}

الحرب بوصفها أعظم الشرور

أسامة إسبر أسامة إسبر 15 يناير 2024
تغطيات الحرب بوصفها أعظم الشرور
10000 طفل قتلتهم إسرائيل في غزة/من مظاهرة في أمستردام(13/1/2024/الأناضول)

تُوصف الحروب بأنها "تحريرية"، أو تشكّل نقطة تحول، أو صانعة للأسطورة، أو المجد، أو مغيّرة، أو محوّلة للتاريخ. ويتم استعراض الخسائر في الأرواح كأرقام عابرة سرعان ما تُنسى. إلا أن التأثيرات المأساوية للحروب تعمل على مستوى أعمق في البنية السيكولوجية البشرية، وتخربها من الداخل. وتلك الجراح والرضوض والصدمات النفسية والانهدامات الداخلية التي تطاول المدنيين والعسكريين المقاتلين في الحرب تظل مجهولة بالنسبة للقراء، أو المشاهدين.
ولهذا، يأتي كتاب كريس هيدجيز "الحرب هي أعظم الشرور" كنقطة انعطاف في الدراسات التي تتناول الحروب. أثنى على الكتاب نوعام تشومسكي قائلًا "إنه إسهام على درجة عالية من الأهمية في أزمنتنا المضطربة". فهو يعري الحروب من الداخل، ويكشف ويلاتها، ويسلط الضوء على الجراح النفسية التي تحدثها لدى الجنود والمدنيين. ويشير بإصبع الاتهام إلى مهندسيها الذين لم يشاركوا لا هم ولا أبناؤهم في أيٍّ منها، ولا يعرفون شيئًا عن مآسيها، بل يكدسون الأموال ويعيشون في جو من الترف الهائل الذي توفره لهم.



هنالك كتب تأتي في وقتها كي تكشف حقائق مغيبة، وتشكل سردية مضادة قادرة على اختراق ضباب إعلام التيار الرئيس، والقصص التلقينية والتلفيقية. وكتاب كريس هيدجيز "الحرب هي أعظم الشرور" الصادر حديثًا بالإنكليزية في أميركا عن دار سيفن ستوريز بريس، فيما نيران الحروب تشتعل في غزة، وأوكرانيا، والسودان، يقدّم شهادة حيّة عن الحروب في سياقها، في قارات عدة. ذلك أن المراسل الصحافي الحاصل على جائزة بوليتزر غطى حروبًا كثيرة، وكتابه ثمرة لتجربته في تغطيتها. يفكك ويعري فيه الأكاذيب التي تصور الحروب على أنها عظيمة وصانعة للأمجاد، كالحرب العالمية الثانية التي حاول الإعلام الأميركي أن يلمّع عن طريقها صورة أميركا في العالم.




يقول هيدجيز في الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "الحرب هي أعظم الشرور": إن أية حرب استباقية هي جريمة حرب، سواء أكانت ناجمة عن الأكاذيب، كحرب العراق، أم عن انتهاك الاتفاقيات وعدم التقيد بها، كحرب أوكرانيا. فالحرب شيطانية بالمقاييس كلها، والدرس الرئيس الذي تعلّمه هو أننا نفقد أهميتنا ككائنات بشرية متميزة، ونصبح أرقامًا وعلفًا، ومجرد أشياء. يُضحى بالحياة المقدسة والثمينة على مذبح إله الحرب الذي لا يشبع. ويقتطف هيدجيز ما قاله الشاعر وولت ويتمان الذي عمل ممرضًا أثناء الحرب الأهلية الأميركية في المستشفيات في يومياته: "إن الحرب الحقيقية لن تدخل الكتب أبدًا. إن تاريخها الداخلي لن يُدون، ولن تتم الإشارة أبدًا إلى بعدها العملي ودقائق أعمالها وأهوائها". فالحرب تدمر جميع الأنظمة التي تدعم الحياة وتغذيها: العائلية والاقتصادية والثقافية والبيئية والاجتماعية. وحالما تبدأ لا أحد يعرف ما الذي سيحدث، وكيف ستتطور، وكيف تدفع الجيوش والأمم إلى حماقة الانتحار.
في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان "وقائع حرب متنبأ بها"، يقول هيدجيز إن الحرب تحتاج إلى أعداء كي تغذّي نفسها، وحين لا يُعثر على أعداء يتم تصنيعهم، وهذا ما جعل فلاديمير بوتين هتلرًا جديدًا، كما وصفتْهُ آلة الدعاية.
في الفصل الثالث الذي جاء بعنوان "ضحايا لهم قيمة وضحايا بلا قيمة"، يتحدث عن تقسيم ضحايا الحروب في العالم إلى ضحايا جيدين وضحايا سيئين، ضحايانا وضحاياهم، ضحايا يُسمح لنا بأن نحزن ونشعر بالشفقة عليهم، وضحايا يُعاملون كالأرقام يتم تحجيم معاناتهم وطمسها عن طريق شيطنتهم. وأكبر مثال على هذا هو الصورة التي عُممت عن سكان غزة بأنهم حيوانات، وبالتالي فقتلهم مبرر. هذا التقسيم إلى ضحايا بقيمة وضحايا بلا قيمة، أشار إليه تشومسكي، وإدوارد هيرمان، في كتاب "صناعة الإذعان: الاقتصاد السياسي للإعلام الجماهيري"، وهو مكوّن أساسي للدعاية، خاصة في زمن الحرب، والعقلية التي تستند إلى ترويج الدعاية الكاذبة تعتمد مقولة: نحن الجيدون وهم السيئون، أو بعبارة أدق: نحن الأخيار وهم الأشرار. وهكذا، كما يشير هيدجيز، يصبح السبب الكامن وراء شن الحرب مقدسًا وحملة صليبية دينية. ويتم التخلي عن الدليل المستند إلى الحقائق، كما حدث أثناء الدعوات لغزو العراق. وفي هذا السياق، يصبح الدجالون والكذابون والمخادعون والمنشقون المزيفون والانتهازيون خبراء، ويصبّون الزيت على النار. ويتم توظيف مشاهير هوليوود، مثل جورج كلوني، في حملات دعائية للتعاطف مع "الضحايا الذين لهم قيمة"، في دارفور، فيما "الضحايا الذين بلا قيمة" يتبخرون في نار القصف في العراق.
يسلط هيدجيز الضوء على الإعلام الأميركي المؤيد للحرب على العراق، ويقول إن الجدل كان منعدمًا تقريبًا في الدوائر الإعلامية الأميركية حول حماقة غزو العراق بين المراسلين. ورفض كثيرٌ منهم أن ينتقدوا الحرب، ويعرّضوا وظائفهم للخطر. لم يريدوا أن يكون مصيرهم كمصيره، بعد أن تعالت صيحات الاستهجان ضده، وأصبح كيس ملاكمة لإعلام الجناح اليميني على حد تعبيره. وأضاف أنه كان يسير في غرفة الأخبار، وبين الصحافيين الذين عرفهم لسنوات، وكانوا يشيحون بصرهم عنه، ويديرون رؤوسهم كأنه مصاب بالجذام.
يتحدث في الفصل الرابع عمن يسمّيهم قوّادي الحروب، قائلًا إنهم المتلونون الذين يتبدلون ببراعة مع الرياح السياسية، ويتنقلون بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، يتحولون من محاربي حرب باردة إلى محافظين جدد، إلى أشباه مثقفين، وقوادين لمراكز القوة، ويشكلون دولة داخل الدولة. يبيعون الخوف الدائم، والحرب الدائمة، ووجهة نظر عنصرية حول شعوب العالم الأخرى. إنهم كمثل سلالة متحولة من جرثومة مقاومة للمضاد الحيوي لا يمكن أن يُهزموا. ولا يهم إن كانوا مخطئين، أو كانت نظرياتهم سخيفة، أو كم مرة يكذبون، أو يحطون من قدر ثقافات ومجتمعات أخرى، أو كم تؤدي التدخلات العسكرية الإجرامية إلى نتائج سيئة وكارثية. إنهم دعائم لا يمكن إزاحتها، وأسياد سلطة طفيليون يتم تقيؤهم في أيام احتضار الإمبراطورية، ويقفزون من كارثة هازمة للذات إلى أخرى. وهم يتبنون قومية عمياء جزئيًا تمنعهم من رؤية العالم من أي منظار ليس منظارهم، ولا يعرفون أي شيء عن آلية الحرب وعواقبها، أو نتائجها الكارثية، وعن الشعوب والثقافات التي يستهدفونها. يؤمنون أن لهم حقًا مقدسًا لفرض قيمهم على الآخرين بالقوة. سماهم جوليان بيندا "برابرة الأنتجلنسيا الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم". ويضيف هيدجيز أنهم دعاة أيديولوجيون لا يُحاسبون أبدًا. وإذا لم نوقفهم عند حدهم سيقضون على الحياة كما نعرفها على هذا الكوكب.




في الفصل السابع، الذي جاء بعنوان "أزمة وجودية" يتحدث كريس هيدجيز عن عودة الجنود المتطوعين من الحرب، والذين لا يواجهون صدمة، أو استلابًا، بل أزمة وجودية. فالحرب، كما يقول، تفضح الأكاذيب التي نقولها لأنفسنا عن أنفسنا وتكشف نفاق أدياننا ومؤسساتنا العلمانية. والذين يعودون من الحرب يكتشفون الأكاذيب، وأن الحرب ليست نبيلة، ولا عظيمة، وأننا نحمل في أنفسنا قدرة الشر التي ننسبها للآخرين الذين نحاربهم. ويرى هيدجيز أن هنالك فرقًا بين قتل من يحاول قتلك وإزهاق روح شخص لا يمتلك القدرة على إلحاق الأذى بك. إن العملية الأولى قتل للدفاع عن النفس، أما الثانية فجريمة. وما يحدث في الحروب هو جرائم. عائلات بأكملها تُقتل في الغارات الجوية. ويُقتل الأطفال بالرصاص، وتدمر قذائف المدفعية المنازل، ولا أحد يتوقف كي ينظر إلى القتلى والمبتورين في الخلف. ويذكر الكاتب أمثلة كثيرة عن ضحايا مدنيين قُتلوا في العراق بهذه الطريقة.
ينتقد الكاتب المؤسسات الدينية في أميركا، ويتهمها بأنها تلعب دورًا في تبرير الجرائم التي تُرتكب ضد الآخرين عبر تصويرهم بلغة عنصرية. إن عجزها كلها تقريبًا عن معالجة جوهر الحرب جعلها بلا فائدة. وهي ليس لديها ما تقوله في وقت الحرب، لأن الإله الذي تعبده مزيف، يعدُ بالنصر من يُطيعون القانون ويؤمنون بالمصير الجلي للأمة. ويضيف هيدجيز أننا كلنا نصبح متواطئين أثناء الحروب. وهي تُخرج إلى السطح أسوأ العناصر والصفات في أي مجتمع، فأولئك الذين لديهم نزوع إلى العنف وشبق للسلطة المطلقة يقلبون النظام الأخلاقي رأسًا على عقب. يطرح مثالًا على ذلك من تغطيته للحرب في سراييفو، حيث كانت طبقة المجرمين، كما يقول، هي أول من نظّم الدفاع عن المدينة. وحين لا يكون هؤلاء المجرمون على حواجز الطرقات لصد الجيش الصربي الذي يحاصر المنطقة ينصرفون إلى النهب والتعفيش واغتصاب الفتيات القاصرات، وقتل السكان الصرب في المدينة. أما السياسيون، أو رجال الدولة الأقوياء الذين يتحدثون عن الحرب كأداة للقوة، الذين يشنونها، ولكنهم لا يعرفون حقيقتها، فهم ينظرون إلى الحرب كجزء من لعبة الأمم العظيمة، ولهذا يفتقرون للأخلاق كالمهرجين الدينيين الذين يساعدونهم. وحين تنتهي الحرب ما يقولونه لنا في مذكراتهم السميكة عنها خادع وفارغ.
يعتمد هيدجيز في كتابه أسلوبًا سرديًا شيقًا في بعض الفصول عن طريق حوارات أجراها مع ضحايا الحروب، ومع جنود جرحى خائبي الأمل، ومتطوعين صدمتهم حقائق لم يتوقعوها. ويستعرض أفلامًا وثائقية تحتوي على مقابلات مع مجرمين ارتكبوا إبادات جماعية وصفوا قتلهم للناس على أنه رياضة ممتعة كما حدث في إندونيسيا، حيث قُتل مليون شخص في حملة تطهير ضد الشيوعيين. يستند المؤلف أيضًا إلى حكايات واقعية، وذكريات المصابين، أو الذين استيقظوا فجأة وفهموا اللعبة. ولو أن كريس هيدجيز ضمّن أصواتًا عراقية تعبّر عن الضحايا في كتابه، ومن المنظار نفسه، لمنحه عمقًا إضافيًا.

نقطة من الشر الإسرائيلي في الحرب على رفح في قطاع غزة (9/ 1/ 2024/ الأناضول)


في الفصل التاسع، الذي يحمل عنوان "حين تعود الجثث إلى الوطن"، يناقش ما تحدثه الحرب من تأثيرات، قائلًا إن اليأس والميل إلى الانتحار يهيمن على الناجين، ذلك أن الصفات اللاإنسانية التي أُشبع بها الجنود في زمن الحرب تهزمهم في زمن السلم. هذا ما علّمناه إياه هوميروس في "الإلياذة"، الكتاب العظيم عن الحرب، وفي "الأوديسة" الكتاب العظيم عن رحلة الشفاء التي يقوم بها القتلة المحترفون. لا يستطيعون أن يتواصلوا عاطفيًا مع زوجاتهم وأطفالهم، أو أصدقائهم. وينسحبون إلى جحيم، خاصة من الخدر المدمر للذات والألم والغضب. وكما يقول أحد الجنود العائدين الذين حاورهم هيدجيز: "يبرمجونك على أن لا تكون لديك عاطفة، لكن حين تعود من الخدمة لا يوجد زر تستطيع الضغط عليه كي تشغل عواطفك من جديد. تتجول كزومبي. لا يحررونك من البرنامج الذي وضعوك فيه، وإذا صرت مشكلة فإنهم يعتّمون عليك".
في الفصل الثاني عشر، الذي جاء بعنوان "الحرب كأسطورة" يقتطف هيدجيز كلام ليون وولف الذي قال في كتابه "في حقول فلاندرز، حملة 1917": "لو أن الناس يعرفون الحقيقة لتوقفت الحرب غدًا، لكنهم بالطبع لا يعرفون ولا يستطيعون أن يعرفوا. فالمراسلون لا يكتبون، والرقابة لا تسمح بكشف الحقيقة".
إن دراسة الحروب السابقة، كما يشير هيدجيز، تمنحنا القدرة على فهم الحروب الحالية. فالجمهور يُغذى بالأسطورة التي يتوق إليها. ويتم الاحتفاء بفضائل قومية مفترضة وبالكبرياء العسكرية. ويسمح لسكان مستلبين بأن يشعروا أنهم جزء من حملة نبيلة. ويجعل الاحتفاء بالقوة التدميرية للسلاح الناس يشعرون بأنهم أقوياء كأشخاص. إن الحروب القديمة والحديثة كلها مزينة بهذه الأسطورة. ويختتم هيدجيز هذا الفصل قائلًا إن الحرب علّة وجود المجتمع التكنولوجي. فهي تحرر الشياطين، والذين يربحون عن طريق هذه الشياطين، هنا والآن، يعملون بكد كي يبقوها مخبأة.
جاء الفصل الثالث عشر بعنوان "النصب التذكارية للحرب"، ويلقي الضوء على المتاحف والنصب التذكارية التي تخفي القصة الحقيقية للحرب. فما يُعرض في متاحف الحروب يمجّد الذبح ويحضّر الأمة للجحيم التالية. إن الهدف من هذه المتاحف والنصب هو تحويل الحرب إلى أسطورة تصنع ذاكرة جماعية تضفي طابعًا نبيلًا عليها.
في الفصل السادس عشر، الذي يحمل عنوان "الحرب المستمرة" يتحدث المؤلف عن واقع الحال في العالم العربي قائلًا إن حالة الحرب المستمرة، لا الإسلام، هي التي قضت على الحركات الديمقراطية التي كانت تشكل وعدًا عظيمًا في القسم الأول من القرن العشرين. وحالة الحرب المستمرة هي التي تقضي على التقاليد الليبرالية في إسرائيل والولايات المتحدة. ويستشهد هيدجيز برواية دوستويفسكي "مذكرات قبو"، التي توضح ما يحدث للثقافة حين تصبح الطبقة الليبرالية مجموعة من الحالمين العقيمين، وحيث يسود الحمقى والمغفلون.
ينتقد هيدجيز بشدة دعاة الحرب الدائمة، قائلًا إن المحاولة العبثية لتطهير العالم بالقوة دومًا هازمة للذات. ومن يصرّون على صياغة العالم بحسب رؤيتهم هم الأكثر ميلًا للعنف. وفي الحرب الدائمة لا يهم من نقاتل. وهي لا تتعلق بالانتصار في المعارك، أو نصرة قضية معينة، بل هي غاية في حد ذاتها. إن نظام الشركات الحاكم كما يسمّيه كريس هيدجيز لم يعد يسعى إلى البناء، بل يسعى إلى الهدم. إن من يرتزقون منه هم وكلاء الموت الذين يريدون سلطة لا تقيدها أية قوانين كي يضفوا طابعًا وحشيًا على البلاد ويلوّثوا النظام البيئي ويدمروه، ويغذوا الشبق الذي لا يشبع إلى الثروة والقوة ومبدأ اللذة، والاحتفاء بالحرب والفضائل العسكرية. في هذا السياق، نُفي الذكاء والتعاطف والخير العام. وتم الحط من قدر الثقافة وتحويلها إلى فن وطني هابط، وصُمم التعليم فقط من أجل غرس الكفاءة التقنية لخدمة الآلة الرأسمالية.
يعود هيدجيز إلى سيمغوند فرويد، الذي قال إن هنالك غريزتين أساسيتين تحركان المجتمعات والأفراد، هما غريزة الحياة وغريزة الموت، التي يدفع إليها الخوف والكراهية والعنف. إن شبق الموت كما فهمه فرويد لا يكون مخيفًا في البداية، بل مثيرًا ومغريًا. ويعقّب هيدجيز أنه لمس هذا في الحروب. شاهد قوة كمثل قوة الله يولّدها الأدرينالين فيدبّ الحماس في وحدات الجيش، أو في المجموعات العرقية، أو الدينية، ما يمنحها رخصة لتدمير كل ما حولها. كان فرويد واعيًا لخطر هذه الدوافع، وحذّر في كتابه "قلق في الحضارة" أننا إذا لم نضبطها ونتحكم بها سننتهي. أشار فرويد إلى أننا كبشر لا نميل في البداية إلى أن نحب بعضنا بعضًا كأخوة وأخوات، بل إلى أن "نشبع عدوانيتنا ضد أخوتنا البشر، ونستغل قدرتهم على العمل بلا أجر، ونستغلهم جنسيًا من دون موافقتهم، ونستولي على أملاكهم، ونذلهم، ونسبب لهم الألم، ونعذبهم، ونقتلهم". إن حرب البوسنة، بميليشياتها الصربية، ومعسكرات اغتصابها، ومراكز تعذيبها، والقرى المحروقة، والإعدامات الجماعية، كانت أحد الأمثلة العديدة على حكمة فرويد الذي عرف أننا أمام خيارين: إما أن نحافظ على حضارتنا، أو ندفعها إلى دمار يسوقنا إليه دعاة الحرب الدائمة الذين يقودون سباق التسلح وإذكاء النزاعات والصراعات ويفتقرون إلى الرؤية السياسية، الأمر الذي يهدد بالقضاء على النظام البيئي، وإنهاء الحياة على الأرض بحرب نووية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.