وتصور الأيقونة السيد المسيح ومريم العذراء، والعشاء السري تحيط بها أيقونات الأعياد، كما تحيط بأيقونة السيد المسيح أيقونات تمثل الرسل الإثني عشر، ومشهد الدينونة الذي يصور فوق الباب الغربي – باب الخروج من الكنيسة. كما تصور القديسين الذين يجسدون القيم الإنسانية والروحية الرفيعة التي تمثلت بمسيرتهم وحياتهم وتضحياتهم من أجل هداية الإنسان.
أوّل من صور الأيقونة ووضع قواعدها هو الطبيب الرسام القديس لوقا الذي صور ثلاث أيقونات تمثل مريم العذراء، وقد فقدت هذه الأيقونات وبقيت النماذج المنقولة عنها والتي تنسب إليها.
أصبح هذا الفن بأيدي الرهبان الذين اعتمدوا في تصويرهم على مخيلتهم وعلى المحاكاة والمماثلة للأشكال المرئية التي تتناسب مع القيم الكلاسيكية المثالية، وأضحت صور القديسين بسيطة في تشكيلها، غنية في رموزها ودلالاتها المقدسة، ومحاطة بمفردات تزينية، وهكذا وضعت الفنون البصرية في رعاية الكنيسة وبات هذا الفن ينمو في رعايتها، ويتخذ له تقاليد خاصة تخضع للمفاهيم الدينية المسيحية حتى بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام، ولم يتدخل المسلمون في شؤون الكنيسة والأديرة المسيحية.
يعود أقدم أثر للأيقونة إلى عام 240م وقد وجد في (دورا أوروبس) في بيت للتبشير والعماد مزين بصور جدارية تعالج مواضيع من الإنجيل.
إنّ رهبان الأديار في بلاد الشام أوّل من رسم صورة المسيح المصلوب، وقد رسموه نحيل الوجه، صوفي الملامح، ذا لحية مدببة صغيرة، عيناه سوداوان، شعره ناعم مسترسل على كتفيه، تغمره المهابة والجلال، وتحيط بهامته هالة من نور. وصور الفنان مريم العذراء بشكل جليل مهيب ووجه مستطيل وثياب فضفاضة ووقفة رصينة وقورة.
وتعتبر أيقونة "العذراء الرحيمة" من أقدم الأيقونات السورية، وكانت تعرف باسم الأيقونة الشامية أو سيدة دمشق، وقد نقلها التجار إلى رودس عام 1475 ثم نقلت إلى كنيسة "لافاليتا" عاصمة مالطا عام 1830، والمتأمل في هذه اللوحة يؤخذ بجمالها، وكأنه في حلم.
الأيقونات في بلاد الشام
انتشرت الأيقونات في بلاد الشام من القرن الرابع حتى القرن الثامن الميلادي، وأبرزها تلك الصور التي كان يحملها الحجاج معهم بعد زيارة قبر السيد المسيح، أو قبور القديسين والشهداء التي كانت منتشرة في فلسطين.
كانت الأيقونة ترسم على لوح من الخشب (سرو- صنوبر) وتغطى بالقماش وتطلى بمزيج من الكلس والصمغ، ويرسم المصور فوقها خطوط الوجه أو المشهد، ثم يباشر التكوين الممزوج بماح البيض، ويستعمل اللون الأصفر لتلوين الوجه، ويظلل بلون أبيض رصاصي، وكثيراً ما تكون بعض التفاصيل من الصفائح المذهبة، أما الألوان فهي من الذهب الوهاج الذي يملأ الخلفية والأرجوان والأخضر والأزرق (اللازورد الداكن يرمز إلى الظلام والليل المرصع بالنجوم، والأزرق الصافي يرمز إلى السماء والنهار، واللون الذهبي يرمز إلى الألوهة الساطعة الضياء).
كانت الأيقونة تنجز على جدران المعابد المسيحية القديمة بملاط خاص وترسم وتلون بالألوان الترابية والمائية، وأقدم نسخة أنجزت في كنيسة سمعان العمودي بالقرب من حلب وهي محفوظة في متحف اللوفر في باريس.
الأيقونة هي كلّ رسم أو تصوير كنسي طقوسي ويرسم على الجدار أو على لوحة خشبية أو في الكتب أو على الأدوات المستعملة للتبرك
|
مدرسة حلب
نشأت مدرسة حلب للفن الأيقوني في مطلع القرن الثامن عشر، وأخذت تظهر محاولات للتمسك بالقيم والتقاليد المحلية، وكان في طليعة الرسامين يوسف المصوّر المعروف بالحلبي، فقد وُلِدَ في حلب في أواخر القرن السادس عشر، وتوفي في عام 1667، ويعتبر الرائد الأول للفن الأيقوني في سورية، وقد عثر على أربع أيقونات تنسب إليه.
والثاني هو نعمة الله يوسف المصوّر، وينحصر إنتاجه الفني بين 1686 – 1722، وتكاد لا تخلو كنيسة كبرى في سورية ولبنان من إحدى أيقوناته، وقد برع في صياغة الموضوعات الدينية بأسلوب تصويري له علاقة بالأساليب المحلية، وتمتاز الأيقونة لديه بعفوية التصوير وجمال التكوين، ووضوح الملامح وصفاء المساحات اللونية، وقد وردت أشكاله في تكوينات مناسبة ومفردات منمقة، تتوزع على خلفية مزدانة بالرسوم النباتية والتوريقات النمطية المستمدة من الفن العربي، ويتجلى بوضوح في الأيقونة التي تمثل السيد المسيح بصورة الملك وأيقونة السيد العذراء.
والثالث هو الشماس حنانيا الحلبي المصوّر الذي وُلِدَ في أواخر القرن السابع عشر وعاش في حلب وتوفي فيها بعد عام 1740.
تتلمذ على يد والده، واتصفت أعماله بالصياغة الدقيقة والتكوينات الفنية، والسعي إلى محاكاة الطبيعة في تصوير الملامح الإنسانية، متأثراً بالفن الإيطالي، وهذا ما نلمسه في أيقونة "العذراء الملكة" التي أنجزها عام 1737، والموجودة في كنيسة الروم الأرثوذكس في حلب وأنجز مع والده أيقونة "الدينونة" المحفوظة في كنيسة الأربعين شهيداً في حلب.
وقد بدا أسلوب حنانيا واضحاً في لوحة "الملاك ميخائيل" الموجودة في متحف سرسق في بيروت، وظهر تأثر الفنان بأساليب التصوير الغربية من خلال تأكيده على رسم ثنايا المعطف الذي يرتديه الملاك ودقته في الرسم، ومحاولته إظهار البعد الثالث باستخدام الظل والنور بصورة جلية.
وهناك الشماس جرجس بن حنانيا المصوّر الذي وُلِد في أوائل القرن الثامن عشر وتوفي بعد عام 1777.
حاول جرجس أن يتمثل معظم هذه المفاهيم التصويرية في إنتاجه مبتعداً عن كلّ التقاليد المحلية للفن الأيقوني، وتعتبر لوحة "آلام القديس" المحفوظة في بيروت من أشهر أعماله.
كان جرجس آخر سلالة الأب يوسف المصوّر الذين أرسوا قواعد المدرسة الحلبية في الفن الأيقوني، إلا أن هذه المدرسة ضمت عدداً كبيراً من المصورين الذين قدموا أعمالاً أيقونية كثيرة دون أن يوقعوا أسماءهم عليها تماشياً مع آداب هذا التصوير، وامتد هذا التأثير إلى مدرسة القدس التي عملت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والتي تضم ميخائيل مهنا القدسي ويوحنا صليبا القدسي ونقولا القدسي ويحتمل أنهم كانوا يعملون في محترف خاص.
وما زالت المدرسة الحلبية للفن الأيقوني مستمرة على أيدي فنانين معاصرين من أمثال جبران هدايا وجميل كنهوش وشمعون شمعون، وحاول بعض التشكيليين السوريين الاستفادة من الخصائص التعبيرية في صياغة لوحة معاصرة، نذكر منهم صفوان داحول وسعد يكن وغيرهما.