}

الإنسان منفردًا بين الكائنات في ارتكاب فعل الإبادة

جورج كعدي جورج كعدي 17 أكتوبر 2023
اجتماع الإنسان منفردًا بين الكائنات في ارتكاب فعل الإبادة
جثامين لفلسطينيين في غزة (14/10/2023 ,gettyimages)

الإجرام الوحشيّ الصهيونيّ الذي يُمارس اليوم بحقّ المدنيّين في قطاع غزّة قتلًا وتدميرًا بالطائرات الأميركية، لا يمكن توصيفه إلاّ بعبارة واحدة: الإبادة. أيّ توصيف آخر هو دون الحقيقة ويجافيها، فما يحصل ليس بالتأكيد حرب مواجهة، ولا جبهة قتال، ولا استهدافًا لمقاتلين، ولا عملًا انتقاميًّا، ولا ردّ فعل على عملية عسكرية سبقت. إنّه فعل إبادة بكلّ ما يحمل من معنى، ومن وصف قانونيّ في الشُرعات العالمية التي أضحت مهزلةً وملهاةً وعبثًا وعدمًا. "شُرعة" واحدة تحكم العقل الصهيونيّ المريض هي شرعة الخرافة التوراتية – التلموديّة التي تُبيح دم "الأغيار" من غير اليهود، كلّ الأغيار، وتحضّ صراحةً على إبادتهم، وكم فصّلتُ بالأسانيد هذا الجانب في العشرات من كتاباتي السابقة في "ضفة ثالثة" و"العربي الجديد" (يمكن العودة إليها بيُسر في أرشيفيهما الإلكترونيين). ففي مقالتي المنشورة في "العربي الجديد" بتاريخ 2 تموز/ يوليو الفائت تحت عنوان "عن المنابع الدوغمائية للوحشية الإسرائيلية" عرّجتُ على إله اليهود "يهوه" المتفرّد في أقواله والمحرّض لقومه تحت رعايته "الإلهية" على القتل الوحشيّ، على نحو لا يشبه أيًّا من آلهة الأديان التوحيديّة، فها الباحث الأميركيّ دانيال هوك Hawk، أستاذ العهد القديم واللغة العبريّة في المنتدى الدراسيّ للاهوت في أشلند (ولاية أوهايو الأميركية)، في كتاب له عن يشوع، يقول: "الرواية {في سفر يشوع} تحكي قصة تصدم الحساسيات المعاصرة. فقد يكون يشوع مؤسسًّا لهوية قومية، لكنّه كان يفعل ذلك بربط هذا المشروع بمحاولة إبادة السكان الأصليين واحتلال أرضهم. وما هو أكثر إزعاجًا من ذلك أنّه يورّط {إله اليهود} في عملية الذبح الشامل لسكان الأرض الأصليين. فالله يصطفّ إلى جانب الغزاة ويحارب عنهم وهم يستولون على الأرض ويستأصلون أولئك الذين يقطنون فيها. وهذا المشروع يمكن التعبير عنه كما يلي: إن الله {يهوه} عازم على أن تحقق إسرائيل مصيرها من خلال إبادة غير الإسرائيليين على الأرض. وهكذا، فإنّ التأسيس لهوية قومية مرتبط ببرنامج من الاغتصاب العنيف يستمدّ شرعيته من إرادة إلهية". ونقرأ أيضًا ما كتبه روبرت بي كوت، أستاذ العهد القديم في المنتدى الدراسيّ للاهوت في سان فرنسيسكو: "معظم سفر يشوع مثير للاشمئزاز، فهو ينطلق من التطهير العرقيّ، وانتزاع الملكية بطريقة همجيّة من السكان الأصليين وإبادتهم إبادة جماعية، وذبح النساء والأطفال، وجميع ذلك يتمّ، ببساطة، بأوامر من الله، وهو أمر أسوأ من أن يوصف بأنّه مقزّز".

فلنلحظ كم مرّة استخدم كلّ من هوك وكوت مصطلح "الإبادة" ولا شيء آخر.

فتح "يهوه" شهيّة قومه لاقتحام الأرض وأثار طمعهم فيها بأن صوّر لهم ما سوف يلقون فيها من خيرات مادية، وما سوف ينالون من ملذّات في العيش من مواردها الطبيعيّة. هكذا يتكامل في الفقه "الكتابيّ"، في ما يتصل بالأرض، عاملان: أنّ "يهوه" منح "بني إسرائيل" صك ملكية أبدية لأرض كنعان (= فلسطين) حتى قبل أن يدخلوها. والآخر أنّ دخولهم هذه الأرض سيجعلهم يتمتّعون بنعيم خيراتها. غير أنّ ما يقف في وجه هذا الطمع حقيقةُ أنّ الأرض عامرة بسكانها، وشعوبها أكبر وأعظم من "بني إسرائيل"، فلا بدّ، إذًا، من إخلاء هؤلاء السكان الأصليين، لكي تتحقّق إرادة "يهوه" في توريث الأرض لـ"بني إسرائيل" وحدهم من دون شريك.

ما يحدث اليوم في غزة هو فصل من فصول إخلاء المكان من سكانه الأصليين (مفيدة هنا العودة إلى كتاب إيلان بابيه Pappe، اليهوديّ المنشقّ والهاجر "إسرائيل"، في مؤلّفه المرجعيّ القيّم والمشهور "التطهير العرقيّ لفلسطين"، 2002).

يشكّل يشوع بن نون في المخيال اليهوديّ الصهيونيّ مكوّنًا رئيسًا من مكوّنات التوجه نحو العنف الوحشيّ وإبادة "الآخر". كثيرًا ما كان دافيد بن غوريون يشير إلى "استمرار التواصل من يشوع بن نون إلى جيش الدفاع الإسرائيلي". وينظّر الحاخام المستوطن يتسحاق شابيرا، كشاهد آخر من قومه، لإبادة الفلسطينيين استنادًا إلى الشريعة اليهودية، ففي كتابه بالعبريّة "توراة هاميلخ" (توراة الملك) يعدّ غير اليهود "قساة بطبيعتهم" (قياسًا برهافة اليهوديّ الصهيونيّ ورقّته بالتأكيد!)، و"يفتي" بأنّ من الممكن قتل أبناء أعداء "إسرائيل" وأطفالهم (يكاد "يتخصّص" الإسرائيليون على أرض فلسطين في قتل الأطفال) إذ يشكّلون خطرًا على "الشعب". والحاخام شابيرا صاحب السجلّ الإجراميّ الحافل والطويل هو الترجمة العملية لآرائه المجرمة و"الخنفشارية" المهلوسة والهستيريّة هذه، فقد جعل من معهده الديني في مستوطنة "يتسهار" قرب نابلس وكرًا لمجموعات من المستوطنين المتدينين الموتورين الذين يُغيرون على مزارع الفلسطينيين القريبة من مستوطنتهم ويخرّبونها ويحرقونها، ويحرقون مسجدًا قريبًا، أو يقتلون مدنيين فلسطينيين في الجوار.

فظاعة ما يرتكبه الطيران الصهيونيّ في غزة (15/10/2023 gettyimages)


وما عسانا نقول في أقوال الحاخام الأميركيّ مانيس فريدمان الذي يترأس معهدًا للدراسات اليهودية في سانت بول في ولاية مينيسوتا، وينتمي إلى الجمعية̸ المنظمة المعروفة باسم "حباد" ومقرّها بروكلين. يردّ هذا الحاخام الهستيريّ عن سؤال طرحته عليه مجلة Moment هو: "كيف يجب أن يتعامل اليهود مع جيرانهم العرب؟"، مجيبًا: "لا أؤمن بالأخلاقيّات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألّا تدمّر الأماكن المقدسة، وألاّ تقاتل في المناسبات الدينية، وألاّ تقصف المقابر، وألاّ تطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون، لأنّ ذلك – بحسب الأخلاق الغربية – عمل غير أخلاقي. إنّ الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم.  أوّل رئيس حكومة إسرائيلية يُعلن أنّه سوف يتبع العهد القديم (الكتاب العبرانيّ) هو مَنْ سيأتي بالسلام إلى الشرق الأوسط. فالعرب هم الذين سيتوقفون، أولًا، عن استخدام الأطفال دروعًا بشرية، وهم، ثانيًا، سيتوقفون عن احتجاز رهائن عندما يعرفون أنّهم بذلك لن يرهبونا، وهم، ثالثًا، عندما تدمّر أماكنهم المقدسة سوف يتوقفون عن الاعتقاد أنّ الله يقف إلى جانبهم (...)".

الواقع في غزة اليوم يخالف آراء هذا الحاخام الإجراميّة المسعورة والخرافية، سوى في جانب القتل والتدمير الوحشيين. أمّا في ما يخصّ رئيس الحكومة الذي يتبع العهد القديم، فجميع رؤساء حكومات المدعوّة "إسرائيل" منذ نشأة الكيان الوحشي يتبعون هذا الكتاب الخرافيّ القديم ولم يظهر بعد بينهم "الرئيس الملك"، وإنّ انتحل السفّاح الهستيريّ الدمويّ نتنياهو هذه الصفة وتوهمهّا. وأمّا الرهائن فهم لدى مقاتلي غزة اليوم، ولم يدخل الخوف قلوبهم بحسب ما يشتهي الحاخام الأميركيّ ويتمنى ويفترض. وأمّا الاعتقاد بأنّ الله يقف إلى جانب الفلسطينيّ، وخاصة بحسب إيمانهم الإسلاميّ، فهو لا يزال راسخًا ويزداد رسوخًا امتدادًا إلى كلّ مسلمي العالم، وبالتالي سقطت "نبوءة" الحاخام وتوقّعاته الخائبة.

بدأ مشروع الإبادة والترحيل للشعب الفلسطينيّ على أيدي الصهاينة وتحت الرعاية والتوجيه البريطانيين منذ عام 1948 يوم أُرغم نحو سبعمئة وخمسين ألف فلسطيني على الرحيل أو الفرار أو الموت بالمجازر. ويقول بيني موريس "إنّ الترحيل كان أمرًا حتميًّا راسخًا في صميم الصهيونية، إذ سعى إلى تحويل أرض عربية إلى دولة يهودية، وما كان لدولة يهودية أن تقوم من دون تهجير كبير للتجمع السكاني العربي". والمصطلح العبري للترحيل tihur ينطوي على معنى "تنقية الأرض" أو تطهيرها. لذا ارتكب الصهاينة، منذ عام المأساة في 1948، مجازر لنشر الخوف والهلع في صفوف الشعب الفلسطيني الآمن والأعزل، فاستشهد عامذاك نحو خمسة آلاف فلسطيني مدني غير مسلح، وكان الأمر شكلًا من أشكال الإبادة المستمرّة فصولًا حتى الساعة.

إنّ القصف المتوحّش غير المسبوق الذي تشهده غزة اليوم ويودي بحياة مدنييها أطفالًا ونساءً وشيوخًا، هو إبادة جماعية بالمعنى التام، وإن سبقته مرارًا في غزة والضفة الغربية إبادات "أصغر" هولًا وسقوطًا للشهداء الأبرياء. وشعرة تفصل بين الترحيل القسريّ والإبادة، فالترحيل هو شكل من أشكال الإبادة وتمهيد لها في مراحل تالية متقدمة. كذلك التطهير العرقيّ الذي يُعدّ مصطلحًا تلطيفيًّا في خطاب مرتكب جرائم الإبادة، أي الصهيونيّ في حالتنا، هو أيضًا واحد من أساليب الإبادة الجماعية إلى جانب أساليب أخرى مثل القتل والتدمير، رغم محاولات تضييق معنى الإبادة الجماعية وحصره بفعل القتل. فالعمل الإباديّ Genocidal action في التعريف الواضح هو كل عمل تعامِل به قوات مسلحة مجموعات مدنية على أنها عدوّ (الطيران الإسرائيلي يقصف مدنيّي غزة بوصفهم أعداءً) بهدف تدمير قوتها الاجتماعية الحقيقية أو المفترضة. أمّا تعريف الإبادة الجماعية Genocide  فهو: سلسلة حوادث على نطاق واسع تتضمن عددًا هائلًا من الضحايا (هذا العدد الهائل يسقط اليوم في غزة).

إلى بعض التأمّلات في منابع الوحشيّة لدى الجنس البشريّ بعامّة، لفهمها أكثر وأبعد من الدوغمائية الدينية لدى اليهود الصهاينة بخاصّة. فمن أبرز الباحثين في الجانب الوحشيّ من الإنسان هربرت جورج ويلز الذي يخلص إلى أنّ الدافع الإجراميّ هو مركّب ومَيْل طفوليان يدفعان الى الاستسهال والاختزال والاستيلاء، من غير استحقاق، على شيء بالقوة أو الإغارة أو العنف. إنّها نزعة الحصول على شيء مقابل لا شيء. وينطبق هذا على القائمين بالمشروع الصهيونيّ منذ نشأته، إذ يريدون الحصول على أرض الآخرين ومصادرة تاريخهم بالقوة والإغارة والعنف، مقابل لا شيء.

ما يحدث اليوم في غزة هو فصل من فصول إخلاء المكان من سكانه الأصليين (الصورة:11/10/2023 gettyimages)


لدينا في التاريخ المعاصر أمثلة عديدة حول المدى الذي يمكن أن يبلغه عنف الكائن البشريّ، ومنها ما حصل بتاريخ 13 كانون الأول ̸ ديسمبر من العام 1937 في الصين حيث استولى الجيش الإمبراطوريّ اليابانيّ على مدينة نانكنغ، في وسط الصين، فعقب اقتحام المدينة شرع الجيش اليابانيّ في ارتكاب ما وُصف بأنّه "أبشع المجازر الجماعية في العصر الحديث" (هذا قبل أن يبلغ الوصف مجازر غزة الجارية فصولًا حتى الساعة)، وارتكب هذا الجيش، إلى القتل، أعمال اغتصاب وتعذيب استمرّت طوال شهرين. وتخلّص الجنود الصينيّون من زيّهم العسكريّ واختلطوا بالسكان المدنيين ظنًا منهم أنّ اليابانيين لن يمسّوهم بسوء طالما أنّهم لا يحملون سلاحًا. إلاّ أنّ الجنود اليابانيين جمعوا كلّ ما طاولته أياديهم وأبادوهم جماعات جماعات بالرشّاشات الثقيلة سريعة الطلقات، ثم كوّموا الجثث – ما يربو على عشرين ألف جثة – في أكوام وسكبوا عليها وقودًا وأضرموا فيها النيران، وكان بينهم مئات الجرحى الأحياء الذين تكفّلت النيران بإنهاء حياتهم.

رهيبة هذه المجزرة الآنف وصفها، لكن هل ترقى إلى فظاعة ما يرتكبه الطيران الصهيونيّ ممزّقًا أطفالها وأهلها أشلاء؟ بمقارنة المشهدين، لا أعتقد ذلك!

يختلف الإنسان عن الحيوان في حقيقة واحدة: أنّه قاتل. هو الكائن الوحيد بين الثدييات العليا الذي يقتل ويعذّب آخرين من بني جنسه وبلا سبب. يرتكز إريك فروم على آراء المعلّم فرويد بأنّ البشر لم يُخلقوا للحضارة، كما لم تُخلق الحضارة للبشر، فهي تقلقه وتخيفه عند كلّ منعطف وتفضي به إلى العُصاب النفسيّ وتدمير الذات. فالبشر، بحسب فرويد، أمضوا تاريخيًّا أطوارهم يجرّ بعضهم البعض الآخر من شعر الرأس، ضاربين أعداءهم بالهراوات، فيما تمنعهم كوابح الزمن المعاصر من اعتماد السلوك عينه، ما يصيبهم بالعُصاب والخلل النفسيّ. ويؤيّد ويلز هذه النظرة معتبرًا أن المشكلة بدأت حين انتقل الإنسان للعيش في تجمّعات كبرى في مدن لم يؤهّله ماضيه للعيش فيها بهذا القدر من الالتصاق فنتجت عن ذلك ردود عنيفة غير مسبوقة. ويؤكد ويلز على أن الفعل الانتقامي هو حقيقة من حقائق سلوك الحيوان البشريّ (نتنياهو له هذا الوجه الانتقاميّ).

سارتر يؤكد من ناحيته في كتابه "نقد المسألة الديالكتيكية" على أنّ سائر البشر أعداء طبيعيون بعضهم لبعضهم الآخر. لو خرج أحدهم لنزهة بين الحقول في أحضان الطبيعة فإنّه يكره وجود بشر آخرين خلال تجواله، ويرى أنّ الطبيعة ستكون أكثر جمالًا وجاذبية لو خلت من وجود الآخرين. المدينة المزدحمة غير محبّبة لأنّ كلًّا يريد دورًا أو يصارع لنيله.

ثمة عنصر غريزيّ آخر يسعف في فهم طبيعة الإجرام البشريّ هو عنصر الكره الغريزيّ للأغراب. كراهية الأغراب أساسيّة بين الحيوانات، ولعلّها تستند إلى عوامل جينيّة في تركيب الكائن. وقد لاحظ داروين في مزرعة ماشية في الأورغواي أنّ القطيع المكوّن من عشرة آلاف رأس كان ينقسم أثناء الرعي إلى مجموعات يتكون كلٌّ منها من خمسين إلى مئة رأس. وحين كانت تهبّ الأعاصير وتتشتّت الماشية كانت تتجمّع بعد الإعصار في المجموعات نفسها وبالحيوانات عينها التي كانت متآلفة قبل الإعصار، ورأى داروين أنّ من المحتمل أن يكون ذاك المَيْل الغريزيّ مجرد وسيلة طبيعية لحماية صفات هذا النوع، فلو ظهر جين يحمل صفة جديدة، فهو سيظلّ موجودًا ومتوارثًا بين المجموعة ذاتها بدلًا من توزّعه وتشتّته بين قطيع بأكمله.

لا يحتاج البشر إلى أيديولوجيا شريرة أو سيئة لدفعهم إلى ارتكاب سلوك غير إنساني، فهذه المشاعر تسيطر علينا بسهولة ومن دون أي أيديولوجيا. تؤكد ذلك مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، بعدما كان الفلسطينيون قد وافقوا على ترحيلهم من بيروت، وصدمت العالم مجازر المخيمين التي قام بها حزب الكتائب اللبناني بحماية القوات الإسرائيلية التي كانت تحاصر المعسكرين وهي التي سمحت لمرتكبي المجازر بارتكاب هذه المذبحة. وفيما كان الذبح والقتل جاريين داخل المخيمين أرسل مبعوث الأمم المتحدة في المنطقة رسالة إلى شارون قال فيها: "لا بدّ من أن توقف هذه المذبحة البشعة... أنتَ تسيطر على المنطقة كلّها ولذلك أنت مسؤول عما يحصل...". وما صدم العالم، بما في ذلك ألوف من الإسرائيليين الذين تظاهروا في تل أبيب، أنّ اليهود الذين كانوا ضحايا المعسكرات النازية هم الذين أعدّوا هذه المجازر الرهيبة للفلسطينيين!

يقول الباحث الدينيّ الأميركيّ اليهودي مارك إتش. إلّيس Ellis: "يبدو أنّ الإله وإسرائيل لا يستطيع أحدهما أن يخوض الحياة من دون الآخر. إنّ التبعيّة غير المعلنة، حتى التبعية المشتركة، ترغم الطرفين على أن يقيما معًا. رغم أنّ علاقة الإله وإسرائيل غير مستقرّة، ثمة ما هو أكثر أهمية تجب ملاحظته. بالتأكيد، الإله وإسرائيل غير مستقرّين معًا. إنهما أيضًا غير مستقرّين وحدهما (...) بما أنّ دولة إسرائيل تستمرّ إلى الحاضر فما الذي يعنيه {بعد إسرائيل}؟ إنّه يعني ما فعله اليهود ويفعلونه للشعب الفلسطيني. يعني أنّه رغم أنّ اليهود كانوا أبرياء في معاناة الهولوكوست، فإنّهم ليسوا أبرياء في تمكين أنفسهم. إنّه يعني أنّ تفاصيل التمكين اليهودي في إسرائيل تتضمن التطهير العرقي للفلسطينيين في عام 1948 وما بعده. ويعني أنّ التوسّع المستمرّ لدولة إسرائيل واحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية والمستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية تضع أيديولوجيا الصهيونية تحت امتحان تاريخيّ". مضيفًا: "يرتبط عدم استقرار العلاقة الميثاقية بين إسرائيل والإله بالمطالب الأساسية لكليهما. إذ يريد الإله شعبًا يدعوه إلهًا خاصًا ويطيع وصاياه. يريد الإله أيضًا من إسرائيل أن تستبطن هذه الوصايا. فمن خلال هذه الأوامر يتكشف مصير إسرائيل – ومصير الإله".

فات إلّيس القول إن إسرائيل تنفّذ هذا "التمكين"، الذي يتحدث عنه، بسلسلة جرائم إبادة.

*ناقد وأستاذ جامعي من لبنان.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.