}

خطوط في الحجر.. وقصائد أخرى

أسامة إسبر أسامة إسبر 3 أكتوبر 2021

خطوط في الحجر(*)


أنظرُ إلى خطوط في الحجر
فأراها تصنعُ ملامح وَجْهٍ
تفتحُ له الريح بابًا كي يرحل.
عصارةُ أعشاب البحر البنية
تلوّنُ الموجة القادمة.
ما ينفرشُ ليس مرجًا أخضر
بل ماء ينساب بمكرٍ
ثم ينحسرُ راميًا بقاياه على الرمال.
في هذه الحركة من المدّ والجذر
يستسلم الحجرُ
يتزحزحُ من موضعه
ينقلبُ وتتغيّر وضعيته.
ثمة يدٌ تعمل
وأعين ترى
ثمة أشياء تتقدّم وتتراجع.
وعلى كانفاس الفراغ الذي كنتُ فيه
شعرتُ أن فمًا يُطْبق عليّ
ويدين تشدانني إلى أسفل
كأنني في بطن حوت الفراغ
أبحث عن مخرجٍ في ظلمة مُطْبقة.
غير أن عينيّ سرعان ما استيقظتا
على عتبة الواقع البحري
في الرائحة المكثّفة للأحشاء المنقلبة
على الرمال حيث تتصاعد الأحماض الكبريتية
من الأعشاب المهشّمة بين الصخور
وتحلق أجنحة بيضاء
لطائر المدّ الذي لا يمنحه المحيط
فرصةً كي يطير بجسد مكتمل.
فجأة حط نَسْرُ الضوء قليلًا
باسطًا جناحيه على مدى الأفق
ثم ارتفع آخذًا معه صور الشاطئ
التي حمّضها وعلقها على أسلاك الغروب.



حجر السؤال





(1)
ترتسم دوائر الآن
في قاع لحظتي.
للماء لونٌ عاتم
حيث سقط حجرُ السؤال.


(2)
في القاع
لا شكل للزمن.
كل ما يتحرك سؤالٌ
ارتطم كحجرٍ
رسم دوائر
في الماء القاتم
لما لا أفهمه.


(3)
أي لحظة تنضجُ الآن
على نار عبورها،
بجناحيْ غرورها الملوّنين
بفراغٍ يتمطّى خلفها وأمامها
ككلب مدلّل؟


(4)
الآن، أجلسُ على كرسي
أمامي طاولةٌ
على يميني نافذةٌ
مطلةٌ على شارع
يتدفق فيه نهر معدني
يصبّ في مرآبات منازل
تعيش فيها السيارات
كأنها أفراد من العائلة.


(5)
الآن، أجلسُ على كرسي
أسمعُ تغريدَ طيورٍ
أراها تتقافز على الأسطحة.
مناقيرها مشغولةٌ بأشيائها
عيناي مشغولتان بها.


(6)
الآن، ألمح رسائلَ في الجو
سعاةَ بريد يوصلونها إلينا
غير أنها تبقى مكومة على العتبات
أو في صناديق لا نفتحها.
الآن، الضوء يدخل من نافذتي
يقول: إن النهار شارف على الأفول
بدأ يذوب في ذاته
ويصير إناءً لليل.



زهرة ليلة القدر




(1)
للجسد مدّهُ وجزرهُ كالمحيط.
ينمو كشجرةٍ
وحين يزهرُ يقامرُ بوروده كلها،
غير مكترثٍ،
على مائدة لحظةٍ واحدة.
وبوسع الجسد أن يثمرَ
على أغصان أجسادٍ أخرى
وأن يتدفّق كينبوعٍ
كي يسقي نفسه وغيره
وأن يكون الموجةَ
في أعالي صواري المدّ
حيث تعبر الظهيرة
في بشرة ضوء مشتّتٍ
بين الماء والفضاء.


(2)
يا زهرة الكادابول(**)،
يا زهرة ليلة القدر
يا مليكة الليل،
هل أنت الجمال تحت القمر، كما يقولون،
أم تعيشين في أضوائك الهاربة؟
تفتّحك في الليل،
بعيدًا عن الأضواء
وتويجاتك العابرة،
التي لا تبقى إلا لساعات
وعطركِ الهارب،
يروون قصتي
كما ترويها الفضة المخادعة
لمنتصف نهارٍ بحري
والذهب الماكرُ
للحظات ما قبل الغروب
الذي يحوّل الرمال إلى سماء شهوانية.
يا زهرة ليلة القدر،
حين يتراجعُ المدّ على شاطئ حياتنا
تهربُ قسماتٌ من وجوهنا
وتحتلها أخرى،
يهرب الوهج
إلى شقوقٍ في جدران الذاكرة
فنُصْلي لأسماكه
شِباكَ الكلمات.


(3)
حين تراجع المدّ على شاطئ المحيط
كان أوّل ما رأيته
طحالب حمراء ملتصقةً
على الصخور وفي القيعان الرملية
تعيش مثلك ومثلي يا زهرة الكادابول
على طرقات المدّ والجزر.
ورأيتُ حيث لا يعثرُ الضوء على طريقه
طحالب بنية خيطية
لها أشباهُ جذورٍ،
كأنها لا تريد أن تنتمي
إلا إلى لحظة نموّها.
ورأيتُ طحالب ذيل الطاووس
شامخةً في ضحالة المياه
وطحالبَ فلفل البحر
التي تشبه الفقاعات
كأنها تنتمي إلى الزبد.
كان جسدها يلتصق وينمو متفرعًا إلى الأعلى
وله دروبه.
وخلتُ نفسي أتنقل تحت الماء وبين الصخور
في قاع حياتي
وأبحثُ عن الأشياء الغارقة.

هامش:

(*) الصور بعدسة الشاعر.
(* *) زهرة الكادابول: نسميها في سورية زهرة ليلة القدر، تُعد من بين الأزهار النادرة في العالم، وهي تزهر فقط في الليل، وتهلك قبل الفجر. تحتاج إلى ظروف خاصة كي تنمو وتجمع بين الجمال والرائحة الطيبة جدًا، ولا يعرف العلماء حتى الآن سبب هلاكها السريع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.