}

زياد أبو لبن: لنرفع الصوت عاليًا من أجل فلسطين

أحمد طمليه 4 نوفمبر 2023
حوارات زياد أبو لبن: لنرفع الصوت عاليًا من أجل فلسطين
زياد أبو لبن

 زياد أبو لبن (1962) كاتب وناقد وقاص وأستاذ جامعي أردني من أصل فلسطيني، ولد في عين السلطان في أريحا. حصل على دكتوراة في النقد الحديث من الجامعة الأردنية 2013. رأس رابطة الكتاب الأردنيين (2015 ـ 2017)، وهو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب. يشغل حاليًا منصب مدير عام مركز القدس للدراسات. يعد الآن من أنشط النقاد في الساحة الأردنية، إذ لا يمر أسبوع من دون أن تكون له مشاركة، سواء في فعالية ثقافية يقدم فيها ورقة نقدية في إصدار جديد، أو مقال في صحيفة "الدستور" الأردنية، يقرأ فيها نقديًا عملًا أدبيًا.
كتاباته تثير اهتمامًا، فهو ينتقد على نحو غير مألوف. في الغالب، هو لا يمدح أو يذم بمقدار ما يشرح العمل الأدبي، وفي تشريحه ينكشف بنيان العمل الذي يتناوله. لا تقتصر كتاباته على الإصدارات الجديدة، إذ يكتب أحيانًا عن إصدارات صدرت منذ وقت، وتشكل رأيٌ ما حولها، ليعيد بكتابته الأضواء، سلبًا أو إيجابًا، حول هذا العمل الأدبي، أو ذاك. وتعد مثل هذه الكتابة مجازفة، فأن تنتقد عملًا أدبيا لكاتب معروف أمر لن تسلم منه إذا لم تكن متمكنًا وعارفًا لما تقول. لكن اللافت، في كتابات أبو لبن، أن القراء والمتابعين يشاركونه، سواء بموافقته الرأي، أو إبداء ملاحظات، وهو يعيد النظر في عمل أدبي المفروض أن يكون قد بتّ فيه.
قبل أيام قليلة، صدرت للدكتور أبو لبن مجموعة قصصية بعنوان "أنفاس مكتومة" تتضمن قصصًا تكشف عن المسكوت عنه في حياتنا الاجتماعية، خاصة ما يتصل بالمرأة العربية، وقسوة العيش في مجتمع ذكوري. أول ما يلاحظ في المجموعة المفارقة بين رصانة الناقد وبراءة القاص، وهذا ما يلمسه القارئ، ويستدل عليه من الكلمة التي جاءت على الغلاف، والتي كتبها الناقد أبو لبن بلغة رصينة، في حين لم تخلُ القصص التي كتبها أبو لبن من براءة، سواء من حيث الفكرة المطروحة، أو أسلوب التعامل معها.
ففي كلمة الغلاف يحضر الناقد ليشير إلى أن المجموعة بقصصها تشكل عالمًا مغايرًا ومختلفًا من المسكوت عنه في الثقافة العربية، وأنها تناقش ثقافة العيب في المجتمعات العربية، بحمولاتها المتجذرة في ثقافتنا وغير المألوفة.
وفي القصص تبرز براءة القاص وهو يرصد حالات عاشها ويعيشها فتيان على مشارف البلوغ. ويلاحظ الجرعة الزائدة لدى الكاتب في الكتابة عن محرمات تتصل بلهو أطفال غير بريء وهم يتلصصون على بلوغ يوشك أن ينقشع عن طفولتهم المتعبة، فها هي "ابتسام" الفتاة اليافعة تتلصص على شقيقها الصغير العاري، وها هو الفتى اليافع يتلصص على الأم وهي تشمر عن ثوب نومها، وتثنيه تحت سروالها الوردي، كاشفة عن بياض يلامس ضوء النهار. وها هم الأطفال يكبرون وفي ذهنهم ممارسة ما يفعله الكبار، إذ يكبر عمر ويصير يسهر مع أصحابه إلى ساعة متأخرة من الليل، ويهاتف صبية بصوت مسموع. وها هي أخته ابتسام تخفي وردة حمراء جافة ألقاها صبي تحت قدميها وهي ذاهبة بمريولها المدرسي إلى المدرسة.
هنا حوار معه:




(*) صعب أن نبدأ حوارنا من دون أن نسأل: ما الذي يجري في فلسطين الآن؟
لا يخفى على أحد أن ما يجري على أرض فلسطين، وخاصة غزة، هو حرب إبادة وتهجير لتحقيق الحلم اليهودي المزعوم بدولة إسرائيل الكبرى، في واقع عربي بائس، وإن الشعوب العربية متعطشة للدفاع عن أرضنا المقدّسة، لكن الأنظمة العربية بمعظمها تخشى على مصالحها وكراسيها في الحكم، وهذا يفسّر ما يجري في اجتماعات الزعماء العرب، وفي الكواليس التي ستتكشف بعد الحرب، لكن إيمان الفلسطيني بعدالة قضيته وحقّه في إقامة وطن مستقل يدفعه للقتال في لحظة تاريخية لا تتكرر.



ومن هنا نرفع الصوت عاليًا في وجه الظلم، هذه فلسطين التاريخية أرض الأباء والأجداد، والدفاع عنها واجب مقدّس بكل الوسائل والطرق، وقتال الغزاة المحتلين وهزيمتهم وطردهم، وتعود أرض فلسطين لأهلها منتصرين على أعداء الأمة العربية.

(*) يؤخذ عليك أنك تقسو بأرائك النقدية على التجارب الجديدة. ماذا تقول؟
المسألة لا تتعلّق بالتجارب الجديدة، إنما ما يكتب من نصوص إبداعية، سواء تجارب جديدة، أو تجارب مبدعين كبار. هذه ليست قسوة في الرأي، لكن القارئ اعتاد على النقد المجامل، أو غير الموضوعي في أغلبه. كتاباتي النقدية، كما أدّعي، تُعيد للنقد موضوعيته، وعلى النقاد أن لا يخضعوا لسطوة الأسماء الكبيرة مهما كانت، وأن يبتعدوا عن المجاملة في ما يكتبون تحت ذريعة تشجيع التجارب الجديدة. على النقاد أن يكونوا منصفين، وهذه ليست قسوة في النقد كما يُظن.

(*) في مشاركتك في الندوة التي دعا إليها مختبر السرديات الأردني، أشرت إلى أن هنالك ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الروايات الصادرة حديثًا، مقارنة مع ما كان يصدر سابقًا. هل هذا الكم جاء على حساب النوع؟ وهل تقصد بقولك الساحة الأردنية، أم الأمر يشمل الساحة العربية أيضًا؟
نعم. هنالك استسهال في الكتابة، ليس فقط في الأردن، وإنما في الأقطار العربية كلّها. ويأتي الاستسهال على حساب النوع، فالفضاء التكنولوجي، والطباعة، والجوائز، وغياب النقد الموضوعي، كل هذا وذاك دفع إلى نشر كمّ هائل من الإصدارات، لنجد فوضى لا حدود لها، من دون أن يستطيع النقد مجاراة كل ما يصدر من كتب والوقوف عليها.




لذلك يتخيّر الناقد من بين هذا الكم ما هو في دائرة الإبداع الحقيقي.

(*) نعرف أن الكاتب وليد بيئته. هل ترى أن الكاتب العربي تتوزع اهتماماته، أو انشغالاته، بحسب بيئته الجغرافية، بمعنى: هل ثمة فرق، مثلًا، بين الكاتب الخليجي والكاتب القاطن في المغرب العربي، من حيث الهواجس والاهتمامات؟
أظن أن الكاتب العربي ليس مقيدًا ببيئته الجغرافية، بل هو يكتب بأفق إنساني واسع، ولا أنكر أن للبيئة تأثيرًا بيّنًا على الكتابة، لكنّها تتّسع حسب رؤيته للعالم، ووعيه لقضايا إنسانية كبرى، ينشغل بها الكاتب، وتنعكس على تجاربه الإبداعية.

(*) كنت عضو تحكيم في أكثر من جائزة عربية. بصراحة، هل يخضع الفوز لاعتبارات أخرى، غير اعتبار الإبداع؟
لا توجد جائزة في العالم لا تخضع لاعتبارات خاصة بها، وكثيرًا ما تتدخّل السياسة في منحها للفائز، أو للفائزين، ولكن ليس على حساب الإبداع، يبقى الإبداع شرطًا أساسيًا في المفاضلة بين النصوص، وإن تساوت في منزلتها، هنا تتدخّل الاعتبارات الأخرى.

(*) صدرت لك حديثًا مجموعة قصصية. لماذا القصة وأنت ناقد محترف؟
كتبتُ القصة القصيرة قبل النقد، ونشرت أول قصة في جريدة "الدستور" الأردنية، والقصة الثانية في مجلة "القصة" المصرية، والأمسية القصصية الوحيدة التي شاركت فيها كانت في عام 1990 في نادي القصة بمصر، وأعتقد أن كتابتي للقصة القصيرة هي انعكاس لواقع مرير نعيشه، واستطعت ـ كما أزعم ـ تناول قضايا مفصلية في حياة الناس، وتمسّ تابوهات يصعب التعبير عنها في مجتمعات محافظة، وخاصة في مجموعتي الأخيرة "أنفاس مكتومة"، وعندما أكتب القصة أتخلّص تمامًا من سلطة النقد.

(*) حدثنا بشكل عام كيف ترى المشهد الإبداعي العربي الآن، وإذا كان لديك ما تودّ أن تخص به المشهد الإبداعي الأردني؟
أرى أن المشهد الإبداعي عربيًا في الألفية الثالثة يتفوّق على ألفيتين سابقتين، وخاصة في الأردن، وهذا التفوق يأتي من خلال المنجز الإبداعي المتميز، بعيدًا عن الكم من الإصدارات، فهنالك ما يستحق تناوله نقديًا، لأنه يُعد إضافة نوعية على ما تم إنجازه في العقود السابقة، ونحن نشهد تطورًا في المفاهيم والأساليب، وهذا يُتيح للكاتب التجريب في أشكال الكتابة المختلفة.

(*) فلسطين كانت حاضرة بقوة في المشهد الإبداعي العربي. ما رأيك، هل تراجع هذا الحضور؟
هنالك قضايا أثقلت كاهل العربي، والكتّاب خاصة، فلم تعد القضية الفلسطينية وحدها التي تُؤرق الكاتب العربي، فقد اتّسع الفتق على الراتق، وما نشهده من صراعات وحروب واقتتال في بقاع عديدة في الوطن العربي دفع الكتّاب العرب إلى النتح من أوعية كثيرة، وأصبحت القضية الفلسطينية وعاء ضيّقًا على الكتابة. رغم ذلك تبقى القضية الفلسطينية هي مركزية الصراع مع العدو الصهيوني، والإبداع العربي ليس في منأى عن القضية الفلسطينية، فدواوين الشعر والروايات والقصص والمسرحيات والفنون البصرية والسمعية فاق عدد شهداء فلسطين.

(*) تقول إن الإبداع العربي بأشكاله المختلفة فاق عدد شهداء فلسطين، هذا من حيث الكم، ماذا عن النوع؟ أنا أرى أنه لم يكن بمستوى المأساة الفلسطينية، وأن كثيرًا منه جاء للتنفيس عن الشعوب العربية، وليس مناصرة للقضية الفلسطينية، كما أرى ضرورة أن نفصل بين الإبداع الفلسطيني في هذا المجال، والإبداع العربي. ما رأيك؟
أنا أتفق معك تمامًا في ما ذهبت إليه. وهذا محور يحتاج إلى حديث مفصل وأطول.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.