}

"تعا لهون": وسم جديد للمهاجرين العرب في ألمانيا

سوسن جميل حسن سوسن جميل حسن 1 سبتمبر 2024
تغطيات "تعا لهون": وسم جديد للمهاجرين العرب في ألمانيا
بدأت الظاهرة بعد فيديو لمغني راب سوري يدعى حسن
"تعا لهون، سأوجّه إليك طعنة، أنا الزعيم، "أو المعلّم Patron". تعا لهون، تتظاهر بالمرجلة؟ ستقول لي عذرًا. تعا لهون أسحبك إلى الزاوية ويشاهد أصدقاؤك كيف أطعنك بالسكين. ألعق دماءك وأضع جثتك في كيس، تتظاهر بالمرجلة؟ تعال مع أصدقائك، أين خصيتاك؟ أين؟ لا تتحدث بكبرياء لأننا مجانين".
ظهر هذا الفيديو لمغني راب سوري يدعى حسن منذ عامين، بقي مهملًا حتى فترة قريبة، ثم اجتاح التيكتوك ومواقع التواصل الأخرى، وأصبح "ترند" بسرعة قياسية، انبثقت منه ظاهرة تنتشر بين جيل المراهقين المهاجرين في ألمانيا، يطلق عليهم باللهجة السورية أو المصطلح العربي "عجيان البانهوف"، والبانهوف هو محطات القطارات، بينما يطلق عليها الألمان اسم Talahon، كما تلفظ باللسان الألماني.
ما الذي يميز أفراد هذه الظاهرة المتنامية؟ لديهم نمط خاص في اللباس والتصرفات في الأماكن العامة، قبعة غوتشي، سترة من ماركة Kenzo الفاخرة، أحزمة فاني، سلاسل سميكة حول الرقبة، قبعات خاصة للرأس، معظم ألبستهم تحمل علامات ماركات عالمية فاخرة مزوّرة، يحلقون شعورهم بطريقة خاصة، يمضون وقتا في الأماكن العامة في المدن الكبيرة، في المحطات، على أرصفة المشاة، في الشوارع والساحات، يتباهون بالانفلات من القيود الاجتماعية، يطلقون العنان لسلوكهم من دون مراعاة لأي قيمة أو عرف أو قانون، يثيرون الفوضى والصخب، يلكمون في الهواء بقبضاتهم، يقفزون في الهواء أيضًا، يقومون بحركات رياضة الدفاع عن النفس، يبصقون على الأرض، إلى ما هنالك من سلوك غير منضبط. يصورون الفيديوهات عن نشاطهم هذا، وتجتاح مواقع التواصل، خاصة تيكتوك. يبدون على درجة من الثقة بأنفسهم، مقاطع الفيديو التي يطلقونها في تيكتوك وغيره تثير تعليقات متنوعة، بعضها ساخر، وبعضها مستهجن، وبعضها عنصري، يدركون أنهم في حالات كثيرة مثار هجاء لكن يبدو كما لو أن هناك نوعًا من التعايش، أو التواطؤ الخفي، بين الأشخاص الذين يسخرون من Talahons و Talahons أنفسهم.

المراهقة والتمرد
تعدّ المراهقة أكثر مراحل الإنسان العمرية حساسية ومفصلية لما تزخر به من تغيرات على المستوى الجسدي والفيزيولوجي والنفسي، ففي عمر الخامسة عشرة، قبله وبعده بقليل، إذ يحسب عمر المراهقة من السنة العاشرة حتى التاسعة عشرة، تتكون لديه تساؤلات كثيرة تدور في غالبها حول الذات والسؤال عن الماهية والهدف من الحياة ودور المراهق في المجتمع، فتظهر التغيرات في السلوك، والتغيرات الاجتماعية، وأول المستهدفين هم الأهل، ويبدأ الصدام فيما بينهم، يتنامى طردًا مع إحساس المراهق بهويته الخاصة المنفصلة عن هوية عائلته ومحيطه القريب، وشعوره بأنه يمتلك المعرفة والقدرة على التصرف واتخاذ القرار.




وغالبًا ما يرفض ما كان يتلقاه من أوامر وتعليمات ووصايا. زاد في الشرخ بين المراهق وذويه توافر الأجهزة الذكية والانغماس في تطبيقاتها، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي. وتتصف هذه المرحلة العمرية بأن المراهق يصبح أكثر جموحًا وجنوحًا نحو المغامرة ومواجهة الأخطار، مستبطنًا شعورًا يبهجه عندما يتلقى استحسان أقرانه، كذلك تعدّ المراهقة مرحلة يتعامل فيها المراهق مع كل شيء في الحياة بروح التحدّي في محاولة لإثبات الذات، وفي تمردهم، لا يتمردون على القوانين بشكل خاص، إنما على المعايير الاجتماعية. وفي هذه المرحلة أيضًا يبدؤون بالانفصال عن الأسرة وإقامة علاقات مع الأقران تتصف بفضول البحث عن طرائق للتميز والشعور بالانتماء، ومحاولات حثيثة للبحث عن مكانهم الخاص في المجتمع.
صحيح أن ظاهرة تعا لهون ما زالت حديثة، لكنها، في إرهاصاتها الأولى تبدو كغيرها مما حصل في أكثر من مكان وزمان في عصرنا الحالي، فثقافات الشعوب تسجّل حركات مثلها تظهر وتختفي باستمرار. كظاهرة الإيموز على سبيل المثال، يمكن عدّها نموذجًا لما يمكن أن تنحرف إليه حياة المراهق عندما تجتمع لديه كل هذه الأسئلة والتغيرات الجسدية والنفسية، ويبدأ بالبحث عن الماهية، وعندما لا يجد أجوبة لكل هذه الأسئلة يبدأ في الانهيار ويشعر بأن الحياة كلها قد اكتست بالسواد. هذا ما ميّز جماعة الإيموز، التي كان لأعضائها من المراهقين شكل مميز، فهم يطلقون شعورهم، ويلبسون الأسود، ويضعون ماكياجًا شاحبًا، يستمعون إلى الموسيقى والأغاني الحزينة، لا يتعاطون المخدرات، ولا يعبدون الشيطان كما روّج عنهم، بل يمكن القول إنهم جماعة حوربت في كثير من الدول، وبقرار رسمي، واعتبروا مجانين يجب حماية المجتمع منهم، خاصة وأنهم يتصفون بالتشاؤم والحزن والصمت والخجل والاكتئاب، ويفكرون بالانتحار، ويقدمون عليه.

ظاهرة تعا لهون والسجال الدائر اجتماعيًا وسياسيًا في ألمانيا
صارت الظاهرة قضية مهمة بالنسبة للإعلام الألماني، ومجال دراسة وبحث بالنسبة لعلماء الاجتماع، وموضوع سجال سياسي، خاصة بالنسبة للأحزاب اليمينية.
ما هي النقاط التي يركز عليها الإعلام والأحزاب اليمينية، بل وقسم من الشعب الألماني، خاصة بعدما صارت "تعا لهون" مثل "لوغو" يشهره كثير من الشباب العرب أو المهاجرين على تيكتوك؟ توصف بأنها عنيفة ومتحيزة جنسيًا؟ وصفت صحيفة "بيلد" واسعة الانتشار هذه الظاهرة بأنها "اتجاه مثير للاشمئزاز على تيكتوك".

تعدّ المراهقة أكثر مراحل الإنسان العمرية حساسية ومفصلية

في بعض مقاطع الفيديو تحت هذا الشعار، يتم في الواقع إعادة إنتاج صورة إشكالية للمرأة: "أنتَ بحاجة إلى واحدة للطهي، واحدة للتنظيف... إلخ". بل يقول أحد المنتمين إلى هذه الظاهرة، في أحد الفيديوهات الكثيرة المنتشرة حولها، في ردّ على سؤال المحاوِرة فيما لو كان يسمح لشريكته بالذهاب إلى السباحة، بأنه لا يسمح لها، حتى مع صديقاتها، فهي له فحسب.
يستخدم هذا المصطلح الآن أيضًا من قبل اليمينيين للحط من قدر مجموعة كاملة من الناس، وخاصة الشباب من أصل عربي. المصطلح هو مصطلح جديد، لا يوجد تعريف ثابت له. لا يمكن تحديد معنى المصطلح إلا من خلال المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. في المنشورات، غالبا ما يتم تصوير الشخصية على أنها عدوانية، تؤدي حركات عنيفة من لكم وركل في الهواء.
"تدور الفيديوهات حول الحياة في الشوارع والعنف والجريمة. ثقافة الشباب: حضري، شبه قوي إلى مجرم صغير، يركز على رموز الحالة المادية، التي تتميز بأفكار مبالغ فيها عن الذكورة، شخصية مبتذلة على TikTok والشبكات الأخرى يمكن التعرف عليها من خلال لغتها وأسلوب ملابسها"- على هذه الشاكلة يوصف مراهقو الظاهرة في قسم كبير من المنشورات، وتعتمد هذه التقارير أو التحقيقات على تلقّي الفيديوهات المنتشرة على المواقع، ففي أحدها يركض مهاجر شاب إلى الصورة وهو يصرخ: "هناك أربعة أنواع فقط من النساء، واحدة للطبخ، وواحدة للتنظيف، وواحدة لممارسة الجنس، وبواحدة يمكنك أن تفعل ما تريد". وفي آخر يجيب مهاجر شاب في نورمبرغ على سؤال كيف يتخيل فتاة أحلامه: "لا يسمح للمرأة بالخروج، يجب أن تكون ربة منزل، ربة منزلي".




ربما أسيء فهم المنشورات الساخرة في الأصل من قبل مستخدمي TikTok عمدًا، واستخدمت على أنها وثيقة تدعو إلى الخوف من اضمحلال ثقافة الجمهورية الفيدرالية وقيمها، وإثارة المشاعر ضد الشباب ذوي الخلفية المهاجرة وحتى للمطالبة بالترحيل، بل تدعو حسابات إنستغرام اليمينية المحافظة إلى ترحيل جميع من ينتمون إلى "تعا لهون".

كيف يستنبط المصطلح ويدخل القاموس
أطلق مصطلح تعا لهون استنادًا إلى الأغنية المذكورة في البداية، والتي دافع عنها المغني لاحقًا بأنها تصوّر الواقع، ثم شيئًا فشيئًا أخذ يتجسد في شكل تعبير اصطلاحي يحمل كثيرًا من الدلالات المفهومية والقيمية والثقافية، وصار يستخدم كمرادف لكلمة "كاناكي"، وهي كلمة ازدرائية في الغالب في اللغة العامية الألمانية تلصق بالأشخاص من جنوب شرق أوروبا والشرق الأدنى والأوسط وشمال أفريقيا، ولقد استخدمت في البداية للإشارة إلى الإيطاليين والإسبان واليونانيين في وقت استقدام العمال الضيوف في ستينيات إلى سبعينيات القرن العشرين.
انتقلت الكلمات اليونانية في ما مضى إلى اللغة الألمانية، في وقت لاحق كانت الإنجليكية، ومؤخرا هناك كلمات عربية يشيع استخدامها، خاصة بين الشباب، مثل "yallah" أو "إن شاء الله" أو "حبيبي" في اللغة العامية. الآن مصطلح جديد يشق طريقه إلى الألمانية: "تالاهون". لا يمكن لأي شخص نشط على Tiktok تجنب ذلك. يتم تناول التعبير في عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو وقد وجد طريقه إلى مفردات الشباب. وفي عدد من وسائل الإعلام التي تتحدث عن ذلك وتسأل: من، أو ما هو "تالاهون"؟
ومعروف أن هناك متخصصين يتابعون المفردات الجديدة المستخدمة في الشارع، في مقاطع الفيديو، في الصحف، في التشات، والكلمات التي تصبح "ترند" أو مستخدمة بشكل كبير تدخل القاموس الألماني.
مؤسف أن يصبح مصطلح تالاهون وسمًا يخص المهاجرين من العرب والمسلمين، بما يحمل من مدلولات ثقافية تعدّ سلبية بالنسبة إلى العصر الحالي، ليس بالنسبة للألمان فحسب، بل لجميع الشعوب، بما تحمل فيديوهاتها، التي تترجم إلى سلوك على الأرض وظاهرة واقعية يقلدها المراهقون باضطراد، من ترويج لأفكار تتعارض مع قيم الإنسان الحديث التي ترمي إلى ترسيخ قيم المساواة وعدم التمييز وإنصاف المرأة وصون الحقوق والقضاء على اللغة العنفية. وسم يشير إلى شاب من خلفية مهاجرة، يمضي وقتًا في الأماكن العامة في المدن الكبيرة، يحط من شأن النساء، يمجد القيم الذكورية، يستفز الآخرين، يقوم بحركات ويلكم في الهواء ويؤدي رقصات فوضوية ويبصق على الأرض، وعادة ما يرتدي أزياء فاخرة مزيفة ويبدو عدوانيًا، هكذا تصفه المواقع المناهضة للهجرة، بل تزيد على وسائل التواصل الاجتماعي بأسلوب يركّز على تضخيم هذا السلوك وإضفاء أحكام قيمة سلبية عليه: "انظر إلى هؤلاء المهاجرين السيئين" ثم تطالب بالترحيل، مشفوعة بتعليقات أحيانا مثل "سأدفع مقابل رحلة العودة" أو مع مقاطع فيديو يمكن فيها رؤية البحيرات الجبلية وأماكن الاستجمام والطبيعة الجميلة تحت عنوان: "أماكن بدون تالاهون".
يعيدنا هذا الواقع إلى مفهوم الاندماج، والسياسة التي اتبعتها ألمانيا تجاه هذا الأمر، إذ تتعرض للانتقادات، والدعوة إلى التقويم الذاتي، كما يقول موظف في وزارة داخلية إحدى الولايات لصحيفة "بيلد": "إنها حركة جديدة تمامًا للشباب لها اسم. يجب علينا الآن أن نراقب عن كثب ما إذا كانت سياسة الاندماج الفاشلة تتجلى هنا".
في المقابل تتجه أعداد ليست قليلة من المسلمين إلى الانعزال عن المجتمعات، مع توافر إمكانية لذلك بسبب الأعداد الغفيرة التي تمكّنهم من إيجاد كيانات معزولة ومنفصلة، فيرتبطون ببعضهم أكثر من اندماجهم بالمجتمع الكبير، هذا ما يمكن ملاحظته في حي نوكولن في برلين، وفي ما يسمى بـ "شارع العرب"، إذ يقدم صورة جلية عن هذا الانعزال والعيش في ما يشبه الـ "كانتونات"، مع الإصرار على تربية أولادهم وفق منظوماتهم الثقافية التي نشأوا عليها، مع الإهمال الواضح لمشكلة "انفجار المراهقة" لدى أبنائهم وعدم القدرة على مدّ جسور فيما بينهم. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.