمهورية لكورستان"، للشاعر السوري الذي عاش في مدريد لفترة طويلة نزار قباني، و"القضاء في نيسابور"، و"تجربتي الشعرية" لعبد الوهاب البياتي، كما شاركت أيضًا في ترجمة عدد من المختارات، وكتبت عددًا من المقالات والكتب حول اللغة العربية والأدب والفكر، من بين قضايا أخرى، ولقد كانت جزءًا من هيئة تحرير عدد من المجلات المتخصصة، بما في ذلك "المنارة"، و"شؤون عربية"، و"إيديارابيا"، وهي أيضًا مؤسسة ومديرة دار النشر المستقلة "كانتابريا".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.