}

رحيل الفنان علي جودة يكشف إهمال الفنانين في العراق

هنا/الآن رحيل الفنان علي جودة يكشف إهمال الفنانين في العراق
علي جودة
ظلّ الفنان علي جودة مريضًا طريح الفراش في المستشفى مدّة طويلة، حتى توفّي. جودة يعد واحدًا من أشهر المطربين الذين حافظوا على رونق الأغنية العراقية كما قيل عنه. فهو من الجيل الذي جاء بعد الحقبة السبعينية التي مثّلها عمالقة الغناء العراقي وملحنّوه، كحسين نعمة، وياس خضر، وسعدون جابر، وطالب القرة غولي، وآخرين. لكنه مات بصمت، ليشيع من قبل النقابة ومحبيه وسط إهمال عام لكلّ ما هو فن بعد الاحتلال الأميركي عام 2003.
الفنان علي جودة صاحب أشهر أغنية "لو تصاحب خوش صاحب، لو أظل من غير صاحب"، وكذلك أغاني "حتى أنت"، و"لعيونك الحلوات"، ولد عام 1961 في مدينة الناصرية، التي أنجبت فنانين وشعراء كبارًا رفدوا الأدب والأغنية العراقية بالمواهب، التي نقلتها من وضعها الريفي إلى مصاف المدن. ورغم أن صوت جودة يحمل النكهة الريفية والجنوبية، كما يشير إلى ذلك كثير من نقاد الفن، فهو يحمل نكهة الفنان الكبير داخل حسن الريفي، والفنان حسين نعمة المجدد في الأغنية العراقية، وكذلك ناصر حكيم، وحضيري أبو عزيز، وكلّهم من مواليد الناصرية.
بدأ علي جودة مشواره الفنّي ضمن أنشطة مدرسة اليعربية التي كان الفنان حسين نعمة معلمًا فيها. حصل على شهادة الدبلوم في الفنون الموسيقية في معهد الفنون الجميلة في بغداد. بعدها، شاع اسمه في الغناء، ومثّل العراق في فعاليات خارج العراق.
يقول علي جودة عن بداياته إنها كانت في عام 1985، حينما "خضعت أنا ومجموعة من المتقدمين للإذاعة والتلفزيون (وحيد علي، وحسن بريسم، وكاظم الساهر، كذلك فريدة ورياض كريم، وأحمد نعمة، وكريم محمد، وسعد عبد الحسين) لإجراء اختبار على أيدي الفنانين الكبار: ياسين الراوي، وأحمد الخليل، ومحمد نوشي". شجعه الفنان فاروق هلال ليقدم أغنية "لعيونك الحلوات" في تلفزيون العراق، وهي من كلمات جبار الغزي، وألحان جمال فاضل، والتي أخذت مداها في الشهرة، وأصبحت أغنيةً يردّدها الشارع في كل المناسبات. والأغنية الأخرى "زعلان خلي"، من كلمات محمد المحاويلي، وألحان كريم هميم، لتتوالى بعدها الأعمال الفنية الغنائية.

أشهر المرض ونعي خجول
ربما لم يسمع أنين صوته أحد إلّا جدران مدينة الطب في بغداد، حيث أصيب بمرض أقعده شهورًا عديدة، وكان الفنان حسين نعمة قد ناشد قبل أكثر من عام، عبر صفحته على فيسبوك، الجهات المختصة، لتهيئة سيارة إسعاف لنقل زميله المطرب علي جودة من مدينة الناصرية إلى العاصمة بغداد، لغرض معالجته من الوضع الصحّي الصعب الذي يمرّ به. لتزيد بعدها مناشدات نقابة الفنانين العراقيين، ووزارة الثقافة، والشخصيات الحكومية، بضرورة الاهتمام بالوضع الصحي للمطرب علي جودة، الذي ترك بصمةً مؤثّرةً في مسيرة الأغنية العراقية. لكنه مات وحيدًا إلّا من رعاية أطباء ربما أحبّوا أغنياته.




نقابة الفنانين العراقيين نعت وفاة جودة ببيانٍ مقتضب جاء فيه "رحيل الفنان علي جودة، الذي وافته المنية، سائلين المولى أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يلهم ذويه ومحبّيه وزملاءه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون"، فيما قال نقيب الفنانين في محافظة ذي قار إن الفنان يعد من الجيل الذهبي للأغنية العراقية، وعاصر أجيالًا فنيةً عديدةً.

ظروف وإهمال
لم يكن إهمال الفنان علي جودة حالة فريدة من بين مبدعي العراق الذي رحلوا في صمت، فكثير منهم شعروا باليأس، وابتعدوا عن الفن. وهو نفسه قال في حوار معه إن الظروف التي عاشها العراق في المدّة الماضية "أجبرتنا على المغادرة، وهنالك كثير من الفنانين والمبدعين يعيشون خارج العراق لأسباب مختلفة...". وأضاف أنه "على المستوى الشخصي، كلّفني الابتعاد عن العراق كثيرًا، وكنت مجبرًا على ذلك، بعد أن عاش الفن العراقي خلال مدّة الاحتلال فترةً عصيبةً بسبب الوضع السياسي والأمني الذي خيّم على العراق، وما زلنا كفنانين نعيش فسحةً من الأمل بأن تستعيد الأغنية العراقية عافيتها مع شعورنا بخطورة عدم التفات الجهات المعنية بالثقافة والفنون إلى جيل الفنانين الروّاد، وإعادة النظر بآليات الحفاظ على التراث القديم بكلّ ما يحمله من ألق مستحق".
يقول الروائي العراقي، وابن مدينته وصديقه، نعيم عبد مهلهل: بموت الفنان علي جودة، اندثرت أكوام الذكريات الجميلة، وعاطفتها أصبحت دموعًا وسكرابًا وترابًا، ولم يبق في الكأس إلّا نحيبٌ. وأضاف: أطرق على الباب علّي أفتحه، وأدعَ العصافير تغنّي، وليس الغراب. وأفاد أنه بموت جودة فقدنا شجنًا للصوت، وفقدنا قمر الأحباب، ومات وأغنيته الحنونة "حتى أنت" التي تعيش في نغم اللحظة عمرًا سومريًا، هي من أصبحت العيون مهدًا تربينا فيها من أوّل قراءتنا الخلدونية حتى ليل الناصرية. وذكر أن موته يعيد الكلام ذاته عن الإهمال في كلّ شيء للمبدعين، ومنهم المطربون، الذي لم يبيعوا أنفسهم من أجل المال. مستدركًا أن الآمال تتجدّد، والروح التائهة تأمل أن تتغيّر بوصلة الاغتراب إلى بوصلة الاهتمام والرعاية، لكن الواقع يقول غير ذلك.
ويقول الناقد كاظم الزهيري إن الراحل يعد من الفنانين القلائل الذين أثبتوا نجاحهم من خلال ما يمتلكه من مؤهّلاتٍ فنيةٍ جعلت منه اسمًا مهمّا في عالم الغناء العراقي، وله بصمةٌ واضحةٌ في المشهد الفنّي، حيث استطاع أن يكون صوتًا مهمًّا أضاف إلى المكتبة الغنائية والإذاعية إرثًا غنائيًّا مهمًا. وذكر أن الفن العراقي واقعٌ في خضم المأساة والإهمال الواضح، خاصة وأن المتسيّدين والمتسلّطين على الحكم بعيدون كل البعد عن الفن والجمال، ولذلك شاهدنا فنانين ماتوا بسبب الإهمال الحكومي، كونهم لا يملكون ما يعينهم على تجاوز محنتهم، أو مرضهم، أو عوزهم. وعبر عن أسفه، كما يقول، وبمرارة، أن العراق صاحب أقدم تأريخٍ في الأدب والثقافة والفنون، أصبح اليوم يفتقر إلى أبسط مقوّمات النهوض بالفن والفنانين وإعطائهم حقوقهم، كما تفعل الدول الأخرى التي تعد الفنان ضمن أولويّات اهتماماتها، كونه صانعًا للمحبة والجمال. وحدّد الناقد ضعف حال الجانب المادي الكبير الذي يعاني منه جميع الفنانين والمثقفين، لأسباب عدة أهمّها الإهمال الحكومي لهذه الشريحة، وضعف الميزانيات المرصودة للإنتاج الفني، وتدخّل الجهات الحزبية والسياسية في عمل وزارة الثقافة، والمنظمات المهتمة بالفن والفنانين. وذكر أنه لو كان هنالك اهتمام لما مات الفنان بسبب مرضٍ عضالٍ كان يمكن أن يجد له حلًا لو توفّرت الإمكانيات المادية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.